The Hero
الأســــــــــــــطورة
- إنضم
- Jun 29, 2008
- المشاركات
- 20,104
- مستوى التفاعل
- 69
- المطرح
- في ضحكة عيون حبيبي
وُلد أحمد شوقي عام 1870 في مصر التي صبغته بعروبتها وإسلامها.
فقد تحدّر من أعراق مختلطة: كان جدّه لأبيه كرديّا، وكانت جدّته لأبيه يونانية تعمل في قصر الخديو.
لكن أبويه وُلدا بمصر وتربّيا في رحابها.
نشأ شوقي في القاهرة، وضمن له تفوقه الدراسي مجانية تعليمية في مدرسة الحقوق.
وعندما تخرج فيها عام 1887، عيّنه الخديو توفيق في قصره، وأرسله إلى فرنسا في بعثة لدراسة الحقوق والترجمة طالت حتى عام 1893 .
وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية.
وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تكوين (جمعية التقدم المصري)، التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنكليزي.
وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية.
وطوال إقامته بأوروبا، كان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم المتنبي.
ولذا، ظل تأثره بالثقافة الفرنسية محدودًا، ولم ينبهر بالشعراء الفرنسيين الرمزيين والحداثيين أمثال رامبو وبودلير وفيرلين الصاعدين آنذاك.
وبعد عودة شوقي إلى مصر، تعدّدت رحلاته إلى تركيا والدول الأوروبية، إلا أن رحلة منها كانت، مثل رحلته الدراسية الأولى، حاسمةً في تشكيل مصيره.
كانت تلك الرحلة عام 1915 إلى برشلونة الإسبانية، التي اختارها الشاعر منفًى له، عندما أُمر بمغادرة مصر بعد خلع الإنكليز للخديو عباس حلمي.
وتأمل شوقي مشاهد الحضارة العربية في الأندلس، واكتشف أن الارتباط بالعروبة أبقى وأجدر منه بدولة الخلافة العثمانية.
كما تعززت نزعته الوطنية الغلابة في عشق مصر والتغني بأمجادها، وشهدت سنواته التالية ذروة تألقه الإبداعي في التعبير عن الضمير القومي، وشحذه لإمكاناته الإبداعية، وتوجيه طاقاته الخلاقة لتجديد روح الشعر العربي وتمكين صياغته.
وفي عام 1927، تألفت لجنة عربية لتكريمه، وخلعت عليه لقب (أمير الشعراء).
ويصف طه حسين التحول الذي قلب إستراتيجية شوقي الشعرية بعد المنفى الإسباني قائلاً:
(إنه قد تحوّل تحولاً خطيرًا حقّا لا نكاد نعرف له نظيرًا عند غيره من الشعراء الذين سبقوه في أدبنا العربي (...). إن شعره التقليدي قد تحرر من التقيد بظروف السياسة (...). واستكشف نفسه، وإذا هو شاعر قد خلق ليكون مجدّدًا). كما يرى طه حسين أن (شوقي)، في كثير من قصائده الأخيرة، قد أخذ يحقق النموذج الجمالي والفكري للإنسان المصري والعربي.
ومن موقع النقد الأسلوبي المعاصر، يرى الدكتور محمد الهادي الطرابلسي أن أسلوب شوقي كان (يتغذى من رصيد ثقافي واسع، فخرج يمثل عصارة مصفّاة من التراث العربي الغني، ومن المعارف الإنسانية، إلى جانب تصويره تجربة طويلة للحياة. ولقد تميز أسلوب شوقي بالتوازن بين طاقتين: الإخبارية والإيحائية، فحقق بذلك رسالة مزدوجة: فكرية وفنية معًا).
لقد اعتمد شوقي على توظيف عدد من التقنيات الشعرية الفعالة لتوليد الدلالات الكلية، من أهمها تجانس التراكيب والاشتقاقات، ومفارقات الصياغة، وآليات التكرار وطرائق التصوير والتجسيد، مع قدرة فائقة على إشباع الحس الجمالي للقارئ العربي والاستجابة لتوقعاته.
