"فقه الخلاف والموازنات، بين المغالاة والمجافات (2)
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
أبدأ مقالتي هذه بتعقيب مختصَرٍ على الأختِ - أو الأخِ - نورِ الهدى، وَفَّقَها الله تعالى - أو وفَّقه - فأقول:
إنّ مناقشةَ ما حَواه ردُّكم مِن مغالَطات يُخْرِج هذه الخاصيةَ - أي: الردود على المقالات - عمّا وُضعت له، وسِيقَتْ مِن أَجْله:
فَلَوْ كَانَ سَهْمًا وَاحِدًا لاتَّقَيْتُهُ ??? وَلَكِنَّه سَهْمٌ وَثَانٍ وَثَالِثُ!!
وَأَشَدُّ السِّهام طيشًا قولُكَِ رعاكَِ الله: ألم يَلْتَمِسِ الرسول صلى الله عليه وسلم العُذْرَ لمن ظهر منه الكفرُ والخيانةُ العظمى؟!، فهل رأيتَِ أن أحدًا من أهل العلم المُعْتَبَرِين: نَصَّ على أن حاطبًا قد كَفَرَ بفِعْلَتِه هذه؟!
ولكن قام ما يمنع من إطلاق حكم الكفر عليه؛ وهو بَدْرِيَّتُه، وشُهُودُه تلك المَلْحَمَةَ الكبرى التي أَرْست دعائم الإسلام ومعالمه؛ وَمِنْ المقرَّر عند العلماء، بل ويعرفه حتى العَوَامُّ والدَّهْمَاء: أن إطلاق حكم التكفير لا يُجَوِّزه الشارع؛ حتى تُسْتَوفَى الشروط وتَنْتَفِيَ الموانع.
ثم إن عظمة مقام الصحابة تربأ بالمؤمن أن يُعَبِّر عن أحدهم بأنه: خان الخيانة العظمى، أو وقع في الجريرة الكبرى.
ومناقشة ما قُلْتَِه بالتفصيل آتٍ - بمشيئة الله تعالى - في حلقات قادمة، ومواقف متقادمة، فنرجو المتابعة إن رُمتُم معرفةَ الحق، وآثرتُم اتِّباع الصدق، فسَنُضَمِّنُه التِّرْيَاق، وعند الله الموعدُ والتَّلاق، وقد أحويناه ما يَجْلو عنكَِ عَشَا الخُفَّاش، ويَطْرد عنكَِ الاختلاط والاهْتِواش، بل إنه سيَمْحُو - بمعونة الله تعالى - كلَّ أثرٍ لوسوسة الوَسْواس، وخَنْس الخنّاس، سواءٌ أكان من الجِنَّة أم من الناس؛ اللهم إلا أن يكون الباعثُ غيرَ ما ظَنَنَّا من البواعث، فإن كان فلن يُوقِفَنا - بفضل الله - نَفْثُ نافث، ولا عَبَث عابث، ولله دَرُّ القائل:
وَلا كُتْبَ إلاّ المَشْرَفِيَّةُ عِنْدَهُ ??? وَلا رُسُلٌ إلاّ الخَميسُ العَرَمْرَمُ
ولله دَرُّ الآخَر:
السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الْكُتُبِ ??? فِي حَدِّهِ الْحَدُّ بَيْنَ الْجِدِّ وَاللَّعِبِ
هذا؛ إذا ثبت أنّ النِيَّة مدخولة، والطَّوِيَّة مرذولة، ونرجو ألا يكون الأمر كذاك، على أن الله أعلم بما هناك.
بَيْدَ أني أقول، وبالله تعالى نَصُولُ ونَجُول: إنّ قولكَِ، كان الله لكَِ، وهداكَِ رشدكَِ، قولكَِ: أَسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الحُرُوبِ نَعَامَةٌ، مُجْمَل يحتاج إلى تفصيل، ومتشابِه يحتاج إلى بيان، ومُطْلق يَفْتقر إلى تقييد، وعام يَعوزُه التخصيص، وبالسَّبْر والتقسيم تَنْتج لنا هذه الاحتمالات، والله بالمقصود عليم.
أمّا إن كنتَِ تَقْصِدينني - أو تَقْصدني - فالأمرُ - لَعَمْرُ الله - هَيّنٌ لَيّن، فنُعْمَى وكرامةَ عَيْن.
