أمسك عليك لسانك

عمر رزوق

بيلساني مجند

إنضم
Nov 12, 2008
المشاركات
1,395
مستوى التفاعل
45
( أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك ,وابكِ على خطيئتك )
صدق رسول الله , صلى الله عليه وسلّم

تقديم .....

جلس الرسول صلى الله عليه وسلّم ذات يوم مع أصحابه , فجاء رجل وشتم أبا بكر الصدّيق رضي الله عنه وآذاه , فسكت أبو بكر ولم يردّ عليه , فشتمه الرجل مرة ثانية , فسكت أبو بكر , فشتمه ثالثة فردّ عليه أبو بكر , فقام صلى الله عليه وسلّم من المجلس وتركهم , فقام خلفه أبو بكر يسأله : هل غصبت عليّ يا رسول الله فقمت ؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلّم : ( نزل مَلَك من السماء يكذّبه بما قال لك , فلما انتصرت أي رددت عليه وقع الشيطان أي حضر - , فلم أكن لأجلس إذا وقع الشيطان ) رواه أبو داوود .
كانت السيدة عائشة رضي اله عنها, تجلس مع النبي صلى الله عليه وسلّم , فأقبلت عليهما أم المؤمنين السيدة صفية بنت حُييّ رضي الله عنها , فقالت السيدة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلّم : حسبك من صفية كذا وكذا تعني أنها قصيرة القامة , فقال لها النبي صلى الله عليه وسلّم : ( لقد قلتِ كلمة لو مُزِجتْ بماء البحر لمزجته - عكّرته -). رواه أبو داوود والترمذي , أي أن تلك الكلمة قبيحة لدرجة أنها تُنْتِن ماء البحر لِقُبحها وسوئها .​

المقصود :
حفظ اللسان هو ألا يتحدث الإنسان إلا بخير , ويبتعد عن قبيح الكلام وعن الغيبة والنميمة والفحش , وغير ذلك .
والإنسان مسؤول عن كل لفظ يخرج من فمه , بحيث يُسجّل عند الله سبحانه ويحاسبه عليه , ويقول الله تعالى :( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ق:18. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفّر اللسان ( تذّل له وتخضع ) تقول : اتق الله فينا , فإنما نحن بك , فإن استقمت استقمنا , وإن اعوججت اعوججنا ) رواه الترمذي . وقال صلى الله عليه وسلّم :( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه , ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه .) رواه أحمد . وقال ابن مسعود : والذي لا إله غيره , ما على ظهر الأرض شئ أحوج إلى طول سجن من لسان .

الضوابط :
من أراد أن يسلم من سوءات اللسان فلا بد له من أمور أهمها :
أن لا يتكلم إلا لينفع بكلامه نفسه أو غيره , أو ليدفع ضرّا عنه أو عن غيره .
أن يتخيّر الوقت المناسب للكلام , وكما قيل : لكل مقال مقام . ومن تحدّث حيث لا يحسن الكلام كان عرضة للخطأ والزلل , ومن صمت حيث لا يجدي الصمت استثقل الناس الجلوس إليه.
أن يقتصر من الكلام على ما يحقق الغاية أو الهدف , وحسبما يحتاج إليه الموقف , ومن لم يترتب على كلامه جلب نفع أو دفع ضر فلا خير في كلامه , ومن لم يقتصر من الكلام على قدر الحاجة , كان تطويله مملا , فالكلام الجيد وسط بين تقصير مخلّ وتطويل مملّ . وقيل : اقتصر من الكلام على ما يقيم حجتك ويبلغ حاجتك , وإياك والزيادة فيه فأنه يزَلّ القدم , ويورث الندم .
أن يتخيّر اللفظ الذي يتكلم به , ولا بد للإنسان من تخيّر كلامه وألفاظه , فكلامه عنوان عقله وأدبه , وكما قيل : يستدل على عقل الرجل بكلامه , وعلى أصله بفعله .
عدم المغالاة في المدح , وعدم الإسراف في الذم , لأن المغالاة في المدح نوع من التملق والرياء , والإسراف في الذم نوع من التشفّي والانتقام . والمؤمن أكرم على الله تعالى وعلى نفسه من أن يوصف بشيء من هذا ولأن التمادي في المدح يؤدي بالمرء إلى الافتراء والكذب .
أن لا يرضي الناس بما يجلب عليه سخط الله عزّ وجلّ . قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من أرضى الناس بسخط الله وكّله الله إلى الناس , ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤونة الناس ) . رواه الترمذي .
ألا يتمادى في إطلاق وعود لا يقدر على الوفاء بها , أو وعد يعجز عن تنفيذه يقول تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون . كَبُر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) الصف : 2-3 .
أن يستعمل الألفاظ السهلة التي تؤدي المعنى بوضوح , قال علية الصلاة والسلام : ( إن من أحبّكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا , وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون , والمتشدقون والمتفيهقون ) , قالوا : يا رسول الله , قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال : ( المتكبرون ) . واه الترمذي .
ألا يتكلم بفحش أو بَذاءة أو قُبح , ولا ينطق إلا بخير , ولا يستمع إلى بذيء , ولا يصغي إلى متفحّش . وقيل : اخزن لسانك إلا عن حق تنصره , أو باطل تدحره , أو خير تنشره , أو نعمة تذكرها .
أن يشغل الإنسان لسانه دائما بذكر الله عزّ وجلّ ولا يخرج منه إلا الكلام الطيب .
رُويَ أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله , فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب , وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي ). رواه الترمذي .
الفضل :
سئل النبي صلى الله عليه وسلّم : أي الإسلام أفضل ؟ قال عليه الصلاة والسلام : مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده ) متفق عليه . وقال عقبة بن عامر : يا رسول الله , ما النجاة ؟ فقال صلى الله عليه وسلّم : ( أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك , وابكِ على خطيئتك ) . رواه الترمذي .
ومن صفات المؤمنين أنهم يحفظون لسانهم من الخوض في أعراض الناس , ويبتعدون عن اللغو في الكلام , قال الله عزّ وجلّ : (وإذا مروا باللغو مروا كراما ) الفرقان 172 . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو فليصمت ) . متفق عليه .

