الانهيارات الأرضية Mass Wasting
تنجذب المواد إلى أسفل بفعل الجاذبية الأرضية فى كل مكان على سطح الكرة الأرضية، ولا يقاوم قوة الجاذبية إلا صخر الأساس الثابت جيداً فى مكانه، وعندما يصبح سفح الجبل شديد الانحدار تنكسر كتل صخر الأساس بحرية وتتساقط أو تنزلق إلى مواضع جديدة تستقر بها، وعندما يشتمل هذا الانزلاق على كتل كبيرة من صخر الأساس، فإنها تسبب خسائر فاجعة فى الأرواح أو تدفن مدن وقرى.
ولأن التربة والغلاف الصخرى Reglith وكثير من أشكال الإرساب درجة تماسكها ضعيفة، فإنها أكثر عرضة للتحرك بقوى الجاذبية من صخر الأساس، والحركة على معظم السفوح إلى أسفل؛ حيث ينزلق الغلاف الصخرى ويتدفق بسرعة بفعل الجاذبية والمسماه الانهيارات الأرضية، وهي واحدة من أهم عمليات نحت سطوح القارات.
العوامل المساعدة على الانهيارات الأرضية :
الجاذبية هى القوة المتحكمة فى الانهيار الأرضى، لكن تلعب عوامل عديدة دوراً هاماً فى التغلب على القصور الذاتى والحركات المندفعة إلى أسفل من هذه العوامل تشبع الصخور بالماء، وشدة انحدار السفوح، وإزالة الغطاء النباتى القديم، والاهتزازات الأرضية بفعل الزلازل والانفجارات البركانية، وتتمثل العوامل المساعدة على الإنهيارات الأرضية في:
1– دور المياه:
عندما تمتلىء مسام الصخور الرسوبية بالماء يقل الالتحام بين الحبيبات فتنزلق بسهولة نسبياً، فمثلاً عندما تضاف مياه كافية لتملىء الفراغات بين حبيبات الرمل تتحرك هذه الحبيبات فى كل الاتجاهات؛ حيث أن التشبع يقلل المقاومة الداخلية للمواد مما يجعل حركتها سهلة بفعل قوة الجاذبية، كذلك الصلصال Caly عندما يتبلل بالماء يصبح زلق جداً، ولأن المياه تضيف إلى كتلة المادة وزن إضافى فإنها تساعد على انزلاق المادة على السفح إلى أسفل.
2– شدة انحدار السفوح :
وتوجد مواضع كثيرة فى الطبيعة ذات جوانب شديدة الانحدار مثل حوائط جوانب الأودية أو جروف البحار، وعندما يعمل الإنسان على زيادة شدة انحدار بعض المناطق، تكون الجزيئات المحببة غير المتماسكة سفح ثابت يسمى بزاوية الاستقرار Angle of Repose، وهى أشد الزوايا انحدار والتى تبقى عندها المادة ثابتة، واعتماداً على شكل وحجم الحبيبات تتراوح الزوايا ما بين 25 5 ـ 40 5 درجة، وكلما كانت الحبيبات أكبر وحادة الزوايا تحتفظ السفوح بانحدارٍ أشد، وإذا زادت الزاوية سوف تتحرك مفتتات الصخور إلى أسفل السفح لتعيد له التوازن.
3- الغطاء النباتى : Vegetation
تحمى النباتات السفوح من التعرية وتساهم فى ثبات السفوح لأن نظامها الجذرى يجعل التربة والغطاء الصخرى يتحدان معاً، فإن نقص النباتات يزيد الانهيار الأرضى خاصة إذا كانت السفوح شديدة الانحدار والمياه متوفرة، وعندما يزال الغطاء النباتى القديم عن طريق حرائق الغابات أو بواسطة الإنسان، تتحرك مواد السطح أسفل السفح.