وفي أخريات سنواته، عكف شوقي على استئناف مشروعه الإبداعي الرائد في كتابة عدد من المسرحيات الشعرية الرفيعة، التي أسست لهذا الفن في اللغة العربية، حتى وافته المنية عام 1932.
ضم ديوانه (الشوقيات) 11320 بيتًا، وبلغت (أرجوزة دول العرب) و(عظماء الإسلام) 1365 بيتًا، كما وصل شعره المسرحي إلى 6179 بيتًا.
هذا بالإضافة إلى الشوقيات المجهولة التي نشرها الدكتور صبري السربوني، والتي وصل عددها إلى ما يقرب من 4700 بيت، بما يشهد بخصوبة شوقي وثراء منجزه الإبداعي في الشعر، وبجدارته ليكون شاعر العروبة والإسلام في العصر الحديث.
نماذج من أعمال الكاتب
قل للرجال قُــلْ للرِّجَــالِ: طغــى الأَســيرْ طــيرُ الحِجــالِ متــى يَطــيرْ? أَوْهَــــى جنَاحَيْـــهِ الحـــديـ ـــدُ, وحَــزَّ ســاقَيْهِ الحــريرْ ذهــــب الحِجـــابُ بصـــبره وأَطــــال حيْرتَـــه السُّـــفورْ هــــل هُيِّئَـــتْ دَرَجُ الســـما ء لــه, وهــل نُــصَّ الأَثــيرْ? وهـــل اســـتمرَّ بــه الجَنــا حُ, وهَـــمَّ بــالنَّهْض الشــكيرْ? وســـما لـمَنزلـــه مــن الــد نيــــا, ومنزلُـــه خـــطيرْ? ومتـــى تُســـاس بــه الريــا ضُ كمــا تُســاس بــه الوكـورْ? أَوَ كُـــلُّ مـــا عنــد الرجــا لِ لـــه الخـــواطبُ والمهــورْ? والسَّـــجنُ فـــي الأَكــواخ, أَو سِــجنٌ يقــال لــه: القصــورْ? تاللـــــــه لــــــو أَن الأَد يـــمَ جميعَـــه روضٌ ونـــورْ فـــي كـــلّ ظـــلٍّ ربـــوةٌ وبكــــلّ وارفــــةٍ غديـــرْ وعليـــه مـــن ذَهــبٍ ســيا جٌ, أَو مـــن اليـــاقوت ســورْ مـــا تَـــمَّ مــن دون الســما ءِ لـــه عــلى الأَرض الحُــبورْ إِن الســــــماءَ جــــــديرةٌ بـــالطير, وهْــوَ بهــا جــديرْ هـــي سَــرْجُهُ المشــدودُ, وهـ و عــــلى أَعِنَّتهــــا أَمـــيرْ حُرِّيَّـــــةٌ خُــــلِق الإِنــــا ثُ لهــا, كمــا خُــلِقَ الذكــورْ هــاجَتْ بنــاتِ الشــعرِ عــيـ ـــنٌ مــن بنــات النيـل حُـورْ لـــــي بينهــــن ولائــــدٌ هــم مــن ســواد العيــن نـورْ لا الشـــعْر يــأْتى فــي الجمــا ن بمثلهـــــن, ولا البحــــورْ مـــن أَجـــلهن أَنــا الشــفيـ ـــقُ عـلى الـدُّمَى, وأَنـا الغيـورْ أَرجـــو وآمـــل أَن ســـتجـ ـــري بــالذي شِــئنَ الأُمــورْ يــا قاســمُ, انظــر: كـيف سـا ر الفكـــرُ وانتقـــل الشــعورْ? جــــابت قضيَّتُــــكَ البـــلا