logo logo

مجلة شهرية عربية عالمية , مجلة البيلسان

أهلا بكم

العنوان : شارع

Call: 960-963-963 (Toll-free)

[email protected]
التربية الدينية

دعوتي وبريدي

"دعوتي وبريدي
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)



تنقلت ما بين (الهوتميل)، و(الجي ميل)، و(الياهو)، وغيرها من أنواع البريد المنتشرة، وكلها أتعبتني في أمر واحد، وهو حذف رسائل البريد المزعج، التي تصلني، والتي تفنَّن أصحابها بإرسالها، رغم استخدامي لخيارات (الفلترة) في كل تلك الشركات.


وكان من بين رسائل البريد المزعج مَن يذكر حديثًا عن فضل قراءة القرآن أو ما شابه ذلك، ويستحلفني بالله أن أُرسلَه لكل من أعرفهم، وللأسف لا يوجد في ذيل الرِّسالة: إن أردت عدم وصول هذا البريد لك ثانية، فراسلنا على الرَّابط التالي.


لكن استوقفني بريد مزعج احتفظت به للأسباب التالية:

1- وضوح عنوان الرسالة.


2- روعة الفكرة التي تحملها الرسالة.


3- تذيلها بعبارة: إن أردت عدم وصول هذا البريد لك ثانية، فراسلنا على الرابط التالي.


4- روعة التنسيق وحسن العرض.


مثل هذه الرسائل لم أرسلها لكل من أعرف فحسب، بل نشرتها على موقعي، وحدَّثت بها تلاميذي وأهل بيتي.


وسأترككم مع باقة من هذه الرَّسائل أنقلها لكم؛ لتقيسوا عليها مقياس الرِّسالة البريدية النَّاجحة، ولتمضوا على دَرْبِها، وَفْقَ النِّقاط الأربع التي ذكرتها، والتي تُعَدُّ المقياس الصحيح للنَّجاح الدعوي في هذا الباب:

(وحشة مسجد)

كنا في جدَّة في بيت الوالدة - حفظها الله - في صباح الجمعة، عند الضُّحى سألت خالي: ما رأيك نطلع مكَّة نصلي الجمعة هناك، ونرجع مباشرة.
قال: فكرة طيبة، نشرب الشاي ونطلع.


قلت: الآن، قبل ما يكسلنا الشيطان، ولك عليَّ أن أشتري لك شايًا عدنيًّا ما حصل من قبل؛ لأجل أن نلحق أن ندخل الحرم قبل الزحمة، اليوم جمعة، كل أهل مكة يصلون هناك.


ونحن في الطريق السريع، لَفَتَ نظري قبل مكة بحوالي خمسة وأربعين كيلومتر، أو يزيد قليلًا في الناحية الأخرى من الطريق - بيتٌ أبيض من بيوت الله، مسجد.


ولفت نظري عدة أشياء:
لونه أبيض رائع، ومئذنته جميلة وعالية نسبيًّا. مبني على أسفل سفح جبل، أو على تلٍّ تقريبًا؛ مما يجعل الوصولَ إليه يبدو صعبًا قليلًا، خاصَّة على كبار السن، وإن كان واضحًا أنَّ مَن بنى المسجد بناه على هذه الصُّورة؛ لأجل أن يظهر للنَّاس من بعيد أن في هذا المكان مسجدًا.


المسجد كان مهدومًا، أو بمعنى أصح: كان عبارة عن ثلثي مسجد فقط، والجزء الخلفي مهدوم تمامًا، ولا يوجد أبواب أو حتى شبابيك، وليس أكثر من مسجد مهجور مرتفع عن الأرض. لا أدري، لِمَ بَقِيَ منظر هذا المسجد في قلبي، وصورته ما فارقت خيالي أبدًا؟ يُمكن لشموخه ووقوفه ضد السنين، الله أعلم.


وصلنا مكة ولله الحمد، ووقفنا السيارة خارجها؛ نظرًا لشدَّة الزحام، وصلَّينا وسمعنا الخطبة، وبعد الصلاة ركبنا سيارتنا، وأخذنا طريق العودة.
للمرة الثانية: ما أدري، لِمَ ظهرت صورة نفس المسجد في بالي، المسجد الأبيض المهجور؟


جلست أكلم نفسي: بعد قليل يظهر لنا المسجد. جلست ألتفت لليمين وأنا أبحث عنه، أذكر أنَّ بجانبه مبنى المعهد السُّعودي الياباني، بحوالي خمسمائة متر، وكل مَن يَمر بالخط السريع يستطيع أن يراه.


