الحج «5»

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
وفى الآية (25) من سورة الحج: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»، هذه الآية مدنية، وفيها يصف الحق مَن يصدون الناسَ عن إتيان المسجد الحرام وقضاء مناسكهم فيه، بالكفر الصريح، فهذا البيت لله، عز وجل، ولذا لا يجب أبدا أن يُمنع الناس من زيارته، سواء المقيمون عنده، أو القادمون إليه، ولذلك قيل كلام كثير عن استواء الناس فى رباع مكة وسكناها، بمعنى أن أهل مكة وغيرهم سواء فى منازلها. وقد اختلف الشافعى وإسحاق بن راهويه فى هذا الأمر، وكان أحمد بن حنبل حاضرًا، فذهب الشافعى إلى أن رباع مكة تُملك وتورث وتؤجر، وذهب إسحاق إلى أنها لا تورث ولا تؤجر، لأنها متاحة للناس جميعًا، أما أحمد فقال: تملك وتورث ولا تؤجر!
«وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِى شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ. وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» ( الآيات: 26- 29).​
فموضع هذا البيت العظيم لم يُحدده الخليل إبراهيم عليه السلام، ولكن الحق سبحانه بيّن له مكانه، وأمره برفع قواعد البيت، وساعده ابنه إسماعيل، كما جاء فى سورة البقرة «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ» (‏127)‏ ومن عجائب هذه الدعوة الإبراهيمية المعجزة أنها مستمرة على مر الأجيال والعصور، فالناس تتدفق نحو هذا البيت منذ دعوة الخليل وحتى اليوم، ببركة «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِم» (إبراهيم: 37). فالطواف حول البيت لا يتوقف أبدًا فى جميع الأوقات، باستثناء أوقات الصلاة، وعندئذ يتوجه المصلون نحو الكعبة المعظّمة، إذ يحيطون بها من كل جانب، ويتوجهون بصلاتهم إلى الخالق، عز وجل.​
وقال تعالى «حُنَفَاء لِلهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ» (الحج: 31)، حنفاء لله، أى مخلصين له الدين، قاصدين الحق وحده، ولذلك قال: غير مشركين به، لأن الشرك بالله أمر خطير. ويضرب لنا الحق مثلا يوضح حال الإنسان المشرك بخالقه، فكأنه خر من السماء، أى سقط منها، فتخطفه الطير، أى تقطعه الطيور الجارحة، أو تهوى به الريح فى مكان سحيق، أى تدفعه الريح بقوة نحو مكان مهلك. وهكذا حال الإنسان البعيد عن خالقه، إذ يصبح عرضة للهلاك الأبدى فى أى موضع يذهب إليه، لأن نجاة الإنسان وخلاصه، لا يتحققان إلا برجوعه صاغرا بين يدى مولاه. وفى رحلة الحج دعوة إلى العودة إلى طريق الحق سبحانه
 
أعلى