تركيب المحيطات الطبيعي
يشبه تركيب المحيطات إلي حد كبير كتاب تاريخ كل جزء منه يمثل قسم مختلف من قصة الحياة علي سطح الأرض، ويرجع السبب في ذلك للطبيعة القديمة للمحيطات والتي ترجع على الأقل إلي حوالي 4.5 بليون سنة مضت، وكونها المكان الذي بدأت فيه الحياة، والأكثر أهمية من ذلك أن معرفة تركيب المحيطات يعطينا دليل علي وظيفتها، مما تقدم نجد أنه هنالك ثلاثة محاور رئيسية لدراسة تركيب المحيطات هي: علم طبقات الأرض أو جيولوجية المحيطات، ودراسة رواسب قيعان المحيط، والعمليات التي تحدث بالمحيطات.
يدرس علم طبقات الأرض (الجيولوجيا) الصخور المكونة لقاع المحيط وجوانبه، وتعطينا هذه الدراسة فكرة مهمة عن موارد المحيطات وأين تتوفر، وتساعدنا أيضاً على فهم الطريقة التي تكونت بها الكرة الأرضية، النطاقات الطبيعية المختلفة بالمحيطات. وعند دراسة رواسب المحيطات يمكن التعرف علي أنها تأتي من أحد المصادر الثلاثة التالية: 1- جزيئات الصخر المجواه. 2- تحلل الحياة البحرية. 3- التفاعلات الكيماوية داخل البحر، والتعرف علي توزيع هذه الأنواع الثلاثة ومقاديرها في أي عينة تعطينا مفاتيح حيوية عن أصل هذه الرواسب، و في بعض الحالات عن الأحوال البيئية المتغيرة علي السطح خاصة تغيرات درجة الحرارة.
تمثل العمليات المحور النهائي للتركيب الطبيعي للمحيطات وهي عمليات الألواح التكتونية، والهوامش القارية و الساحلية؛ حيث تشكل الألواح التكتونية خصائص محيطات الأرض، بينما الهوامش القارية ذات سمات إقليمية رئيسية تأثر علي الإنسان جداً من حيث كونها خصائص جغرافية وأو مصادر لمعظم موارده البحرية.
خصائص مياه البحار والمحيطات:
تشكل مياه البحار والمحيطات حوالي 97.4٪ من مجموع الغلاف المائي، وتؤثر الخصائص الطبيعية لماء البحر تأثير كبير علي النظام البيئي البحري وخصائص الهواء والتي تعمل كأنظمة أرضية من هذه الخصائص:
1- الحرارة:
تستمد المياه حرارتها من اشعة الشمس، تعتبر الحرارة النوعية للماء مرتفعة، حيث يكتسب الماء الحرارة ببطء ويفقدها ببطء، ولهذا فإن تأثير ماء البحر في تعديل درجة الحرارة أكثر أهمية من الغلاف الجوي، ويرجع السبب في ذلك إلي أن المياه أقل تأثرا بالفروق اليومية والفصلية للحرارة من القارات، وإن كانت كثير من العمليات التي تحدث في الغلاف الجوي تحدث أصلاً في المحيطات. يقسم الإشعاع الشمسي الواصل إلي سطح الأرض مياه المحيطات إلي ثلاثة نطاقات: الطبقة السطحية, والنطاق الأوسط أو نطاق الهبوط الحراري (حيث تهبط درجة الحرارة بشدة) ونطاق الماء العميق، ويتكرر هذا النمط بالنسبة للملوحة والكثافة (الشكل رقم 2)، وتقتصر الطبقة السطحية أساساً علي المحيطات المفتوحة وتقل بها درجة حرارتها بالعمق وبالبعد عن دائرة الاستواء نحو القطبين، بينما ينعكس نطاق الهبوط الحراري إلي أسفل فقط عند المنطقة الاستوائية، بينما تمتد درجات حرارة الطبقات العميقة حتى تصل إلي السطح عند القطبين فقط، ويتأثر هذا النمط بتيارات المحيط العميقة التي تنقل الغذاء من الأعماق إلي أعلى فتعج البحار القطبية القاسية بالحياة. كما تؤثر التيارات البحرية في درجة حرارة مياه المحيطات ضمن خط العرض الواحد ما بين شرق وغرب المحيطات.
