نشأة الكتل القارية القديمة
والعمليات الداخلية البانية
نشأة القارات
شغلت طريقة وعملية تكوين القارات والمسطحات المائية المحيطة بها (بحار ومحيطات) و ظهور سطح الكرة الأرضية علي وضعه الحالي أذهان الكثير من العلماء، مما دفعهم إلي صياغة مجموعة من النظريات التي حاول كل منهم في نظريته الوقوف علي عدد من الجوانب التي تفسر نشأت اليابس والماء علي سطح الأرض، وقد بدأت النظريات ضعيفة الحجج ولكن تلافي بعض العلماء أوجه النقد الموجه إلي النظريات الأولي، ومن هذه النظريات:
نظرية التواء القشرة الأرضية: صاغ هذه النظرية العالم ديلي Daly حيث أرجع توزيع اليابس والماء علي سطح الأرض إلي التواء القشرة الصلبة للأرض عند برودتها وانكماشها في شكل نطاقات إقليمية كبيرة، فظهر السطح علي شكل التواءات مقعرة تنخفض عما يجاورها تجمعت فيها المياه لتكون المسطحات المائية، والتواءات محدبة ترتفع عن المقعرات لتكون القارات.
نظرية الكويكبات: صاغها في عام 1905 كل من تشمبرلن ومولتون علي أساس أن سطح الأرض قد تعرض لسقوط جسيمات وأجرام كوكبية أكثر في مناطق من أخرى فارتفعت عما يجاورها فظهرت القارات، وظلت المناطق الأخرى منخفضة فتجمعت بها المياه وتكونت المسطحات المائية، وقد واجهت هذه النظرية النقد مثل أن الأجرام السماوية عند تصادمها تحترق وتتحول إلي رماد لا مواد صلبة، ولماذا تجمعت جسيمات أكثر في مناطق دون أخرى؟
نظرية تيارات الحمل Convection current:
تقوم النظرية علي حقيقة أن باطن الأرض تحت القشرة الخارجية يحتوي علي مواد مشعة، تؤدي إلي صهر الصخور وتفكيكها فتصبح لينة، يساعد ذلك علي تحركها ببطء وسهولة في الداخل، وتظهر هذه الحركة في شكل تيارات حمل، فإذا ما تحركت التيارات إلي أعلى فهي تيارات حارة ساخنة، وعند وصول التيار إلي الجزء السفلي من القشرة الخارجية ينقسم إلي تيارين في اتجاهين متعاكسين، وعليه تظهر القارات بالمنطقة الممتدة فوق التيار الصاعد والأجزاء المرتفعة من التيارين المتعاكسين، كما يظهر من .
كلما تقدم التياران المتعاكسان بعيداً عن منطقة صعود التيار الساخن تقل درجة الحرارة بهما، وذلك لبعدهما عن مصدر التسخين وهو المواد المشعة وقربهما من سطح الأرض، ومع انخفاض درجات الحرارة تبدأ المواد المتحركة في الانكماش ويثقل وزنها فتهبط إلي أسفل حيث نقطة تحركها الأولي لتكمل الدورة، وفي أثناء هبوط هذه المواد عند الحدود الخارجية للقارات تتجعد المواد داخل التيار لتكون أوتاد الجبل في الباطن والتي تماثل ما يظهر منها علي السطح.
النظرية التتراهيدية Tetrahedral صاغها لوثيان جرين L. Green في عام 1875وفيها افترض أنه أثناء برودة الكرة الأرضية أخذت شكل المنشور الثلاثي أو الهرم الثلاثي، نشأت القارات فوق رءوس المنشور البارزة، بينما تجمعت المياه في جوانب المنشور المنخفضة لتكون المحيطات. لقد بني جرين نظريته علي عدة حقائق ظاهرة في توزيع اليابس والماء علي سطح الأرض، مثل أن معظم القارات تأخذ شكل المثلثات وبالأخص في أطرافها الجنوبية، وينطبق نفس الشيء علي المحيطات في أطرافها الشمالية وبالذات المحيط الهادي، وكذلك أن اليابس يقابله في معظم الأوقات مياه المحيطات في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية.
