أغرب من الخيال .. قصة من الواقع الأليم

mr_ops

بيلساني محترف

إنضم
Jan 12, 2010
المشاركات
2,777
مستوى التفاعل
38
المطرح
شامي
أغرب من الخيال


محمد شاب في الخامسة والعشرين قوي البنية رياضي من الدرجة الأولى، يمارس الرياضة بشكل يومي لساعتين متتاليتين في النادي . لاعب كرة قدم مخضرم حتى إن نوادي عدة حاولت أن تضمه إليها، لكنه كان يرفض لأنه يحب فريقه ويخلص له فهو معه منذ أعوام، بالطبع لا يدخن السجائر ولا الشيشة ويبتعد عن الطعام الضار الذي يحتوي على الدهون . طعامه صحي مثل السمك المشوي والعيش . . لم يذق وجبة سريعة من المطاعم المعروفة منذ أن أصبح في العشرين من عمره . تزوج قبل ثلاث سنوات ولديه فتاة رائعة من زوجته التي اختارتها له والدته بعد أن رأتها في منزل أقارب لهم كانت تزورهم مع والدتها .

أعجبت بها وفاجأها مدى توافقها مع ابنها فهي كأنها كما يقولون نصفه الثاني، كانت أم محمد محدثة لبقة تدخل قلب الإنسان بسرعة ومن دون استئذان جلست قربها تحدثها وتسألها عن نفسها وحياتها، كانت كالمحقق تنتهي من سؤال لتنتقل إلى آخر عرفت منها كل شيء تقريبا وكونت فكرة عنها، فهي تبلغ التاسعة عشرة، تكمل تحصيلها العلمي . . جميلة . . طويلة، جسمها نحيف نوعا ما، كانت والدتها تشتكي وتقول إنها لا تتناول سوى الطعام الصحي كالخضروات المسلوقة والسمك، فهي تريد أن تحافظ على لياقتها البدنية وصحتها، تريد أن تصبح خبيرة تغذية . . تمارس الرياضة على أنواعها يومياً، كما أنها فارسة من الطراز الأول من عائلة معروفة في البلد، ظلت أم محمد بقربها تحدثها وتمازحها ثم طلبت منها رقم هاتفها حتى تكلمها وتطمئن عليها من وقت لآخر مضيفة، ابنتي من سنك وسوف أعرفك بها وستحبك كما أحببتك أنا . أجابتها نورة شكرا لك وأنا أيضاً أحببتك، لم تنتظر أم محمد حتى تصل إلى المنزل وتكلم ولدها، بل اتصلت به وأخبرته كل شيء على الهاتف ضحك محمد وقال لها يا أمي ألا ترين أن الوقت لا يزال مبكراً لأتزوج فأنا لم أكمل تخصصي بعد . أجابته وما دخل هذا الموضوع بزواجك فأنتما ستكملان دراستكما، لا شيء يمنعكما؟ أخذ يضحك ويقول حسناً يا أمي أعدك بأن نتكلم في الموضوع عندما أعود إلى المنزل لأن المحاضرة سوف تبدأ ويجب أن أدخل، قالت: حسناً لكن لا تذهب من هناك إلى النادي عندما تنتهي من الكلية تأتي فوراً إلى هنا .

