mr_ops
بيلساني محترف
- إنضم
- Jan 12, 2010
- المشاركات
- 2,777
- مستوى التفاعل
- 38
- المطرح
- شامي
لا يوجد اي تعبير لاعبره لهذه القصة المؤلمة .. اقرئوا هذه القصة واحمدوا الله ان والدتكم معكم وان توافاها الله فـ ادعو لها بالرحمة والمغفرة
منذ صغري وأنا أكره عيد الأم مع أنه يعد واحداً من أهم الأعياد بالنسبة للجميع، لكنني ومنذ أن فقدت والدتي وأنا أعيش على الهامش أعيش ذكرياتي معها وآخر عيد أم أمضيته برفقتها قبل أن تتركنا وترحل أو بالأصح قبل أن يتم طردها من المنزل بواسطة جدتي وزوجة أبي . كنت قد بلغت الثامنة عندما طُردت أمام عيني كانت تمسك بي وتتوسل والدي الذي كان يركلها خارجا ألا يبعدها عني كانت تفلت من بين يديه بطريقة ما لتركض إلي وتحاول إمساكي وحضني تتنشق رائحتي وتنظر إليّ بعينيها الممتلئتين دموعا وحزنا، لكنه كان يعود ويبعدها عني إلى أن أمسكها من يديها وسحبها خارج باب المنزل وهو يقول لن تري ابنتك مرة أخرى فأنت لا تستحقين أن تكوني أماً هيا برا رماها واقفل الباب من الداخل سمعتها تضرب عليه بيديها وتناديني تتوسله أن يدعها تدخل لكنه أمسكني من يدي وأدخلني لأرى بسمة الانتصار على وجه زوجته الجديدة وجدتي كأنهما فازتا في المعركة، أخذت أبكي وأقول لوالدي أريد أمي لماذا طردتها قال لي لا أريد أن أسمعك تتكلمين عنها مجددا وسوف تقوم جدتك مقامها صرخت قائلة: لا ! أنا لا أحبها لقد كانت تعذب والدتي وتهينها كما زوجتك أنا لا أحبهما أنا أريد أمي قال اسمعي يا ابنتي عندما تكبرين سوف تفهمين لماذا فعلت ذلك وسوف تعذرينني، لكنك الآن صغيرة ولن تفهمي شيئا فقط فكري أنني معك وأحبك أكثر من أي شيء في هذا العالم، قلت لكنني أكرهك فأنت طردت والدتي دعني اذهب معها أرجوك قال لي لكنني لا أستطيع العيش من دونك، أيهون عليك تركي وحدي فأنت دنياي كلها قبلني وقال اهدئي الآن سوف نتكلم بهذا الموضوع لاحقا اتفقنا؟ وقفت عند نافذتي على رؤوس أصابعي أحاول أن أرى إن كانت والدتي لا تزال خارجاً أم لا لكنني لم أعد أسمع صوتها ولا طرقاً على الباب فأسرعت إلى سريري أحضن دبدوبي الصغير وأبكي بكاء مراً .
تلك القصة حصلت منذ حوالي خمسة عشر عاماً أصحبت الآن في الثالثة والعشرين من العمر ما زلت أدرس الطب لأصبح طبيبة نفسية وأعالج المجروحين والمتألمين نفسياً مثلي لأنني لم أجد من يداوي جرحي العميق الذي خلفه بعدي عن أغلى الناس على قلبي كانت عقدتي تتفاقم مع الأيام وسؤال واحد يتردد في رأسي لماذا طردوا والدتي وأين هي الآن كيف تعيش ومع من هل تشتاق إلي كما اشتاق أنا إليها هل تفكر بي كما أفكر بها هل تراودها الكوابيس كما يحصل معي؟ أسئلة كثيرة تدور في رأسي، لكنني لا أجد لها أجوبة ترضيني كانت أمنيتي الوحيدة هي أن تعود إلي ثم أصبحت أقبل أن أزورها أو تزورني أو حتى أراها من بعيد ثم أصبحت أتمنى سماع صوتها لو من خلال الهاتف، لكن وللأسف الشديد لا شيء من ذلك حصل، لم أكن أملك سوى بضع صور لها أخفيها في صندوق كرتوني في دولابي بين ملابسي أنظر إليها كل يوم أناجيها اقبلها وأضمها إلى صدري كنت اعرف اسمها الأول فقط لكنني لا اعرف شيئا عن اسم عائلتها أتذكر بالطبع أسماء جدي وخالي وخالاتي وأولادهم لكن أين هم لماذا لم يحاولوا أن يفعلوا شيئا لماذا لم يلتجئوا إلى المحكمة للمطالبة بحقها برؤيتي فهناك الكثيرات ممن أعرفهن قد طلق آباؤهن أمهاتهن لكنهن عشن في