نظرية زحزحة القارات:
لم تصاغ هذه النظرية دفعة واحدة وفي فترة زمنية واحدة، بل بدأت المقدمات الأولي لها علي يد فرنسيس بيكون في عام 1620، وطورها كل من تيلور F. B. Taylor وألفريد فجنر Wegener في بدايات القرن العشرين بناءا علي ما قدمه باريل J.Barrellمن مفاهيم الغلاف الصخري Lithosphere وغلاف الأسثينوسفير Asthenosphere للقشرة الخارجية للكرة الأرضية أو الطبقات السطحية، حيث ينظر للغلاف الصخري شديد مقاومة الشد علي أنه القشرة العليا الواقعة فوق طبقة الأسثينوسفير منخفضة المقاومة قياسا بالطبقة السطحية.
أسس فجنر نظرية زحزحة القارات علي التشابه الجيولوجي بين خطوط السواحل المتقابلة حول المحيط الأطلنطي، وبالأخص أن سواحل جنوب غرب إفريقيا تكاد تتشابه مع سواحل شر أمريكا الجنوبية، وأن الأطراف الجنوبية لإفريقيا وأمريكا الجنوبية كانت مرطبة بقارة أنتاركتيكا، دل علي ذلك وجود آثار تعرية جليدية تمتد أجزاؤها بين القارات الثلاث، وعلي أن هذه القارات كانت علي مقربة من القطب الجنوبي في الزمن الجيولوجي الأول في العصرين الفحمي والبرمي منذ حوالي 250مليون سنة، وذلك قبل عصور الجليد في الزمن الرابع الجيولوجي
كما ذكر فجنر في سياق النظرية أن كتل اليابس القارية كانت مجتمعة في قارة واحدة هي قارة بنجايا pangaea ، وأنه كان يحيط بها محيط هائل المساحة يسمي بنثالاسا Panthalassa يتكون قاعه من صخور السيما المرنة، وقد تكسرت الكتلة اليابسة ربما نتيجة حركة في الباطن، وتجزأت إلي قارتين الشمالية قارة لوراسيا Laurasia، والجنوبية قارة جندوانالاند Gondwanaland، ويقع بينهما بحر جيولوجي قديم ضيق وطويل هو بحر تيثس الذي كان يمتد من الشرق إلي الغرب، وما تبقي منه يمثل البحر المتوسط الحالي. وبعد حدوث التكسر ثبتت هذه الكتل في أماكنها ما يقرب من 100 مليون سنة قبل أن تتحرك، وبدأت بها حركة الزحزحة التدريجية فعبرت خط الاستواء منذ حوالي 150 مليون سنة، كما صاحب هذه الحركة تكسر قارة لوراسيا إلي قسمين هما الكتلة اللورانسية وكتلة فينوسكانيا، وفي ذات الوقت تكسرت قارة جندوانالاند إلي عدة كتل صغيرة، مثلت كل منها نواة قارة من القارات الجنوبية.
كانت حركة الكتل علي النحو التالي: تحركت أفريقيا نحو الشمال، وتتحرك كتلة لوراسيا نحو الجنوب الشرقي في الوقت الحالي، مما أدي إلي تكون سلاسل الجبال الإلتوائية في جنوب أوروبا وجنوب شرق آسيا، بينما تزحزحت كتل الأمريكتين نحو الغرب فنشأت جبال الروكي والإنديز في غربهما علي الساحل الشرقي للمحيط الهادي. وعلي ذلك يمكن القول أن فجنر استطاع أن يفسر تشابه السواحل المتقابلة، كما فسر وجود نطاقات الفحم الممتدة من الشرق إلي الغرب، ومتتابعة من الجنوب إلي الشمال بالقارات الشمالية، ولأن هذا الفحم يعود في أصله إلي أشجار الغابات الاستوائية فلا بد وأن كل نطاق وقع بمنطقة الاستواء في وقت ما. وقد أعطت النظرية تفسيرا مقبولا لتشابه الحيوانات في نصف الكرة الجنوبي، واختفاء هذه الأنواع من نصف الكرة الشمالي مثل حيوان الكنجارو والأبوسم، ولا يمكن أن تتشابه في الجنوب إلا أن تكون هذه القارات متصلة في وقت ما.