وصل محمد إلى المنزل ليجد والدته تذرع الصالة ذهاباً وإياباً، حتى إنها لم تلاحظ دخوله فقد كانت تفكر وتخطط سألها: خيراً إن شاء الله، هل هو ولد أم بنت؟ قالت أخيراً أتيت، ثم عمن تتكلم، أجابها عنك لأنك كالذي ينتظر مولوداً، قالت: عن المصاخه اجلس، وقل لي هل فكرت في الكلام الذي قلته لك ؟ أجابها: أريد أن أتناول الطعام قبلاً فأنا سوف أموت من الجوع، قالت: الطعام جاهز هيا اجلس قال: ألن ننتظر والدي وشقيقاتي؟ أجابت لا، لن ننتظر أحداً اليوم أريد أن نتكلم قبل أن يصلوا هيا أجبني، قال لماذا العجلة . . ما بك؟ فاليوم فقط تعرفت بها وتريدين أن تزوجيني منها . يا أمي هل أنت جادة في كلامك ؟ قالت: بالطبع، اضرب الحديد وهو حار . أجابها: أنا لا أريد أن أتزوج الآن، فأنا لم أرَ شيئاً من هذه الدنيا بعد . هناك أشياء كثيرة أريد أن أفعلها قبل أن أفكر في الارتباط . قالت: مثل ماذا قل لي ؟ أجابها مثل السفر . . الخروج مع أصدقائي وزملائي في الجامعة من دون أن يقول لي أحد إلى أين أنت ذاهب ومتى تعود، لماذا تأخرت ومع من تكلمت، تفتح هاتفي وتبحث فيه . أنا أرى من تزوج من أصدقائي وكم يعيشون بتعاسة مع زوجاتهم، وأنا لا أريد أن أصبح مثلهم، إن الزواج الآن ليس كما كان في زمنكم، كل شيء تبدل، كانت المرأة زوجة وأماً . . مربية ومدرّسة . بكل ما للكلمة من معنى، أما الآن فالأولاد تربيهم الخادمة التي تقوم مقام والدتهم في كل شيء، حتى الطعام هي من تعده فنساء اليوم كأنهن مصنوعات من البلاستيك القابل للكسر، لا يهمهن شيء سوى الخروج إلى الصالونات لتصفيف شعرهن وتقليم أظافرهن ووشم حواجبهن ونفخ خدودهن وشفاههن وأعمال أخرى الله وحده يعلم ما هي . أجابته: لقد وصلنا إلى بيت القصيد، ف نورة التي أكلمك عنها مثل الوردة التي لم تتفتح بعد لا شيء فيها اصطناعي، أنا أعلم كل تلك الأشياء التي تتكلم عنها، فهذا حديث النساء الآن أينما ذهبنا، لكن هل رأيتني قد فعلت شيئاً مما فعلن ؟ أجابها: لا، قالت:، فلا تعمم يا ولدي، كما بأن الفتاة من عائلة محترمة ومتدينة، وهي ستكون، بإذن الله، نعم الزوجة ورفيقة درب ممتازة فعندما تكلمنا، شعرت بأنني أكلمك أنت فهي لديها اهتماماتك وهواياتك نفسها، غريب وعجيب هذا التطابق بالأفكار والهوايات، فقط تعرف إليها، تكلم معها على الهاتف يا بني من أجلي، إن أعجبتك كان بها وإن لم تعجبك فسوف أتراجع صدقني . قال: حسناً يا أمي كما تريدين . فرحت والدته جداً وقالت له: حسناً لنضع خطة، سأكلمها أنا أولا وأدع شقيقتك تتقرب منها وتجس نبضها، وعندها سأكلمها عنك وأقول لها إنه بقربي لماذا لا تلقين عليه السلام إذا لم يكن عندك مانع، فهو من كثرة كلامنا عنك وحبنا لك أحب أن يتعرف بك وأعطيك الهاتف لتكلمها . . وهكذا صار، مثلما خططت والدته فكلمها وكلمته، على أن يلقي السلام عليها ويحييها يعني مجاملة لوالدته، ولم يجد نفسه إلا وقد مضت ساعة وهما يتكلمان وكأنهما يعرفان بعضهما بعضاً منذ سنوات، لاحظت هي الأخرى أن الاتصال قد طال وأرادت أن تقفل فتشجع وسألها إن كان يستطيع أن يكلمها مرة ثانية فأجابته: نعم لماذا لا نتكلم، فرح جداً بعد أن أقفل الهاتف وتوجه إلى غرفته ليستعيد في رأسه كل كلمة قالتها، وكل تنهيدة تنهدتها، وكل ضحكة ضحكتها، صحيح أنهما لم يتكلما إلا في الأشياء التي يحبانها كالرياضة والطعام والدراسة والتخصص، إلا أنهما كانا مرتاحين جداً، لم يتوقفا ولو ثانية عن فتح موضوعات تهمهما حيث كانت توافق على ما يقوله ويؤيد هو كلامها، إنها المرة الأولى التي لا ينام فيها محمد باكراً فهو في العادة ينام عند الساعة العاشرة بسبب تعبه طوال النهار لكن الليلة كانت مختلفة عن بقية الليالي تعجب من نفسه فهو للمرة الأولى في حياته تشده إنسانة لم يرها من قبل وتأخذ تفكيره منذ اليوم الأول مثلما فعلت هي، لأنه بالطبع ككل الشباب يتعرف إلى فتيات ويكلمهن لكنه لم يكلم واحدة منهن أكثر من بضع مرات ثم يشعر بالملل من حديثهن السخيف عن التسوق وشراء الحاجيات . فيقطع علاقته معهن بسرعة، أما نورة فكانت مختلفة عنهن، شدته منذ الكلمة الأولى بكلامها الجميل . . سحره صوتها الأخاذ، الله، إنها فعلاً كما قالت لي والدتي - هكذا قال محمد - يبدو أن الأهل فعلاً يعرفون مصلحة أولادهم أكثر منهم، لم يتأخر محمد في أخذ قراره وطلب من والدته أن تذهب وتكلم أهلها بشأن زواجهما الذي تم بمباركة العائلتين وفرحتهما، سافر معها لقضاء شهر العسل وتمنى لو أن الوقت يتوقف هنا، كان كلما مضى يوم عليه وهو معها يشعر بالسعادة أكثر من اليوم الذي قبله، أما هي فكانت ممتلئة فرحاً أكثر منه، إنه الرجل الذي طالما حلمت به، كانا زوجين، متجانسين منسجمين إلى أقصى درجة . . زوجين يحتذي بهما الجميع، كانا لا يفترقان أبدا إلا حين يذهب كل منهما إلى جامعته وعندما يلتقيان يكونان كمن لم يريا بعضهما بعضاً منذ سنوات، حسدهما الجميع على السعادة والتفاهم . . على حبهما الكبير، وما هي إلا أشهر حتى حملت نورة عمت الفرحة العائلتين والأقارب . أما محمد فكانت سعادته لا توصف، إذ إنه سيصبح أباً لطفل تحمله في أحشائها سيكون منهما سيحمل جيناتهما، فأنجبت فتاة جميلة جداً أطلقا عليها اسم فرح، لأنها زادت فرحهما فرحاً، وبعد مرور عام ونصف العام حملت من جديد، وبعد مضي سبعة أشهر استيقظت في يوم لترى شيئاً بارزاً في رقبتها لم يكن من قبل، وضعت يدها عليه فشعرت بأنه شيء كحبة الفول مستطيل وبارز، استغربت الأمر، فبالأمس لم يكن هنا، اتصلت بطبيبتها لتخبرها فطلبت منها أن تذهب إلى طبيب جلدي ففعلت، قال لها هذا لا شيء مجرد بثرة كبيرة أعطاها مرهماً لتضعه عليه وقال لها سوف تزول بعد عدة أيام لكن العكس هو الذي جرى، فقد كان حجمها يزيد ويكبر عندها عاودت الاتصال به، فطلب منها إجراء اختبار للدم، ففعلت وذهب محمد إلى الطبيب ليأتي بالنتيجة فطلب منه أن تأتي زوجته لأنه يريد أن يأخذ خزعة منها ليزرعها فقال له محمد ما الأمر أيها الطبيب هل هناك شيء تشك فيه؟ تردد قليلاً قبل أن يقول له: لا أريد أن أجزم الآن لكنني أشك في أنه ورم غير حميد كما أن الاختبارات كلها ملخبطة وهذا شيء غير مطمئن لكن دعنا نتأكد قبلاً، شعر محمد بأن قلبه سيتوقف عن الخفقان ثم طلب من الطبيب ألا يخبرها شيئاً بل يقول لها إنه إجراء روتيني لتحديد نوع البثرة وعلاجها، ووصلت النتيجة لتؤكد شكوك الطبيب ف نورة مصابة بسرطان في الدم وفي مرحلة متقدمة، وقع محمد مغشياً عليه أسرعوا إليه ووضعوه على السرير، وعندما استعاد وعيه قال للطبيب: أرجوك لا تقل لها شيئاً الآن حتى نعلم ماذا نستطيع أن نفعل، قال الطبيب: اسمعني يا محمد أنت إنسان مؤمن بقضاء الله إن مرضها في المرحلة الأخيرة يعني أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً الآن، فلا تدع الأطباء يلعبون برأسك ويعذبونها من دون فائدة في العلاج الكيميائي إذ إنه لا فائدة ترجى، على كل حال خذ التحاليل واعرضها على طبيب اختصاصي في الأمراض السرطانية وهو سيقول لك ماذا تفعل .