البداية في كنف والداتهن، وكان آباؤهن يأخذوهن في نهاية الأسبوع أو في الإجازات إلى أن كبرن وهذا ما كان يجب أن يحصل في حالتي، فهناك قوانين ودولة نحن لا نعيش في غابة كان هذا الشيء يحيرني جدا واشعر بأنهم قد تخلوا عني ببساطة دون مقاومة لكنني كنت أعود وأجد الأعذار لهم كان همي الوحيد أن أكبر وابحث عنها عرفت كنيتها عندما انتسبت في الجامعة لكن من أسأل وأين ابدأ بالبحث فأنا فتاة لا أعرف أحداً كي يساعدني ووالدي من كثرة تعلقه بي كان لا يدعني وحدي أبداً كان هو من يوصلني إلى الجامعة وهو من يعيدني منها إلى أن قررت قبل عيد الأمهات أن أتكلم معه مجدداً عنها فقلت له أبي أين أمي؟ أرجوك يا والدي أريد أمي أريد أن أكون معها بيوم عيدها كغيري أرجوك أريد أن أراها قل لي أين هي؟
فوجئ بسؤالي وقال الله عليك يا طيف ألن تنسي هذا الموضوع لقد قلت واكرر إنني لا اعرف أين هي اقسم لك بذلك، وكيف تعلم هل سألت عنها؟ كان يصمت فأقول بإصرار أنا لم اعد طفلة لتسكتني برد لا يقنعني كيف تقول انك لا تعلم أين هي وأنت لا تسأل عنها أجابني بقهر وحرقة بدت واضحة في نبرة صوته من قال لك إنني لا اسأل فأنا ومنذ عرفت الحقيقة لم أتوقف عن البحث لكنني كنت كمن يبحث على إبرة في كومة قش، قلت توقف قليلا أية حقيقة التي تتكلم عنها؟ صمت وشد بيديه على المقود ثم قال إنها قصة معقدة لكنني المذنب بها قلت أرجوك يا والدي لا تعطيني الكلام بالتقسيط اخبرني الحقيقة فمن حقي أن اعلم يكفي إنني محرومة منها منذ سنوات طويلة والحرقة في قلبي تزداد وتكبر يوما بعد يوم أرجوك اخبرني فقال حسنا سوف أخبرك كل شيء ما أن نصل إلى المنزل فقلت له لا، لا استطيع الانتظار اخبرني الآن أوقف السيارة ودعنا نتكلم أرجوك يا والدي لو كنت تحبني كما تقول، لا أريد أن نتكلم وجدتي موجودة قال معك حق سنذهب ونتناول طعام الغداء في المطعم وهناك نتكلم لكن عديني ألا تنفعلي .
جلسنا في ركن بعيد عن الناس طلبنا الطعام كيفما كان ودون تفكير أي شيء المهم أن نتكلم، بدأ قائلا عندما ولدت أنت كانت فرحتي بك كبيرة خاصة بعد الحادث الذي تعرضنا له والدتك وانا عندما كنا عائدين من فرح إحدى قريباتي، فكان أن كُسر حوضها ولم يستطيعوا إجراء عملية جراحية لها بسبب حملها فتحملت آلاماً فظيعة وبقيت في الفراش دون حراك طوال المدة المتبقية من الحمل أما أنا فكانت حالتي أسوأ، إذ إنني وبعد أن خرجت من غرفة العناية الفائقة وبعد إجراء عدة عمليات جراحية لي ابلغني الطبيب إنني وللأسف أصبحت عقيما، اسودت الدنيا في عيني وساءت حالتي النفسية فأنا ما زلت شاباً ولن أنجب أطفالاً كما كنت أحلم وخوفي من أن أفقدك كان أكثر ما يقلقني كنت اطلب من الله أن تولدي وأنت بصحة وعافية ولو كان قد أصابك شيء لكانت الكارثة الكبرى لكن الله سبحانه وتعالى منحني اياك ونسيت لحظة حملتك كل شيء آخر، لم تتقبل جدتك الخبر فأنا كما تعلمين وحيدها فقالت لي إن الطبيب هو مجرد إنسان والله قادر على كل شيء لكن والدتك كانت مريضة جداً بعد إنجابك وبسبب الحادث والألم التي عانته والجراحة التي لم يكتب لها النجاح ليس بسبب الطبيب بل بسبب وضعها فأصبحت تعرج وصدمت من هذا الشيء إذ إنها كانت لا تزال صغيرة وجميلة وزاد اكتئاب ما بعد الولادة على وضعها السيئ، خاصة بعدما سمعت ما أصابني فلم تتحمل كل ذلك وكانت تبكي طوال الوقت إلى أن نصحنا طبيبها المعالج بعرضها على طبيب نفسي بسرعة