DE$!GNER
بيلساني محترف
- إنضم
- Apr 4, 2011
- المشاركات
- 2,637
- مستوى التفاعل
- 44
- المطرح
- بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
شكّل الخط العربي، أحد المظاهر البارزة والرئيسة، للحضارة العربية الإسلامية، منذ صيرورتها الأولى وحتى اليوم تطور مع تطورها، وكان أهم روافعها، والوسيلة الأساس، في نشرها وتعميمها، وفي الوقت نفسه، عومل هذا الخط، كعمل فني قائم بذاته، له خصائصه ومزاياه التشكيلية والتعبيرية، التي شهدت بدورها، تطوراً كبيراً، خلال مراحل تطور هذه الحضارة، وما زال حتى يومنا هذا، موضع اهتمام وبحث وتجريب، بهدف استيلاد منجز بصري عربي معاصر، مما يكتنز عليه، من قيم تشكيلية ودلالية وتعبيرية.
احتفظ الخط العربي بعافيته، تصونه وتحرسه، أصوله وقواعده ونظمه الراسخة، وظل محط اهتمام وشغف العرب والمسلمين في أصقاع انتشارهم كافة، كونه لغة القرآن الكريم الذي كان وما زال، من أهم وأبرز عوالم حفظه وصونه وانتشاره، سليماً معافى، ذلك لأن على كل إنسان اعتنق الدين الإسلامي الحنيف، تعلم اللغة العربية، مهما كانت لغته الأم، ليتمكن من الإحاطة بأفكار وتعاليم دينه، وممارستها بالشكل الصحيح والسليم، وتالياً، عليه الاحتكاك بالخط العربي وطرزه والجماليات البصرية التي تكتنزها حروفه وتشكيلاته.
النظرة التقديسية للغة التي نزل بها القرآن الكريم، دفعت الخطاط العربي والمسلم، إلى التفنن بكتابة آياته، وتزيينها بالزخرفة الهندسية والنباتية، والانكباب الدائم على تحسين خطوطه، وصولاً إلى الكمال الذي يقربه من الخالق من أجل هذا، كانت مهمة خطاطي القرآن الكريم أشبه ما تكون بالصلاة التي تقودهم إلى مرضاة الخالق، والفوز بجنته، ما دفعهم إلى التباري في تحسين خطوطهم وإتقانها، وهذا الأمر لم يقتصر على كتابة المصاحف، بل تعداها ليشمل أجناس وضروب الفنون العربية والإسلامية كافة، بدءاً من العمارة والفنون التطبيقية وانتهاء بالحرف والصناعات اليدوية والمخطوطات وغيرها، حيث شكّل الخط العربي عنصراً رئيساً من عناصر تزيينها وتحسينها، والرافعة الأساس لجمالياتها البصرية والدلالية، وهذا ما دفع غالبية الباحثين والدارسين، لاعتبار الخط العربي أكثر الفنون عروبة، لارتباطه الوثيق بالقرآن الكريم، والشريعة الإسلامية التي كان لها فضل كبير في انتشاره وتعميمه.
من هنا، ولأهمية الخط العربي، وما يتمتع به من قدرات تشكيلية تؤهله للتجاوب مع إبداعات وابتكارات الفنان العربي والمسلم، في مجالات الفنون كافة، انكب الخطاطون على حشد كل مهاراتهم للاستفادة من خصائص ومزايا الخط العربي الفريدة والبديعة، واستنهاض أقصى ما يمكن من الجماليات التي تكتنز عليها، تشكيلات حروفه الرشيقة، المطواعة، بل حرص بعضهم على تطويرها وابتكار طرز جديدة منها، تتوافق وتنسجم مع كل فن جديد!!
رصد وتوثيق
رصد هذه الابتكارات، والتأكيد عليها، وضرورة الاستمرار بها، والاستفادة من المعطيات التكنولوجية الحديثة، في تطوير وتحسين فن الخط العربي، وفق الأسس والنواظم والقواعد التي نهض عليها، هو ما تتصدى لها ملتقيات الخط العربي التي تشهدها بشكل دوري، عواصم عربية وإسلامية عديدة، ويشارك فيها أبرز المشتغلين على الخط العربي والفنون الإسلامية.