وقع الخبر عليه كالصاعقة، خرج من عند الطبيب وهو شارد حزين، شعر بقلبه يتقطع . . تمنى لو كان المرض فيه وليس فيها . . جلس في سيارته ورأسه على المقود وترك العنان لدموعه، فهو سيفقد رفيقة دربه وحبيبته، سيفقد الحب، الفرح والأمان كان يحدث نفسه: يا رب كيف أستطيع العيش من دونها فهي حياتي كلها؟ توجه إلى الطبيب الذي تكلم معه ليؤكد ما قاله زميله، يعني يا دكتور لا يوجد أمل ولو واحد في المئة ؟ قال له للأسف يا سيدي لكن ليكن إيمانك بالله قوياً، وصل محمد إلى المنزل فاستقبلته نورة فاتحة ذراعيها كالعادة وبطنها المنتفخ الذي يحمل ابنه يسبقها، كانت تبدو رائعة يومها . . أخذها بين ذراعيها وأراد أن يحملها كعادته إلا أنه شعر بألم في صدره ويده، فأنزلها خوفاً من أن تقع قالت: له ما بك يا حبيبي لما أنت شاحب هكذا والعرق البارد يتصبب منك؟ أجابها: لا أدري فرأسي يؤلمني جداً اليوم وشعرت الآن بألم في صدري، يبدو أنه من المكيف قالت ألف سلامة عليك، هيا اذهب إلى غرفتك لترتاح، وأنا آتي إليك بالطعام أجابها حسناً . قالت على فكرة ما هي نتيجة زرع الدم أجابها لا شيء الحمد لله كل شيء على ما يرام، ابتسمت وقالت: هيا سأتبعك، قال لها: لا تتأخري علي فأنا مشتاق لك جداً، وصلت نورة إلى غرفتهما لتجد محمد ممدداً على الأرض فأوقعت الأطباق من يدها وأخذت تصرخ محمد، أجبني يا حبيبي . . عمتي عمي إلحقوني . . .

