«بيان الرياض» .. أدوات واضحة وتواريخ محددة

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
لا شك أن أن ما ما تضمنه بيان القمة الاقتصادية التنموية الاجتماعية العربية التي عُقدت في الرياض، هي الأقوى مقارنة بتلك التي صدرت عن القمتين المماثلتين في الكويت وشرم الشيخ. فقد أُطلقت في الواقع بعزم مختلف عما كان، وفي ظل متغيرات متلاحقة لا تتوقف على الساحة العربية، مع شفافية عالية الجودة حقاً، تختلف جذرياً عن تلك التي قد تظهر في القمم السياسية العربية. لكن الأهم من كل هذا، أنها توصيات بأدوات، أو لنقل قرارات بمعاول، أو مشاريع بوقود جاهز لها. إنها مختلفة تماماً من حيث الطرح وآليات التنفيذ التي جاءت مع إشارات واضحة وصريحة من مغبة تقاعس أو تثاقل بعض الدول العربية في تطبيق التوصيات الصادرة عن القمة. هذه الإشارات تكتسب أهمية كبرى ولها دلالاتها العالية، لأنها لم تأت من محلل هنا، وآخر هناك، بل انطلقت من وزير خارجية المملكة الأمير سعود الفيصل.
اعتادت بعض الحكومات العربية المحتاجة بصورة شديدة لكل مشروع يصدر عن القمم الاقتصادية العربية، أن تتحجج بعدم وجود الآليات المناسبة لتنفيذ مشاريع التنمية المطروحة. وهذا لم يكن صحيحاً تماماً، لأنها تتحمل هي المسؤولية الأولى، بعدم تمهيد الطريق لعمليات التنفيذ، من خلال استفحال الفساد، وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية، بل وعدم وجود قوانين واضحة قاطعة، تختص بحماية المساهمين أنفسهم، سواء أولئك الذين يمثلون الحكومات المانحة، أو المستثمرين من القطاع الخاص. وللحكومات ''المتحججة'' بعض الحق، لأن بعضاً من الدول التي ألزمت نفسها بمخصصات لصناديق التنمية العربية، تتقاعس أو تتثاقل أو أنها تنتظر بيئة أفضل في الدول المهيأة لهذه المشاريع. وبين هذا وذاك، ارتفع الفقر ومعه البطالة، إلى جانب المرض، وحتى نقص الغذاء، واضطرابه على ساحة الدول العربية المحتاجة إلى التنمية.
من أهم الخطوات التي قفزتها قمة الرياض العربية، أنها أطلقت تواريخ محددة للتنفيذ، بمعنى أن ''الباب لن يكون مفتوحاً على الغارب''. وهذا بحد ذاته إنجاز تاريخي على صعيد الاتفاقات والتوصيات العربية ككل. والتواريخ هي في النهاية أرقام، والأرقام - أياً كانت - لا يمكن الالتفاف حولها أو الاحتيال عليها، بما في ذلك موعد إنجاز الاتحاد الجمركي العربي، في موعد أقصاه نهاية العام الجاري، وهو إنجاز حاسم لإطلاق السوق العربية المشتركة بحلول عام 2015، التي ستشكل في النهاية الحالة الاقتصادية الأكثر ثباتاً، على الصعيد العربي ككل. التواريخ المحددة، التي شملت جملة أخرى من المشاريع التنموية، صاحبتها المبادرة المهمة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الخاصة بزيادة رؤوس أموال المؤسسات العربية المشتركة بنسبة 50 في المائة وما فوق. لماذا؟ لتمكينها من توسيع أعمالها، وتوسيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في سياق الدفع بجهود التنمية العربية وتحقيق المنفعة المباشرة للمواطن العربي. أي إن المسألة ليست نظرية، بل هي عملية وواقعية، لا تترك مجالاً للتقاعس أو التأخر في تنفيذها. فالصناديق التي اتُّفق عليها في القمتين السابقتين، ستزخم بمزيد من الإمدادات المالية، وستحدد الشكل العام للعمل، بل ومستويات مشاركة كل الدول المعنية، سواء الممولة أو المتلقية لهذا التمويل. وامتدادات هذه المبادرة لا تقتصر فقط على الحراك التنموي المطلوب عربياً، بل تشمل أيضاً الطريق المؤدي إلى استقرار دول لم تشهد الاستقرار بمفهومه الصحيح لعقود طويلة.
توصيات قمة الرياض تؤسس في الواقع لعمل عربي اقتصادي مشترك حقيقي، لا عاطفي ولا ارتجالي. وجاءت في وقتها، في ظل التحولات التي تشهدها بلدان عربية، عانت الكثير على صعيد الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، التي ولدت أزمات معيشية مستفحلة، بصرف النظر عن ماهية هذه الأزمات، والذين كانوا (ما زال بعضهم) يقفون وراءها.
 
أعلى