وأمّا إن كنتِ تقصدين - أو كنتَ تقصد - أَسَدَ الساعة، وغَضَنْفر الجماعة، الكِبْرِيتَ الأحمر، وعلاّمةَ هذا العصر الأَغْبر، شيخَ الشيوخ، والإمام الفَرُّوخ، العالِمَ العلاّمة، والمِنْطِيقَ التِّكِلاّمة، رافِعِيَّ البيان، شاهر السنان، قويَّ الجَنان، شاكريَّ الوَشيجة، تَيْميّ العقيدة، رحمه الله، وبَلَّل ثَراه، وجعل الجَنَّة مأوانا ومأواه، أَعْني: بكرَ بنَ عبدِ الله، المُكَنَّى بأبي زيد، الممدوحَ بلا قَيْد، على أن الكمالَ عزيزٌ، وخيرُ الكلام الكلامُ الوَجِيز، وقد كان الشيخُ - وَايْمُنُ اللهِ - أبوه، لا بُرَّ مَن يَشْنَوه، بل فُضَّ فُوهُ، وكِيدَ مناصِروه، ونُصِر مُعادوه، نقول: إن كان هذا مقصودَكَِ!!! فالله حسيبُكَِ، وهو نِعْمَ النصير، وإليه المرجع والمصير؛ إذ كيف - يا لَلهِ!!! - يخطر ببال عاقل أو عُوَيْقِل: أن يَذْهب هذا المذهب، ويَنْقلب هذا المُنْقَلَب، ويُصَاب بِحَوْرٍ بَعْدَ كَوْرٍ، ويَرْجع طَوْرًا بعد طور؟! أما علمتَِ أنّ الشيخ ما زال كالطَّوْدِ الشامخ، والعَلَم الباذخ، في وجوه أُولَيَّائِكم المُبْتَدِعة، الكالِحةِ وجوهُهم، المنتكِسةِ قلوبُهم، الفاسدةِ عقولُهم، المُتَهَوِّكة أفكارُهم، العاطِلةِ أوقاتُهم، الخائبةِ آمالُهم، الحروريِّة منهاجُهم، إلى ما لا يحصيه الحاص، مما ليس لهم عنه مناص ولا خلاص.
بل كلُّ ذلك لهم لازم، رَغْمَ رَغْمِ الراغم، بالمنطوق والمفهوم، والمطابقة والتَّضَمُن واللزوم، وما زال كذلك حتى تَوَفَّاه الله أجلَه المحتوم، ففَرِح بذلك هَاتِيكَ الخصوم، وقد رد عليهم بتلك الردود العصماء، التي تَقْطَع ضَرْع البدع وتُغَوِّرُ ما بقي لهم من ماء؛ وهو ما أَوْرَثَ الشيخَ العَدَاوةَ العَادِيَة، ورَمَاه عند أهل البدع بالدَّوَاهِي الداهية، ممن انتصر لمذهبٍ مُحْدَثٍ مُلوَّث، أو نِحْلَةِ قديمٍ مُخَنَّث، مِن مبتدِعة العَصْر، وحَمْقَى ذلك المِصْر، ونعني من المعاصرين مَن نعني، والله أعلم بالمَعْنِي، وإنما يُخْبَر ذلك، كلُّ مختبئ هنالك، ونَعْني من المتقدمين خاصة، الأشاعرة المتأخرين ومَنْ لَصَّ تلك اللاصَّة، وأخشى أن تكون حَمْلَتُكَِ على الشيخ الذابّ، وانتصارُك للشيخ الذاهب أبي غدة من هذا الباب، فهذا بَكْرُ النِّياق، وذَاكَ مُقَلِّد العِتَاق، على أن للشيخ الثاني غدة، وليس الأمر كما قالت العرب: أَغُدَّةً كَغُدَّةِ الْبَعِير؟! والأمر - والربِّ الجبَّار - خطير، فإن كان كذلك، ولا عُذْرَ في ذلك، فإنا ننصحكَِ بمراجعة مقالنا المنشور، في المجلس العلمي المعمور: أباطيل وأسمار.
فإن لم يَكْفِكَِ مقالة ذلك المجلس، فتلك وسوسة مُوَسْوِس، شُفِيتَِ وعُوفيت، ومما تَكْره - أو تَكْرهين - لا لَقِيت، ثم أسألكَِ - هداكَِ الله - عن الحروب التي خاضها الشيخُ أبو غدة، اعْدُدِيها - أو اعددها - لنا عدة، ولن أُدْخِل في الحساب، حُرُوبَه المُعْلَنَة على ذوي الألباب، أعني: خوضَه الحروب الضَّرُوس، بوجه عَبُوس، ومحاربتَه لعقيدة أهل السنة والجماعة، الذين هم الناس، والمُعَدُّون ليَوْم الْبَاس، ولا أعني: نصرَه المُؤَزَّر، ودفاعَه المُحَبَّر، عن ذاك الكوثري، ذَيَّاك الغبي، الذي ركب رأسه وهواه، وأَضَلَّ مِن بَعْدِه مَنِ اتَّبَعه وحاباه.
أم أنك تَقصدين - أو تقصد - فراره من زحف النُّصَيْرِيِّين البَعْثِيِّين من بلاد الشام، ثم اللجوء لأهل جزيرة العرب العظام، مُتَدَثِّرًا بعقيدة أهل السنة، وحاله كما قال الشاعر:
إِذَا جَالَسَ الْفِتْيانَ أَلْفَيْتَهُ فتًى ??? وَجَالَسَ كَهْلَ النَّاسِ أَلْفَيْتَه كَهْلاَ
وقول الآخر:
يَوْماً يَمَانٍ إِذَا لاقَيْتَ ذَا يَمَنٍ ??? وَإِنْ لَقِيتَ مَعَدِّيًّا فَعَدْنَانِي
ولكن - بِرَبِّكَِ - أخبريني - أو أخبرني -: هل تَعْرِفِينَ - أو تعرف - حَقًّا نَصَرَهُ الشيخُ أبو غدة - رحمه الله تعالى- أو بَاطِلاً قَمَعَهُ، أو طَاغُوتًا كَسَرَه، أو عَدُوًّا قاتَلَه، أو مَرَضًا من أمراض الأمة عَالَجَه، أم أنكَِ لم تُرَاجعي - أو تراجع - كُتُبَه المنشورة - وإن كانت لا تخلو من فوائد،غيرَ أنها - كما يَعْرِفُ من له خِبْرَةٌ بالعلم الشرعي الشريف - مَحْضُ تجميع لكلام السابقين.
