عمر رزوق
بيلساني مجند
- إنضم
- Nov 12, 2008
- المشاركات
- 1,395
- مستوى التفاعل
- 45
أزمة الممارسة الأخلاقية
الخُلُق , هو ذلك الشيء بالنفس الذي تصدر عنه أفعال الإنسان بتلقائية وسهولة ومن غير تكلّف وتدل هذه الأفعال عن خُلُق الشخص , والسهولة والتلقائية في صدور هذه الأفعال تشير على مدى ثبات ورسوخ هذه الأخلاق في قرارة الإنسان .
يتفق جميع البشر على الكثير من الأخلاق على أنها إيجابية كالصدق والأمانة , والأخلاق المعاكسة لها , أخلاق سلبية كالكذب والخيانة , وهذه الصفات ما يطلق عليها " أمّهات الأخلاق " وإذا تأملنا بعمق الأخلاق , فلن نجد ما يسمى " لا أخلاقي"فكل ما نجده , أخلاق إيجابية وأخرى سلبية .
لا أعتقد بوجود مجتمع يعتقد أن الصدق والأمانة أخلاق سلبية وأن الكذب والخيانة أخلاق إيجابية , إذا , هناك أخلاقيات أساسية يتفق جميع البشر على أنها إيجابية , بغض النظر عن المعتقد والجنس واللون .
السؤال الذي يُطرح : هل بالضرورة أن يتبع كل الناس الخُلُق الإيجابي لأنه كذلك , وأن يبتعدوا عن الخُلُق السلبي لأنه كذلك ؟ فلننظر إلى واقع المجتمعات , فإنك ترى العديد ممن ينتمون لدين ما , يكذبون برغم تحريم دينهم الكذب , إذا , فالمعرفة بسلبية أو إيجابية الأخلاق لا توجب السلوك أو الفعل . إذا ما هي الآليات لدي اللا دينيين لتشجيع الناس لممارسة السلوك الإيجابي والذي هو بالأصل إيجابي , والابتعاد عن ممارسة السلوك السلبي والذي هو بالأصل سلبي . وبالرغم من التوافق بين البشر على التعريف, إلا أنك تجد مشكلة كبيرة في ممارسة الأخلاقيات الإيجابية وتجنّب السلبية . فماذا بخصوص الأخلاق التي لا يتفقون عليها ؟ تلك الأخلاقيات التي تتصف بالنسبية , مثل البخل والكرم والإسراف والبخل والشجاعة والتهور والعدل وما إلى غير ذلك , وكيف يمكن تحديد إيجابية أو سلبية الأخلاق النسبية ؟ ثم ماذا عن الصفات الأخلاقية التي تقع على خط واحد مثل الحياء والخجل , الجرأة والوقاحة , فأحدها على أقصى اليمين وثانيها على أقصى الشمال , فأين تلك الحدود بين هذه الصفات التي يجب أن يتخلّق بها الإنسان ؟ أرى أنه كلما ازدادت الأمثال , ازداد التعقيد .
بالنسبة لنا كمسلمين وكذلك أتباع الديانات الأخرى , فإن المرجعية السلوكية هي الدين , أما إذا سألت ( لا ديني ) فقطعا سيقول , العقل لا يعلو سلطان عليه , وبما أن الأخلاق هي نوع من السلطة على السلوك البشري , فيفترض أن تنبثق هذه الأخلاق عند اللا ديني عن طريق العقل , فهو لا يؤمن بوجود إله وبالتالي إتباع دين ما .
هنا أتساءل : هل يستطيع العقل فعلا , وبعده العلوم الإنسانية تحديد إيجابية أو سلبية الأخلاق النسبية ؟
لقد أرسل الله تعالى رسالاته لتعديل سلوك الإنسان وهدايته بمعنى أن الرسالات السماوية جاءت في مجال العلوم الإنسانية ,الفلسفة والتربية وعلم الاجتماع والقانون وغيرها , وهذه العلوم يختلف فيه العلماء والناس كثيرا , وكثيرا ما تؤدي هذه الاختلافات لخلافات لنزاعات وحروب . وفي المقابل نرى العلوم الطبيعية , الفيزياء الرياضيات الكيمياء وغيرها , لا يكون الاختلاف فيها كثيرا , فتجد نظريتين أو ثلاث في التفسير لا أكثر وهذا لا يؤدي لنزاعات أو حروب , من هنا يأتي التقرير بأن الدين إنما نزل في الأمور التي لا يسهل على الإنسان أن يصل فيها للحقيقة , ومن الصعب أن تلتقي البشرية عندها وتلتزم بها , أما باقي الأمور التي يستطيع الإنسان التعامل معها ووضع الحلول لها , فقد تركها الدين لتكون من مهام الإنسان , ومن هنا فإن ما يثار حول الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة الشريفة , هو عدم تعارض القران الكريم والسنة الشريفة مع الحقائق العلمية , هو زيادة في مصداقيتهما وليس وظيفتهما الأساسية .
فتك الطاعون بآلاف البشر وكان السبب بسقوط الإمبراطورية الرومانية , ولم يبعث الله تعالى لهم رسولا لحل المشكلة , لأنها أي المشكلة - تقع ضمن إمكانات البشر في حل المشاكل , بينما نجد أن الله تعالى بعث الرسل لحل مشكلات تقع في إطار العلوم الإنسانية وأكثرها الاجتماعية والأخلاقية .
يظهر للعيان أن الاتفاق الأخلاقي من الأمور المستحيلة في ظل الاجتهاد الإنساني , في المجتمع الواحد أو المجتمعات المختلفة مما يولّد أزمة في المرجعية الأخلاقية في نطاق الفكر اللا ديني المعتمد على العقل فقط , ضاربا بالدين وتعاليمه عرض الحائط .
كلمة أخيرة عن علاقة الحرية بالأخلاق , فالحرية هي قيمة غير مطلقة ,فهي قيمة لها حدودها وخطوط حمراء لا يجب تجاهلها وتجاوزها , وإلا ما سبب وجود القوانين - والقانون هو قيد من نوع معيّن في بلاد الحرية ؟!
إن الحرية كقيمة والأخلاق النسبية تطرحان على منظّري الفكر اللا ديني السؤال التالي : ما هي آليات التوفيق بين عقلانية ممارسة أفعال الأخلاق والسلوك وبين الحرية؟