اتقوا الله فى النيابة الإدارية

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
سؤال سقيم يحلو للبعض أن يردده دون كلل أو ملل، بمناسبة وبدون مناسبة، هو سؤال سقيم لأنه سبقت الإجابة عنه مراراً وتكراراً، فى كل وقت وحين، قديماً وحديثاً، إجابته سطرتها يد المشرع فى نصوص القانون، وبينتها وأكدتها يد القاضى العادل والمحايد والموضوعى فى عشرات من الأحكام القضائية، التى تنطق كلها بالحقيقة، وأوضحتها شروح الفقه فى كتب القانون المختلفة، ولكن رغم ذلك كله، يظل المكابرون يرددون السؤال دون استحياء، يرفضون الاعتراف بالحقيقة، يصرون على تجاهل صحيح حكم القانون، وأحكام القضاء الدستورى والإدارى.

السؤال السقيم هو.. لماذا النص على النيابة الإدارية فى الدستور؟ إذ يحلو للبعض إثارته وإثارة هذا الموضوع كل فترة كأنهم يتباركون به، رغم أن الأمر محسوم، حسمه المشرع فى عشرات القوانين، التى صدرت على مدار خمسين عامًا، منها القوانين أرقام 82 لسنة 1969، 85 لسنة 1969، 39 لسنة 1974، 139 لسنة 1975، 17 لسنة 1976، 12 لسنة 1989، والتى بينت جميعها الطبيعة القضائية للنيابة الإدارية وبوجوب التماثل بين كل شئون أعضائها وشئون أعضاء الهيئات القضائية الأخرى، ومن بين صور هذا التماثل وجوب التساوى فى الوضع الدستورى لكافة الهيئات القضائية دون تمييز بينها.

ولم تكن هذه القوانين من فراغ، وإنما كانت تقنينا من المشرع للأحكام والمبادئ القضائية، التى تواترت عليها أحكام المحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية العليا، فالمحكمة الدستورية العليا فى العديد من أحكامها الملزمة لجميع سلطات الدولة ولجميع الجهات والأفراد أكدت أن النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة، مثل أحكامها الصادرة فى الدعوى رقم ١٩٣ لسنة ١٩ قضائية دستورية بجلسة ٦/٥/٢٠٠٠، والدعوى رقم ٨٣ لسنة ٢٠ قضائية دستورية، والدعوى رقم ٢ لسنة ٢٦ قضائية دستورية تفسير بجلسة ٧/٣/٢٠٠٤، وقد أكدت ذلك أيضاً محكمة النقض فى العشرات من تقاريرها الصادرة فى الطعون الانتخابية، منها على سبيل المثال الطعون أرقام ٩٥٧ لسنة ٢٠٠٠، و٧٩٧ لسنة ٢٠٠٠، و٢٣٤ لسنة ٢٠٠٠، وبالمثل استقرت المحكمة الإدارية العليا فى قضاء مستقر لها فى العشرات من أحكامها، على أن النيابة الإدارية هيئة قضائية مستقلة، وتكفلت أحكامها بشرح حقيقة دور النيابة الإدارية لكى يفهمه الجميع، إذ أكدت أن المشرع استهدف للنيابة الإدارية أن تكون هيئة قضائية قوامة على الدعوى التأديبية نيابة عن المجتمع ومنزهة عن الهوى، ومستقلة عن جهة الإدارة فى مباشرة رسالتها طبقاً للقانون، وتتولى ولايتها بنص القانون ولا تنوب فى مباشرته عن جهة الإدارة، ولها أن تقيم الدعوى التأديبية إذا رأت وجهاً لذلك، دون الحصول على موافقة جهة الإدارة سواء الصريحة أو الضمنية، وهى الأمينة على الدعوى التأديبية، وتمثل المصلحة العامة لا مصلحتها الخاصة.

