الفقر بوصفه مرضا نفسيا

نبيل 73

بيلساني شهم

إنضم
Aug 20, 2009
المشاركات
212
مستوى التفاعل
6
المطرح
اللاذقية بضيعة اسما الهنادي

كما أن الكذب أصل الرذائل الشخصية فإن الفقر أصل الشرور الاجتماعية و لو كان رجلاً لقتل منذ زمن بعيد. فنحن على ثقة بأن من يكذب يستطيع أن يفعل كل الموبقات ( فهو يسرق و يرتشي و يرشي و يخون ) ، و في المقابل فإن الفقر منبع لكل الأمراض الاجتماعية و النفسية و كل الأيديولوجيات التي تحاول تجميل وجه الفقر، لم تستطع تغطية بشاعته و عواقبه التي تطال كل زوايا الحياة .
الفقر مؤشر ممتاز على التشوش الاجتماعي و الذي يؤثر على قدرة المجتمع على الحفاظ على الضبط الاجتماعي. و تقترح العلاقة بين الفقر و الجريمة بأن لدى من يشغلون الموقع الطبقي الأدنى في المجتمع بواعث أعظم لارتكاب الجرائم نتيجة حرمانهم . و الأهم ، هو أن الفقر إذا ما نظرنا إليه بمعنى الحاجات المطلقة يقوض العواطف الاجتماعية و يحت كافة العلاقات بين الناس .
و يمكن لضغط الفقر و البطالة أن يخلق انعدام المسؤولية الفردية و بالتالي الانحراف ، و خاصة حين يعاني الناس من العجز في السيطرة على حيواتهم الخاصة . و أعتقد أن الاستقلال الاقتصادي للفقير هو العنصر الأكثر حسماً و أهمية في أية خطة سواء لمحاربة الفقر أو الجريمة . و بسبب الارتباط المباشر بين الضوابط الاجتماعية و التغير الاجتماعي السريع و الجريمة ، فإن البرامج و السياسات الأفضل يجب أن تتوجه إلى المساعدة على إنقاص المشكلات الاجتماعية .
لقد بات واضحاً بأن التغيرات الاجتماعية السريعة من ازدياد الفقر و اضمحلال الطبقة الوسطى ، تؤدي إلى تغير في العلاقات بين الناس و إلى خلل في الاندماج الاجتماعي ، و لهذا علاقة واضحة بمعدلات الجريمة . و هذا الأمر تناوله عالم الاجتماع الفرنسي الشهير إميل دوركهايم منذ زمن بعيد الذي أكد على أن معدلات الجريمة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتماسك الاجتماعي .
و من هنا فإن المناطق المهمشة ( أحزمة البؤس ) في المدن و خاصة التي تسور العاصمة دمشق ، و التي تفتقر إلى الرابط المجتمعي و الاندماج الاجتماعي و إلى هوية ، أي باختصار إلى نظام من الضبط الاجتماعي ، تحتضن خطورة أعلى في توليد المشاكل الاجتماعية و النفسية من مناطق الريف ، حيث لا يزال يعمل مستوى معين من الضبط و الاندماج الاجتماعيين و بالتالي قيم و روابط جمعية.
و عند الحديث عن اضمحلال الطبقة الوسطى ، يبدو ضروريا تناول الموضوع من زاوية أخرى لا تختزل بالفهم الاقتصادي و بالتالي الاجتماعي رغم أهميتهما القصوى. فالفرق الجوهري بين الفقراء و المنتمين للطبقة الوسطى هو في معنى الزمن . عندما تكون فقيرا ، فأنت تعيش في الحاضر ، في النموذج البقائي ؛ و عندما تكون من الطبقة الوسطى ، فإنك تيمم شطر المستقبل ، و تكون لديك القدرة على تأجيل الإشباع الراهن كوسيلة لتنظيم حياتك الخاصة و هذا أمر لا يتيسر للفقير.
و هذا ينقلنا إلى المستوى النفسي . فغياب الأمل بغد مختلف لا يكرر الراهن هو التربة الخصبة لنمو الاكتئاب و التوجس فيما سيحمله الغد ينبت بلا شك عصاب القلق . و هذا ليس تنظيرا من برج عاجي ، بل خبرة تتعزز بشكل يومي . فكل من يعمل في مجال الأمراض النفسية يربط بسهولة بين زيادة عدد المكتئبين و الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية ، بل قد يصل الأمر إلى حد الربط بين ارتفاع أسعار المحروقات و تأمين المونه و افتتاح المدارس و بين الاضطرابات النفسية و خاصة الاكتئاب . و لكن من ناحية أخرى من التبسيط بمكان أن نعتبر الاكتئاب مرضا يخص الفقراء أو المنكوبين بتموين المكدوس مثلا !! لكن هذه العوامل تلعب بالحد الأدنى دورا مطلقا له .
و لا يمكن بالطبع اختزال الاكتئاب باعتباره مرضا يعاني منه أفراد ، بل مشكلة اقتصادية- اجتماعية بامتياز . فهو من أكثر الأمراض تعطيلاً عن العمل ، مما يلحق ضررا كبيرا ، فضلاً عن المريض ، بأسرته و بلده ؛ كما أنه و هذا هو الأخطر أهم سبب لمحاولات الانتحار و للانتحار الناجز .
و أخيرا ، فإن أية إستراتيجية لا تأخذ في الحسبان تداخل العوامل الاقتصادية و الاجتماعية و النفسية و تأثيرها على تنمية مستدامة ، لن يكتب لها النجاح ، و سندور في حلقة مفرغة لا نعرف بدايتها من نهايتها . :11: :11: :11: :5: :5: :5:
:13: :13: :13:
 
أعلى