حسام الحلبي
جنرال
- إنضم
- Oct 3, 2008
- المشاركات
- 6,719
- مستوى التفاعل
- 69
- المطرح
- دمشق باب توما
صورة
الغيرة هذا الشعور الدّاخلي الذي لطالما كان دافعاً غير مرئي لتصرفاتنا وكلامنا بل وحتى ردودنا فلو أمعنا النظر قليلاً لوجدنا أنه بالفعل شعور يستحق الوقوف عنده و التعرف على ماهيته وجوهره ونرى كيف ينشأ ، وكيف يكون محور حياتنا في لحظة ما وما هي منعكساته على ذواتنا وعلى المجتمع من حولنا ؟ ؟ ..
فالغيرة هي واحدة عموماً لأنّها تنبع من شخص الإنسان ولكنها ذات وجهين في آن معاً أو لنقل هي وجهين لعملة واحدة ،وجهٌ ايجابي ووجهٌ آخر سلبي ، أما الوجه الايجابي فترتسم خطوطه و تعابيره عندما تتجه غيرتنا وسلوكنا نحو أمور مفيدة وبناءة وذات قيمة تعود على الذات بالمنفعة والنجاح وزيادة الخبرات والمهارات وهنا يكون عقلنا هو المُسيطر فلا أجعلُ من غيرتي سلاحاً موجهاً ضدي بل أجعلها مُفتاحاً لنجاحي وتطوري ، وأما الوجه السلبي فتتجلى الغيرة بسلبيتها عندما يتنحى العقل وتطغى العاطفة على مناحي السلوك حيث يفقد الشخص قدرته على التحكم بعواطفه أو لنقل بغضبه فالغيرة هي نوع من الغضب والتوتر البسيط أو القوي ،تظهر آثاره على الإنسان مباشرة أو قد لاتظهر إلا على المدى البعيد فكثيراً ما يتجه هذا النوع من الغيرة نحوَ الانطوائية فيحبس الشخص الغيور نفسه ضمن نفسه مُستهتراً بقدراته مُنطوياً على ذاته وقد غابت لديه كل رغبة في المواجهة والتحدي مُستسلماً لواقعه ، فتراه صامتاً مكبوتاً وقد امتلأ كيانه بقناعة وهمية أنّه لا شيء ، وان قال له أحد المُقربين من الأهل و الأصدقاء : ما بِكَ ؟؟! انظر إلى نفسك ،،أنت تستطيع الوصول إلى ما وَصلَ إليه غيرك ، وكثير من العبارات التي تمنحه الثقة بنفسه حتى يجهش بالبكاء هارباً صارخاً بعبارةٍ لطالما سمعناها (( أن اتركوني بحالي )) دون أن ندري ما السر الذي جعله يَصرخ بها أو يُرددها ، وقد تتجه الغيرة أيضاً نحو العدوانية فكثير من الأشخاص ينظرون إلى من هم أفضل منهم نظرة ازدراء وتحقير مُحاولين بذلك إرضاء أنفسهم وتغطية إخفاقهم وضعفهم وإقناع مَن حولهم أنّ هؤلاء الناجحين ليسوا شيئاً ولم يُحققوا شيئاً وربما يصل الأمر بهم إلى اتهامهم بأشياء ليست فيهم بغرض دحض ما حققوه من نجاح فلا ينفكون يستعملون كل وسيلة متاحة للنيل منهم بالسخرية والكلام القاسي وربما تطور ذلك إلى أفعال مؤذية كالضرب مثلاً إذا كان الشخص متواجداً أمامهم .
أعلَمُ الآن أنه يتبادر إلى ذهنك سؤال صغير وهو : متى يشعر الإنسان بالغيرة ؟؟؟ لمعرفة ذلك تعال معي نُقلّبُ حياة الإنسان صفحةً صفحة ونتأملها صورةً صورة . . .