مررت بجانب المسجد، وتأملته، ولكن لفت انتباهي شيء: سيارة (فورد) زرقاء اللون تقف بجانبه.


ثواني، مرَّت وأنا أفكر، ما موقف هذه السيارة هنا؟ ما عنده راعيها؟ ثُمَّ اتَّخذت قراري سريعًا.


هدَّأت السرعة، ولفت لليمين على الخط الترابي ناحية المسجد... ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا.


وسط ذهول خالي، وهو يسألني: خيرًا، ماذا فيه؟ خيرًا، ماذا حدث؟ اتجهت لليمين من عند المعهد السعودي الياباني، في خط ترابي لحوالي خمسمائة متر، ثُمَّ يمين مرة أخرى، ثُمَّ داخل أسوار لمزرعة قديمة، حتى توجهت للمسجد مباشرة.


سألني خالي: خيرًا، ما بك؟ رُدَّ عليَّ.


قلتُ: أبدًا، أنظر راكبَ السيارة، ما عنده؟


قال: ماذا يصلنا به؟ وماذا يصله بنا؟


قلت: اتركنا نرى، وبالمرة نصلي العصر، أعتقد أنه أُذِّن له بالتأكيد.


رآني مُصمِّمًا ومُتَّجهًا بقوة للمسجد، فسكت.


أوقفنا السيارة في الأسفل، وطلعنا حتَّى وصلنا للمسجد، وإذا بصوت عالٍ، يُرتل القرآن باكيًا، ويقرأ من سورة الرحمن، وكان يقرأ هذه الآية بالذَّات: ? كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ? [الرحمن: 26-27].

 

فكَّرت أنْ ننتظر في الخارج، نستمع لهذه القراءة، لكنَّ الفضول قد بلغ بي مبلغه؛ لأرى ماذا يحدث داخل هذا المسجد المهدوم ثلثه، والذي حتى الطير لا يمر فيه.

دخلنا المسجد، وإذا بشاب وضع سجادة صلاة على الأرض، في يده مصحف صغير يقرأ فيه، ولم يكن هناك أحدٌ غيره، وأؤكد: لم يكن هناك أحدٌ غيره.


قلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


نظر إلينا - وكأننا أفزعناه - مستغربًا من حضورنا، ثُمَّ قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.


سألته: صليت العصر؟

قال: لا.


قلت: إذًا، أذَّنت؟


قال: لا، كم الساعة؟


قلت: وجبت بالتأكيد.


أذَّنت، ولما جِئتُ لأن أقيم الصلاة، وجدت الشاب ينظر ناحية القبلة ويبتسم.


غريبة ابتسامته!


يبتسم، لمن؟ ما السبب؟


وقفت أصلي.


وإذا بي أسمع الشاب يقول جملة: طيرت عقلي تمامًا؛ قال بالحرف الواحد: أبشر، جماعة مرَّة واحدة.


نظر لي خالي متعجبًا، فتجاهلت ذلك، ثم كبَّرت للصلاة وأنا عقلي مشغول بهذه الجملة: أبشر جماعة مرة واحدة.


من يكلم؟! ما معنا أحد.


أنا مُتأكِّد أنَّ المسجد كان فارغًا.


يُمكن دخل أحدٌ من غير ما أراه.


هل هو مجنون؟ لا أعتقد أبدًا.


إذًا؛ من يكلم؟

صلَّى خَلْفي، وأنا تفكيري مُنشغل به تمامًا. بعد الصَّلاة، أدرت وجهي لهم، وحين أشار لي خالي للانصراف، قلْتُ له: اذهب أنت وانتظرني في السيارة، والآن سألحقك. نظر إلي، كأنَّه خائف عليَّ من هذا الشاب الغريب الذي يتوقف عند مسجد مهجور، الذي يقرأ القرآن في مسجد مهجور، الذي لا نعلم مَن يكلم، حين يقول: أبشر جماعة مرة واحدة. أشرت إليه أنِّي جالس قليلًا.