2- الملوحة:
تتمثل في كمية الأملاح الذائبة في ماء البحار، ويصل متوسط نسبتها إلي 35 .٪ معظمها من كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) بنسبة 77٪ من وزن الأملح في ماء البحار ، وتختلف نسبة الملوحة بالمياه السطحية باختلاف دائرة العرض في نفس المحيط ومن مكان لآخر، كما تتزايد بالعمق حتى عمق 2000متر وبعد ذلك تثبت حتى القاع. لا يوجد بالبحار ملح واحد فقط لكن عدد من الأملاح مختلفة الأصول. لا تبقى الأملاح كما هي إلى الأبد (باستثناء الكلوريدات). إن فترة بقاء الأملاح علي حالتها قبل أن تتغير إلي نوع آخر قد تصل إلي حوالي 100 سنة للألمنيوم وإلى 26,000,000 سنة للصوديوم. تناقص درجة الحرارة مع العمق وعلي العكس ترتفع الملوحة والكثافة.
3- الكثافة:
ترتفع كثافة مياه البحار بسبب ما تحتويه من الأملاح، ويبلغ متوسط كثافتها 1.026 وحدة (*)، وكلما ارتفعت الملوحة زادت الكثافة، ولأن الكثافة تتأثر بالحرارة فإنها ترتفع إلي حدها الأقصى عند درجة –3.5 °م تحت الصفر، مما يؤدي رفع الكثافة بالهبوط إلي أسفل، بينما تنخفض مع ارتفاع الحرارة.
(*) وحدة الكثافة= (1) وهي كثافة المياه العذبة.
4- الضغط واللون:
يعتبر ضغط ماء البحر أكبر بكثير من الضغط الجوي، حيث يصل ضغط ماء المحيط العميق إلي 1000 مرة أكبر من الضغط الجوي علي سطح
الأرض وبذلك يحدد أشكال الحياة التي تحيي علي سطح الأرض وبالمحيطات. يستطيع الضوء أن يخترق ماء المحيط لأبعد مسافة ممكن، ففي حالات الميـاه الصافيـة تصل كمية الضوء علي عمق متر واحد إلي 45٪ من مقداره علي سطح الماء، وينخفض هذا القدر إلي 18٪ إذا كانت السماء ملبدة بالسحب ومياه الساحل عكرة. سيتغير لون الماء أيضاً بالعمق والذي يسببه توزيع نطاقات طحالب مختلفة الألوان عند الساحل. يستخدم الصوت كوسيلة من وسائل الاتصال المهمة لكل من الحيوانات والبشر، حيث تستطيع بعض الثدييات في البحر الاتصال ببعضها على بعد مئات الكيلومترات، بينما يستخدم الإنسان أداة الكشف الأعماق، والسونار لرسم خرائط طبوغرافية وتحديد أماكن الأشياء المهمة بقاع المحيط، لأن سرعة الصوت والضغط يتفاوتان بالعمق أكثر من أية خواص أخري بالبحر.
5- كيمياء ماء البحر:
يعتبر الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون الغازات الأكثر أهمية في تحديد عملية الذوبان في ماء البحر والتأثير على كل من الكيمياء و الأحياء فيها. يتغير تركيز كلاهما بالعمق ودرجة حرارة الماء. ترتبط حياة نبات معين بمناطق يكون بها الأوكسجين الغاز الأكثر توفرا. تعمل كيمياء ماء بحر علي تحويل ثاني أكسيد الكربون إلي كربونات (عادة كربونات الكالسيوم أو الطباشير / الحجر الجيري). عندما حدث ذلك في الماضي ترسبت طبقات واسعة من الطباشير. في الأزمنة الحديثة، اكتشفنا أن الزيادة في مستويات ثاني أكسيد الكربون تزيد مستويات التكربن.