لاقت النظرية أوجه نقد علي الرغم من تفسيرها لكثير من الأمور الهامة وما أيدها من أدلة واضحة مثل تحرك الغابات من الشمال إلي الجنوب، وعدم قدرة هذه النباتات علي النمو في المناخات الباردة التي توجد فيها نطاقات الفحم الحالية، وكذلك وجود أوراق أشجار مدارية بالولايات المتحدة لا يمكن أن تنمو بها الآن، ويؤكد ذلك حقيقة نموها في مناخات مدارية غير موجودة الآن، وعلي ذلك فإن الحياة النباتية قد حدث بها تغيرات عظيم أثر في تاريخ الأرض، وإن كان البعض يري أن النباتات هي التي هاجرت مع ثبات القارات في أماكنها، بينما يري البعض الآخر أن القطب الشمالي قد غير موقعه عدة مرات منذ العصر الكريتاسي وحتى الآن، وهذا مما يؤكد نظرية زحزحة القارات
وتبني شانى Chaney نقداً لنظرية زحزحة القارات لفجنر اعتمد فيه علي أن توزيع الحفريات النباتية في الصخور القديمة تؤكد عكس ما ذكره فجنر من أن حركة زحزحة القارات بدأت في الماضي الجيولوجي البعيد وأنها ما زالت مستمرة في الفترة الجيولوجية الأخيرة، حيث وجدت منذ عشرات الملايين من السنين حياة نياتية شبيهة بما هو موجود علي سطح الأرض في الوقت الحالي، ويعني ذلك أن أماكن كل من أمريكا الشمالية وأوراسيا والقطب الشمالي لم تتغير وللآن، وأن ما تم من هجرة الحياة النباتية إنما كان استجابة للتغيرات المناخية لا لزحزحة القارات
ومن الأمور التي تعضد النظرية ما جمعه العلماء من عينات حفريات النباتات في صخور الميوسين في القارات الشمالية، وقد جمعت هذه النباتات من بيئات مختلفة منها المعتدلة الباردة ، والمعتدلة، والمعتدلة الدافئة وشبه المدارية، لكنها تنتمي إلي بيئة حارة مما يؤكد أنها عاشت في مناطق تقع إلي الجنوب من الأماكن التي تم العثور عليها فيها، ثم انتقلت الأرض إلي أماكن تواجدها الحالي. وكذلك ما ينتاب قارة انتركتيكا الوقعة بمنطقة القطب الجنوبي من حركة أفقية تغير من وضعها بالنسبة للشمال المغناطيسي، وكذلك أثبت العلماء أنها تتحرك بالنسبة للمحيط الهادي عند دائرة عرض 71° جنوباً بالزيادة أو بالنقص في حدود 2°،و 6°عند تقاطعه مع خط طول 118° شرقاً، وحدوث الحركتين في نفس المدة الزمنية والبالغة 5.7سم/سنة، ويعد هذا المعدل مرتفع قياسا بالكتل القارية الأخرى.
نظرية الألواح التكتونية: Plate tectonics
صاغ هذه النظرية هاري هيس ومضمونها أن طبقة الليثوسفير تتكون من 11لوحاً منها ستة كبيرة هي: 1- اللوح الباسيفيكي.
2- لوح أمريكا الشمالية والجنوبية.
3- لوح أوراسيا. 4- لوح أفريقيا.
5- لوح الهند أستراليا. 6- لوح انتركتيكا.
وخمسة ألواح ثانوية تتحرك جميعهاً فوق طبقة الأثينوسفير (الجزء العلوي من طبقة المانتل المرنة عالية الكثافة)، ويفصل بين هذه الألواح المتقاربة تشققات عميقة أو سلاسل جبلية عالية أو اخاديد بحرية عميقة، ويتراوح سمك هذه الألواح ما بين 75 و125 كم، وقد تم صياغة نظرية الألواح التكتونية من خلال فهمنا الحديث للقشرة ومانتل الأرض والتركيب القاري، وخنادق المحيط، والسلاسل الجبلية، والنشاط التكتوني من كلّ الأنواع. الحدود الفاصلة بين الألواح بعضها يتباعد والآخر يتلاقى، فالألواح التي تتباعد ينشأ بينها فراغ يملؤه الصهير البازلتي القادم من طبقة الأثينوسفير ، وأفضل مثال لذلك ما يحدث علي الحد الشرقي لوح أمريكا الجنوبية بوسط المحيط الأطلنطي؛ حيث يتباعد قاع المحيط وتخرج من القاع كميات كبيرة من الحمم البركانية البازلتية، وعندما تبرد تتحول إلي صخور بركانية، وتكون هذه الصخور سلسة من الجبال الغارقة تحت مياه وسط المحيط طولها 3000كم، تعرف بالحافة الغارقة أو قارة أطلانطس المفقودة، وعلي ذلك فهذه الحافة واحدة من أحدث أجزاء سطح الأرض.
