"فيروس نقص الذكاء الإعلامي
كنا في رحلة برية من الرياض إلى إمارة دبي في الإمارات.
حين توقفنا في الطريق عند إحدى الاستراحات، سألتُ ابنتي رواء ذات الأربعةَ عشرَ عامًا: ما رأيك أن نبني بيتًا هنا ونستقر فيه؟
تعجبَتِ ابنتي من هذا السؤال، وأجابتني: من المؤكد أنك غير جادة يا أمي!
قلت لها: لماذا يبدو لك الأمر مزاحًا؟ ما الضير أن نبني بيتًا ونعيش هنا؟
أجابتني رواء: لأنه بكل بساطة ليس مكانًا للإقامة! إنه طريق للوصول إلى دبي، إلى محطتنا التي نبغي الوصول إليها، ثم أردفتْ بحياء: هذه الفكرة الغريبة لن تصدر منك إلا مزاحًا.
سألتُها: وماذا تفعلين لأحدهم لو أصرَّ على الإقامة هنا؟ ولنقل: إن هذا المكان وادٍ محتمل أن يجرفه السيل إن هطلت الأمطار؟ هل تتركينه وشأنه أو تنصحينه؟
قالت: إن كنتُ أحبُّه، فلن أدعه حتى يأتي معي ولو بالقوة، وإن كنت لا أعرفه، فسأنصحه ثم أتركه وشأنه، هو الذي اختار المخاطرة، فليتحمل عواقبها.
قلت لها: وإن كان هذا الشخص قد أثَّر على آخرين تحبينهم، فأقنعهم بالاستقرار هنا، وأنت ترين ذلك، ومتأكدة من غرقهم لا محالة، هل تتركينه يفعل ذلك؟
أجابت بعفوية: (والله ما أخليه يسويها).
فتابعتُ قائلة لها: إذًا اعلمي - يا حبيبتي - أن هناك مَن يفعل ذلك لمن تحبين؛ بل لأهم ما تحبين (وطنك)!
ولما وجدتُ تقاسيمَ وجهها قد ملأتْها الحيرةُ؛ مما أحجمها عن الجواب قليلًا، تابعتُ: والأصوات الآن تملأ أكثر قنوات إعلامنا بأن يُترَك الناس وشأنهم؛ أي: بكل بساطة يتركونهم للغرق، بحجة الحرية الشخصية! وبحجة نزع الوصاية والرقابة الخارجية!
إن كل مَن يعصي الله جل وعلا مغترًّا بالدنيا وزيفها، غيرَ مدرك أنها ممرٌّ، وأن الآخرة هي المقرُّ - يفعل ذلك.
وهذا الاغترار بالدنيا، قد يعود على شخصه فقط، وقد يعود شؤمه على المجتمع بأكمله، فينذر بالهلاك، ويقرب من غرق السفينة - نسأل الله العافية.
هؤلاء المغترُّون بالدنيا لا بد من الأخذ على أيديهم بكل الوسائل التي علَّمنا إياها نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - شفقةً بهم، وإنقاذًا للمجتمع من الغرق، وإلا فإن سنن الله الكونية تسير، ولن يوقفها أحد كائنًا من كان.
والحمد لله تعالى أن في بلاد الحرمين الشريفين هيئةَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي لها قسط كبير من الفضل - بعد فضل الله جل وعلا في كشف بؤر الفساد في مجتمعنا من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، ولا ينكر ذلك إلا جاحد كذوب.
والمضحك المبكي أن بعضًا من أصحاب الأقلام التي تعاني فيروس (نقص الذكاء الإعلامي) - قد سخَّرتْ كل مكرها في محاربة الهيئة جملة وتفصيلًا، وكأنها تتمنى إلغاءها تمامًا، وإني أنصحهم بأن يخففوا من غبائهم؛ لأنهم أصبحوا (وأصبحن) مكشوفين للرأي العام المحافظ والملتزم في بلادنا، وأنصحهم - إن أرادوا استرجاع ثقة القُرَّاء بهم - أن يتطرقوا في مقالاتهم وكتاباتهم إلى مناصبَ ووظائف أخرى، ينتشر بأروقتها وبين موظفيها سوء المعاملة، التي أنهكَتِ المستضعفين من المراجعين (والمراجعات يا مَن يهمه أمر حقوق المرأة المفقودة!)، فوجود جهاز الهيئة في بلادنا، وفي نظر الحكومة الراشدة - يعادل الوزارات الأخرى؛ لأن مرافق الحكومة المفترض أن تسير بشكل متوازٍ أو متقاطع؛ لتحقيق مصلحة واحدة، وليس متضادًّا!
ومن العبث أن يكون هناك إعلام، وتعليم، وصحة، وتخطيط، ومالية، دون وجود مجتمع آمن من داخله، تبثُّ فيه قيم الفضيلة، ويؤخذ فيه على أيدي مَن يريد أن يخلَّ بأمن بلدنا، بمحق البركة واستجلاب غضب الله جل وعلا بفساده ومنكراته، والمجاهرة بها؛ بل ويجد من يؤيده، أو يعينه، أو يصمت عليه؛ بحجة الحرية الشخصية.
إن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي صمام الأمان في بلادنا، والتي نصرُّ على بقائها ودعمها، واستمرارية نشاطها، ما استمر فينا عرق ينبض، وهي - كأي هيئة أخرى ومرفق حكومي - يصدر من منسوبيها بعضُ الهفوات والأخطاء، التي تحتاج إلى إصلاح، ومتابعة، ومحاسبة.
"
كنا في رحلة برية من الرياض إلى إمارة دبي في الإمارات.