فالحالة طالت ولا يجب تركها هكذا، بقينا عاماً كاملاً منفصلين ينام كل واحد منا في غرفة بعيداً عن الآخر وكانت جدتك في ذلك الوقت تحاول إقناعي بالزواج مرة ثانية وكانت تحثني على ذلك بشكل مستمر وكانت والدتك تتألم أكثر عندما تسمعها تتكلم عن هذا الموضوع لكنها لم تستطع أن تقف في وجهها فهي تعلم أنها مقصرة بواجباتها الزوجية فكانت تسكت على مضض كنت أنت دنياها وكانت كأنها تعيش من أجلك فقط لم يعد يهمها إن تزوجت أم لا فكما قال لي الطبيب النفسي المعالج إن حالة الاكتئاب التي تمر بها وصلت إلى حد خطير فهي من الممكن أن تحاول أن تؤذي نفسها بمحاولة الانتحار فسألته هل من الممكن أن تؤذي ابنتها أجاب لا أعتقد ذلك فهي التي تعطيها الدافع لإكمال حياتها لكن العلم عند الله، عندها ارتكبت اكبر خطأ بحياتي تجاهها إذ إنني ومن شدة خوفي عليك أخذتك من غرفتها ووضعتك في البداية معي قبل أن تنجح والدتي بإقناعي بالزواج مرة أخرى ثم انتقلت إلى غرفة جدتك وكان هذا بمثابة المسمار الأخير الذي ندقه في نعشها كانت القشة التي كسرت ظهر البعير فساءت حالتها جداً وبدأت بافتعال المشاكل كانت تذهب خلسة إلى غرفة جدتك وتسرقك منها ثم تذهب وتختبئ معك في ركن بعيد عن المنزل في آخر الحوش قرب غرفة الخدم وعندما فعلتها المرة الأولى أصبت أنا بحالة من الذعر كنت ابحث عنكما كالمجنون حتى إنني قمت بإبلاغ الشرطة لكننا عدنا ووجدناك عندما كنت تبكين فقد كنت بحاجة لتبديل حفاضك المبلل عندها اتصلت بالطبيب الذي لامني على تصرفي وطلب مني أن أعيدك إليها كي لا تتفاقم حالتها وعندها ستحاول أن تهرب بك أو فعل أي شيء لا يحمد عقباه ففعلت ما طلبه مني وعندها بدأت حالتها تتحسن وعادت تقريبا إلى طبيعتها أصبحت تخرج من غرفتها وبدأت تعلمك الحرف والألوان كانت أما رائعة حنونة تعشقك عشقا كنت شغلها الشاغل أما أنا، زوجتي ووالدتي فكانت كأنها لا ترانا وكأننا لسنا موجودين في حياتها ولا في المنزل، وماذا بالنسبة لأهلها فأنا أتذكرهم جيداً يا والدي قال صحيح كانوا يأتون لزيارتها كلما سنحت لهم الفرصة وفي المستشفى كانوا معها طوال الوقت خاصة جدتك لكن وبما أنهم لم يكونوا على وفاق تام مع والدتي فقد أصبحوا يقطعون زياراتهم شيئاً فشيئاً إلى أن تزوجت فلم يعودوا يأتون أصبحوا يكلمونها على الهاتف ليطمئنوا على حالها، أما زوجتي الجديدة فكانت سيئة جداً حتى إن والدتي كرهتها وتمنت لو أنها لم تخترها فقد كانت قد تعودت على والدتك وطيبتها وكلامها الجميل معها ومحبتها لها مساعدتها بكل شيء لكن الأخرى وبالرغم من أنها من أقربائنا، كانت تضايق والدتي بكل ما تفعله مع إنهما اتفقتا في البداية حول كيفية طرد والدتك من المنزل ففعلتا ما فعلتاه وأنا كالغبي صدقتهما، صمت قليلاً وتنهد بعمق قائلا كم كنت غبياً وعلى نياتي، قلت ماذا فعلتا قال عندما تزوجت المرأة الثانية وبعد مرور عدة أشهر حين قلت لك أن والدتك عادت تتحسن وأصبحت حالتها تقريبا مثل الأول وبما أنني تزوجتها عن حب فقد عدت أوفق بينهما فكنت أبيت ليلة عندها وأخرى عند الثانية لكنني كنت اكره عندما ابتعد عن والدتك فقد كانت واحة الأمان بالنسبة لي أما الثانية فكانت تفتعل معي المشاكل كل يوم فهي أصبحت تغار من والدتك وكانت تشعر بأنني أكون سعيداً عندما أكون معها كانت تكره رؤيتنا سويا خاصة إنني كنت امضي الكثير من الأوقات معكما فهي بالطبع لم تحمل وهذا لم