logo logo

مجلة شهرية عربية عالمية , مجلة البيلسان

أهلا بكم

العنوان : شارع

Call: 960-963-963 (Toll-free)

[email protected]
مختارات أدبية

القرامطة يدخلون مكة عنوة ويأخذون معهم الحجر الأسود من البيت الحرام العام الهجري 317 الشهر القمري ذو الحجة


لم يَشعُر الحُجَّاجُ في هذا العامِ إلَّا وأبو طاهرٍ سُلَيمانُ الجنابي القرمطي- لعنه الله-  قد خرج عليهم في جماعتِه يومَ الترويةِ، فانتهب أموالَهم واستباح قتالَهم، فقتَلَ في رحابِ مَكَّة وشعابِها وفي المسجِدِ الحرامِ وفي جوفِ الكعبةِ مِن الحُجَّاجِ خَلقًا كثيرًا، وجلس أميرُهم أبو طاهرٍ- لعنه الله- على باب الكعبة، والرجالُ تُصرَعُ حوله، والسيوفُ تَعمَلُ في الناس في المسجدِ الحرام في الشَّهرِ الحرام في يومِ التَّروية، فكان الناسُ يَفِرُّون منهم فيتعَلَّقونَ بأستار الكعبة فلا يُجدي ذلك عنهم شيئًا، بل يُقتَلون وهم كذلك، فلما قضى القرمطي- لعنه الله- أمْرَه، وفعل ما فعل بالحَجيجِ مِن الأفاعيلِ القبيحة، أمَرَ أن تدفن القتلى في بئرِ زمزم، ودفَنَ كثيرًا منهم في أماكِنِهم من الحرم، وفي المسجِدِ الحرام، وهدم قُبَّة زمزم وأمر بقلعِ باب الكعبةِ، ونزع كِسوتَها عنها، وشَقَّقَها بين أصحابه، وأمر رجلًا أن يصعد إلى ميزاب الكعبة فيقتَلِعَه، فسقط على أمِّ رأسِه فمات إلى النَّار، فعند ذلك انكَفَّ الخبيث عن الميزاب، ثم أمر بأن يُقلَعَ الحجَرُ الأسود، فجاءه رجل فضربه بمِثقلٍ في يده، وقال: أين الطيرُ الأبابيلُ، أين الحجارةُ من سِجِّيل؟ ثم قلع الحجَرَ الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادِهم، فمكث عندهم ثنتين وعشرين سنة حتى ردُّوه، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجِعونَ، ولَمَّا رجع القرمطي إلى بلادِه ومعه الحجر الأسود وتبعه أميرُ مَكَّة هو وأهل بيتِه وجُنده، وسأله وتشفَّعَ إليه أن يرُدَّ الحجَرَ الأسود ليُوضَعَ في مكانه، وبذَلَ له جميعَ ما عنده من الأموالِ، فلم يلتَفِتْ إليه، فقاتله أميرُ مكَّةَ فقَتَله القرمطي، وقتَلَ أكثَرَ أهلِ بيته، وأهل مكة وجنده، واستمَرَّ ذاهبًا إلى بلاده ومعه الحجَرُ الأسود وأموالُ الحجيج، وذكر ابن الأثير أنَّ عُبيدَ الله المهدي بإفريقيةَ كتب إلى أبي طاهرٍ يُنكِرُ عليه ذلك ويلومُه ويلعَنُه، ويقيم عليه القيامة، ويقول: قد حَققتَ على شيعتِنا ودُعاةِ دَولتِنا اسمَ الكُفرِ والإلحادِ بما فعلْتَ، وإن لم تَرُدَّ على أهلِ مَكَّةَ وعلى الحُجَّاجِ وغَيرِهم ما أخذتَ منهم، وتَرُدَّ الحَجَرَ الأسودَ إلى مكانه، وتَرُدَّ كِسوةَ الكعبةِ، فأنا بريءٌ منك في الدُّنيا والآخرة. فلمَّا وصَلَه هذا الكتابُ أعاد الحجرَ الأسودَ على ما نذكُرُه، واستعاد ما أمكَنَه من الأموالِ مِن أهل مكة، فرَدَّه، وقال: إنَّ النَّاسَ اقتَسَموا كِسوةَ الكَعبةِ وأموالَ الحُجَّاج، ولا أقدِرُ على مَنعِهم.