حين توقفنا في الطريق عند إحدى الاستراحات، سألتُ ابنتي رواء ذات الأربعةَ عشرَ عامًا: ما رأيك أن نبني بيتًا هنا ونستقر فيه؟
تعجبَتِ ابنتي من هذا السؤال، وأجابتني: من المؤكد أنك غير جادة يا أمي!
قلت لها: لماذا يبدو لك الأمر مزاحًا؟ ما الضير أن نبني بيتًا ونعيش هنا؟
أجابتني رواء: لأنه بكل بساطة ليس مكانًا للإقامة! إنه طريق للوصول إلى دبي، إلى محطتنا التي نبغي الوصول إليها، ثم أردفتْ بحياء: هذه الفكرة الغريبة لن تصدر منك إلا مزاحًا.
سألتُها: وماذا تفعلين لأحدهم لو أصرَّ على الإقامة هنا؟ ولنقل: إن هذا المكان وادٍ محتمل أن يجرفه السيل إن هطلت الأمطار؟ هل تتركينه وشأنه أو تنصحينه؟
قالت: إن كنتُ أحبُّه، فلن أدعه حتى يأتي معي ولو بالقوة، وإن كنت لا أعرفه، فسأنصحه ثم أتركه وشأنه، هو الذي اختار المخاطرة، فليتحمل عواقبها.
قلت لها: وإن كان هذا الشخص قد أثَّر على آخرين تحبينهم، فأقنعهم بالاستقرار هنا، وأنت ترين ذلك، ومتأكدة من غرقهم لا محالة، هل تتركينه يفعل ذلك؟
أجابت بعفوية: (والله ما أخليه يسويها).
فتابعتُ قائلة لها: إذًا اعلمي - يا حبيبتي - أن هناك مَن يفعل ذلك لمن تحبين؛ بل لأهم ما تحبين (وطنك)!
ولما وجدتُ تقاسيمَ وجهها قد ملأتْها الحيرةُ؛ مما أحجمها عن الجواب قليلًا، تابعتُ: والأصوات الآن تملأ أكثر قنوات إعلامنا بأن يُترَك الناس وشأنهم؛ أي: بكل بساطة يتركونهم للغرق، بحجة الحرية الشخصية! وبحجة نزع الوصاية والرقابة الخارجية!
إن كل مَن يعصي الله جل وعلا مغترًّا بالدنيا وزيفها، غيرَ مدرك أنها ممرٌّ، وأن الآخرة هي المقرُّ - يفعل ذلك.
وهذا الاغترار بالدنيا، قد يعود على شخصه فقط، وقد يعود شؤمه على المجتمع بأكمله، فينذر بالهلاك، ويقرب من غرق السفينة - نسأل الله العافية.
هؤلاء المغترُّون بالدنيا لا بد من الأخذ على أيديهم بكل الوسائل التي علَّمنا إياها نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - شفقةً بهم، وإنقاذًا للمجتمع من الغرق، وإلا فإن سنن الله الكونية تسير، ولن يوقفها أحد كائنًا من كان.
والحمد لله تعالى أن في بلاد الحرمين الشريفين هيئةَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي لها قسط كبير من الفضل - بعد فضل الله جل وعلا في كشف بؤر الفساد في مجتمعنا من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، ولا ينكر ذلك إلا جاحد كذوب.
والمضحك المبكي أن بعضًا من أصحاب الأقلام التي تعاني فيروس (نقص الذكاء الإعلامي) - قد سخَّرتْ كل مكرها في محاربة الهيئة جملة وتفصيلًا، وكأنها تتمنى إلغاءها تمامًا، وإني أنصحهم بأن يخففوا من غبائهم؛ لأنهم أصبحوا (وأصبحن) مكشوفين للرأي العام المحافظ والملتزم في بلادنا، وأنصحهم - إن أرادوا استرجاع ثقة القُرَّاء بهم - أن يتطرقوا في مقالاتهم وكتاباتهم إلى مناصبَ ووظائف أخرى، ينتشر بأروقتها وبين موظفيها سوء المعاملة، التي أنهكَتِ المستضعفين من المراجعين (والمراجعات يا مَن يهمه أمر حقوق المرأة المفقودة!)، فوجود جهاز الهيئة في بلادنا، وفي نظر الحكومة الراشدة - يعادل الوزارات الأخرى؛ لأن مرافق الحكومة المفترض أن تسير بشكل متوازٍ أو متقاطع؛ لتحقيق مصلحة واحدة، وليس متضادًّا!
ومن العبث أن يكون هناك إعلام، وتعليم، وصحة، وتخطيط، ومالية، دون وجود مجتمع آمن من داخله، تبثُّ فيه قيم الفضيلة، ويؤخذ فيه على أيدي مَن يريد أن يخلَّ بأمن بلدنا، بمحق البركة واستجلاب غضب الله جل وعلا بفساده ومنكراته، والمجاهرة بها؛ بل ويجد من يؤيده، أو يعينه، أو يصمت عليه؛ بحجة الحرية الشخصية.
إن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي صمام الأمان في بلادنا، والتي نصرُّ على بقائها ودعمها، واستمرارية نشاطها، ما استمر فينا عرق ينبض، وهي - كأي هيئة أخرى ومرفق حكومي - يصدر من منسوبيها بعضُ الهفوات والأخطاء، التي تحتاج إلى إصلاح، ومتابعة، ومحاسبة.
"
الأقسام الرئيسية
الأكثر مشاهدة من نفس التصنيف
الأحاديث القصار 200 حديث من الصحيحين
2022-06-20
بين الرأي والشرع
7/18/2022
روعة الانتصار سرها (الآن)
7/18/2022
اقتضاء الصلاح الإصلاح
7/18/2022
الرأي الأخر
0