وأخيرًا: أرجو منكَِ أن تُتْحِفِينا - أو تتحفنا - بالمواضع التي خرج فيها الشيخُ بكر عن الجادة وأدب الحوار، في مناقشته للشيخ أبي غدة أو لغيره؛ لأني لم أجد في كتبه إلا الحُجَّةَ تَعْقبها الحُجَّة، بأسلوب عَذْبٍ رَصِين، وبقلمٍ رَافِعِيٍّ حَصِين، وقد عَلِم الموافِقُ والمخالف عنه أدب الحوار وعِفَّة اللسان، وراجعي - أو راجع - إن شئتَِ الرسالة الذهبية.
هذا؛ وتحريرُ مَحَلِّ النزاع، فيمن نَعْنِيهم بالدفاع - كما ذكرتُ في أكثرَ من موضع من المقال السابق -: هم قومٌ من أهل السنة والجماعة في الجُمْلة، قالوا بقول أهل البدعة في مسألة جزئية مُعَيَّنة، أو مسائلَ جزئية محصورة، كمَن وقع عمليًا - تطبيقا لا تأصيلا - في تحريف بعض الصِّفَات؛ جَهْلاً، أو تأويلاً، أو لعَدَم معرفته بطرائق أهل السنّة في الاستدلال، أو لجَهْله بالسنّة أصلاً، أو قال كلاما ظاهرُه الضلالُ في موضع من كتبه، ورجع عنه في آخِرِ كُتُبِه، أو أَجْمَل أو أَطْلَق أو عَمَّم في موضع، وبَيَّن وقَيَّد وخَصَّص في موضع آخر. وغيرُ ذلك كثير ممن هو على المنهج الحق، وانتسب إلى السنّة في الجُمْلة، ونَصَرَها، فيُعْتَذر عنه، ولا تُنْسى حسناته، بل تُطْوَى سَيِّئَاتُه، في خِضَمِّ حَسَناتِه.
أما مَنْ خالف في أصل من الأصول، أو في جزئيات كثيرة، بحيث تكون كالأصل الْكُلِّيِّ - فقد فارقَ سبيلَ أهل السنّة، إلى طرق أهل البدعة؛ قال الإمام الشاطبي رحمه الله في الاعتصام: وذلك أن هذه الفِرَقَ إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كُلِّيٍّ في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزء من الجزئيات؛ إذ الجزء والفرع الشاذ لا يَنْشَأُ عنه مخالَفة يَقَعُ بسببها التفرُّق شِيعا؛ وإنما ينشأ التفرُّق عند وقوع المخالفة في الأمور الكُلِّيَّة. ثم قال: ومَجْرى القاعدةِ الكلية كَثْرَةُ الجزئيات؛ فإن المبتدع إذا أَكْثَر من إنشاء الفروع المخترَعة، عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارَضة.اهـ.
ومن تَأَمَّل حال كل مبتدِع منحرِف، وَجَدَه خالَف أهل السنة والجماعة، في معنى أو عدة معانٍ كلية: مثل الخوارج، والمرجئة، والمعتزلة، والرافضة، ومتأخري المتصوفة القبورية، والأشاعرة.
فمن كان على منهج يخالِف منهج أهل السنة أصلاً، فضلاً عن أن يُعْرف بعدائه الشديد لهم، أو الكَيْد بهم، والحَطِّ عليهم، فلا يَدْخل فيما قَعَّدْناه وأَصَّلْناه؛ بل يُعَامَلُ معاملةَ المبتدِع، وإن كان من الواجب أن تكون معاملتُه بعَدْلٍ وإنصاف، مع تَرْك التَّعَصُّبِ والاعْتِسَاف.