4– الزلازل :
هى واحدة من الحالات التى تساند الانهيار الأرضى وقد توجد فى منطقة ثابتة لوقت طويل بدون حركة، ولكي تفقد هذا الثبات لابد أن تحدث حركة مساعدة مثل الزلازل أو الانفجارات البركانية، حيث يمكن للهزات الزلزالية وتوابعها أن تحرك كميات هائلة من الصخور والمواد غير المتماسكة، وتسبب هذه الانزلاقات خسائر هائلة.
تصنيف عمليات الانهيارات الأرضية :
يتم تصنيف الأنماط المختلفة للانهيارات الأرضية علىأساس نوع المواد، ونوع الحركة وسرعتها إلى مجموعتين:
المجموعة الأولى: الانهيارات الأرضية السريعة (الحركات السريعة).
المجموعة الثانية: الانهيارات الأرضية البطيئة (الحركات البطيئة).
أولاً: الحركات السريعة : Rapid Movement
يتحرك الصخر والمفتتات أسفل السفح بسرعة تزيد عن 200 كيلو متر فى الساعة، معظم هذه الأنماط السريعة من الحركة تسمى الانهيارات الصخرية Rock Avalanche، وتنقسم هذه الحركات إلى أربعة أنواع هى:
1 – الانزلاق الثانوى : Slump
يمكن أن تنزلق كتلة صخرية أو مادة غير متماسكة تتحرك كوحدة على طول سفح منحنى، كما يتضح من الشكل رقم (42)، وعادة لا تتحرك المادة المنزلقة بسرعة مذهلة ولا إلى مسافة بعيدة، وإذا كانت المواد متماسكة وسميكة مثل الصلصال، خاصة إذا كان سطح التمزق Rupture Surface مقعر إلى أعلى وإلى الخارج وزلق مثل الصابون، وعند حدوث الحركة تتكون حافة تشبه الهلال عند القمة وأحياناً يكون سطح الكتلة العلوى مائل فى اتجاه عكسى، ومع أن الانزلاق ربما يشتمل كتلة مفردة، فإنه غالباً يتكون من كتل متعددة، وأحياناً تتجمع المياه بين قاعدة الحافة وأعلى الكتلة المائلة، ولأن هذه المياه تتسرب أسفل وعلى طول سطح التمزق، فإنه ربما يعزز حركة الكتلة.
وتحدث هذه الانزلاقات عموماً بسبب شدة انحدار السفح، وأن المادة التى توجد فى الجزء العلوى من السفح تبقى فى مكانها محدودة بالمادة التى فى قاع السفح، وعندما تزال المادة القديمة عند القاعدة، فإن المادة العليا تتحرك إلى أسفل بفعل الجاذبية، وتكثر هذه الظاهرة فى منعطفات الأنهار عندما يشرف جانب الوادى شديد الانحدار على الجانب المقعر، مثال آخر لهذه الانزلاقات على جروف السواحل، كما يحدث هذا النوع من الإنزلاقات عندما توجد طبقة من الصلصال أسفل طبقات صلبة، وتكون هذه الطبقة الضعيفة مشبعة بالمياه.
2- الانزلاق الصخرى : Rock Slide
تحدث الانزلاقات الصخرية عندما تنكسر وتنفك كتل من صخر الأساس وتنزلق أسفل السطح، الشكل رقم (29)، أما إذا كانت المواد المنزلقة غير متماسكة فيسمى بانزلاق الحطام Debris Slide، وعادة يحدث الانزلاق الصخرى فى وضع جيولوجى تكون فيه طبقات الصخر مائلة، أو عندما تكون المفاصل Joints والشقوق موازية للسفح، عندما تنفصل كتل صخر عند قاعدة السفح تفقد الكتلة اتصالها بالصخر وتنهار، أو عندما تزيت الأمطار والثلج الذائب سطح الانفصال فى المفاصل بحيث لا يوجد احتكاك كافى لإمساك الكتلة الصخرية فى مكانها، وتكثر هذه الظاهرة فى فصل الربيع حيث الأمطار الغزيرة والثلوج الذائبة متوفرة، ومن العوامل التى تساعد على حدوث الانزلاقات الصخرية الزلازل.