يكن مشكلة عندها لأنني تزوجتها مطلقة ولديها أولاد من زوجها الأول كانت تراهم دائما وفي يوم دخلت صباحا لأودعكما أنت ووالدتك مثل العادة قبل أن أذهب إلى العمل فوجدتها شاحبة فقالت: ألحقني قلت ما بك قالت أشعر بألم في معدتي ودوار قوي أكاد افقد وعيي قلت أهذه المرة الأولى الذي تشعرين به هكذا قالت لا لقد حصل معي هذا الأمر عدة مرات فطلبت منها أن نذهب إلى الطبيب لنسمع الخبر الذي صدمنا فقد قال لنا مبروك المدام حامل!! صدمنا ووقفت أنا كالمجنون قائلا مستحيل أجابني لماذا الم تقولا لي بأن لديكما فتاة أصبحت في الثامنة من عمرها قلت له بلى لكنني لا استطيع الإنجاب فقد قال لي الطبيب ذلك وصمت للحظات وكأنه ارتبك وقال بدهشة لكن التحاليل التي أمامي تؤكد أن زوجتك حامل، لماذا لا تراجع طبيبك فالخطأ ممكن لعله أخطأ بذلك، لم نتكلم والدتك وأنا ولا حرفاً واحداً في الطريق وعندما وصلت إلى المنزل سألتني جدتك عندما رأت وجهي أصفر اللون ما بك يا ولدي ماذا جرى ماذا قال الطبيب أجبتها إنها حامل صرخت ووضعت يدها على فمها قائلة الخائنة الحقيرة أنا كنت أشعر بأن خروجها المتكرر من المنزل ليس طبيعياً سمعت زوجتي الثانية فصرخت هي الأخرى وبدأت تشتمها مع والدتي أما أمك فقد دخلت إلى غرفتها وهي غير مصدقة ما يجري، لعب الشيطان برأسي بمساعدة والدتي وزوجتي سامحهما الله فدخلت كالمجنون عند والدتك أضربها بكل ما أوتيت من قوة واركلها على بطنها لأنني اعتقدت بأنها خانتني كدت اقتلها لولا إنهما أبعداني عنها فطردتها خارجا كما تذكرين، قلت وانا بحالة صدمة كبيرة وما الذي تقوله عن الحقيقة التي علمتها قال لعن الشيطان وساعته، فبعدما طردت والدتك المسكينة شعرت بالاهانة بالقهر فلقد كنت أحبها واثق بها جدا بقيت أشهراً أعاني والأفكار السوداء تتلاعب برأسي فكنت بيني وبين نفسي كأنني لا اصدق ما جرى فهي إنسانة خلوقة متدينة تخاف الله لا تخرج من المنزل إلا لزيارة صديقاتها أو لابتياع شيء لك أو لها كانت نعم الزوجة المخلصة الطاهرة كيف حصل هذا لكن حملها كان شيئاً لا يعقل فأنا لا أستطيع أن أنجب وبدلاً من أن أقطع الشك باليقين وأزور الطبيب طردتها ورميتها في الشارع إلى أن حصلت المفاجأة الأخرى وحملت زوجتي الثانية بعد عام تقريباً عندها أصبحت كمن تلقى ضربة على رأسه فتوجهت إلى طبيبي قبل كل شيء لأخبره بالذي جرى قال من غير المعقول أن تكون التحاليل التي قمت بها خطأ فتح ملفي وتأكد ثم قال والله لقد أصبحت اشك الآن في الموضوع دعنا نعيد لك التحاليل بالرغم من إنني شبه متأكد من النتيجة ففعلت ما طلب مني وذهبت إلى المنزل في انتظار النتائج كانت الأفكار تتسارع في رأسي ماذا لو كنت قد ظلمت والدتك ماذا لو كانت حاملاً مني فهذا يعني أن لدي طفلاً آخر يا إلهي ساعدني لم أصدق كيف اتصل بي الطبيب ليبلغني بأنني سليم واستطيع الإنجاب فقلت وكيف قلت لي سابقا ما قلت أجابني إما أنه خطأ بالتحليل وإما أنها معجزة ما قد حصلت معك المهم أنك قادر على الإنجاب فسألته، ولماذا لم تحمل أي منهما في السنوات السابقة فأجابني اعتقد أنها كانت مشكلة نفسية أو كما قلت سابقا إنها معجزة من عند الله سبحانه وتعالى فأشكره وأحمده، والمرأة التي ظلمتها وطردتها وولدي الذي لا أعرف إن قتلته أم لا؟ أقفلت الخط معه وأنا لا أعلم إن كنت أفرح أم أحزن فقد فكرت في والدتك المسكينة وأين هي فكرت في الجنين وضربت كفاً بكف .