نظرت للشاب - وكان ما زال مستغرقًا في التسبيح - ثم سألته: كيف حال الشيخ؟

فقال بخير، ولله الحمد.


سألته، ما تعرَّفت عليك.

• فلان بن فلان.


قلت: فرصة سعيدة يا أخي.

لكن الله يسامحك.


أشغلتني عن الصلاة.


سألني: لماذا؟

قلت: وأنا أقيم الصلاة سمعتك تقول: أبشر جماعة مرة واحدة.


ضحك، وقال: وما فيها؟


قلت: ما فيها شيء، لكن أنت كنت تكلم مَن؟


ابتسم، ونظر للأرض، وسكت لحظات وكأنه يفكر، هل يخبرني أو لا؟


هل سيقول كلمات أعجب من الخيال، أقرب للمستحيل، تجعلني أشك أنَّه مَجنون، كلمات تَهز القلوب، تدمع الأعين، أو يكتفي بالسُّكوت.


لو قلت لك، هل ستقول عليَّ مجنون؟


تأملته مليًّا، وبعدُ ضممت رُكبتي لصدري؛ حتى تكون الجِلسة أكثر حميمية.. أكثر قربًا.. أكثر صدقًا؛ كأنَّنا أصحاب من زمان.


قلت: ما أعتقد أنَّك مجنون؛ شكلك هادئ جدًّا، وصلَّيْت معنا، ولا سمعت لك حرفًا.


نظر إلي، ثُمَّ قال كلمة نزلت عليَّ كالقنبلة، جعلتني أفكر فعلًا: هل هذا الشخص مجنون؟: كنت أكلم المسجد.


قلت: نعم!


كنت أكلم المسجد.

سألته حتَّى أحسم هذا النِّقاش مُبكرًا: هل ردَّ عليك المسجد؟


تبسم، ثُمَّ قال: ألم أقل لك: إنك ستقول عليَّ مجنون، وهل الحجارة ترد، هذه مجرد حجارة؟

تبسمت، وقلت: كلامُك مضبوط، طالما أنَّها ما ترد، إذًا لماذا تكلمها؟!


هل تنكر أنَّ منها ما يهبط من خشية الله؟


سبحان الله! كيف أنكر وهذا مذكور في القرآن.


إذًا؛ وقوله - تعالى -: ? وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ? [الإسراء: 44].


قلت: ما أفهمك.


قال: أعلمك.


نظر للأرض فترة، كأنه ما زال يفكر: هل يخبرني؟ هل أستحق أن أعلم؟ ثم قال دون أن يرفع عينيه: أنا إنسان أحب المساجد؛ كلما رأيت مسجدًا قديمًا أو مهدومًا أو مهجورًا، أفكر فيه، أفكر في أيَّامٍ كان الناس يُصلون فيه، وأقول: ترى المسجدَ الآن مشتاقًا للصلاة فيه، تراه يَحِنُّ لذكر الله! أحس... أحس أنَّه ولهان على التسبيح والتَّهليل، يتمنَّى لو آية تهز جُدْرَانه، وأفكر... وأفكر: يُمكن أنْ يَمر وقتُ الأذان، وترى المئذنة مشتاقة، وتتمنَّى أن تنادي: حيَّ على الصلاة! وأحس أنَّ المسجد يشعُر أنه غريب بين المساجد، يتمنَّى ركعة.. سجدة.


أحس بحزن في القِبلة؛ تتمنَّى لا إله إلا الله، ولو عابر سبيل يقول: الله أكبر، ثُمَّ يقرأ: ? الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ? [الفاتحة: 2]!!


أقول في نفسي: والله، لأُطفئنَّ شوقك. والله، لأعيدَنَّ فيك بعضَ أيَّامك، أقوم أنزل وأُصلِّي ركعتين لله، وأقرأ فيه جزءًا من القرآن. لا تقُل: غريب، فعلًا، لكنِّي - والله - أحبُّ المساجد.


أدمعت عيني، نظرت في الأرض مثله؛ لأجل ما يلاحظها. من كلامه، من إحساسه، من أسلوبه، من فعله العجيب، من رجل تعلَّق قلبه بالمساجد. ما لقيت كلامًا يُقال، واكتفيتُ بكلمة: جزاك اللهُ كلَّ خير.


بدأ خالي يدقُّ لي جرسًا، يستعجلني؛ قمت، وسلَّمت عليه، قلت له: لا تنسني من صالح دعائك.