صحيح أنهم لحقوها لكنهم لم يلحقوا ولدهم، فقد وصل محمد إلى المستشفى ميتاً والسبب سكتة قلبية، حار الأطباء في موته، فهو لا يشكو من شيء . . شاب كالحصان رياضي مثله يتوقف قلبه هكذا فجأة من دون سابق إنذار! أرادوا أن يشرحوا جثته ليعرفوا السبب لكن والديه وزوجته الثكلى رفضوا ذلك، لم تصدق نورة أن زوجها حبيبها قد مات، رحل عن هذه الدنيا وتركها وحيدة مع ابنتها . . لن يرى طفله، لن يكون معها عند ولادتها، لن يربيه معها، سيولد ابنها ليجد نفسه يتيماً كانت تقول في نفسها رحل الغالي لن أراه بعد الآن، أخذت تبكي وتنوح وهي تردد، قال انه لن يتركني أبداً، هو دائماً يفي بوعوده لماذا الآن نكث بوعده معي حاول والداها ووالداه أن يهدئوها قالا لها: استغفري الله يا ابنتي لا تقولي هكذا لا تبكي فالبكاء على الميت حرام، لكنها بدلاً من أن تسكت أخذت تصرخ فظنوا أنها تبكي زيادة لكنها كانت تشعر بالألم، أمسكت بطنها وهي تقول بطني يؤلمني جداً، ساعدوني أدخلت نورة إلى غرفة الجراحة ليخرجوا الولد منها بعد أن أصابها نزيف حاد . ومن الجيد أنهم كانوا لا يزالون في المستشفى ليلحقوها ويخلصوا الجنين، أما هي فلم يستطيعوا أن يخلصوها فقد دخلت في غيبوبة بعد الولادة وعندها فقط اكتشفوا إصابتها بالمرض الخبيث . وإنها في مرحلة متقدمة جداً حيث لا يستطيعون إنقاذها، أخبروا أهلها وحضر طبيبها الذي اكتشف مرضها وأخبرهم أن محمد، رحمه الله كان قد علم بالأمر اليوم صباحاً، لكنه طلب منه أن يكتم الأمر عنها ولا يخبرها . وكان وضعه سيئاً جداً، كما أخبرهم بأنه أغمي عليه في عيادته لكنه لم يفكر لحظة في أنه تعرض لنوبة قلبية أعتقد أنه فقد وعيه من الصدمة مع أنه قاس ضغط الدم وكان يتصبب عرقاً بارداً لكنه عزا كل شيء إلى الصدمة التي تلقاها . رحل الحبيبان سوياً عن هذه الدنيا تاركين وراءهما حزناً عميقاً لدى العائلتين والأقارب وابنة وولداً يتيمين، لم يجدوا وقتاً للتعرف بهما . كانت والدته تبكي وتقول حتى بالموت هما متشابهان وليس فقط في بعض الأشياء .



منقول من جريدة الخليج الشباب للكاتبة مريم راشد
 

Miss Feeling

بيلساني فعال

إنضم
Oct 26, 2011
المشاركات
108
مستوى التفاعل
1
المطرح
دمشق
رسايل :

لَقَدْ كَآنَ لَديّ آلكَثِير مِنَ آلكَلآم لَكْ . لَكْ لِوَحدِكْ . وَ لَكِنَ قَسْوَتَكْ أخْرَسَتْنِي :((

:17: :17: :17: :17: :17: :17: :17:
يا الله القصة كتير حزينة كتيررررر
شكرا على النقل

 
أعلى