إصلاحات في المصطلحات

عمر رزوق

بيلساني مجند

إنضم
Nov 12, 2008
المشاركات
1,395
مستوى التفاعل
45
إصلاحات في المصطلحات



هناك من يطلق بعض الصفات والمسميات , بغير علم , لذلك يجب على مُطلقها فهم معانيها ومقاصدها كي لا يقع في فخّها , ومن ناحية أخرى قد تطلق بقصد ونية سوء , تطلق للتسبب بزعزعة المجتمع وبث الفُرقة والتناحر بين أفراده , تطلق هذه الصفات والمسميات بأسلوب مدروس وطريق محسوس , حتى وإن لم تؤتي أُكلها إلا بعد حين , يطلقها المتربصون بنا فنتشدق نحن بها وبأطراف حديثنا نرددها دون أن نعيها .

" الإسلام السياسي " مصطلح من النوع الذي يحمل بين طياته فخا لغويا وكمين , قصورا اصطلاحيا في التعبير عن المراد والمقصود , وأخال بأنه بات من الضروري تسليط الضوء على موطن الخلل لكي نتفادى السقوط في الزلل , ولتفادي حتمية ربط اللفظ بمعنى ناقص الدلالة , لأن الضرر من توطينه على الألسنة أكثر من إفادته .

بالرغم من مرور إمبراطوريات ودول ودويلات على مر التاريخ الإسلامي , كانت تستند وتنتهج بالإدارة الداخلية وتوجهاتها السياسية للشريعة الإسلامية , إلا أن حركة " الإسلام السياسي " بمفهومه الحديث بدأت بعد انهيار الدولة العثمانية وقيام مصطفى كمال بتأسيس الجمهورية التركية حسب النمط الأوروبي وفي تموز 1923 وقعت حكومة مصطفى كمال معاهدة لوزان , وفي 29 تشرين الأول 1923 أعلن عن ولادة الجمهورية التركية فألغى الخلافة وسن القوانين بروح الدستور السويسري , وأغلق المدارس الدينية وألغى المحاكم الشرعية وكذلك الألقاب الدينية , بل أنه حارب الدين والتدين من خلال النظام العلماني الذي شرّعة في الدولة , بل أنه ربط تقدم البلاد وتطورها بالتخلي عن الهوية الإسلامية تاريخا وممارسة .

إذا فالمقصود من استعمال هذا المصطلح , وصف مشاركة الإسلام بصنع الهوية السياسية للأمة من خلال الدعوة للالتزام بأحكامه والانضباط بحدوده في كافة الممارسات السياسية والاجتماعية , لكن هذا المعنى المقصور لا يتبادر للذهن بوضوح إذا أردنا أن نعبّر عنه بهذا المصطلح , وهنا يكمن الفخ , في أن المُعَرّف بهذا المصطلح هو الإسلام , والمُعَرّف به هو الممارسة السياسية , كأن الإسلام يُعَرّف بأن له لونا سياسيا يمكّنه من التمثيل السياسي وآخر غير سياسي , وهو الذي يُقتصر فيه على الإتيان بالعبادات والمعاملات في الإطار الشرعي . وهذا اللون الغير سياسي هو اللون الذي يحاول من ينادي بفصل الدين عن الحكم والسياسة الترويج له , ويطالبون بتحديد دور الإسلام بأداء العبادات وإلغاء ومنع تأثيره في تشكيل التوجه السياسي للمجتمع والدولة , أو حتى الانضباط والتقييد بأحكامه في قرارات الدولة السيادية , وهذا بدوره يجعل من المشاركة السياسية الإسلامية , حدثا مستحدثا من الإسلام ولونا مختلفا عن حقيقته التي يعرفها ويدين بها المسلمون , خارجا عن حدوده ووصفه وهذا بالتحديد ما يريده أعداء الصحوة , ولا يألون جهدا ولا يدخرون للتأكيد عليه في كتاباتهم وحتى تعليقاتهم على كتابات الآخرين . فهم يدّعون أن الإسلام شيء مغاير بالكلية عن هذا النوع الجديد , الذي أصبح يزاحمهم ويحتل أمكنتهم في التأثير وصنع الأحداث , فيحاولون فصل هذا الاتجاه بدهاء وخبث إعلامي بغيض عن دائرة الإسلام المعروف , في محاولة لجعله يبدو وكأنه شيء آخر منافس لمفهوم الإسلام الصحيح , لا ريب أن النتيجة لا تصب في مصلحة أولئك الذين ينادون باستبعاد الإسلام عن السباق والحركة السياسية . إنهم لا يدّعون أن الإسلام كائن لا وجود له , إنما يحددون ويحجّمون الإسلام الصحيح بأنه الذي يتعبد به الإنسان لربه في بيته , ومنهم من تكرّم علينا وقال , ولا بأس إذا كان التعبد بالمسجد , ولا يجب أن يكون لهذا الإسلام أي تأثير على حياة المجتمع وتنظيم شؤونه أو برسم المنهج السياسي للدولة وترتيب أجندتها داخل إطار الشرع وأحكامه كلية وجزئية .

