أذربيجان وأرمينيا، بركان خامد من الصراع

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
لعقدين من الزمن، كانت أنتيغا قهرمانوفا تنتظر نهاية للحرب التي أرغمتها على ترك منزلها، إلا أن المخاوف تتزايد من أن يتفجر الصراع المتوقف حاليا على ناغورنو قره باغ من جديد وتزداد حدته.
وكانت هناك صورة باهتة معلقة على أحد جدران تلك الغرفة الضيقة التي تسكنها السيدة قهرمانوفا، ذات الثمانين سنة، تظهر زوجين جميلين ترتسم ملامح الحزن على وجهيهما، وهما ابنتها وزوج ابنتها.​
وانهمرت الدموع على خديها المتجعدين اللذين خطهما الشيب، وهي تصف ما حدث لهما خلال الحرب مع أرمينيا منذ عقدين مضيا، حيث ربط جنود الأرمن زوج ابنتها إلى شجرة وأحرقوه حيا، ثم أطلقوا النار على رأس ابنته.​
وتابعت وهي تمسح الدموع بغطاء رأسها قائلة: "ثم أطلقوا النار على حفيدتي ليردوها قتيلة أيضا، وأطلقوا النار على عقب قدم حفيدتي الأخرى، وقالوا إن ذلك حتى نتعلم الدرس."​
أما قهرمانوفا فقد نجحت في الهرب، واختبأت بين الأشجار لأربعة أيام مع أحفادها الثلاث ممن بقوا على قيد الحياة، وذلك قبل أن تهرب وتصطحبهم معها.​
ولعشرين سنة حتى الآن، تعيش قهرمانوفا في غرفة صغيرة بإحدى المصحات القديمة التي يعود تاريخها لحقبة السوفييت، حيث عملت على تربية أحفادها الثلاثة في هذا المكان.​
وتابعت قائلة: "كل ما أريده هو أن أعود إلى وطني وأموت في المكان الذي ولدت فيه. أريد العودة إلى بيتي."​
يذكر أن ما يقرب 600 ألف آذري، أو ما يقرب من سبعة في المئة من تعداد سكان البلاد، يعانون مثل تلك المعاناة ويعيشون في بنايات المدارس والجامعات والمستشفيات التي يعود تاريخها إلى الحقبة السوفييتية، من بينهم عائلات تتكون من خمسة إلى سبعة أفراد يعيشون مع بعضهم البعض في غرف صغيرة .​
وفي الغالب، ليست هناك دورة مياه لكل غرفة، بل يوجد مرحاضان متسخان فقط يتشاركه المئات من هؤلاء.​
أما في أرمينيا، فطبقا للمحلل السياسي الأرميني ألكساندر إسكاندريان، فإن ما يقرب من 10 في المئة من سكانها هم لاجئون كانو قد هربوا من أذربيجان.​
ويلقى باللائمة على الجانبين في ارتكاب أعمال وحشية مروعة.أغراب
أما اليوم، فإن سلوك الجيل الجديد للبلدين حيال بعضهما البعض ينبع مما جرى ترسيخه في أذهان أبنائهما. فحتى دون أن يلتقوا بأي من سكان هذه الدولة المجاورة أذربيجان، تشرّب جيل كامل وجهات نظر تاريخية أحادية الجانب، بل قد تكون مغلوطة أحيانا.​
يقول إسكاندريان: "بالنسبة لطلابي، فإنهم يعتبرون أهل أذربيجان من سكان القمر. فهم يعرفون عن بريطانيا أكثر ما يعرفون عن أذربيجان، وذلك هو الحال أيضا مع جيل الشباب في أذربيجان."​
لقد كانت حربا شعواء احتدمت عام 1991 أثناء انهيار الاتحاد السوفييتي في نزاع على إحدى المقاطعات، حيث كانت منطقة ناغورنو قره باغ تقع داخل الحدود الآذارية، إلا أن الأرمينيين كانوا يغلبون على نسبة تعداد سكانها.​
