الإسلاميون أزمة لحظية وأسباب جذرية

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
الثورات فعل لحظى بطبيعته، وما يجرى اليوم فى المنطقة من ثورات متلاحقة تشبه تدافع قطع الدومينو المتساندة لهو دليل أننا نعانى مرحلة قدرية بامتياز، وإن كانت كافة المراحل فى حقيقتها كذلك إلا أن بعضها يشبه الإعصار إذ يدمر فى لحظة واحدة ما لا يفعله ألف معول فى ألف عام، وهو ما قد يجعلنا نميزه بأنه حدث قدرى أو كونى مع أن جميع الأحداث ينالها نفس الوصف من حيث الأصل.

ومن الخطأ المحض قراءة واقع الأزمة بين حزبى النور والحرية والعدالة صاحبى المرجعية الإسلامية، وإن اختلفت مدرستهما، بمعزل عن هذا التصور وأشد منه خطأ وخطراً أن ننسى الواقع التاريخى الموطأ لكل ما يجرى من أحداث، ولمناقشة هذه الظاهرة يجب أن نستقرئ أمرين أو فعلين زمانيين أحدهما تاريخى والآخر آنى.

فأما التاريخى فهو أن الحركة الإسلامية عانت ما لم تعانه فئة أخرى فى مجتمع من المجتمعات من القهر والبطش والتنكيل والضغط والتغييب؛ ما حدى بها إلى محاولات عدة للتكيف أو التمرد وما يتبع كلاً منهما من آفات وإفادات، فقد أصابها ساعتئذ ـ وهذا يشمل الجميع ـ ما يمكن أن نشبهه بالتحور، الذى يصيب الكائنات لتلائم وظائفها البيئات القاسية وغير المناسبة لحياتها، وكان من أبرز تلك المعالم التمحور حول الذات أو الجماعة والمجموعة والانعزال مع محاولة استخدام ما يمكن من أدوات لتخطو ولو خطوة الألف ميل فى طريق تحقيق أهدافها ومبادئها.

وقد خرجت الحركة من ركام التجارب التاريخية الأليمة بأطروحات وتحركات قد تبدو من مظاهر القدرة على الحياة رغم شدة المواجهة مع البيئات الحاكمة القاسية أو المجرمة أحياناً ولكنها كانت فى الحقيقة من مظاهر الأنين أو الانتفاض المتألم مما يعنى أن الحالة الإسلامية فى مصر كانت تمثل فى الحقيقة فلول معركة وأطلال تجارب متراكمة الانكسارات فى مواجهة الأنظمة العاتية، ومن أخطر ما تفتق عن ذلك أن المجتمعات الحاضنة فى حقبتها التاريخية المتململة حين تحركت لتثور وتطيح بتلكم الأنظمة؛ تحركت فى الحقيقة بمعزل عن القوى الإسلامية رغم ما لها من أسبقية حقيقية فى الثورة والمواجهة مع تلكم النظم، ورغم أن الحركة فى معظمها قد لحقت بركب الثورة أو اشتركت فيه فى مراحل متعددة إلا أنه كان من الواضح أن هناك إطاراً عاماً شبه متفق عليه ألا تكون هى واجهة هذه الانتفاضات المجتمعية، وخطورة هذه الحالة أن تلكم القوى كان ينبغى أن يكون عليها المعول فى قيادة تلكم الثورات وتوجيهها والاندفاع بها نحو تحقيق أهدافها الحاسمة بدلاً من بقائها عارية عن القيادة حتى هذه اللحظة.

ملمح آخر لابد من لمسه وهوالوضع المعيش الآنى فى مرحلة ما بعد الثورة، إذ يبدو أن الحركة الإسلامية متمثلة فى قواها التقليدية قد انتهجت نهجاً إصلاحياً ترقيعياً لا يتناسب مع طبيعة المرحلة الثورية، خاصة أن ثورتنا رغم قوتها التى أسقطت نظاماً مجرماً عاتياً افتقدت للمشروع وللقيادة، كما أسلفنا ولم تكن فى طبيعتها التى تترجم طبيعة شعبنا حمراء دامية، وإنما كانت بيضاء ناصعة قبل أن يلوث وجهها الجميل بعض البقع مؤخراً، ورغم إيجابية وحضارية هذا الملمح إلا أنه لم يكن كافياً لاستئصال النظام السابق بعد سقوط رأسه ليبقى معوقاً خطيراً فى مسار التغيير الحقيقى.

وكان هذا كمحصلة لعجلة القصور الذاتى لما مرت به وما تم تلقينه لها، خاصة أنها لم تستطع بعد أن تنفى خبثها وما ترسب فى قاعها من شوائب أو طفا على سطحها من زبد كما لم تستطع فى عجالة اندفاعتها نحو المزاحمة السياسيةـ إن لبعضها وإن لغيرها ـ من صياغة عقد اجتماعى إسلامى جديد يستفيد من مرحلة الحرية والانفتاح بحيث يطّرح أطروحات فترات العسرة والمحنة جانباً ويتنفس أجواء الراحة والأمن النقية، مما يعنى بقاء كل دسائس النظام السابق وبروز ركام من الفقه الأمنى العالق على جوانب الحركة، وبذلك تكون قد أضاعت فرصة تاريخية هائلة لتصحيح المسار وإيقاف التآكل الداخلى الناتج عن جراثيم النظام البائد من أفكار وأشخاص ربما ارتقى بعضهم إلى مراتب الرموز.

ولا أبالغ إن قلت إن الصف الإسلامى قد عانى من أخطر أنواع الاختراق فى فترة ما بعد انهزام المد الجهادى، حيث تغول النظام الأمنى العنيد ليخترق صفاً عريضاً، لكنه هشيمٌ فى حقيقته ويبذر فيه كل بذور الفتنة وألغام التفجير الذاتى فى أية لحظة، وفى هذا السياق يمكن أن نفهم كل ما يجرى الآن دون أن تصيبنا الحيرة أو يأخذنا الدوار.
 
أعلى