رغم كل هذه الحقائق، إلا أن المكابرين لا يتوقفون عن المجادلة، دون سند من الحقيقة، يزعمون أن إضفاء الصفة القضائية على النيابة الإدارية من آثار مذبحة القضاة، التى حدثت عام 1969، رغم أن النيابة الإدارية تتمتع بالصفة القضائية منذ عام 1954، أى قبل حدوث المذبحة بخمسة عشر عامًا، والدليل على ذلك المذكرة الإيضاحية لقانون النيابة الإدارية رقم 480 لسنة 1954، التى نصت وبحصر اللفظ أن النيابة الإدارية تقوم بالنسبة للموظفين بمثل ما تقوم به النيابة العامة بالنسبة لسائر المواطنين، وهو ما أكده المشرع فى القانون 117 لسنة 1958، الذى منح النيابة الإدارية كافة الصلاحيات القانونية، التى يتمتع بها قاضى التحقيق والنيابة العامة، مثل إصدار أوامر بضبط وإحضار الشهود وتفتيش أماكن العمل وتفتيش أشخاص ومنازل المتهمين فى الجرائم، التى تباشر النيابة الإدارية التحقيق فيها، فما علاقة قوانين صدرت عام 1954 و1957 بأحداث جرت بعد ذلك بسنوات عديدة، ليس هذا فحسب، بل إن الحقيقة، التى ينكرونها أن مذبحة القضاء، التى يتحدثون عنها طالت النيابة الإدارية أيضًا، إذ شملت قرارات فصل ونقل القضاة، فصل 33 عضوًا من أعضاء النيابة الإدارية.

إن الحقيقة القضائية تقول إن النيابة الإدارية شأنها شأن النيابة العامة، لا فارق بينهما، ولا سند للمغايرة فى وصفهما، فإذا كانت النيابة العامة شعبة أصيلة من شعب السلطة القضائية، فذلك حال النيابة الإدارية، التى تقوم على شئون الدعوى التأديبية، شأن النيابة العامة، التى تقوم على شئون الدعوى الجنائية.

إن الذين يحاربون النيابة الإدارية ويرفضون النص عليها فى الدستور هم فى الحقيقة لا يحاربون النيابة الإدارية، إنما يحاربون الشعب المصرى، بحرمانه من واحدة من أهم مكتسباته القضائية التى اكتسبها على مدار ستين عامًا، إذ يترتب على ذلك، الذى يطالبون به حرمان الوطن من وجود هيئة قضائية تكافح الفساد الإدارى والمالى، وتحقق الانضباط الوظيفى، وتكفل تحقيق العدالة التأديبية بين الموظفين العموميين، فالرئيس الإدارى والمرؤوس أمامها سواء، لا تتردد فى تبرئة مرؤوس مهما صغرت درجته الوظيفية، وتتردد لا فى إدانة رئيس مهما ارتفعت مكانته الوظيفية، فالكل أمامها سواء، تكشف الحقيقة المجردة فى تحقيقاتها، متجردة عن سلطان الرؤساء الإداريين وأهوائهم، تنير بعملها الطريق أمام المرافق العامة، تكشف لها مواطن الخلل والمتسببين فيه، أيا كانت مراكزهم الوظيفية، ولعل أكبر دليل على عدالة النيابة الإدارية وحيدتها فى عملها ما اضطرد عليه العمل من أن الموظفين العموميين يطلبون إحالتهم إلى النيابة الإدارية للتحقيق معهم فيما ينسب إليهم من مخالفات بدلا من التحقيق معهم بمعرفة جهات عملهم، وهو ما سجلته بأحرف من نور المئات من أحكام مجلس الدولة المصرى، وهو الأمر الذى لم يكن يحدث لولا ثقة الموظف العام فى نزاهة النيابة الإدارية وحيادها وعدم خضوعها لسلطان جهة الإدارة، وثقته بأنه لن يظلم أمامها، وسينال حقه كاملا إذا كان مظلومًا.

لقد حارب النظام السابق النيابة الإدارية طويلا، وتفنن فى إضعافها، فأصدر عشرات القوانين واللوائح بتقييد عملها، وسلب اختصاصاتها، والحد من دورها، وذلك فى محاولة للتخلص منها، حتى يسهل العبث بالمال العام، والتلاعب بحقوق العاملين والموظفين دون رادع، وقد آن الأوان لأن ينتهى هذا العبث، آن الأوان لأن تزال العوائق، التى تقيد عمل النيابة الإدارية، وأن تحمى اختصاصاتها بنص دستورى يحول دون المساس بها، فقد انتشر الفساد والإهمال والتسيب الوظيفى، حتى باتت المرافق العامة على وشك الانهيار، وعطلت مصالح المواطنين، الذين يتعذر عليهم الحصول على حقوقهم من الجهات الإدارية دون واسطة أو دفع رشوة.

لا يمكن لهذه الحرب أن تستمر، فالذى يدفع الثمن الوطن، اتقوا الله فى النيابة الإدارية.. اتقوا الله فى شعب مصر.
مستشار بالنيابة الإدارية.
 
أعلى