أفكار..جريمتكم وعذابي

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
عندما تغيب البسمة عن وجوه الناس، فهذا يعني أن الحياة ليست طبيعية، وهناك شيء ما يتهددهم ويقلقهم؟! ولكن ماذا لو رسمت الضحكة بالإكراه على الوجوه رغم المرارة القائمة؟! الضحك أحد تجليات الفرح والسعادة، وهو في أحد جوانبه تعبير الكائن عن فرحه بأن يكون موجوداً (كما يقول كونديرا).. فالضحك يستأثر ويسيطر على الجسد كله بالطريقة نفسها التي يسيطر بها الألم عليه من خلالها. ‏
للضحك فلسفة خاصة، صور «فيكتور هوغو» أحد جوانبها في رائعته (الرجل الضاحك) وقدم شخصية (جوينبلان) الذي جمع بين الشكل الضاحك عنوة، وبين المضمون الحزين المؤلم، فقد ارتسمت الضحكة على وجهه قسراً بفعل عملية جراحية أصبح من خلالها فمه يمتد حتى أذيته كي يبدو مهرجاً ضاحكاً ومضحكاً، ووسيلة للربح وجمع المال الوفير لصالح عصابة «الاتجار بالأطفال» خاصة وإن الزمن ملائم في انكلترا، القرن السادس عشر، نظراً لما يعاني الناس من صلف العيش وبؤس الحياة. ‏
تتحرى الرواية الحقائق حول حياة «جوينبلان» الذي أضحك الناس جميعاً حتى أصبح أشهر المهرجين في العالم وكان يتأمل من على المسرح الوجوه الحاضرة التعيسة، ويعرف وجوه القتلة والمجرمين، والعاطلين عن العمل، وكان بحضوره البهيج يشارك الجمهور العذاب والأسى وتملؤه الرغبة بأنه لو يستطيع مساعدة البؤساء لأنه الأكثر كآبة وحزناً ونفسه الكسيرة أبعد ما تكون عن فرح الحياة وبهجتها، فهو الذي طبعت الضحكة وجهه إلى الأبد ولا يستطيع أن يتخلص منها، وكان قد تعرض للخطف من إحدى العصابات التي تتاجر بالأطفال، وغايتها مسخ الأطفال وتشويههم حتى إذا كبروا قليلاً جعل منهم الخاطفون مهرجين لتسلية الناس، وكانت أيدي العصابات تمتد إلى أطفال الأسر النبيلة المعادية للملك الذي كان (جوينبلان) أحدهم، أما وقد ضربت هذه التجارة بيد من حديد ـ فيما بعد ـ تشتت العصابات وتركت الطفل الذي نعلم فيما بعد أنه وريث أحد اللوردات، وفي أحد الجلسات المخصصة للموافقة على رفع مخصصات زوج الملكة، يرفض (جوينبلان) الاقتراح ويلقي كلمة حول الإنسانية والعدالة وسوء توزيع الثروة والاستغلال، فتقابل كلمته بعاصفة من الضحك التي يثيرها شكله، ومضمون كلمته بطروحاتها الغربية، الجريئة وعلى غير المألوف من الطبقة الحاكمة في أوروبا والعالم أجمع ‏
إنها المرافعة الأكثر شهرة في عالم الأدب والفكر السياسي الانساني التي تفضح الحكام واستغلالهم، وتعري السلطة الحاكمة.. واستغلالها وفسادها ‏
يقول جوينبلان: أنا الرجل الذي يضحك، ومم يضحك؟! منكم ومن نفسي من كل شيء وما الضحك؟ إنها جريمتكم وعذابي.. إني أضحك ولكني أبكي. ‏
هي ذي الضحكة القسرية وهي ثمرة العذاب، ضحكة مغتصبة.. تحسبونني لست طبيعياً لكني رمز، أنا أمثل البشرية كما صورها سادتها، شوهت شخصي، ومسخ فيها الحق والعدل والصواب والعقل، وفي القلب حجبت الألم والعذاب كما حجب في قلبي، وطلي وجهها كما طلي وجهي بطلاء المرح الظاهري؟! ‏
لقد تحول المجلس إلى قاعة هرج ومرج، وعم ضحك غريب وغضب مريع ثم انفضت الجلسة كما هو الحال في جميع المرافعات إلى اليوم التالي.. والنهاية مأساوية، فقد أخفق (الضاحك) إخفاقاً ذريعاً أودى به إلى الانتحار، وتم طرد فرقته خارج البلاد، لكنه حقق صيتاً ونجاحاً باهراً للرواية ذائعة الصيت التي كشف فيها «هوغو» قسوة البشر ووحشيتهم على بعضهم في ظل نظام اجتماعي بائس وزائف يقوم على استغلال الطبقة الحاكمة المستحكمة برقاب العباد، فتنتشر الفوضى والفساد والعصابات، ويروج للذل والمهانة والجهل والزيف.. ‏
الرواية المذكورة من الآداب العالمية التي تكشف الزيف والتضليل والالتباس لتعري الحقائق بكل أوجاعها وآلامها وتبيان التشوهات التي تلحق بها، وقد طال التشويه هنا صورة المرح والفرح الدائم الظاهر من خلال تلك الضحكة الغاصبة التي تمثل صورة لرضى الشعوب الزائف تحت نير من يستغلها. ‏
 
أعلى