الشمس ونور القمر

[عمر رزوق]

الشمس ونور القمر​

ها أنا ...​

بالأمس , رأيت بنشرة الأخبار , تظاهرة قادها أخيار , يصرخون ويحملون لافتات , كُتب عليها ما هو آت " الشعب يريد إنهاء الانقسام " . لقد ملّ الشعب من الكلام , وأفقدوه كل كرامة واحترام , قسموه قسمين , وظلموه ظلمين , وعبّدوه تحت حكومتين , وقطّنوه دولتين , دولة غزة ودولة أحدى الضفتين , فإلى متى هذا التعامي من الطرفين , ألا يكفي ظلم اليهود , العدو الدود , أوَأصبحنا مثلهم نخون العهود , وننقض الوعود , أغثنا يا الله يا ودود .

ثم ها أنا ...​

أتجاوز عن آلامي وأصوم عن أحلامي وأفطر كوابيسا ... أتلقى الصفعات وتؤلمني الكلمات واللكمات التي تتبعها الركلات ثم أملأ الدنيا ضجيجا والسماء عويلا ... أكتشف أن يدي هي من صفعتني ورجلي هي من ركلتني فأقول متباهيا سلمت يميني فلا شُلّت لي يد ولا كُسرت لي رِجْل .

أحلم بوطن لا يكره النور بل يعشق الشمس والنهار ... وأصوم عن حلمي ... وعند مغيب شمس عمري أفطر على كابوس ... وطن يقتات الظلام في أيام الصيام ويعيش على الأحلام ... وتقتله الشمس .
من وضع السلاسل في قدميك يا وطني ؟! من وضع القيود بمعصميك يا بلدي ؟!

وها نحن ...​

مشاكلنا نبتة شيطانية لا جذور لها ولا أصول ! تلك فكرة حمقاء قامت على فكرة أشدّ سذاجة وحمقا ... إننا مجتمع ملائكي , مجتمع سمت روحه إلى السماء !
كل مشاكلنا يقف خلفها غيرنا ... المغرضون والمشككون والنابحون والناهقون ...باختصار الآخرون ... لا يد لنا في أي مشكلة تواجهنا ولا يد لنا لنحلّ المشكلة التي تواجهنا ! في الحقيقة أستسيغ أحيانا هذه الفكرة , فنحن لا يد لنا ولا رجل في أي شئ !
من وضع السلاسل في قدميك يا وطني ؟! من وضع القيود بمعصميك يا بلدي ؟!

ثم ها نحن ...​

حين يتناثر الوطن أشلاء بيد أبنائه يأتي من آخر حدود الهمّ ومن أعمق سدود الألم كابوس يسعى : إنّ لكم وطنا يحتضر قد يموت دون تروه وأن يراكم ودون أن يكون لكم ولأهلكم وأبنائكم .
من وضع السلاسل في قدميك يا وطني ؟! من وضع القيود بمعصميك يا بلدي ؟!

نعود لسيرتنا الأولى ...​

حين يكون حب الوطن ـ إن ثبت بأنّ هناك من يحمل هذا الاسم ـ من طرف واحد ومن قلب واجد ومن عقل راشد لا حاجة لي به .
أعني الوطن بكل القصد وأعني الحب عن غير عمد !
والحاجة أم الاختراع , وقيل الاقتراع ... وقيل أن الحزن , والد الفرح الغير شرعي ... حين تتسابق الأمم في الأرض لتبدع وتنتج , لتكون شيئا مذكورا , ننقسم إلى قسمين ونفترق إلى فرقتين يكاد بعضها يأكل بعضها وتكاد أن تكون داحر ومدحور ... فريق يحلل " طاش ما طاش " ويشغله مسلسل نور وسنوات الضياع ومعاني كلمات هيفاء ونانسي والفريق الآخر يراهم أشد خطرا من اليهود العدو اللدود ... أم تراه الصديق الودود ؟! لست أدري , أعُمِيت عيني فلست أرى الحدود .
هذا أكبر همّنا ومسبب غمّنا , فما الذي يمنعنا أن نجرّب همّا أكبر ونبحث عن وطن أبتر يتنفس شمسا وقمرا نورا وضياءا ؟!
من وضع السلاسل في قدميك يا وطني ؟! من وضع القيود بمعصميك يا بلدي ؟!

ها هم ...​

هل هم أولئك الذين يبيعونك سلعة رخيصة لا تسد رمق شهوة أو حتى ثمن فنجان قهوة ... من قيّدك يا وطني المسكين ... مسؤول لا يَسْأل وحاكم لا يعدل وسارق لا يرحم ومتنفّذ يعبر إلى الضفة الأخرى فوق جثامين أطفالنا وأشلاء أحلامنا !
من قيّدك يا وطني المسكين , قلم مأجور أم صاحب ماخور أم من هو على السرقة ناطور .
من وضع السلاسل في قدميك يا وطني ؟! من وضع القيود بمعصميك يا بلدي ؟!

ثم ها هم ...​

حين نجد أنفسنا غرقى , فلا نتعلق بقشة بيد من دفعنا للغرق ! حين تحدث الكارثة يخرج علينا حملة الأقلام ,لا لكتابة الحقائق بل لما هم به متخصصون ومختصّون , لماذا يلجأ هؤلاء لأعمال شريرة وأفعال مريرة فبالحوار تُحل المشاكل الصغيرة منها والكبيرة , مَن يقول هذا يعلم أنه يكذب ... ونحن نعلم أنه يكذب والمحاورون الذين تحدّث عنهم يعلمون أنه يكذب , فلأي صادق يوجه خطابه ؟! حين تتكرر الوجوه التي عرفناها وتتكرر العبارات التي حفظناها وتتكرر الوعود التي عهدناها , فإن تصديقنا أنهم يملكون الحلّ , كما ملكوا أسباب المشكلة , ضرب من ضروب السذاجة والغباء , وهذان أمران برعنا فيهما .

من وضع السلاسل في قدميك يا وطني ؟! من وضع القيود بمعصميك يا بلدي ؟! من وضعها يكره النور , فلا تصدقه , لن يدعك أن ترى الشمس يا وطني لأنها الوحيدة القادرة على إذابة سلاسل الظلام , والسلام ختام .

عمر رزوق

أبوسنان

عكا

الجليل ​