لو أمعنت النظر لرأيت هؤلاء يصفون الحضور الإسلامي في التكتلات السياسية بالغريب المريب , إسلام لا يمتّ لديننا بصلة , إسلام يرفع شعاره " المتأسلمون " زورا وبهتانا , أما المنتمون للتيار الإسلامي وحركاته فيتهمونهم بمنافستهم على السلطة ويودون إرجاعنا لعصور " الظلام والتخلّف والتجهيل والاستعباد" وإن الإسلام بريء من ذلك , وكأن تقلّد المناصب واعتلاء سدّة الحكم شرف قد قُصر وحُصر على أولئك الحكام الفسقة , في حين أن أهل الدين لا مكان لهم في هذا المضمار . فيصبح الإسلام بالنتيجة حبيسا لهذا التصور العليل , حيث تصبح أي محاولة لدخول الإسلام في سباق سياسي غير طبيعي لا بدّ من بتره وامتداد لا أصل له في المفاهيم الإسلامية , فيعيدون الإسلام كرة أخرى مكبلا بالأغلال .

إن المصطلح الصحيح والمناسب الذي يتوجب علينا استعماله وفرضه على تلك الزمرة , حين نتحدث عن المشاركة الإسلامية في صنع الحياة السياسية هو مصطلح " السياسة الإسلامية " . إن هذا المصطلح يحدد بالقطع إن مجال السياسة مجال من مجالات العمل الإسلامي وجزء من منهجه , وأن السياسة هي التي صُبغت بالإسلام ووُصفت بحدوده والتزمت نهجه , وينأى بنا عن ذلك المفهوم الذي صبغ الإسلام باللون السياسي أو أن تصير السياسة وصفا للإسلام , فيطغى الانطباع الخاطئ بأن السياسة فن خارج عن حدود الدين الأصلية .




عمر رزوق


أبوسنان

 

إلهام

بيلساني لواء

إنضم
Jul 20, 2010
المشاركات
4,850
مستوى التفاعل
97
المطرح
على مد البصر اتواجد
رسايل :

كان بعض مني ..... بعض من افكاري ...... بعض من حنيني ...... واصبح بعض من ذاكرتي المشوشة ....

اجد في مواضيعك شفاء للكثير من الاسئلة
التعمق مع كتاباتك
يجعلنا نعود للواقع بذهن صافي
موضوعك اكثر من رائع
وقيم جدا
اتمنى الكل يستفيد منو
شكرا
 

دموع الورد

رئيس وزارء البيلسان

إنضم
Dec 19, 2009
المشاركات
13,384
مستوى التفاعل
139
المطرح
هنْآگ حيثّ تقيأت موُآجعيّ بألوُآنْ آلطيفّ..
رسايل :

يااارب انا في قمة ضعي وفي عز احتياجي اليك فكن معي

موضوع يستحق الوقوف عنده كثيرا ً والتعمق فيه وقرأته بتمعن

يسسلمو :25:

 

عمر رزوق

بيلساني مجند

إنضم
Nov 12, 2008
المشاركات
1,395
مستوى التفاعل
45
الوردة البيضاء

شكرا لمرورك


من الصعب أن تري وتسمعي كثيرا منّا يردد أفكارا مستورده يدسون فيها سمومهم
وتجلسين دون حراك
 

عمر رزوق

بيلساني مجند

إنضم
Nov 12, 2008
المشاركات
1,395
مستوى التفاعل
45
دموع الورد

شكرا لمرورك



في كثير من المرات أجلس أتأمل وأشرد في حالنا ووضعنا
أتساءل : هل كل ما نفعله أو نقوله أعطيناه الوقت الكافي من تفكير وفحص وتمحيص
هل اخترانا الأصح والأقوم من بين البدائل المطروحه
والنتيجة تقريبا واحدة في كل المرات ...كلا .....
ولو كان نعم فما كنا وقعنا لا في الزلل ولا في الخلل

 
أعلى