الغيبة :

الغيبة هي أخطر أمراض اللسان , وقد نهانا الله سبحانه عن الغيبة وشبّه من يغتاب أخاه , ويذكره بما يكره , ويتحدث عن عيوبه في غيابه , كمن يأكل لحم أخيه الميت , فقال تعالى : ( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله توّاب رحيم ) الحجرات : 12 .
وحذّر النبي صلى الله عليه وسلّم صحابته من الغيبة , فقال عليه الصلاة والسلام : ( أتدرون ما الغيبة ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ذِكرُك أخاك بما يكره ) , فقال أحد الصحابة : أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ فقال صلى الله عليه ويلّم : ( إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته , وإن لم يكن فيه فقد بَهَتّه ) . رواه مسلم .
والغيبة تؤدي إلى تقطيع روابط الألفة والمحبة بين الناس , وهي تزرع بين الناس الحقد والضغائن والكره , وهي تدلّ على خبث مَنْ يقولها وامتلاء نفسه بالحسد والظلم .
الذي يغتاب الناس يكون مكروها منبوذا منهم , فلا يصادقه أحد ولا يشاركه أحد في أي أمر . وقال أحد الحكماء : إذا رأيت من يغتاب الناس فابذل جهدك ألا يعرفك ولا تعرفه .
والغيبة تُفسد على المسلم سائر عباداته , فمن صام واغتاب الناس ضاع ثواب صومه وكذلك بقية العبادات . ويروى أن امرأتين صامتا على عهد النبي صلى الله عليه وسلّم , وكانتا تغتابان الناس , فعلم النبي صلى الله عليه وسلّم ذلك , فقال عنهما : ( صامتا عمّا أحلّ الله , وأفطرتا على ما حرّم الله ) . رواه أحمد .
والغيبة عذابها شديد , وعقابها أليم يوم القيامة , قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لمّا عُرِج بي ( أي في رحلة الإسراء ) مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخْمِشون وجوههم وصدورهم , فقلت : مَنْ هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ) . رواه أبو داود .
مُباحات :
هناك أمور أباح الإسلام فيها للمسلم أن يذكر عيوب الآخرين من غير أن تُعدّ غيبة يُعاقب عليها , نذكرها في عُجالة :
التظلّم للقاضي أو الحاكم .
تغيير المنكر ورد العاصي إلى الرشد والصواب .
تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم .
المجاهرة بالفسق والبِدع .
التعريف :
إذا كان بعض الناس لا يُعرف إلا بلقب يُسمّى به بين الناس كأن نقول : فلان الأعمش أو الأحول أو الأعرج , فذلك جائز إذا كان الغرض معرفة الإنسان , ولا يجوز إذا كان الغرض سبّه وتنقيصه .

والحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيد المرسلين





عمر رزوق

أبوسنان

عكا

الجليل
 
أعلى