أسطورة الماسادا اليهودية

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
عملت الصهيونية العالمية حديثاً على إعادة كتابة التاريخ اليهودي من خلال مقولتهم (شعب الله المختار). إنّ هذا التاريخ تاريخ واستكبار على بقية شعوب العالم، لذلك أباحوا لأنفسهم اقتلاع "الغير" من موطنهم لإسكان "مستوطنيهم" لأنّ البقاء هو للأفضل والأصلح وما داموا هم "المختارون من الله" فهم الأفضل والأصلح، ولهم الحق الإلهي في تطهير أي أرض واقتلاع شعبها منها لسكانهم. ومن خلال هذه (الميكيافيلية المستكبرة) فكّروا مسبقاً بالاستيطان في عدّة مناطق من العالم إلى أن وقع اختيارهم- بمساعدة بريطانيا- على فلسطين.
إنّ هذه النظرة المتغطرسة تعود إحدى أساساتها إلى أسطورة "الماسادا اليهودية" وأمثالها في التاريخ اليهودي أدّت إلى تسويغ أخلاقي عندهم للمجازر التي ارتكبت بحق فلسطين، وأدّت في النهاية إلى نفيهم من وطنهم بشكل يمكن معه القول: إنّ خيطاً يمتد من قلعة "ماسادا" إلى مذابح عام 1948 م. تقول "الموسوعة اليهودية" نقلاً عن كتابات يوسيفوس التي تعد المصدر الوحيد للمعلومات عن "ماسادا": (إنّ ماسادا كانت بالأصل صخرة محضة، وإنّ "هيرود" الملك اليهودي الذي نصّبه الرومان على القدس حوّل صخرة ماسادا إلى قلعة حصينة بين عامي "1931 و1937 قبل الميلاد. في عام 1972 قبل الميلاد سار الحاكم الروماني فلافيوس سيلفا إلى ماسادا على رأس الفرقة العاشرة، وفتح ثغرة في سورها بعد حصار طويل. وهنا يروي يوسيفوس قصة الساعات الأخيرة للماسادا جاعلاً من "أليعازر" قائد اليهود المحاصرين شخصية بطولية خارقة ذات أبعاد خرافية تشبه شمشون الجبار و"أنبياء العهد القديم" مسجلاً خطبته الطويلة التي يطلب فيها أن نقتل الأطفال أولاً ثم الزوجات، ثم "يقتل كل واحد منّا الآخر ولكن قبل كل شيء فلنتلف نقودنا وقلعتنا بالنيران حتى يخفق الرومان في الإمساك بأجسادنا أو الاستيلاء على أموالنا، ممّا سيدخل على قلوبهم الحزن).
وتصل الأحداث، المثيرة في حكاية يوسيفوس إلى قمّتها في المشهد الأخير حينما ينظر آخر الأحياء في ماسادا إلى جميع الجثث ليتأكد من أنّ جميع اليهود وعددهم 960 قد ماتوا فيضرم النار في القصر، ثم يغمد سيفه في جسده ليموت إلى جوار المنتحرين الآخرين. وتقول الموسوعة اليهودية في ختام روايتها: ويلتقي "يوسيفوس" إحدى قريبات أليعازر، وهي امرأة اختبأت في كهف ومعها امرأة عجوز وثلاثة أطفال ولم يشتركوا في "الانتحار الجماعي"، فينقل عن هذه المرأة الخطبة بكاملها، بعد أن كانت قد حفظتها عن طولها عن ظهر قلبها، ثم تروي له هذا المرأة مسلسل المشاهد بدقة وتفصيل، وكأنّنا أمام فيلم من أفلام هوليود القديمة أنفقت عليه آلاف الدولارات وسخّر له آلاف المخرجين والممثلين، وأخيراً جاء مؤرّخ صهيوني معاصر اسمه الجنرال "ييغال ياديل" ليجري حفريات أثرية في هذه الصخرة وليرسم بعد ذلك خرائط ومخططات تصور كيف كانت؟.. ثمّ بنى في ضوء هذه الخرائط بعض البيوت والمرافق.