فمن عرف ما ذكرْنا، وفَهِم ما أخبرنا، وفَقِه ما عليه دَلَّلْنا، لم يَغِبْ عن وَعْيِه، بل ولم يَعْزُبْ عن عَقْلِه، سِرُّ حَمْل العلاّمة: بَكْرِ بن عبدالله أبو زيد على الشيخ عبد الفتاح أبوغدة الحلبي، المعروفِ بشدَّة عدائه لأهل السنَّة، بَلْهَ أهلَ الحديث، وأنه كثيرُ الوقيعة في أهل التوحيد، مع وَصْمِهم بالوَهَّابِيَّة؛ تنقيصًا لهم، وتَصْرِيحه بتضليلهم، وهذا أشهر من أن يُذْكَر، وذلك مع قُبُورِيَّته وَأَشْعَرِيَّتِه، وتعصبه المقيت لحنفيَّته، وقوله بالاستعانة والاستغاثة بالموتى، فضلاً عن نُصْرَتِه لأقوال الضالِّ المُضِلِّ زاهدِ الكوثري، الذي جمع من الشرور أَشَرَّها، ومن الوقيعة أحَطَّها، ولم يُرَاعِ شيخًا أو إمامًا لأهل السنة والجماعة.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تقريظًا لرسالة: براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة: فقدِ اطَّلَعْتُ على الرسالة التي كتبتُم بعنوان: براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة، وفضحتُم فيها المُجْرم الآثمَ محمد زاهد الكوثري، بنقل ما كتبه من السَبِّ والشَّتْمِ والقَذْفِ لأهل العلم والإيمان، واستطالَتِه في أعراضهم، وانتقادِه لكُتُبِهم... إلى آخر ما فَاهَ به ذلك الأفَّاكُ الأثيم، عليه من الله ما يَسْتَحِقُّ، كما أوضحتُم - أثابكم الله - تَعَلُّقَ تلميذه الشيخ عبدالفتاح أبو غدة به، وولاءَه له، وتَبَجُّحَه باستطالة شيخه المذكور في أعراض أهل العلم والتُّقَى، ومشاركتَه له في الهَمْزِ واللَّمْزِ، وقد سَبَقَ أن نصحْناه بالتَّبَرُّؤ منه، وإعلانِ عدم موافقته له على ما صَدَرَ منه، وألححْنا عليه في ذلك، ولكنه أَصَرَّ على موالاته له، هداه الله للرجوع إلى الحق، وكفى الله المسلمين شرَّه وأمثالِه، وإنا لَنَشْكرُكم على ما كتبتُم في هذا الموضوع، ونسأل الله أن يَجْزِيَكم عن ذلك خيرَ الجزاء، وأفضل المثوبة.
وأقول لكل مَن رَاجَتْ عليه أقوالُ أُولَيَّائِكم المبتدِعة: إنّ هؤلاء تَعِبُوا وما أَغْنَوْا، ونَصِبُوا وما أَجْدَوْا، وحامُوا وما وَرَدُوا، وغَنَّوْا وما أَطْرَبُوا، ونَسَجُوا فَهَلْهَلُوا، ومَشَّطُوا فَفَلْفَلُوا؛ ظنُّوا ما لا يكون ولا يمكن ولا يُسْتطاع، ظنُّوا أنهم يُمْكنهم أن يَدُسُّوا البِدَعَ والخرافاتِ في الشريعة، وأن يَضُمُّوا إليها أقوالَ أهل الضلال، وهيهاتَ هيهاتَ!! ولاتَ حِينَ مَنْدَمِ!! فهذا مَرامٌ دونه حَدَد، وقد تَوَفَّر على هذا قبلَ هؤلاء قومٌ كانوا أَحَدَّ أنياباً، وأحضرَ أسباباً، وأعظمَ أقداراً، وأرفعَ أخطاراً، وأوسعَ قُوًى، وأوثق عُرًى، فلم يَتِمَّ لهم ما أرادوه، ولا بلغوا منه ما أمَلوه، وحصلوا على لُوثاتٍ قبيحة، ولطخاتٍ فاضحة، وألقابٍ مُوحِشة، وعواقبَ مخزِية، وأوزارٍ مثقِلة.
فالشريعة مأخوذةٌ عن الله عز وجل من طريق الوحي، وبابِ المناجاة، وشهادةِ الآيات، وظهورِ المعجزات على ما يوجِبه العقلُ تارةً، ويُجَوِّزه تارةً، لمصالحَ عامةٍ مُتْقَنة، ومراشدَ تامةٍ مُبَيَّنَة، وفي أثنائها ما لا سبيل إلى البحث عنه، والغوص فيه، ولابد من التسليم للداعي إليه، والمُنَبِّه عليه؛ فهناك يَسْقُط لم، ويَبْطل كيف، ويزول هلاّ، ويذهب لو وليت في الريح؛ لأن هذه المواد عنها محسومة، واعتراضات المعترضين عليها مردودةٌ، وارتياب المرتابين فيها ضارّ، وسكون الساكنين إليها نافع، وجملتها مشتملةٌ على الخير، وتفصيلها موصولٌ بها على حسن التقبُّل، وهي متداوَلة بين مُتَعَلِّق بظاهرٍ مكشوف، ومحتجٍّ بتأويلٍ معروفٍ، وناصرٍ باللغة الشائعة، وحامٍ بالجَدَل المُبِين، وذابٍّ بالعمل الصالح، وضاربٍ للمثل السائر، وراجعٍ إلى البرهان الواضح، ومتفقِّهٍ في الحلال والحرام، ومستندٍ إلى الأَثَر والخَبَر المشهورَيْنِ بين أهل المِلَّة، وراجعٍ إلى اتِّفاق الأمّة، وأساسُها على الوَرَع والتقوى، ومنتهاها إلى العبادة وطلب الزُّلْفى.
هذا؛ وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وللحديث بقية.