كيفَ تنشأ الغيرة ؟؟؟
كلنا يعلم أنّ الغيرة ما هي إلا شعور فطري أودعه الله في قلب الإنسان كبذرة صغيرة لا تنمو هذه البذرة إلا إذا توفرت لها عدة عوامل مناسبة ومرّت بظروف معينة ومواقف مؤثرة يعيشها الإنسان ،فكلنا يغار ولكن بدرجات متفاوتة ،لمعرفة هذه العوامل والظروف تعالوا معنا لنستعرض بعض هذه الصور :
@ غيرة الطفل من أخيه :
كثيرٌ من الآباء يهملون طفلهم الأول بعد ولادة الطفل الجديد فيتحول كل اهتمامهم نحوه ليشعر الطفل أنه قد سُلبَ منه ما كان حقاً له دونَ غيره في لحظة واحدة وبالتالي يشعرُ بالغيرة من هذا الدخيل الذي استأثر بكلّ ما لديه من الرعاية والحب و الاهتمام فيحاول هذا الطفل إعادة ما سُلِبَ منه ورَدِّ اعتباره ولَفتِ أنظار والدَيه نحوَهُ فيعودُ للقيام ببعض الأشياء التي كان يفعلها عندما كان بمثلِ عُمر أخيه كمَصّ إصبع إبهامه والحبو وغيرها من التصرفات السابقة فان لم يلقَ النتيجة التي ينشدها أو تعرّض للشتم و التأنيب من أبويه قد يلجأ إلى إيذاء نفسه أو إيذاء أخيه .
@ غيرة الطالب من زميله :
تُعدّ المدرسة من المؤثرات الرئيسية التي تؤثر على سلوكنا وأفكارنا و إحساساتنا المتعددة و المتنوعة ومنها الغيرة حيثُ أنّ الطالب يشعر بالغيرة من زميله لأنه حازَ على تقدير امتياز من المدرسة نتيجةَ مُدّلٍ مُتميّز ،أما هوَ فلا ، مع أنّه حصلَ على معدل قريب من زميله ،فيغار منه ويحاول الحصول على ما حصل عليه زميله !! فالتميّز بين الطلاب يؤدي للشعور بالغيرة و تنعكس هذه الغيرة على شخصية الطالب بشكل سلبي بقدرِ ما تنعكس بشكل ايجابي .
@ سنتوقف عند صورة تُعدّ من أهم وأجمل وأخطر الصور في آنٍ معاً و هي :غيرة الزوج على زوجته و العكس :
يقولُ الإمام علي بن أبي طالب مُعبراً عن حبه لزوجته وغيرته عليها :
أحظيتَ يا عودُ الأراك بثغرها أما خشيتَ يا أراك أراك
لو كان غيركَ يا سواكُ قتلتُهُ ما فازَ مني يا سواكُ سواكَ
فكثيراً ما تكون الغيرة بين الأزواج تعبيراً عن الحب ودليلاً قوياً عليه ، يقول المنفلوطي : الغيرة دخان الحب فان انطفأت ناره اختفى دُخانه ، اذاً فالغيرة هنا أمر طبيعي بل وحتى ضروري في بعض الأحيان فتجدُ كثيراً من الأزواج يقومون ببعض الأشياء فقط من أجل إثارة غيرة أزواجهم ليشعروا بمدى محبتهم لهم و بالتالي يشعرون بمكانتهم ولكن،،، غالباً ما تؤدي الغيرة الزائدة بين الأزواج إلى الكثير من الخلافات والمشكلات و قد تصلُ في بعض الحالات إلى الطلاق لأنّ الغيرة الزائدة قد تتجاوز معنى الحب إلى الشّك وعدم الثقة ومن ثمّ تقييد الحرية و إلغاء الخصوصية يقولون : وفي الزيادة عن الحدِّ .. نُقصان .