تابعونا أعزائي القراء في الجزء الثاني من القصة في الأسبوع المقبل بإذن الله لتعرفوا إن كانت طيف ستجتمع بوالدتها بعد هذا الانتظار وتحتفل بعيد الأمهات معها بعد انتظارأم لا، واسمحوا لي أن أعيد كل أمهات العالم أعاده الله عليكن بالخير والصحة وأدامكن لنا يا أغلى الناس أبداً
منقولة من جريدة الخليج الشباب للكاتبة مريم راشد
تلك القصة حصلت منذ حوالي خمسة عشر عاماً أصحبت الآن في الثالثة والعشرين من العمر ما زلت أدرس الطب لأصبح طبيبة نفسية وأعالج المجروحين والمتألمين نفسياً مثلي لأنني لم أجد من يداوي جرحي العميق الذي خلفه بعدي عن أغلى الناس على قلبي كانت عقدتي تتفاقم مع الأيام وسؤال واحد يتردد في رأسي لماذا طردوا والدتي وأين هي الآن كيف تعيش ومع من هل تشتاق إلي كما اشتاق أنا إليها هل تفكر بي كما أفكر بها هل تراودها الكوابيس كما يحصل معي؟ أسئلة كثيرة تدور في رأسي، لكنني لا أجد لها أجوبة ترضيني كانت أمنيتي الوحيدة هي أن تعود إلي ثم أصبحت أقبل أن أزورها أو تزورني أو حتى أراها من بعيد ثم أصبحت أتمنى سماع صوتها لو من خلال الهاتف، لكن وللأسف الشديد لا شيء من ذلك حصل، لم أكن أملك سوى بضع صور لها أخفيها في صندوق كرتوني في دولابي بين ملابسي أنظر إليها كل يوم أناجيها اقبلها وأضمها إلى صدري كنت اعرف اسمها الأول فقط لكنني لا اعرف شيئا عن اسم عائلتها أتذكر بالطبع أسماء جدي وخالي وخالاتي وأولادهم لكن أين هم لماذا لم يحاولوا أن يفعلوا شيئا لماذا لم يلتجئوا إلى المحكمة للمطالبة بحقها برؤيتي فهناك الكثيرات ممن أعرفهن قد طلق آباؤهن أمهاتهن لكنهن عشن في البداية في كنف والداتهن، وكان آباؤهن يأخذوهن في نهاية الأسبوع أو في الإجازات إلى أن كبرن وهذا ما كان يجب أن يحصل في حالتي، فهناك قوانين ودولة نحن لا نعيش في غابة كان هذا الشيء يحيرني جدا واشعر بأنهم قد تخلوا عني ببساطة دون مقاومة لكنني كنت أعود وأجد الأعذار لهم كان همي الوحيد أن أكبر وابحث عنها عرفت كنيتها عندما انتسبت في الجامعة لكن من أسأل وأين ابدأ بالبحث فأنا فتاة لا أعرف أحداً كي يساعدني ووالدي من كثرة تعلقه بي كان لا يدعني وحدي أبداً كان هو من يوصلني إلى الجامعة وهو من يعيدني منها إلى أن قررت قبل عيد الأمهات أن أتكلم معه مجدداً عنها فقلت له أبي أين أمي؟ أرجوك يا والدي أريد أمي أريد أن أكون معها بيوم عيدها كغيري أرجوك أريد أن أراها قل لي أين هي؟
فوجئ بسؤالي وقال الله عليك يا طيف ألن تنسي هذا الموضوع لقد قلت واكرر إنني لا اعرف أين هي اقسم لك بذلك، وكيف تعلم هل سألت عنها؟ كان يصمت فأقول بإصرار أنا لم اعد طفلة لتسكتني برد لا يقنعني كيف تقول انك لا تعلم أين هي وأنت لا تسأل عنها أجابني بقهر وحرقة بدت واضحة في نبرة صوته من قال لك إنني لا اسأل فأنا ومنذ عرفت الحقيقة لم أتوقف عن البحث لكنني كنت كمن يبحث على إبرة في كومة قش، قلت توقف قليلا أية حقيقة التي تتكلم عنها؟ صمت وشد بيديه على المقود ثم قال إنها قصة معقدة لكنني المذنب بها قلت أرجوك يا والدي لا تعطيني الكلام بالتقسيط اخبرني الحقيقة فمن حقي أن اعلم يكفي إنني محرومة منها منذ سنوات طويلة والحرقة في قلبي تزداد وتكبر يوما بعد يوم أرجوك اخبرني فقال حسنا سوف أخبرك كل شيء ما أن نصل إلى المنزل فقلت له لا، لا استطيع الانتظار اخبرني الآن أوقف السيارة ودعنا نتكلم أرجوك يا والدي لو كنت تحبني كما تقول، لا أريد أن نتكلم وجدتي موجودة قال معك حق سنذهب ونتناول طعام الغداء في المطعم وهناك نتكلم لكن عديني ألا تنفعلي .
جلسنا في ركن بعيد عن الناس طلبنا الطعام كيفما كان ودون تفكير أي شيء المهم أن نتكلم، بدأ قائلا عندما ولدت أنت كانت فرحتي بك كبيرة خاصة بعد الحادث الذي تعرضنا له والدتك وانا عندما كنا عائدين من فرح إحدى قريباتي، فكان أن كُسر حوضها ولم يستطيعوا إجراء عملية جراحية لها بسبب حملها فتحملت آلاماً فظيعة وبقيت في الفراش دون حراك طوال المدة المتبقية من الحمل أما أنا فكانت حالتي أسوأ، إذ إنني وبعد أن خرجت من غرفة العناية الفائقة وبعد إجراء عدة عمليات جراحية لي ابلغني الطبيب إنني وللأسف أصبحت عقيما، اسودت الدنيا في عيني وساءت حالتي النفسية فأنا ما زلت شاباً ولن أنجب أطفالاً كما كنت أحلم وخوفي من أن أفقدك كان أكثر ما يقلقني كنت اطلب من الله أن تولدي وأنت بصحة وعافية ولو كان قد أصابك شيء لكانت الكارثة الكبرى لكن الله سبحانه وتعالى منحني اياك ونسيت لحظة حملتك كل شيء آخر، لم تتقبل جدتك الخبر فأنا كما تعلمين وحيدها فقالت لي إن الطبيب هو مجرد إنسان والله قادر على كل شيء لكن والدتك كانت مريضة جداً بعد إنجابك وبسبب الحادث والألم التي عانته والجراحة التي لم يكتب لها النجاح ليس بسبب الطبيب بل بسبب وضعها فأصبحت تعرج وصدمت من هذا الشيء إذ إنها كانت لا تزال صغيرة وجميلة وزاد اكتئاب ما بعد الولادة على وضعها السيئ، خاصة بعدما سمعت ما أصابني فلم تتحمل كل ذلك وكانت تبكي طوال الوقت إلى أن نصحنا طبيبها المعالج بعرضها على طبيب نفسي بسرعة فالحالة طالت ولا يجب تركها هكذا، بقينا عاماً كاملاً منفصلين ينام كل واحد منا في غرفة بعيداً عن الآخر وكانت جدتك في ذلك الوقت تحاول إقناعي بالزواج مرة ثانية وكانت تحثني على ذلك بشكل مستمر وكانت والدتك تتألم أكثر عندما تسمعها تتكلم عن هذا الموضوع لكنها لم تستطع أن تقف في وجهها فهي تعلم أنها مقصرة بواجباتها الزوجية فكانت تسكت على مضض كنت أنت دنياها وكانت كأنها تعيش من أجلك فقط لم يعد يهمها إن تزوجت أم لا فكما قال لي الطبيب النفسي المعالج إن حالة الاكتئاب التي تمر بها وصلت إلى حد خطير فهي من الممكن أن تحاول أن تؤذي نفسها بمحاولة الانتحار فسألته هل من الممكن أن تؤذي ابنتها أجاب لا أعتقد ذلك فهي التي تعطيها الدافع لإكمال حياتها لكن العلم عند الله، عندها ارتكبت اكبر خطأ بحياتي تجاهها إذ إنني ومن شدة خوفي عليك أخذتك من غرفتها ووضعتك في البداية معي قبل أن تنجح والدتي بإقناعي بالزواج مرة أخرى ثم انتقلت إلى غرفة جدتك وكان هذا بمثابة المسمار الأخير الذي ندقه في نعشها كانت القشة