"الحرمان"

آلبتول

أدميرال

إنضم
Jul 5, 2008
المشاركات
10,067
مستوى التفاعل
172
المطرح
من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
رسايل :

قد أكون ... فراشة تحلق في السماء ولكن في الحقيقة ... ألسع كالنحلة!

16440.jpg




نزعت صفحة "الروزناما" بسأم.
ها قد مضى يوم كالذي قبله وهل يوم كالذي آت بعده... ما أشد القيظ! تكاد تصاب بالإعياء، تتردد على الحمام، تسكب الماء فوق رأسها وجسدها لكن الحر قاتل!
تعود لغرفة الجلوس تتناول مجلة تقلب ناظريها بين صفحاتها الزرقاء والحمراء والملونة، تنتقل إلى صفحة الأبراج، "ترى ماذا يخبئ الحظ؟"، مكتوب: "لا تيأس فالسعادة في انتظارك! الانجراف مع المشاعر يسبب لك المتاعب. هناك من يراقبك". ترمي المجلة بعيدا وتنتقل إلى المطبخ لتحضير فنجان من القهوة.
تجهز الماء، تضيف البن والسكر و"المسكة". تغلي الماء، تراقب النار التي تأججها، منظر مألوف لديها. تغريها النار فلا ترفع ناظريها عنها تفور القهوة وتندلق على كل مكان، تتسخ الأرض ويتبقع الرخام ولباسها. تحدج الموقد بغضب أشد اشتعالا من تلك النار: "أوف!!!!!!! أهذا وقت التنظيف؟!!"
تركت كل شيء في غيظ واشمئزاز وانزوت على الأرض.
تبكي بقهر وألم، كتلة عذاب تتلوى وتنطوي، فراشة ملساء رقيقة مخدوشة الجناح تنتحب، عيون تلمع بين دفقات الدمع المنهمر والآهات المختنقة... ثم هدأت ومسحت وجهها، "يكفي!"
نهضت ووجدت نفسها أمام المرآة، "كل هذا الجمال؟!" لايزال الجيد ناعما كالحرير، ناصع البياض كثلج كانون، لا يزال الوجه محمر الوجنتين نقي وصافي والشفاه مشرقة الابتسام والشعر الطويل الذهبي خصائله لم تذبل بعد.
غيرت الثياب وتألقت في فستان بلون الورد وشعت بعطر السوسن العبق والكحل والأقراط المدندشة وشال أبيض مشغول يعانق الأكتاف التي لا يعانقها أحد.
دق جرس الباب. أسرعت إليه، ترى من يكون؟ سرقت نظرة من "العين". إنه عامل الصيانة، شاب في مقتبل العمر لفحت الشمس جلده وأنهك العمل يديه.
ألقى التحية بحياء وانصب على عمله مباشرة بعد أن أشارت له للمشكلة. راقبته. يداه قويتان، بنيته شديدة، يقبض على قفل الباب المكسور بحزم وحذر في نفس الوقت، بارع! وهي تنتقل بذهنها وتحلق بهواجسها حوله، حول رجولته وأنوثتها، لكنه عامل بسيط! وهي، مهما كان حالها، سيدة من مجتمع راق مثقفة وواعية.
سقط الشال واستقر بجواره. التقطه ومد يده نحوها يحمله. تناولته بدلال. غازلته بعينيها، أسرته برمقاتها وبسماتها، اقتربت وصوت في الداخل يدفعها إلى الأمام وآخر يزجرها. وقع القفل خطأ، انحنت ورفعته وأعادته إلى مكانه. أسرع يساعدها، لامست يده يدها وأدار وجهه معتذرا. ابتسمت، وبدأت قطرات العرق تندي جبينه العريض.
غابت وعادت بفنجان من القهوة وسجائر ودعته ليستريح، وكيف يقول "لا" للراحة؟!
نفث دخان السيجارة فخرج كلهيب يحرق جوفه. دون خطة قدمها لها بتأني، قبلتها وعيونها عالقة بعيونه، نترتها بعيدا لما كادت أن تحرقها دون أن تعي.
نهض كالبرق، ضمها بقوة، ودفعها نحو الحائط فتوقف لبرهة، نظر في عينيها يريد أن يلثم فمها. اندفعت الإنذارات في رأسها كالسيل: "لا! لا! ماذا أفعل؟!!!"، ولكن حرارة جسده ونبض قلبها كانا أقوى وأعلى...

:
/

وقعت عِينها على النافذة. نظرت نحوي. إنها تطيل النظر كأنها تتأكد... يا إلهي، لقد رأتني!!!
دفعت الرجل خارجا كالأعصار، ثم أسرعت نحو النافذة وهي تلهث باضطراب.
أزاحت الستارة الشفافة، نظرت إلي والرعب يملأ مقلتيها كمن ارتكب جريمة شنعاء.

أنا الآخر نظرت إليها، فكرت في أن أختفي لكنني لم أستطع، كشفت أمري وكشفت أمرها. انتهى كل شيء!

ويبقى الحرمان...


بقلم سيرين ملص
 
أعلى