دَ, كأَنهــــا مَثَــــلٌ يســـيرْ مــــــا النــــــاسُ إِلا أَوّلٌ يمضــــي فيخلُفـــه الأَخـــيرْ الفكــــرُ بينهمــــا عــــلى بُعْـــدِ المَــزارِ هــو الســفير ْ هـــذا البنـــاءُ الفخــمُ لــيـ ـس أَساسُـــــه إِلا الحَــــفيرْ إِن التــــــي خـــــلَّفْتَ أَمـ ـسِ, ومــا سِــواكَ لهــا نصـيرْ نهــــض الخــــفيُّ بشـــأْنها وســـعى لخدمتهـــا الظهـــيرْ فـــي ذمـــة الفُضْــلَى هــدى جِـــيلٌ إِلـــى هـــاد فقــيرْ أَقبلْــــنَ يســــأَلْنَ الحضـــا رةَ مـــا يُفيـــد ومــا يَضــيرْ مــــا السُّــــبْلُ بَيِّنَـــةٌ, ولا كـــلُّ الهُـــداةِ بهــا بصــيرْ مـــا فـــي كتـــابكَ طَفْــرَةٌ تُنْعَـــى عليـــكَ, ولا غـــرورْ هَذَّبْتَــــهُ حـــتى اســـتقامت مــــن خـــلائقك الســـطورْ ووضعْتَـــــه, وعلمْـــــتَ أَن حســــابَ واضعِـــه عســـيرْ لـــك فـــي مســـائله الكــلا مُ العـــفُّ والجـــدلُ الوَقـــورْ ولـــك البيـــانُ الجــذلُ فــي أَثنائــــه العلــــمُ الغزيــــرْ فـــي مطلــبٍ خَشِــنٍ, كَــثـ ـيـــرٌ فــي مَزالقــه العُثــورْ مـــا بالكتـــاب ولا الحـــديـ ــــث إِذا ذكرْتَهُمـــا نَكـــيرْ حـــتى لَنســـأَلَ: هــل تَغــا رُ عـــلى العقـــائد, أَم تُغــيرْ? عشـــرون عامًـــا مـــن زوا لــك مــا هــي الشـيءُ الكثـيرْ رُعْـــنَ النســاءَ, وقــد يَــرُو عُ المُشْـــفِقَ الجـــلَلُ اليســـيرْ فنَسِــــينَ أَنــــك كــــالبدو ر, ودونَ رِفعتِــــكَ البُــــدورْ تفنـــى السِّـــنون بهــا, ومــا آجالُهــــــا إِلا شــــــهورْ لقــــد اختلفنــــا, والمُعـــا شِـــرُ قـــد يخالفــه العَشــيرْ فــي الــرأْي, ثُــمّ أَهــاب بـي وبــــك المُنـــادِمُ والسَّـــميرْ ومحـــا الـــرَّوَاحُ إِلــى مغــا نــي الــودِّ مــا اقـترف البُكـورْ فــي الــرأْي تَضْطَغِــنُ العقــو لُ وليس تَضْطَغِــــنُ الصـــدورْ قـــل لــي بعيشِــك: أَيــن أَنـ ـــت? وأَيــن صـاحبُك الكبـيرْ? أَيـــن الإِمـــامُ? وأَيـــن إِسـ ـمـــاعيلُ والمـــلأُ المنـــيرْ? لمـــا نـــزلتم فـــي الــثرى تــاهت عــلى الشــهب القبــورْ عصــــر العبـــاقِرةِ النجـــو مِ بنـــوره تمشـــي العصــورْ