وأنا خارج من المسجد قال وعينه ما زالت في الأرض: أتدري بما أدعو دائمًا وأنا خارج.


تأمَّلتُ فيه وأنا أفكر: وُدِّي أنَّ الزمن يطول وأنا أقوم فيه. مَن كان هذا فعله، كيف يكون دعاه؟

 

وما كُنْتَ أتوقع أبدًا هذا الدُّعاء:

اللهم،

اللهم،

اللهم،

إنْ كنت تعلم أني آنست هذا المسجد بذكرك العظيم، وقرآنك الكريم، لوجهك يا رحيم، فآنس وحشةَ أبي في قبره، وأنت أرحم الراحمين.


حينها تتابع الدَّمع من عيني، ولم أستحِ أنْ أخفيَ ذلك.


أيُّ فتى هذا؟ وأيُّ بِرٍّ بالوالدين هذا؟

ليتني مثله، بل ليت لي ولد مثله.

كيف ربَّاه أبوه، أي تربية؟!

وعلى أيِّ شيء نُربي نحن أبناءنا؟

هَزَّنِي هذا الدُّعاء.

 

(شبَّاك السعادة)

في أحد المستشفيات كان هناك مريضان هرمان في غرفة واحدة، كلاهما معه مرض عضال، أحدهما كان مسموحًا له بالجلوس في سريره لمدة ساعة يوميًّا بعد العصر،ولحسن حظِّه فقد كان سريره بجانب النَّافذة الوحيدة في الغرفة، أمَّا الآخر فكان عليه أن يبقى مستلقيًا على ظهره طوال الوقت، كان المريضان يقضيان وقتهما في الكلام، دون أن يرى أحدُهما الآخر.


لأنَّ كلاًّ منهما كان مستلقيًا على ظهره، ناظرًا إلى السَّقف، تحدَّثا عن أهليهما، وعن بيتيهما، وعن حياتهما، وعن كل شيء، وفي كل يوم بعد العصر، كان الأوَّل يجلس في سريره حَسَبَ أوامر الطبيب، وينظر في النافذة، ويصف لصاحبه العالم الخارجي، وكان الآخر ينتظر هذه السَّاعة، كما ينتظرها الأوَّل؛ لأنَّها تجعل حياته مُفعمة بالحيويَّة، وهو يستمعُ لوصف صاحبه للحياة في الخارج:

في الحديقة كان هناك بُحيرة كبيرة يسبح فيها البط، والأولاد صنعوا زوارقَ من مواد مُختلفة، وأخذوا يلعبون فيها داخل الماء، وهناك رجل يؤجِّر المراكب الصغيرة للنَّاس يبحرون بها في البحيرة، والنِّساء قد أدْخَلتْ كُلٌّ منهن ذراعها في ذراع زوجها، والجميع يتمشَّى حول حافة البُحيرة، وهناك آخرون جلسوا في ظلال الأشجار، أو بجانب الزُّهور ذات الألوان الجذَّابة، ومنظر السَّماء كان بديعًا يسرُّ الناظرين.


في حين يقوم الأوَّل بعمليَّة الوصف هذه، ينصت الآخر في ذهول لهذا الوصف الدَّقيق الرائع، ثُمَّ يغمض عينيه، ويبدأُ في تصوُّر ذلك المنظر البديع للحياة خارج المستشفى.



وفي أحد الأيَّام وصف له عرضًا عسكريًّا، ورغم أنَّه لم يسمع عزف الفرقة الموسيقيَّة إلا أنَّه كان يراها بعيني عقله من خلال وصف صاحبه لها.


ومرَّت الأيامُ والأسابيعُ، وكل منهما سعيد بصاحبه، وفي أحد الأيَّام جاءت الممرضة صباحًا لخدمتهما كعادتها، فوجدت المريضَ الذي بجانب النَّافذة قد قضى نَحْبَه خلال الليل، ولَم يعلم الآخرُ بوفاته إلاَّ من خلال حديث الممرضة عَبْر الهاتف، وهي تطلب المساعدة لإخراجه من الغُرفة، فحزن على صاحبه أشدَّ الحزن.


وعندما وجد الفُرصة مناسبة طلب من الممرضة أن تنقل سريره إلى جانب النَّافذة.