ونتيجة تباعد لوحي أفريقيا وأمريكا الجنوبية تخرج اللافا من الأخدود بين اللوحين، وتنتقل شرق وغرب حد لوح أمريكا الجنوبية، ويخلق ذلك نسق طبوغرافي علي قاع المحيط الأطلنطي، وتقدر كميات مواد القشرة الأرضية المضافة علي كل من جانبي حافة الأطلنطي بنحو 2إلي 3سم/ سنة، ولذلك يبدو المضاف من هذه المواد قليل القيمة والمساحة، لكن علي المدى الطويل في مدة مليون سنة تصل هذه المساح إلي 50 كم، وعلي هذا نجد أن قاعي المحيط الأطلنطي والهادي يتسعان بشكل سريع، ومن ثم نعتقد أن عمرهما الجيولوجي أقل من 200مليون سنة.
والألواح التي تتلاقى تتصادم وتهبط مقدمة إحداها أسفل بداية اللوح الآخر، مما يؤدي إلي انصهار المقدم الهابطة في السطح العلوى لطبقة المانتل، وتنشأ فوقها أخاديد بقيعان المحيطات، بينما المقدمات الصاعدة إلي أعلى تكون سلاسل جبلية، وأفضل مثال علي ذلك تلاقي لوح نازكا (لوح غارق غرب لوح أمريكا الجنوبية تحت مياه المحيط الهادي) الذي يتحرك من الغرب إلي الشرق مع لوح أمريكا الجنوبية الذي يتحرك من الشرق إلي الغرب، وعندما يغوص الطرف الشرقي للوح نازكا المكون من صخور اللثيوسفير إلي أسفل داخل طبقة المانتل، فينصهر نتيجة ارتفاع درجة الحرارة المانتل وتنطلق البراكين النشطة فوق الحد الغربي لأمريكا الجنوبية داخل جبال الإنديز.
تتكون براكين الإنديز من مواد مصهورة من لافا سيالية أكثر من كونها لافا سيما علي الرغم من انطلاقا من داخل المانتل، ويعني ذلك أن نسبة السيليكا بها مرتفعة وأنها من لافا جرانيتية الأقل كثافة من اللافا البازلتية التي تخرج من طبقة المانتل، ويدل ذلك علي أن أصل هذه التكوينات تنتمي إلي تكوينات قارية ، أي أن لوح نازكا لوح قاري غارق تحت مياه المحيط الهادي.
ومما سبق يمكن القول أن هبوط اللوح المحيطى أسفل الطرف القاري يسعد جداً في نشأة مواد قارية جديدة علي هوامش القارات في الوقت الحالي، أو قد يساعد في ظهور أرض جديدة داخل المحيطات في شكل جزر بركانية، ومن هذه الجزر مجموعات أقواس الجحزر البركانية بالمحيط الهادي، مثل مجموعة جزر كوريل، وأرخبيل جزر ألوشيان ,ارخبيل جزر ماريانا، ويجاور مجموعان أقوس الجزر هذه أخاديد بحرية عميقة تقع إلي الشرق منها وتحمل نفس اسماء الجزر، حيث تمثل الأخاديد مناطق هبوط الألواح المحيطية، بينما تمثل مناطق تلاقي الألواح حيث يرتفع الضغط والحرارة و الاحتكاك، فتنصهر المواد وترتفع إلي أعلى لتكون أقواس الجزر.
أما عندما تتحرك الألواح التكتونية حركة جانبية أفقية متماسة لا تصادمية، فإنه يحدث تكسير وتدمير في منطقة التماس، ويصاحب هذا التدمير انطلاق اندفاعات بركانية تتبعها هزات زلزالية عنيفة أحياناً، وأحسن مثال لذلك ما يحدث بالمنقطة الفاصلة بين لوح أمريكا الشمالية ولوح أوراسيا ممثلاً في الكتلة الروسية، حيث تخرج اللافا وتحدث الهزات الزلزالية بمنطقة كاليفورنيا.