3– تدفق الحطام : Debris flow
نوع من أنواع الانهيارات الأرضية السريعة مثل تدفق التربة والغطاء الصخرى المحتوية على كمية كبيرة من المياه، ويسمى تدفق الحطام أيضا اسم التدفقات الطينية Mudflows، والتى تمثل ظاهرة هامة فى المناطق شبه الجبليـة شبه الجافة وأيضا على سفوح بعض البراكين، وتحدث فى مناطق الخوانق والقنوات المائية، وتسبب خسائر فادحة فى المناطق المأهولة بالسكان سواء فى حياة السكان أو ممتلكاتهم. ويمكن تقسيمها إلى قسمين تبعاً لمكان حدوثها على النحو التالى:
1– تدفقات الحطام فى المناطق شبه الجافة: تسبب الأمطار الغزيرة المفاجئة وذوبان الثلوج فى الجبال فيضانات مفاجئة فى المناطق شبه الجافة، لذلك تغسل كميات ضخمة من التربة والحطام الصخرى إلى المجارى المائية المجاورة بسبب قلة الغطاء النباتى على السطح، وينتج فى نهايته لسان من الطين المتماسك، أو التربة الصخرية والماء، لذلك لا يعتمد معدل التدفق على طبيعة السفح ولكن أيضاً على المحتوى المائى، وعندما تكون التدفقات الطينية كثيفة فإنه يمكنها حمل ودفع جلاميد ضخمة وأشجار وحتى منازل.
من المناطق التى تتعرض لمخاطر التدفقات تلك المناطق الجبلية الجافة، ويزيد من معدلات حدوث هذه الظاهرة تشييد المنازل على جوانب التلال وإزالة الغطاء النباتى الأصلى بالحرائق، كل هذا يزيد من آثارهذه التدفقات المدمرة. وعندما يصل تدفق الحطام إلى أسفل السفح فإنه ينتشر ليكون إرسابات تشبه المروحة الفيضية .
2– تدفقات الحطام على سفوح البراكين (اللاهارز): Lahars
تسمى تدفقات الحطام على سفوح بعض البراكين باللاهارز Lahars، كلمة أندونيسية تطلق على منطقة البركان التى تحدث بها مثل هذه الأحداث المدمرة، ويحدث اللاهارز عندما توجد طبقات غير ثابتة بها كميات كبيرة من الرماد البركانى والحطام ومشبعة بالمياه فإنها تتدفق إلى أسفل على جوانب سفوح البراكين شديدة الانحدار، تتدفق فى شكل يشبه المجارى المائية بسبب جرف الأمطار الغزيرة للرواسب البركانية المنحوتة، وبعضها الآخر يسببه ذوبان كميات كبيرة من الجليد والثلوج بصورة مفاجئة، أوعندما ترتفع درجة الحرارة على السطح نتيجة تسربها من البركان أو من الغازات الساخنة، أو أثناء ذوبان الحطام فى الانفجارات العنيفة.
4– التدفق الأرضى: Earth Flow
تحدث تدفقات الحطام كما سبق القول لتكون مجارى فى المناطق شبه الجافة، بينما على العكس التدفقات الأرضية تتكون غالباً على جوانب التلال فى المناطق الرطبة أثناء الأمطار الغزيرة وذوبان الثلوج، وعندما تتشبع التربة والغطاء الصخرى على جوانب التلال تنزلق المادة تاركة أثر على السفح ومكونة كتلة تشبه اللسان أو الدمعة المدلاة إلى أسفل السفح ، وتتميز المادة المنزلقة أنها غنية فى الصلصال والغرين Silt، إلى جانب نسب صغيرة من الرمل والحبيبات الخشنة.