ســلامٌ مــن صَبــا (بَرَدَى) أَرقُّ ودمــعٌ لا يُكَفْكَــفُ يــا دِمَشْــقُ ومعـــذِرة اليَرَاعـــةِ والقــوافي جـلالُ الـرُّزْءِ عـن وَصْـفٍ يَـدِقُّ وذكــرى عــن خواطرِهـا لقلبـي إِليـــكِ تلفُّـــتٌ أَبــدًا وخَــفْقُ وبــي ممــا رَمَتْــكِ بـهِ الليـالي جراحــاتٌ لهـا فـي القلـب عُمْـقُ دخــلتكِ والأَصيــلُ لــه ائـتلاقٌ ووجــهُك ضـاحكُ القسـماتِ طَلْـقُ وتحــتَ جِنــانِك الأَنهـارُ تجـري ومِــــلْءُ رُبـــاك أَوراقٌ ووُرْقُ وحــولي فتيــةٌ غُــرٌّ صِبــاحٌ لهــم فـي الفضـلِ غايـاتٌ وسَـبْقُ عــلى لهــواتِهم شــعراءُ لُسْــنٌ وفــي أَعطــافِهم خُطبــاءُ شُـدْقُ رُواةُ قصــائِدي, فــاعجبْ لشــعرٍ بكـــلِّ محلَّـــةٍ يَرْوِيــه خَــلْقُ غَمــزتُ إِبــاءَهم حــتى تلظَّـتْ أُنــوفُ الأُسْــدِ واضطـرَم المَـدَقُّ وضــجَّ مــن الشّـكيمةِ كـلُّ حُـرٍّ أَبِــيٍّ مــن أُمَيَّــةَ فيــه عِتْــقُ لحاهـــا اللــهُ أَنبــاءً تــوالتْ عــلى سَــمْعِ الــوليِّ بمـا يَشُـقُّ يُفصّلهـــا إِلــى الدنيــا بَرِيــدٌ ويُجْمِلُهــا إِلــى الآفــاق بَــرْقُ تكــادُ لروعــةِ الأَحــداثِ فيهــا تُخـالُ مـن الخُرافـةِ وَهْـي صِـدْقُ وقيــل: معــالمُ التــاريخ دُكَّــت وقيــل: أَصابهــا تلــفٌ وحَـرقُ أًلسـتِ - دِمَشـقُ - للإِسـلام ظِـئْرًا ومُرْضِعَـــةُ الأُبُـــوَّةِ لا تُعَــقُّ? صــلاَحُ الـدين; تـاجُك لـم يُجَـمَّل ولــم يُوسَــم بــأَزين منـه فَـرْقُ وكـلُّ حضـارةٍ فـي الأَرض طـالتْ لهــا مـن سَـرْحِكِ العُلْـوِيِّ عِـرْقُ سـماؤكِ مـن حُـلَى المـاضي كتـابٌ وأَرضُــك مـن حـلى التـاريخ رقُّ بنيْــتِ الدولــةَ الكــبرى ومُلْكًــا غبـــارُ حضارتَيْـــه لا يُشَـــقُّ لـــه بالشــامِ أَعــلامٌ وعُــرْسٌ بشــــائرُه بــــأَندلُسٍ تـــدَقُّ ربـاعُ الخـلدِ - وَيْحَـكِ - ما دَهاها? أَحــقٌّ أَنهــا دَرَســتْ? أَحَــقُّ? وهــل غُـرَفُ الجِنـانِ مُنضَّـداتٌ? وهــل لنعيمهــن كــأَمِس نَسْـقُ? وأَيـن دُمَـى المقـاصِر مـن حِجـالٍ مُهَتَّكَــــةٍ, وأَســـتارٍ تُشَـــقُّ بَــرزْنَ وفـي نواحـي الأَيْـكِ نـارٌ وخَــلفَ الأَيــكِ أَفــراخٌ تُــزَقُّ إِذا رُمْــنَ الســلامةَ مــن طـريق أَتــتْ مــن دونـه للمـوت طُـرْق بلَيْــــلٍ للقـــذائفِ والمنايـــا وراءَ ســمائِه خَــطْفٌ, وصَعْــقُ إِذا عصــفَ الحــديدُ; احْـمَرَّ أُفْـقٌ عــلى جنباتِــه, واسْــوَدَّ أُفْــقُ سَــلِي مَـنْ راعَ غِيـدَك بعـدَ وَهْـنٍ أَبيْــن فــؤادِه والصخــرِ فَـرْقُ? وللمســـتعمرِين - وإِن أَلانـــوا - قلـــوبٌ كالحجـــارةِ, لا تَــرِقُّ رمــاكِ بطَيْشِــه, ورمـى فرنسـا أَخـو حـربٍ, بـه صَلَـفٌ, وحُـمْقُ إِذا مــا جــاءَه طُــلاَّبُ حَــقٍّ يقــول: عصابــةٌ خرجـوا وشَـقُّوا دَمُ الثُّـــوارِ تعرفُـــه فرنســـا وتعلـــم أَنـــه نـــورٌ وحَــقُّ جــرى فــي أَرضِهـا, فيـه حيـاةٌ كمُنْهَـــلِّ الســماءِ, وفيــه رزقُ بـــلادٌ مـــاتَ فِتْيَتُهــا لِتحْيــا وزالـــوا دونَ قـــومِهمُ ليبقُــوا وحُــرِّرَت الشــعوبُ عـلى قَناهـا فكــيف عــلى قناهــا تُسْـتَرَقُّ? بنــى ســورِيَّةَ, اطَّرِحـوا الأَمـاني وأَلْقُــوا عنكــمُ الأَحــلامَ, أَلْقُـوا فمِــنْ خُــدَعِ السياسـة أَن تُغَـرُّوا بأَلقـــاب الإِمـــارةِ وهْــيَ رِقُّ وكــم صَيَـد بـدا لـك مـن ذليـل كمــا مـالت مـن المصلـوب عُنْـقُ فُتُــوق الملـكِ تَحْـدُثُ ثـمّ تمضـى ولا يمضـــي لمخـــتلفِين فَتْــقُ نَصَحْــتُ ونحــن مخــتلفون دارًا ولكــنْ كلُّنــا فــي الهـمِّ شـرقُ ويجمعنـــا إِذا اخـــتلفت بــلادٌ بيــانٌ غــيرُ مخــتلفٍ ونُطْــقُ وقفتــم بيــن مــوتٍ أَو حيــاةٍ فــإِن رمْتـم نعيـمَ الدهـر فاشْـقُوا وللأَوطــانِ فــي دَمِ كــلِّ حُــرٍّ يَـــدٌ ســلفتْ وديْــنٌ مُســتحِقُّ ومــن يَســقي ويَشــربُ بالمنايـا إِذا الأَحــرارُ لـم يُسـقَوا ويَسـقُوا? ولا يبنـــي الممــالكَ كالضحايــا ولا يُـــدني الحــقوقَ ولا يُحِــقُّ ففـــي القتــلى لأَجيــالٍ حيــاةٌ وفـي الأَسْـرَى فِـدًى لهمـو وعِتْـقُ وللحريـــةِ الحـــمراءِ بـــابٌ بكـــلِّ يَـــدٍ مُضَرَّجَــةٍ يُــدَقُّ جــزاكم ذو الجــلالِ بنـى دِمَشـقٍ وعــزُّ الشــرقِ أَوَّلُــهُ دِمَشْــقُ نصــرتم يــومَ مِحنتــهِ أَخــاكم وكــلُّ أخٍ بنصــرِ أَخيــه حــقُّ ومــا كــان الــدُّروزُ قَبِيـلَ شـرٍّ وإِن أُخِــذوا بمــا لــم يَسـتحِقُّوا ولكـــنْ ذادَةٌ, وقُـــراةُ ضيــفٍ كينبــوعِ الصَّفــا خَشُــنوا ورَقُّـوا لهــم جــبلٌ أَشــمُّ لــه شـعافٌ مـوارد فـي السـحاب الجُـونِ بُلْـقُ لكـــلِّ لَبــوءَةٍ, ولكــلِّ شِــبْلٍ نِضـــالٌ دونَ غايتِـــه ورَشْــقُ كــأَن مِــن السَّـمَوْءَلِ فيـه شـيئًا فكــلُّ جِهاتِــه شــرفٌ وخــلْقُ