6- حركة ماء البحر:
أخيرا ننتقل إلى توزيعات كل من حركة مياه البحر السطحية والعميقة والمرتبطة ببعضها، نلاحظ أن كل من المحيطات الرئيسية لها غالباً سلسلة تيارات دائرية (تسمي بالحركة الدائريةGyres ) التي ترتبط بالتيارات الهوائية، وهي حركات دائرية وليست ككتل ماء منفردة. تظهر هذه الحركات اختلافات رأسية وأفقية، بينما حتى على السطح فإن المناطق المختلفة لها خصائص مختلفة. نأخذ حركات الأطلسي الشمالي الدائرية كمثال للدراسة فنجد أن تيار الخليج هو الحد الغربي لحركات تيارات المحيط، الشكل رقم (44)، إنه تيار ضيق (عرضه أقل من 100 كيلومتر)، ضحل (2 كيلومتر) وسرعته (100 كم/ يوم) ويحمل حجم كبير من ماء كل يوم. تحمل تيارات الحد الشرقي للمحيط الأطلنطي الماء نحو خط الاستواء، إنها تيارات ضعيفة عموما وضحلة جدا لكنها عريضة جدا (أكثر من 1000 كيلومتر). إن التيارات الاستوائية مثل الرياح التجارية بطيئة لكنها دائمة تقريباً في سرعتها واتجاهها.
في أماكن مثل منطقة المحيط الهادي الاستوائية يوجد تيار شبه تحت سطحي يعيد حجم كبير من الماء في اتجاه معاكس للرياح السائدة، ويمنع تراكم الماء في مكان واحد، وتوجد تيارات متباعدة ومتلاقية خصوصاً في المناطق الاستوائية والقطبية. كما توجد حالات انحراف في حركة مياه البحر تعرف بالتدفق المرتفع، والذي ينتج بعضه عن تقابل الماء المتحرك مع كتلة يابسة، وبعضها بسبب حركة إكمان اللولبية (تغير الاتجاه بسبب قوة كوريوليس Coriolis بطبقات مياه المحيط شبه السطحية)، وحركة ارتفاع الماء العميق الغني بالغذاء إلى السطح والذي يؤدي إلي زيادة معدل إنتاج الأسماك التي تتغذى عليه، وأخيراً توجد ظواهر محلية تتمثل في تيارات ساحلية وامتزاج التيار السطحي بالرياح قرب من اليابس.
تعتبر ظاهرة النينو El Nino من الظواهر الشاذة و تحدث كل ثلاثة إلى سبع سنوات ولها تأثير كبير علي خصائص مياه البحار والمحيطات والظواهر الجوية، وإن كان السبب الرئيسي للنينو غير محدد بالضبط إلا أن البعض يعتبرها ظاهرة جوية بالنصف الجنوبي للكرة الأرضية تسمي "بالتذبذب الجنوبي." ينشأ عادة تيار يدفع الماء بالمحيط الهادي نحو إندونيسيا تسببه الرياح التجارية، مما يجعل المياه السطحية ناحية أمريكا الجنوبية أقل سمكاً منها عند إندونيسيا، يسمح ذلك للماء العميق الغني بالمواد المغذية بالصعود للسطح فيزيد حصاد السمك. بينما عندما تصعد المياه الدافئة حول إندونيسيا فإنها تُزيد قوة أعاصير الهريكيين المتجه نحو الشرق جداً، مما يقلل حركة الماء نحو الغرب، وينتج عن ذلك زيادة سمك الطبقة السطحية أكثر من وضعها العادي حول أمريكا الجنوبية، فتمنع الماء الغني بالمواد المغذية من الصعود إلي أعلى مما يدمر مخزون السمك. إلي جانب ذلك تعاني العديد من المناطق حالات تطرف مناخي شديدة: جفاف في أستراليا وعواصف في الأمريكتين.