"
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
أبدأ مقالتي هذه بتعقيب مختصَرٍ على الأختِ - أو الأخِ - نورِ الهدى، وَفَّقَها الله تعالى - أو وفَّقه - فأقول:
إنّ مناقشةَ ما حَواه ردُّكم مِن مغالَطات يُخْرِج هذه الخاصيةَ - أي: الردود على المقالات - عمّا وُضعت له، وسِيقَتْ مِن أَجْله:
فَلَوْ كَانَ سَهْمًا وَاحِدًا لاتَّقَيْتُهُ ??? وَلَكِنَّه سَهْمٌ وَثَانٍ وَثَالِثُ!!
وَأَشَدُّ السِّهام طيشًا قولُكَِ رعاكَِ الله: ألم يَلْتَمِسِ الرسول صلى الله عليه وسلم العُذْرَ لمن ظهر منه الكفرُ والخيانةُ العظمى؟!، فهل رأيتَِ أن أحدًا من أهل العلم المُعْتَبَرِين: نَصَّ على أن حاطبًا قد كَفَرَ بفِعْلَتِه هذه؟!
ولكن قام ما يمنع من إطلاق حكم الكفر عليه؛ وهو بَدْرِيَّتُه، وشُهُودُه تلك المَلْحَمَةَ الكبرى التي أَرْست دعائم الإسلام ومعالمه؛ وَمِنْ المقرَّر عند العلماء، بل ويعرفه حتى العَوَامُّ والدَّهْمَاء: أن إطلاق حكم التكفير لا يُجَوِّزه الشارع؛ حتى تُسْتَوفَى الشروط وتَنْتَفِيَ الموانع.
ثم إن عظمة مقام الصحابة تربأ بالمؤمن أن يُعَبِّر عن أحدهم بأنه: خان الخيانة العظمى، أو وقع في الجريرة الكبرى.
ومناقشة ما قُلْتَِه بالتفصيل آتٍ - بمشيئة الله تعالى - في حلقات قادمة، ومواقف متقادمة، فنرجو المتابعة إن رُمتُم معرفةَ الحق، وآثرتُم اتِّباع الصدق، فسَنُضَمِّنُه التِّرْيَاق، وعند الله الموعدُ والتَّلاق، وقد أحويناه ما يَجْلو عنكَِ عَشَا الخُفَّاش، ويَطْرد عنكَِ الاختلاط والاهْتِواش، بل إنه سيَمْحُو - بمعونة الله تعالى - كلَّ أثرٍ لوسوسة الوَسْواس، وخَنْس الخنّاس، سواءٌ أكان من الجِنَّة أم من الناس؛ اللهم إلا أن يكون الباعثُ غيرَ ما ظَنَنَّا من البواعث، فإن كان فلن يُوقِفَنا - بفضل الله - نَفْثُ نافث، ولا عَبَث عابث، ولله دَرُّ القائل:
وَلا كُتْبَ إلاّ المَشْرَفِيَّةُ عِنْدَهُ ??? وَلا رُسُلٌ إلاّ الخَميسُ العَرَمْرَمُ
ولله دَرُّ الآخَر:
السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الْكُتُبِ ??? فِي حَدِّهِ الْحَدُّ بَيْنَ الْجِدِّ وَاللَّعِبِ
هذا؛ إذا ثبت أنّ النِيَّة مدخولة، والطَّوِيَّة مرذولة، ونرجو ألا يكون الأمر كذاك، على أن الله أعلم بما هناك.
بَيْدَ أني أقول، وبالله تعالى نَصُولُ ونَجُول: إنّ قولكَِ، كان الله لكَِ، وهداكَِ رشدكَِ، قولكَِ: أَسَدٌ عَلَيَّ وَفِي الحُرُوبِ نَعَامَةٌ، مُجْمَل يحتاج إلى تفصيل، ومتشابِه يحتاج إلى بيان، ومُطْلق يَفْتقر إلى تقييد، وعام يَعوزُه التخصيص، وبالسَّبْر والتقسيم تَنْتج لنا هذه الاحتمالات، والله بالمقصود عليم.
أمّا إن كنتَِ تَقْصِدينني - أو تَقْصدني - فالأمرُ - لَعَمْرُ الله - هَيّنٌ لَيّن، فنُعْمَى وكرامةَ عَيْن.