التي كسرت ظهر البعير فساءت حالتها جداً وبدأت بافتعال المشاكل كانت تذهب خلسة إلى غرفة جدتك وتسرقك منها ثم تذهب وتختبئ معك في ركن بعيد عن المنزل في آخر الحوش قرب غرفة الخدم وعندما فعلتها المرة الأولى أصبت أنا بحالة من الذعر كنت ابحث عنكما كالمجنون حتى إنني قمت بإبلاغ الشرطة لكننا عدنا ووجدناك عندما كنت تبكين فقد كنت بحاجة لتبديل حفاضك المبلل عندها اتصلت بالطبيب الذي لامني على تصرفي وطلب مني أن أعيدك إليها كي لا تتفاقم حالتها وعندها ستحاول أن تهرب بك أو فعل أي شيء لا يحمد عقباه ففعلت ما طلبه مني وعندها بدأت حالتها تتحسن وعادت تقريبا إلى طبيعتها أصبحت تخرج من غرفتها وبدأت تعلمك الحرف والألوان كانت أما رائعة حنونة تعشقك عشقا كنت شغلها الشاغل أما أنا، زوجتي ووالدتي فكانت كأنها لا ترانا وكأننا لسنا موجودين في حياتها ولا في المنزل، وماذا بالنسبة لأهلها فأنا أتذكرهم جيداً يا والدي قال صحيح كانوا يأتون لزيارتها كلما سنحت لهم الفرصة وفي المستشفى كانوا معها طوال الوقت خاصة جدتك لكن وبما أنهم لم يكونوا على وفاق تام مع والدتي فقد أصبحوا يقطعون زياراتهم شيئاً فشيئاً إلى أن تزوجت فلم يعودوا يأتون أصبحوا يكلمونها على الهاتف ليطمئنوا على حالها، أما زوجتي الجديدة فكانت سيئة جداً حتى إن والدتي كرهتها وتمنت لو أنها لم تخترها فقد كانت قد تعودت على والدتك وطيبتها وكلامها الجميل معها ومحبتها لها مساعدتها بكل شيء لكن الأخرى وبالرغم من أنها من أقربائنا، كانت تضايق والدتي بكل ما تفعله مع إنهما اتفقتا في البداية حول كيفية طرد والدتك من المنزل ففعلتا ما فعلتاه وأنا كالغبي صدقتهما، صمت قليلاً وتنهد بعمق قائلا كم كنت غبياً وعلى نياتي، قلت ماذا فعلتا قال عندما تزوجت المرأة الثانية وبعد مرور عدة أشهر حين قلت لك أن والدتك عادت تتحسن وأصبحت حالتها تقريبا مثل الأول وبما أنني تزوجتها عن حب فقد عدت أوفق بينهما فكنت أبيت ليلة عندها وأخرى عند الثانية لكنني كنت اكره عندما ابتعد عن والدتك فقد كانت واحة الأمان بالنسبة لي أما الثانية فكانت تفتعل معي المشاكل كل يوم فهي أصبحت تغار من والدتك وكانت تشعر بأنني أكون سعيداً عندما أكون معها كانت تكره رؤيتنا سويا خاصة إنني كنت امضي الكثير من الأوقات معكما فهي بالطبع لم تحمل وهذا لم يكن مشكلة عندها لأنني تزوجتها مطلقة ولديها أولاد من زوجها الأول كانت تراهم دائما وفي يوم دخلت صباحا لأودعكما أنت ووالدتك مثل العادة قبل أن أذهب إلى العمل فوجدتها شاحبة فقالت: ألحقني قلت ما بك قالت أشعر بألم في معدتي ودوار قوي أكاد افقد وعيي قلت أهذه المرة الأولى الذي تشعرين به هكذا قالت لا لقد حصل معي هذا الأمر عدة مرات فطلبت منها أن نذهب إلى الطبيب لنسمع الخبر الذي صدمنا فقد قال لنا مبروك المدام حامل!! صدمنا ووقفت أنا كالمجنون قائلا مستحيل أجابني لماذا الم تقولا لي بأن لديكما فتاة أصبحت في الثامنة من عمرها قلت له بلى لكنني لا استطيع الإنجاب فقد قال لي الطبيب ذلك وصمت للحظات وكأنه ارتبك وقال