تعتبر التيارات العميقة أكثر صعوبة في دراستها بسبب مشاكل جمع البيانات الخاصة بها. وعموما يُعتقد بأنها هذه التيارات تتكون بالحمل، وتنشأ عندما تمتد المياه السطحية الاستوائية الدافئة وتتدفق شمالاً وتبرد مع الزمن، و تغوص هذه المياه بالقرب من جرينلند ويتدفق جنوباً، ليس إلي دائرة الاستواء لكن إلى الدائرة المتجمدة الجنوبية. وتعرف حركة هذه التيارات العميقة بنظرية حزام النقل طريقة رئيسية لنقل الطاقة حول الكوكب.
تمثل الأمواج حركة طاقة لا تتحرك فيها المياه -على العكس من التيارات- وتسببها الرياح و الحركات البركانية أو قوة الجاذبية. يمكن أن تستخدم لتصنيف الأمواج عدة أشياء منها عمق الماء وطريقة تشكيل وتردد الموج؛ وأمواج المياه الضحلة قرب الشاطئ التي تسبب النحت, بينما تتولد أمواج التسونامي tsunamis بسبب حدوث الزلازل تحت الماء. تعتبر أمواج الرياح الأكثر شيوعاً, تليها أمواج الترقرق seiche أو الموجات الثابتة، والأمواج الداخلية ما بين طبقات الماء.
يعتبر المد تغير في الارتفاع النسبي لسطح البحر، تسببه التأثيرات والمواقع النسبية للشمس والقمر أو ما يسمى بنموذج موازنة المد، ويعني أن الأرض تدور بسرعة حول الشمس فتنجذب إليها ونتيجة ذلك تنبعج الأرض في اتجاه الشمس، وبينما تدور الأرض حول نفسها يتغير موقع الانبعاج، ولأن هذه الانبعاجات صغيرة جدا فإنه من الصعب مشاهدتها، لكن انبعاجات الماء (بمعنى آخر المد) كبيرة بسبب سيولة الماء لذا فمن السهل ملاحظتها. ينشأ عن اختلاف أوضاع الشمس- الأرض- القمر مع بعضها سلسلة من حالات المد: ينشأ المد الأعلى عندما تكون الشمس والقمر معاً في جهة واحدة؛ وتظهر حالة الجزر المحاقي عندما تكون الشمس والقمر في وضع معكوس حول الأرض.
يوجد ثلاثة من أنواع المد: النهاري (مد عالي وجزر واحد/ يوم)، نصف نهاري (مد /يوم) ومختلط (شائع جدا في العديد من أجزاء العالم). إن نوع المد مهم ليس فقط لأن السفن تحتاجه في حركتها من وإلي الموانئ، لكن لجعل إنتاج الطاقة قليل التكلفة أيضاً.
الظاهرات الساحلية:
يوفر خط الساحل أمام الجيومورفولوجيين ببيئات مختلفة فريدة، فمثلاً تتفاوت قوي الموج والرياح بدرجة كبيرة من مكان لآخر، حيث تسود حالات الطاقة الوفيرة بالسواحل المكشوفة المواجه للغرب في العروض المعتدلة، كذلك يتنوع شكل خط الساحل بدرجة كبيرة مما يجعله واسع الاستجابة للعمليات البحرية، فمثلاً تتوافق الشواطئ الرملية أو الحصوية بسرعة مع التغيرات اليومية في خصائص الموج، بينما معدل استجابة خطوط السواحل الجرفية بطىء جداً، مع أن بعض الجروف يمكن أن يتم نحتها في عام واحد فقط، لكن الكثير منها يتغير بصعوبة جداً، ويبقي شكلها محتفظ بشكل العمليات التي كونتها في الماضي البعيد، مثل مستويات البحر المختلفة (الشواطئ المعلقة)، و يبين الشكل رقم (47) بعض الظاهرات الرئيسية بمنطقة ساحلية.
بشكل عام يتكون الشاطئ the shore من الشاطئ الأمامي foreshore الذي يمتد من أخفض مد إلى متوسط المد العالي، والشاطئ الخلفي backshore الذي يمتد إلى أقصي ارتفاع للمد العالي وأمواج العاصفة، بينما البلاج يتم تحديده في النطاق الذي تتراكم فيه ارسابات الحصى والرمل أو الغرين البحري.