- هل أنتَ شخص غيور ؟؟ هل تريد أن تعرف كيف تتعامل مع غيرتك بشكلٍ يُحقق لك السعادة و النجاح ؟؟ اذاً تعالَ معي ولنحاول معاً تقديم بعضِ النصائح لي و لك :
1- تجاهل أي شيء قد يثير غيرتك بشكل سلبي لأنكَ عندما ستفعل ذلك سينتهي تأثير ذاك الشيء على حياتك شيئاً فشيئاً ، أي سيصبح أمراً عادياً .
2- توقف عن مُقارنة نفسك بغيرك :
نحنُ غالباً نميلُ لمقارنة أنفسنا بالآخرين وغالباً ما نكون نحن الخاسرين لأنها مقارنة تقوم على الأشياء التي نفتقدها وتكون موجودة عند الآخرين ، فلا أقارن نفسي بشخص يقطُنُ حيّاً راقياً ومنزلاً فخماً في حين أعيشُ أنا في حيٍّ شعبي ومنزل بسيط ، وان كان لا بدّ من المقارنة فقُم بها ولكن لتكن بين حالتك الآن و الحال التي ممكن أن تكون عليها اذا فعلتَ ما قام به أحد الناجحين .
3- تأمّل ذاتك :
حاول أن تجلس مع نفسك وترى ماذا فعلت و ماذا يمكن أن تفعل ، انظر إلى ما أنت عليه وما يُمكنُ أن تكون ، قُم بالتركيز على قدراتك الشخصية و تطويرها و تذكر دائماً أنه لدى كلّ شخص ما يُميزه عن الآخرين ولو كان شيئاً واحداً على الأقل ، هذا سيجعلك مُقتنعاً راضياً عن نفسك وقد تَشجّرت لديك مساحة كبيرة من صحراء الغيرة .
4- اهدم مخاوفك :
مهما كان نوع مخاوفك فالتعامل معها سوف يساعدك في رحلة التغلب على الغيرة فمثلاً إن كنت تخاف أن يخطف أحدٌ منك الأضواء فعليك أن تواجه هذا النوع من الخوف حتى لا تغار من ذاك الشخص .
5- ابني ثقتَكَ بنفسك :
حاول أن تثق بنفسك ومن أنّك تستطيع تغيير أي ضَعفٍ فيك وتحويله إلى قوة ، وبناء الثقة في النفس يكون ببناء وتكوين الصورة الواضحة عن النفس ، فمعرفة قيمتك الذاتية قد تكون كافية للقضاء على إحساسك بالغيرة الزائدة و اعلم أن أحد أسباب غيرتك ينبع من كونك غير واثق من نفسك .
6- تحكّم في غضبك :
كما ذكرنا سابقاً فالغيرة هي نوع من الغضب والتوتر البسيط فكلما كنتَ قادراً على التحكم في غضبك كلما استطعت توجيه غيرتك نحوَ الطريق السليم وبناء علاقات جيدة مع الآخرين .
7- تعامل مع الآخرين بثقة :
وهو أن تكون قادراً على التعبير عن مشاعرك دون أن تكون عدوانياً ودون أن تترك فرصةً لأحد كي يعتدي على حقوقك ، حينها ستكون قادراً على إخبار الشخص الذي يقتر ب من فتاتك أنه يجب عليه ألا يكون في هذا المكان دونَ أن تكون عدائياً وبنفس الوقت تتمتع بقوة كافية لردعه .
8- قُم ببعض التغييرات الخارجية :
بالرغم من أنّ الغيرة شعور ضمني إلا أنّه يتوجب عليك القيام ببعض التغييرات الخارجية فمثلاً : إذا كنت تشعر بالغيرة من شخص حقق نجاحاً ما قبلك ، حاول أن تعرف كيفَ تمكن من تحقيق ذلك النجاح ، ثُمّ قُم بمحاكاة انجازه عن طريق قيامك بنفس الأشياء التي قام بها .
وأخيراً صديقي ليسَ العيبُ في أن تغار .... ولكنّ العيب أن تقودكَ غيرتك نحوَ الهدم لا نحوَ البناء .