بدهشة لكن التحاليل التي أمامي تؤكد أن زوجتك حامل، لماذا لا تراجع طبيبك فالخطأ ممكن لعله أخطأ بذلك، لم نتكلم والدتك وأنا ولا حرفاً واحداً في الطريق وعندما وصلت إلى المنزل سألتني جدتك عندما رأت وجهي أصفر اللون ما بك يا ولدي ماذا جرى ماذا قال الطبيب أجبتها إنها حامل صرخت ووضعت يدها على فمها قائلة الخائنة الحقيرة أنا كنت أشعر بأن خروجها المتكرر من المنزل ليس طبيعياً سمعت زوجتي الثانية فصرخت هي الأخرى وبدأت تشتمها مع والدتي أما أمك فقد دخلت إلى غرفتها وهي غير مصدقة ما يجري، لعب الشيطان برأسي بمساعدة والدتي وزوجتي سامحهما الله فدخلت كالمجنون عند والدتك أضربها بكل ما أوتيت من قوة واركلها على بطنها لأنني اعتقدت بأنها خانتني كدت اقتلها لولا إنهما أبعداني عنها فطردتها خارجا كما تذكرين، قلت وانا بحالة صدمة كبيرة وما الذي تقوله عن الحقيقة التي علمتها قال لعن الشيطان وساعته، فبعدما طردت والدتك المسكينة شعرت بالاهانة بالقهر فلقد كنت أحبها واثق بها جدا بقيت أشهراً أعاني والأفكار السوداء تتلاعب برأسي فكنت بيني وبين نفسي كأنني لا اصدق ما جرى فهي إنسانة خلوقة متدينة تخاف الله لا تخرج من المنزل إلا لزيارة صديقاتها أو لابتياع شيء لك أو لها كانت نعم الزوجة المخلصة الطاهرة كيف حصل هذا لكن حملها كان شيئاً لا يعقل فأنا لا أستطيع أن أنجب وبدلاً من أن أقطع الشك باليقين وأزور الطبيب طردتها ورميتها في الشارع إلى أن حصلت المفاجأة الأخرى وحملت زوجتي الثانية بعد عام تقريباً عندها أصبحت كمن تلقى ضربة على رأسه فتوجهت إلى طبيبي قبل كل شيء لأخبره بالذي جرى قال من غير المعقول أن تكون التحاليل التي قمت بها خطأ فتح ملفي وتأكد ثم قال والله لقد أصبحت اشك الآن في الموضوع دعنا نعيد لك التحاليل بالرغم من إنني شبه متأكد من النتيجة ففعلت ما طلب مني وذهبت إلى المنزل في انتظار النتائج كانت الأفكار تتسارع في رأسي ماذا لو كنت قد ظلمت والدتك ماذا لو كانت حاملاً مني فهذا يعني أن لدي طفلاً آخر يا إلهي ساعدني لم أصدق كيف اتصل بي الطبيب ليبلغني بأنني سليم واستطيع الإنجاب فقلت وكيف قلت لي سابقا ما قلت أجابني إما أنه خطأ بالتحليل وإما أنها معجزة ما قد حصلت معك المهم أنك قادر على الإنجاب فسألته، ولماذا لم تحمل أي منهما في السنوات السابقة فأجابني اعتقد أنها كانت مشكلة نفسية أو كما قلت سابقا إنها معجزة من عند الله سبحانه وتعالى فأشكره وأحمده، والمرأة التي ظلمتها وطردتها وولدي الذي لا أعرف إن قتلته أم لا؟ أقفلت الخط معه وأنا لا أعلم إن كنت أفرح أم أحزن فقد فكرت في والدتك المسكينة وأين هي فكرت في الجنين وضربت كفاً بكف .
تابعونا أعزائي القراء في الجزء الثاني من القصة في الأسبوع المقبل بإذن الله لتعرفوا إن كانت طيف ستجتمع بوالدتها بعد هذا الانتظار وتحتفل بعيد الأمهات معها بعد انتظارأم لا، واسمحوا لي أن أعيد كل أمهات العالم أعاده الله عليكن بالخير والصحة وأدامكن لنا يا أغلى الناس أبداً
منقولة من جريدة الخليج الشباب للكاتبة مريم راشد