وأمّا إن كنتِ تقصدين - أو كنتَ تقصد - أَسَدَ الساعة، وغَضَنْفر الجماعة، الكِبْرِيتَ الأحمر، وعلاّمةَ هذا العصر الأَغْبر، شيخَ الشيوخ، والإمام الفَرُّوخ، العالِمَ العلاّمة، والمِنْطِيقَ التِّكِلاّمة، رافِعِيَّ البيان، شاهر السنان، قويَّ الجَنان، شاكريَّ الوَشيجة، تَيْميّ العقيدة، رحمه الله، وبَلَّل ثَراه، وجعل الجَنَّة مأوانا ومأواه، أَعْني: بكرَ بنَ عبدِ الله، المُكَنَّى بأبي زيد، الممدوحَ بلا قَيْد، على أن الكمالَ عزيزٌ، وخيرُ الكلام الكلامُ الوَجِيز، وقد كان الشيخُ - وَايْمُنُ اللهِ - أبوه، لا بُرَّ مَن يَشْنَوه، بل فُضَّ فُوهُ، وكِيدَ مناصِروه، ونُصِر مُعادوه، نقول: إن كان هذا مقصودَكَِ!!! فالله حسيبُكَِ، وهو نِعْمَ النصير، وإليه المرجع والمصير؛ إذ كيف - يا لَلهِ!!! - يخطر ببال عاقل أو عُوَيْقِل: أن يَذْهب هذا المذهب، ويَنْقلب هذا المُنْقَلَب، ويُصَاب بِحَوْرٍ بَعْدَ كَوْرٍ، ويَرْجع طَوْرًا بعد طور؟! أما علمتَِ أنّ الشيخ ما زال كالطَّوْدِ الشامخ، والعَلَم الباذخ، في وجوه أُولَيَّائِكم المُبْتَدِعة، الكالِحةِ وجوهُهم، المنتكِسةِ قلوبُهم، الفاسدةِ عقولُهم، المُتَهَوِّكة أفكارُهم، العاطِلةِ أوقاتُهم، الخائبةِ آمالُهم، الحروريِّة منهاجُهم، إلى ما لا يحصيه الحاص، مما ليس لهم عنه مناص ولا خلاص.
بل كلُّ ذلك لهم لازم، رَغْمَ رَغْمِ الراغم، بالمنطوق والمفهوم، والمطابقة والتَّضَمُن واللزوم، وما زال كذلك حتى تَوَفَّاه الله أجلَه المحتوم، ففَرِح بذلك هَاتِيكَ الخصوم، وقد رد عليهم بتلك الردود العصماء، التي تَقْطَع ضَرْع البدع وتُغَوِّرُ ما بقي لهم من ماء؛ وهو ما أَوْرَثَ الشيخَ العَدَاوةَ العَادِيَة، ورَمَاه عند أهل البدع بالدَّوَاهِي الداهية، ممن انتصر لمذهبٍ مُحْدَثٍ مُلوَّث، أو نِحْلَةِ قديمٍ مُخَنَّث، مِن مبتدِعة العَصْر، وحَمْقَى ذلك المِصْر، ونعني من المعاصرين مَن نعني، والله أعلم بالمَعْنِي، وإنما يُخْبَر ذلك، كلُّ مختبئ هنالك، ونَعْني من المتقدمين خاصة، الأشاعرة المتأخرين ومَنْ لَصَّ تلك اللاصَّة، وأخشى أن تكون حَمْلَتُكَِ على الشيخ الذابّ، وانتصارُك للشيخ الذاهب أبي غدة من هذا الباب، فهذا بَكْرُ النِّياق، وذَاكَ مُقَلِّد العِتَاق، على أن للشيخ الثاني غدة، وليس الأمر كما قالت العرب: أَغُدَّةً كَغُدَّةِ الْبَعِير؟! والأمر - والربِّ الجبَّار - خطير، فإن كان كذلك، ولا عُذْرَ في ذلك، فإنا ننصحكَِ بمراجعة مقالنا المنشور، في المجلس العلمي المعمور: أباطيل وأسمار.
فإن لم يَكْفِكَِ مقالة ذلك المجلس، فتلك وسوسة مُوَسْوِس، شُفِيتَِ وعُوفيت، ومما تَكْره - أو تَكْرهين - لا لَقِيت، ثم أسألكَِ - هداكَِ الله - عن الحروب التي خاضها الشيخُ أبو غدة، اعْدُدِيها - أو اعددها - لنا عدة، ولن أُدْخِل في الحساب، حُرُوبَه المُعْلَنَة على ذوي الألباب، أعني: خوضَه الحروب الضَّرُوس، بوجه عَبُوس، ومحاربتَه لعقيدة أهل السنة والجماعة، الذين هم الناس، والمُعَدُّون ليَوْم الْبَاس، ولا أعني: نصرَه المُؤَزَّر، ودفاعَه المُحَبَّر، عن ذاك الكوثري، ذَيَّاك الغبي، الذي ركب رأسه وهواه، وأَضَلَّ مِن بَعْدِه مَنِ اتَّبَعه وحاباه.
أم أنك تَقصدين - أو تقصد - فراره من زحف النُّصَيْرِيِّين البَعْثِيِّين من بلاد الشام، ثم اللجوء لأهل جزيرة العرب العظام، مُتَدَثِّرًا بعقيدة أهل السنة، وحاله كما قال الشاعر:
إِذَا جَالَسَ الْفِتْيانَ أَلْفَيْتَهُ فتًى ??? وَجَالَسَ كَهْلَ النَّاسِ أَلْفَيْتَه كَهْلاَ
وقول الآخر:
يَوْماً يَمَانٍ إِذَا لاقَيْتَ ذَا يَمَنٍ ??? وَإِنْ لَقِيتَ مَعَدِّيًّا فَعَدْنَانِي
ولكن - بِرَبِّكَِ - أخبريني - أو أخبرني -: هل تَعْرِفِينَ - أو تعرف - حَقًّا نَصَرَهُ الشيخُ أبو غدة - رحمه الله تعالى- أو بَاطِلاً قَمَعَهُ، أو طَاغُوتًا كَسَرَه، أو عَدُوًّا قاتَلَه، أو مَرَضًا من أمراض الأمة عَالَجَه، أم أنكَِ لم تُرَاجعي - أو تراجع - كُتُبَه المنشورة - وإن كانت لا تخلو من فوائد،غيرَ أنها - كما يَعْرِفُ من له خِبْرَةٌ بالعلم الشرعي الشريف - مَحْضُ تجميع لكلام السابقين.