وتتراوح التدفقات الأرضية فى الحجم من كتل طولها أمتار قليلة وعرضها أمتار قليلة أيضاً وسمكها أقل من متر واحد، إلى كتل طولها كيلو متر واحد وعرضها مئات المترات وسمكها أكثر من 10 أمتار، ولكن التدفقات الأرضية لزجة نوعاً فهى أبطأ الحركات الأربعة السريعة، وقد تستمر مدة التدفق من بين أيام وسنين، وتقاس سرعة هذه التدفقات على أساس شدة انحدار السفح ومكونات المواد المتدفقة، ومن ثم تتراوح سرعتها ما بين الملليمتر كل يوم إلى عدة مترات فى اليوم، وتزيد سرعة هذه التدفقات أثناء الفترات المبللة (فترات سقوط الأمطار) أكثر من الأوقات الجافة.
كما يوجد نمط تدفق أرضى خاص يعرف باسم السيولة Liquefaction، والتى ترتبط بحدوث الزلازل، وتعتبر الرواسب الصلصالية إلى الرواسب الرملية المسامية المشبعة بالمياه أنسب المواد للتدفقات الأرضية، فعند حدوث الهزات الفجائية تفقد الحبيبات تماسكها وتتدفق الأرض.
ثانياً: التدفقات البطيئة: Slow Movements
تحرك الحركات الفجائية علي السفوح مواد أقل من الحركات البطيئة التى يمثلها زحف التربة لكنها تستغرق وقتاً طويلاً، وبينما تحدث الحركات السريعة للانهيارات الأرضية على سفوح الجبال والتلال الشديدة الانحدار، يحدث الزحف على سفوح لطيفة وفى مساحات شاسعة.
1– زحف التربة : Creep
يشتمل على حركة التربة والغطاء الصخرى أسفل التل، يرجع احد أسباب زحف التربة إلى تمدد وانكماش مواد السطح نتيجة التجمد والذوبان أو التبلل والجفاف، حيث يرفع التجمد أو الذوبان الحبيبات فى زوايا قائمة على السفح، ويسمح الذوبان والجفاف بسقوط الحبيبات مرة ثانية لمستوى أخفض نوعاً، وتتحرك فى كل دورة الحبيبة مسافة قصيرة، وربما ينشأ زحف التربة إذا كانت الأرض مشبعة بالماء؛ حيث أن الأمطار الغزيرة وذوبان الثلوج تشبع التربة بالماء وتجعلها تفقد تماسكها الداخلى، مما يسمح للجاذبية أن تسحب المواد إلى أسفل السفح، ولأن هذه الحركة بطيئة فإنه ليس من السهل ملاحظتها فى الطبيعة، ولكن ما يمكن أن يلاحظ هو تأثيرات الزحف؛ حيث تميل السياجات (الأسوار) وأعمدة التليفونات والتلغراف وأعمدة الكهرباء والأشجار أو إزاحة حوائط الحماية علي جوانب الطرق.
2– إنزلاق التربة : Solifluction
نوع من الانهيارات الأرضية يشيع وجودها فى مناطق طبقة الصخر السفلية المتجمدة، وتشير الطبقة المتجمدة إلى التجمد الأرضى الدائم الذى يحدث مرتبطاً بالتندرا القاسية ومناخات الغطاء الجليدى، ويحدث الانزلاق في الطبقة التي تعلو الطبقة المتجمدة والتى تسمى الطبقة النشطة Active Layer ، والتى تتجمد فى الشتاء وتذوب فى الصيف، وعندما يذوب الجليد فى الصيف لا تستطيع المياه الناتجة أن تتسرب فى الباطن بسبب وجود الطبقة المتجمدة أسفلها، ومن أجل هذا تتشبع الطبقة النشطة ويمكن أن تنزلق بسهولة، وكثيراً ما تحدث هذه الانزلاقات على سفوح لطيفة الانحدار بدرجات انحدار تتفاوت ما بين 2 5 ـ 3 5 درجة حيث توجد النباتات الطبيعية فى شكل سجادة، ويمكن أن تحدث الانزلاقات فى فرشات متتابعة .