ولما لم يكُن هناك مانع فقد أجابت طلبه، ولما حانت الساعة التي بعد العصر، وتذكر الحديث الشائق، الذي كان يُتحفه به صاحبُه، انتحب لفقده، ولكنه قرَّر أنْ يُحاول الجلوس؛ ليعوض ما فاته في هذه الساعة، وتَحامل على نفسه وهو يتألم، ورفع رأسه رويدًا رويدًا، مستعينًا بذراعيه، ثم اتَّكأ على أحد مرفقيه، وأدار وجهه ببطء شديد تجاه النافذة؛ لينظُرَ إلى العالَم الخارجيّ، وهنا كانت المفاجأة: لَمْ ير أمامه إلا جدارًا أصم من جدران المستشفى، فقد كانت النافذة على ساحة داخليَّة.


نادى الممرضة، وسألها: هل كانت هذه هي النَّافذة، التي كان صاحبه ينظر من خلالها، فأجابت: إنَّها هي، فالغرفة ليس فيها سوى نافذة واحدة، ثُمَّ سألته عن سبب تعجُّبه، فقصَّ عليها ما كان يرى صاحبُه عَبْر النافذة وما كان يصفه له.


كان تعجُّبُ الممرضة أكبر؛ إذ قالت له: ولكن المتوفَّى كان أعمى، ولم يكن يرى حتَّى هذا الجدار الأصم، ولعلَّه أراد أن يجعل حياتك سعيدة حتَّى لا تُصابَ باليأس فتتمنَّى الموت.

 

(علبة البسكويت)

سيدة شابة كانت تنتظر طائرتها في مطار دولي كبير، لأنَّها كانت ستنتظر كثيرًا اشترت كتابًا؛ لتقرأ فيه، واشترت أيضًا علبة بسكويت، بدأت تقرأ كتابها أثناء انتظارها للطَّائرة. كان يجلس بجانبها رجلٌ يقرأ في كتابه.


عندما بدأت في قضم أوَّل قطعة بسكويت كانت موضوعة على الكرسي بينها وبين الرجل، فُوجئت بأنَّ الرجل بدأ في قضم قطعة بسكويت من نفس العلبة، التي كانت هي تأكل منها! بدأت هي بعصبيَّة تُفكر أنْ تَلكمَه لكمَةً في وجهه؛ لقلة ذوقه.


كل قضمة كانت تأكلها هي من علبة البسكويت، كان الرجل يأكلُ قضمة أيضًا!! زادت عصبيَّتها، لكنها كتمت في نفسها.


عندما بَقِيَ في كيس البسكويت قطعةٌ واحدة فقط، نظرت إليها وقالت في نفسها: ماذا سيفعل هذا الرجل قليل الذوق الآن.


لدهشتها قسم الرجل القطعةَ نصفين، ثم أكل النِّصف، وترك لها النصف؛ قالت في نفسها: هذا لا يُحتمل.

 

كظمت غيظها، أخذت كتابها، بدأت في الصُّعود إلى الطائرة.


عندما جلست في مقعدها بالطائرة، فتحت حقيبتها؛ لتأخذ نظارتها، وفوجئت بوجود علبة البسكويت الخاصة بها كما هي مغلقة بالحقيبة! صُدِمَتْ وشعرت بالخجل الشديد؛ أدركت فقط الآن أنَّ علبتها كانت في حقيبتها، وأنَّها كانت تأكلُ مع الرجل من علبته هو!! أدركت مُتأخِّرة أنَّ الرجل كان كريمًا جدًّا معها، وقاسمها علبةَ البسكويت الخاصة به، بدون أن يتذَمَّر أو يشتكي، وازداد شعورها بالخجل.


أثناء شعورها بالخجل لم تجد وقتًا أو كلماتٍ مناسبةً؛ لتعتذر للرجل عمَّا حدث من قلة ذوقها.


هنالك دائمًا أربعة أشياء لا يُمكن إصلاحها:

• لا يُمكنك استرجاع الحجر بعد إلقائه.
• لا يُمكنك استرجاع الكلمات بعد نطقها.
• لا يُمكن استرجاع الفُرصة بعد ضياعها.
• لا يُمكنك استرجاع الشباب أو الوقت بعد أن يَمضي.


"

الأقسام الرئيسية

الرأي الأخر
0