من هذه الملتقيات ما شهدته مكتبة الأسد الوطنية في دمشق قبل مدة من الزمن تحت عنوان:
(ملتقى الخط العربي- المعاصرون) وثق له كتاب صدر مؤخراً، حمل العنوان نفسه: رصد تجارب 52 خطاطاً معاصراً، منهم 51 من عشر دول عربية هي: سورية، لبنان، فلسطين، الأردن، العراق، الكويت، السودان، مصر، ليبيا، المغرب وخطاط واحد من إيران، غالبية هؤلاء من سورية ومن الجيل الجديد، منهم من تفرغ للخط العربي، فتعلمه على يد أساطينه ويقوم حالياً بتعليمه للأجيال الشابة من الخطاطين والفنانين التشكيليين الشباب ذلك لأن الخط العربي، مقرر يدرس في غالبية كليات ومعاهد الفنون الجميلة في الدول العربي وبين الخطاطين الذين شملهم الكتاب، عدد من الذين تخرجوا في هذه الكليات والمعاهد أمثال: الدكتور محمد ياسر العبار (وهو الذي أعد الكتاب) منير الشعراني، خالد الساعي، أنور الحلواني، تاج السر حسن، مأمون يغمور، محمد النوري، محمد أمزيل، يعقوب ابراهيم سليمان) استعرض الكتاب السير الذاتية للخطاطين مصحوبة بنماذج من خطوطهم الموزعة في معظمها على الطرز الكلاسيكية كالثلث والرقعة والفارسي والنسخ والديواني والكوفي القديم والكوفي الحديث وغيرها من أجناس وأنواع الخطوط العربية التي رغم ما شهدته من تحسينات وتطور، ظلت محافظة على نسبها وموازينها وقواعدها الحارسة لها.
بعض الخطاطين، حافظوا أيضاً على التشكيلات والتكوينات التقليدية التي اشتغل عليها الرواد الأوائل، وتابعها من بعدهم أجيال متلاحقة من الخطاطين، غطوا الدول العربية والإسلامية كافة، لا سيما إيران وتركيا التي أنشئت فيها مدارس وأكاديميات لتعليم أصول وطرز الخط العربي كما شكل بعض أساطين هذا الخط، مدارس وأكاديميات في محترفاتهم، على غرار أساطين الفنون التشكيلية في عصر النهضة، حيث تحولت محترفاتهم إلى مقصد لكل موهوب راغب في إدراك هذه الحرفة، والإلمام بهذا الفن الرفيع، وإتقان أصوله وقواعده، مباشرة من المعلم الكبير الذي أنيطت به مهمة منح شهادة الإتقان لتلاميذه الذين كانوا يتفاخرون بأنهم درسوا لديه، وحصلوا منه على هذه الشهادة وكلما كان هذا المعلم مشهوراً ومعروفاً، كثر مريدوه وتقاطروا إليه من شتى بلاد العرب والمسلمين.
المدينة المتحف
ترى الدكتورة حنان قصاب حسن التي قدمت للكتاب، أن لوحات الخط العربي الجميلة الأنيقة، تتوزع في أرجاء المدينة، وتصافح عيوننا كل يوم حتى لنكاد ننسى وجودها، ولا نلحظ جمالها وتفردها فكم مررنا أمام الآيات القرآنية الكريمة المخططة على جدران المساجد وكم عبرنا بين شواهد القبور دون أن ننتبه لانحناء الخطوط الأنيقة عليها، وكلما انزل بصرنا على لافتات المحلات القديمة ولوحات الدواوين والمكاتب في الوزارات دون أن ندرك أن ما نراه كل يوم هو جزء من تراث فني يجب أن يفتخر به بلد أنجب أهم الخطاطين العرب هذه الكنوز المنسية التي تتوزع في الزوايا والأحياء تجعل المدينة متحفاً مفتوحاً للعابرين، يستطيعون أن يروا أينما ساروا أعمالاً فنية لخطاطين كانوا لفترة طويلة يدرجون بين الحرفيين، لكنهم بإبداعهم وجمال ورشاقة خطوطهم جعلوا من الحرف العربي لوحة تشكيلية لا تقل أهمية وجمالاً عن الأعمال التي تحفظ في المتاحف وتباع في المزادات الفنية.
وتشير الدكتورة قصاب حسن إلى جانب هام وخطير، هو تعرض مهنة الخطاطين للانقراض أمام تهديد التكنولوجيا إذ أنه حين بدأ الناس يستسهلون العمل المنفذ على شاشات الحاسوب، تبدو الحاجة ملحة للاهتمام بالخط العربي وتوثيقه وجمع أعماله وعرضها.
بقي أن نشير إلى أن الفنان والخطاط والباحث في مجال الخط العربي الدكتور محمد ياسر العبار هو من مواليد دمشق (داريا) عام 1963يحمل إجازة في الفنون الجميلة من جامعة دمشق (اختصاص اتصالات بصرية) وحاصل على ماجستير ودكتوراه في التصميم الغرافيكي من كلية الفنون الجميلة في حلوان بالقاهرة يعمل حالياً مدرساً في قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق.
.gif "وردة وردة*")