وقتل في تلك الحرب ما يقرب من 30 ألفا كما اضطر ما يقرب من مليون آخرين لهجر منازلهم، وذلك قبل التوصل إلى اتفاق محدود لوقف إطلاق النار عام 1994. ولم يسمح للغالبية من أولئك ممن تركوا منازلهم خلال الحرب الرجوع إليها مرة أخرى، فموطنهم قد تحول الآن إلى منطقة حرب.​
وتقع تلك المنطقة المتنازع عليها حاليا تحت سيطرة أرمينيا، إلا أن أذربيجان تسعى لاسترجاعها.​
وعلى الجبهة من غرب أذربيجان، تمتد لمئات الكيلومترات خنادق عميقة ملتوية، لتجعل من ذلك المكان منطقة أشبه بمناطق الحرب العالمية الأولى.​
وفي المساحات الشاسعة، تنتصب بعض المتاريس التي تتكدس أمامها أكياس الرمال، وتظهر من خلالها فتحات تُمَكِّن الجنود الذين يقفون خلفها من إطلاق النار.​
وعلى الجانب الآخر، وعلى بعد بضع مئات من الأمتار في المنطقة المحرمة التي تظل فيها بقايا كروم العنب المحطمة، يظهر أمامك ركام ترابي يتمركز عليه القناصة الأرمينيون، ممن كانوا في الغالب ينظرون إلينا مباشرة.​
وقد وقعت الدولتان اتفاقا لوقف إطلاق النار، إلا أنهما لم تتوصلا بعد إلى اتفاقية سلام رسمية، فقد وصلت محادثات السلام خلال تلك الفترة إلى طريق مسدودة.​
وأخبرنا الجنود أن إطلاق النار في هذه المنطقة يحدث بوتيرة يومية. حيث وقع تبادل لإطلاق النار قبل ربع ساعة من وصولنا إلى هذا الموقع، إلا أن كلا من الجانبين يتهم الآخر ببدء إطلاق النار، ويقول إنه لا يطلق النار إلا من قبيل الرد.مجندون
وخلال السنتين الماضيتين، لقي ما لا يقل عن 60 شخصا حتفهم على الجبهة. وعلى الجانب الآذري، يبدو أغلب المجندين صغارا في السن في مرحلة المراهقة أو أوائل العشرينيات.​
وقال إلهام مامادوف، وهو مجند آذري في التاسعة عشرة من عمره يتمركز على الجبهة منذ نحو ثمانية أشهر: "أنا فخور جدا لخدمة وطني. وكل يوم وكل ساعة، وأنا أنتظر الحرب أن تبدأ لنحرر أرضنا من الغاصب الأرميني."​
وقد يبدو من كلامه أنه مستعد للقتال، إلا أن أمارات التوتر كانت بادية عليه أيضا.​
كما أن القرويين الآذريين عادة ما يكونون هدفا للقناصة، فهم يرعون قطعانهم ويحرثون أراضيهم بين الركام في القرى التي استهدفتها القنابل التي تتساقط على بعد أمتار من الجبهة.​
كما أن ثمة مخاوف من أن تخرج الأمور عن السيطرة مرة أخرى، ويرى المحللون أن العودة إلى حالة الحرب، مع تسلح الجانبين بأسلحة متقدمة، يمكن له أن ينذر بعواقب أشد سوءا.​
حيث قال لورنس شيتس، من مجموعة الأزمات الدولية، إن هناك أنظمة صاروخية هجومية قادرة الآن على الوصول إلى باكو وييريفان، عاصمتا أذربيجان وأرمينيا.​
وأردف قائلا: "إن هذا الصراع يحمل في طياته المخاطرة بأن تتورط فيه القوى الإقليمية الكبرى."​
ويشير شيتس في ذلك إلى تركيا الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي "النيتو" من جهة وإلى روسيا من الجهة الأخرى. كما أن وجود إيران في الجوار، وكون المنطقة تمثل مصدرا مهما للنفط والغاز لأوروبا، فإن القتال تحت وطأة كل ذلك قد يؤدي إلى حدوث تداعيات خطيرة.
 
أعلى