وأخيرًا: أرجو منكَِ أن تُتْحِفِينا - أو تتحفنا - بالمواضع التي خرج فيها الشيخُ بكر عن الجادة وأدب الحوار، في مناقشته للشيخ أبي غدة أو لغيره؛ لأني لم أجد في كتبه إلا الحُجَّةَ تَعْقبها الحُجَّة، بأسلوب عَذْبٍ رَصِين، وبقلمٍ رَافِعِيٍّ حَصِين، وقد عَلِم الموافِقُ والمخالف عنه أدب الحوار وعِفَّة اللسان، وراجعي - أو راجع - إن شئتَِ الرسالة الذهبية.
هذا؛ وتحريرُ مَحَلِّ النزاع، فيمن نَعْنِيهم بالدفاع - كما ذكرتُ في أكثرَ من موضع من المقال السابق -: هم قومٌ من أهل السنة والجماعة في الجُمْلة، قالوا بقول أهل البدعة في مسألة جزئية مُعَيَّنة، أو مسائلَ جزئية محصورة، كمَن وقع عمليًا - تطبيقا لا تأصيلا - في تحريف بعض الصِّفَات؛ جَهْلاً، أو تأويلاً، أو لعَدَم معرفته بطرائق أهل السنّة في الاستدلال، أو لجَهْله بالسنّة أصلاً، أو قال كلاما ظاهرُه الضلالُ في موضع من كتبه، ورجع عنه في آخِرِ كُتُبِه، أو أَجْمَل أو أَطْلَق أو عَمَّم في موضع، وبَيَّن وقَيَّد وخَصَّص في موضع آخر. وغيرُ ذلك كثير ممن هو على المنهج الحق، وانتسب إلى السنّة في الجُمْلة، ونَصَرَها، فيُعْتَذر عنه، ولا تُنْسى حسناته، بل تُطْوَى سَيِّئَاتُه، في خِضَمِّ حَسَناتِه.
أما مَنْ خالف في أصل من الأصول، أو في جزئيات كثيرة، بحيث تكون كالأصل الْكُلِّيِّ - فقد فارقَ سبيلَ أهل السنّة، إلى طرق أهل البدعة؛ قال الإمام الشاطبي رحمه الله في الاعتصام: وذلك أن هذه الفِرَقَ إنما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كُلِّيٍّ في الدين، وقاعدة من قواعد الشريعة، لا في جزء من الجزئيات؛ إذ الجزء والفرع الشاذ لا يَنْشَأُ عنه مخالَفة يَقَعُ بسببها التفرُّق شِيعا؛ وإنما ينشأ التفرُّق عند وقوع المخالفة في الأمور الكُلِّيَّة. ثم قال: ومَجْرى القاعدةِ الكلية كَثْرَةُ الجزئيات؛ فإن المبتدع إذا أَكْثَر من إنشاء الفروع المخترَعة، عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارَضة.اهـ.
ومن تَأَمَّل حال كل مبتدِع منحرِف، وَجَدَه خالَف أهل السنة والجماعة، في معنى أو عدة معانٍ كلية: مثل الخوارج، والمرجئة، والمعتزلة، والرافضة، ومتأخري المتصوفة القبورية، والأشاعرة.
فمن كان على منهج يخالِف منهج أهل السنة أصلاً، فضلاً عن أن يُعْرف بعدائه الشديد لهم، أو الكَيْد بهم، والحَطِّ عليهم، فلا يَدْخل فيما قَعَّدْناه وأَصَّلْناه؛ بل يُعَامَلُ معاملةَ المبتدِع، وإن كان من الواجب أن تكون معاملتُه بعَدْلٍ وإنصاف، مع تَرْك التَّعَصُّبِ والاعْتِسَاف.
