سارَ قُتيبةُ بن مُسلِم إلى بُخارَى مَرَّةً أُخرى, فأَرسَل مَلِكُها يَسْتَنْصِر مَن حَولَه، ولكنَّ قُتيبةَ اسْتَطاع فَتْحَها هذه المَرَّة، ولمَّا فَتَحَها اسْتَأْذَنه نَيْزَك طَرْخان في الرُّجوع إلى بِلادِه -وكان نَيْزَك قد أَسلَم وسُمِّيَ بعبدِ الله- فأَذِنَ له، فرَجَع إلى طُخارِستان، فعَصى وكاتَبَ مَن حَولَه، وجَمَع الجُموعَ، فزَحَف إليه قُتيبةُ، وانْتَصَر عليهم بعدَ قِتالٍ شَديدٍ وحَرْبٍ يَشيبُ لها الوَليد، وذلك أنَّ مُلوكَهم كانوا قد اتَّعَدوا مع نَيْزَك في العام الماضي أن يَجْتَمِعوا ويُقاتِلُوا قُتيبةَ، وأن لا يُوَلُّوا عن القِتال حتَّى يُخْرِجوا العَربَ مِن بِلادِهم، فاجْتَمَعوا اجْتِماعًا هائِلًا لم يَجْتَمِعوا مِثلَه في مَوْقِف، فكَسَرَهُم قُتيبةُ وقَتَلَ منهم أُمَمًا كَثيرَة، وَرَدَّ الأُمورَ إلى ما كانت عليه، ثمَّ لا يَزال يَتَتَبَّع نَيْزَك خان مَلِكَ التُّركِ الأَعظَم مِن إقْليم، إلى إقْليم، ومِن كَوْرَة إلى كَوْرَة، ومِن رِسْتاق إلى رِسْتاق، ولم يَزَل ذلك دَأْبُه حتَّى حَصَرَه في قَلعَةٍ هنالك شَهرَين مُتَتابِعَين، حتَّى نَفَذَ ما عند نَيْزَك خان مِن الأَطْعِمَة، وأَشرَف هو ومَن معه على الهَلاكِ، فبَعَث إليه قُتيبَة مَن جاء به مُسْتَأْمِنًا مَذْمومًا مَخْذولًا، فسَجَنَه عنده ومَن معه, فاسْتَشار قُتيبةُ الأُمَراء في قَتْلِه، فاخْتَلَفوا عليه، فقائِلٌ يقول: اقْتُلْهُ. وقائِلٌ يقول: لا تَقْتُلْهُ. فقال له بَعضُ الأُمَراء: إنَّك أَعْطَيْتَ اللهَ عَهْدًا أنَّك إن ظَفَرت به لتَقْتُلَنَّه، وقد أَمْكَنَك اللهُ منه، فقال قُتيبةُ: والله إن لم يَبْقَ مِن عُمُري إلَّا ما يَسَعُ ثلاثَ كَلِمَات لأَقْتُلَنَّه، ثمَّ قال: اقْتُلوه. فقُتِل، جَزاءَ غَدْرِه ونَقْضِه الصُّلْحَ.
الأقسام الرئيسية
الأكثر مشاهدة من نفس التصنيف
الرأي الأخر
0