لفّق تسد..هذا هو الشعار الحديث لتزوير التاريخ. إنّ هذه القصة التي روتها «الموسوعة اليهودية» عن الماسادا والتي سندها امرأتان وخمسة أطفال اختفوا في الكهف، هي إحدى إفرازات الفكر الصهيوني الذي شعاره "لفّق تسد". فقد حوّلوا المسادا إلى أسطورة تضمّ تفصيلات يبدو عليها أنّها بسيطة ومحايدة ولكنّها تخدم هوى صانعيها، ثمّ أحاطوها بالهالات الصوفية وجعلوا منها رمزاً "للشعب" الذي يفضل النضال والانتحار على الاستسلام أو الذوبان في الغير. وتسهم إسرائيل اليوم في الترويج لهذه الأسطورة الرومانسية عن "الذات اليهودية"، فتقوم أسلحة الجيش الإسرائيلي بترديد يمين الولاء على قمة ماسادا، ويقسم الجنود الجدد أنّ الماسادا لن تسقط ثانية، كما تنظّم السلطات المختصة دورات لطلاب المدارس لزيارة الماسادا مع شرح تاريخي عنها. وتدخل زيارة الماسادا في برنامج زيارات الزعماء الأجانب الذين يزورون إسرائيل، بل أكثر من ذلك قامت إسرائيل في عام 1969 م "دفن المنتحرين" في الماسادا وفق مراسم الدفن اليهودية إمعاناً في تعميق جذور هذه الأسطورة في "الوجدان اليهودي"، أسطورة الشعب الذي يفضل الانتحار على الاندماج والتعايش مع الغير حتى لا يفقد الخصائص التي حباه الله بها ليبقى شعب الله المختار. وهذه المشكلة "مشكلة الاندماج والتعايش والتزاوج بين اليهودي وغيره" ومشكلة "اليهود الذين ولدوا نتيجة التزاوج بين أب يهودي وأم غير يهودية والعكس" ما زالت قائمة حتّى اليوم تهدّد هوية الدولة بأسرها، وتجعلهم عاجزين عن الإجابة عن السؤال الذين ما زالوا يدورون حوله.. مَنْ اليهودي؟. وإذا كانت هذه الدولة يهودية فكيف تعطي هويتها لغير اليهود ومن العرب خاصة؟ وإذا كانت لا.. فما هوية هذه الدولة إذاً؟ وهل ينطبق عليها ما تطبّقه بقية دول العالم فيما يتعلق بحقّ اكتساب المواطنية؟ وهل هناك فرق بين الجنسية والمواطنية؟..إلخ. وهل إسرائيل دولة لجميع مواطنيها أو لليهود فقط؟ وهل هناك مواطنون من الدرجة الأولى، ومواطنون من الدرجة الثانية، بل بين اليهود أنفسهم هل هناك طبقات يهودية من الدرجة الأولى مثل "الأشكناز"؟ وطبقات من الدرجة الثانية مثل "السفارديم"؟ لقد صوّرت الصهيونية فلسطين على أنّها أرض خالية من السكان تنتظر ساكنيها الأصليين من اليهود "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"..وهكذا يختفي الشعب الفلسطيني بكامله، ويصبح من الأغيار أو "من غير اليهود" على حد تعبير بلفور، ويصبح بضع من المئات من اليهود الذين سكنوا فلسطين "الشعب المختار" الذي يجب أن يسكن فلسطين لأنّه صاحب "الحق" بالسكنى والأرض..واليوم وبعد نصف قرن يكتشفون، كما اكتشف الأمريكيون أنّه في إسرائيل يوجد غير اليهود، كما أنّه يوجد في أمريكا غير البيض..لقد كانوا كالنعامة التي دفنت رأسها في الرمال كي تقنع نفسها أنّها لا ترى الصياد.
لقد حوّل المؤرّخون الصهيونيون "أسطورة ماسادا" إلى صراع أزلي بين اليهود و"الأغيار".. صراع بين قسمين من البشر يمتد إلى الأبد ويبلغ أقصى درجات العنصرية والتمييز العنصري..لأنّ ماسادا لم تكن سوى قلعة واحدة ضمن ثلاث قلاع أخرى كانت تشكل القلاع الأخيرة التي التجأ إليها اليهود وكان الهجوم الروماني عليها جميعها بالتتالي، فسقطت القلعة الأولى "هيرود يام" دون مقاومة، واستسلمت الثانية "ماكاريوس" بعد أن وعدهم الرومان بالسلام والأمان، ولم يتمّ الانتحار الجماعي كما تقول المصادر اليهودية. إلاّ في الماسادا فخلّدوها واعتبروها إحدى "الأمثولات" المضيئة في التاريخ اليهودي، بينما غيّبوا القلعتين السابقتين في أعماق النسيان.
إنّ المصدر الوحيد لهذه الأسطورة المشكوك فيها، والمطعون في حدوثها أصلاً كتابات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيوس "38-100" بعد الميلاد، وقد استندت الصهيونية إلى روايته باعتبارها مصدراً وحيداً لخلق أسطورة ماسادا، ومن ثم عقيدة ماسادا.
وقد كتبت الباحثة اليهودية ويبسي روز مارين في 24-8-1973م في جريدة "جويش بوست" دراسة طويلة ختمتها بقولها: إنّ الماسادا محض خرافة وأسطورة، وأنّه لا يمكن التدليل على سلامة اكتشافات الجنرال "ياديم" الأثرية التي تستند إليها هذه القصة.
لكن مع كل هذا نرى الحركة الصهيونية تلفق أسطورة الماسادا وتنسج حولها أقصى درجات الإجلال والتقديس وترفعها إلى قمّة المثالية والتضحية لهذا الشعب الذي فضّل الموت على العيش مع غيره والاندماج فيهم، إنّه الشعب اليهودي الذي لا يرقى إليه أي شعب في التاريخ قديمه وحديثه.. إنّه "شعب الله المختار" والعالم هم "الأغيار"، عليه أن يقود هذا العالم إلى مصيره ويجعله في خدمته إلى الأبد.
من خلال هذه العقيدة المقدسة "عقيدة الماسادا" يمكننا تفسير سلوك أحزاب المتدينين والمستوطنين والأصوليين.. في إسرائيل، هؤلاء الذين يبيحون قتل الأطفال وإبادة الشعب الفلسطيني وطرده من وطنه، ثمّ السعي إلى فرض حضارتهم وإرادتهم على جميع ما حولهم من دول الجوار.
وقد قويت شوكة هؤلاء في أثناء فترة حكم "نتنياهو" وصار شأنهم كشأن الساحر الذي كان يربّي قرداً صغيراً ويرقص في الساحات العامة أمام الجمهور ليجمع عليه النقود، ثم كبر القرد وكبر وكبر حتى صار يرقّص صاحبه.
 
أعلى