فمن عرف ما ذكرْنا، وفَهِم ما أخبرنا، وفَقِه ما عليه دَلَّلْنا، لم يَغِبْ عن وَعْيِه، بل ولم يَعْزُبْ عن عَقْلِه، سِرُّ حَمْل العلاّمة: بَكْرِ بن عبدالله أبو زيد على الشيخ عبد الفتاح أبوغدة الحلبي، المعروفِ بشدَّة عدائه لأهل السنَّة، بَلْهَ أهلَ الحديث، وأنه كثيرُ الوقيعة في أهل التوحيد، مع وَصْمِهم بالوَهَّابِيَّة؛ تنقيصًا لهم، وتَصْرِيحه بتضليلهم، وهذا أشهر من أن يُذْكَر، وذلك مع قُبُورِيَّته وَأَشْعَرِيَّتِه، وتعصبه المقيت لحنفيَّته، وقوله بالاستعانة والاستغاثة بالموتى، فضلاً عن نُصْرَتِه لأقوال الضالِّ المُضِلِّ زاهدِ الكوثري، الذي جمع من الشرور أَشَرَّها، ومن الوقيعة أحَطَّها، ولم يُرَاعِ شيخًا أو إمامًا لأهل السنة والجماعة.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تقريظًا لرسالة: براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة: فقدِ اطَّلَعْتُ على الرسالة التي كتبتُم بعنوان: براءة أهل السنة من الوقيعة في علماء الأمة، وفضحتُم فيها المُجْرم الآثمَ محمد زاهد الكوثري، بنقل ما كتبه من السَبِّ والشَّتْمِ والقَذْفِ لأهل العلم والإيمان، واستطالَتِه في أعراضهم، وانتقادِه لكُتُبِهم... إلى آخر ما فَاهَ به ذلك الأفَّاكُ الأثيم، عليه من الله ما يَسْتَحِقُّ، كما أوضحتُم - أثابكم الله - تَعَلُّقَ تلميذه الشيخ عبدالفتاح أبو غدة به، وولاءَه له، وتَبَجُّحَه باستطالة شيخه المذكور في أعراض أهل العلم والتُّقَى، ومشاركتَه له في الهَمْزِ واللَّمْزِ، وقد سَبَقَ أن نصحْناه بالتَّبَرُّؤ منه، وإعلانِ عدم موافقته له على ما صَدَرَ منه، وألححْنا عليه في ذلك، ولكنه أَصَرَّ على موالاته له، هداه الله للرجوع إلى الحق، وكفى الله المسلمين شرَّه وأمثالِه، وإنا لَنَشْكرُكم على ما كتبتُم في هذا الموضوع، ونسأل الله أن يَجْزِيَكم عن ذلك خيرَ الجزاء، وأفضل المثوبة.
وأقول لكل مَن رَاجَتْ عليه أقوالُ أُولَيَّائِكم المبتدِعة: إنّ هؤلاء تَعِبُوا وما أَغْنَوْا، ونَصِبُوا وما أَجْدَوْا، وحامُوا وما وَرَدُوا، وغَنَّوْا وما أَطْرَبُوا، ونَسَجُوا فَهَلْهَلُوا، ومَشَّطُوا فَفَلْفَلُوا؛ ظنُّوا ما لا يكون ولا يمكن ولا يُسْتطاع، ظنُّوا أنهم يُمْكنهم أن يَدُسُّوا البِدَعَ والخرافاتِ في الشريعة، وأن يَضُمُّوا إليها أقوالَ أهل الضلال، وهيهاتَ هيهاتَ!! ولاتَ حِينَ مَنْدَمِ!! فهذا مَرامٌ دونه حَدَد، وقد تَوَفَّر على هذا قبلَ هؤلاء قومٌ كانوا أَحَدَّ أنياباً، وأحضرَ أسباباً، وأعظمَ أقداراً، وأرفعَ أخطاراً، وأوسعَ قُوًى، وأوثق عُرًى، فلم يَتِمَّ لهم ما أرادوه، ولا بلغوا منه ما أمَلوه، وحصلوا على لُوثاتٍ قبيحة، ولطخاتٍ فاضحة، وألقابٍ مُوحِشة، وعواقبَ مخزِية، وأوزارٍ مثقِلة.
فالشريعة مأخوذةٌ عن الله عز وجل من طريق الوحي، وبابِ المناجاة، وشهادةِ الآيات، وظهورِ المعجزات على ما يوجِبه العقلُ تارةً، ويُجَوِّزه تارةً، لمصالحَ عامةٍ مُتْقَنة، ومراشدَ تامةٍ مُبَيَّنَة، وفي أثنائها ما لا سبيل إلى البحث عنه، والغوص فيه، ولابد من التسليم للداعي إليه، والمُنَبِّه عليه؛ فهناك يَسْقُط لم، ويَبْطل كيف، ويزول هلاّ، ويذهب لو وليت في الريح؛ لأن هذه المواد عنها محسومة، واعتراضات المعترضين عليها مردودةٌ، وارتياب المرتابين فيها ضارّ، وسكون الساكنين إليها نافع، وجملتها مشتملةٌ على الخير، وتفصيلها موصولٌ بها على حسن التقبُّل، وهي متداوَلة بين مُتَعَلِّق بظاهرٍ مكشوف، ومحتجٍّ بتأويلٍ معروفٍ، وناصرٍ باللغة الشائعة، وحامٍ بالجَدَل المُبِين، وذابٍّ بالعمل الصالح، وضاربٍ للمثل السائر، وراجعٍ إلى البرهان الواضح، ومتفقِّهٍ في الحلال والحرام، ومستندٍ إلى الأَثَر والخَبَر المشهورَيْنِ بين أهل المِلَّة، وراجعٍ إلى اتِّفاق الأمّة، وأساسُها على الوَرَع والتقوى، ومنتهاها إلى العبادة وطلب الزُّلْفى.
هذا؛ وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وللحديث بقية.
"
الأقسام الرئيسية
الأكثر مشاهدة من نفس التصنيف
الأحاديث القصار 200 حديث من الصحيحين
2022-06-20
بين الرأي والشرع
7/18/2022
روعة الانتصار سرها (الآن)
7/18/2022
اقتضاء الصلاح الإصلاح
7/18/2022
الرأي الأخر
0