رَكَـزُوا رُفـاتَكَ فـي الرّمـال لِـواءَ يَســتنهضُ الـوادي صبـاحَ مَسـاءَ يـا وَيْحَـهم! نصبـوا مَنـارًا مـن دمٍ تُوحِــي إِلـى جـيل الغـدِ البَغْضـاءَ مـا ضـرَّ لـو جَـعلوا العَلاقَة في غدٍ بيــن الشــعوب مَــوَدَّةً وإِخـاءَ? جُـرْحٌ يَصيـحُ عـلى المدَى, وضَحِيَّةٌ تتلمَّسُ الحريَّـــــةَ الحــــمراءَ يأَيُّهــا الســيفُ المجــرَّدُ بـالفَلا يكسـو السـيوفَ عـلى الزمان مَضاءَ تلــك الصحـارى غِمْـدُ كـلِّ مُهَنِّـدٍ أَبْــلَى فأَحســنَ فـي العـدوِّ بَـلاءَ وقبــورُ مَـوْتَى مـن شـبابِ أُمَيَّـةٍ وكهــولِهم لــم يبْرَحُــوا أَحيـاءَ لــو لاذَ بــالجوزاءِ منهـم معقِـل دخــلوا عــلى أَبراجِهـا الجـوزاءَ فتحــوا الشَّــمالَ: سُـهولَهُ وجبالَـهُ وتوغَّلــوا, فاســتعمروا الخـضراءَ وبَنَــوْا حضـارتَهم, فطَـاوَلَ ركنُهـا (دَارَ الســلامِ), و(جِــلَّقَ) الشَّـمّاءَ خُـيِّرْتَ فـاخْتَرْتَ المبيـتَ على الطَّوَى لــم تَبْــنِ جاهًــا, أَو تَلُـمَّ ثَـراءَ إِنَّ البطولــةَ أَن تمـوتَ مـن الظَّمـا ليس البطولـــةُ أَن تَعُــبَّ المــاءَ إِفريقِيــا مَهْــدُ الأُســودِ ولَحْدُهـا ضجَّــتْ عليــكَ أَراجـلاً ونسـاءَ والمسـلمون عـلى اخـتلافِ ديـارِهم لا يملِكـون مـعَ الـمُصَـابِ عَـزاءَ والجاهليــةُ مــن وَراءِ قُبــورِهم يبكــون زَيْــدَ الخــيل والفَلْحـاءَ فــي ذِمَّــة اللـهِ الكـريمِ وحفظِـه جَسَــدٌ (ببرْقة) وُسِّــدَ الصحــراءَ لـم تُبْـقِ منـه رَحَـى الوقـائِع أَعظُمًا تَبْــلَى, ولــم تُبْـقِ الرِّمـاحُ دِمـاءَ كَرُفــاتِ نَسْــرٍ أَو بَقِيَّــةِ ضَيْغَـمٍ باتـــا وراءَ السَّـــافياتِ هَبــاءَ بطـلُ البَـداوةِ لـم يكـن يَغْـزو على "تَنْكٍ", ولــم يَـكُ يـركبُ الأَجـواءَ لكــنْ أَخـو خَـيْلٍ حَـمَى صَهَواتِهـا وأَدَارَ مـــن أَعرافهــا الهيجــاءَ لَبَّــى قضـاءَ الأَرضِ أَمِس بمُهْجَـةٍ لــم تخْــشَ إِلاَّ للســماءِ قَضـاءَ وافــاهُ مَرْفــوعَ الجــبينِ كأَنــه سُــقْراطُ جَــرَّ إِلـى القُضـاةِ رِداءَ شَــيْخٌ تَمــالَكَ سِــنَّهُ لـم ينفجـرْ كـالطفل مـن خـوفِ العِقـابِ بُكـاءَ وأَخــو أُمـورٍ عـاشَ فـي سَـرَّائها فتغـــيَّرَتْ, فتـــوقَّع الضَّــراءَ الأُسْـدُ تـزأَرُ فـي الحـديدِ ولـن ترى فـي السِّـجنِ ضِرْغامًـا بكى اسْتِخْذاءَ وأَتــى الأَسـيرُ يَجُـرُّ ثِقْـلَ حَـديدِهِ أَسَـــدٌ يُجَــرِّرُ حَيَّــةً رَقْطــاءَ عَضَّــتْ بسـاقَيْهِ القُيـودُ فلـم يَنُـؤْ ومَشَــتْ بهَيْكلــه السّــنون فنـاءَ تِسْـعُونَ لـو رَكِـبَتْ مَنـاكِبَ شـاهقٍ لترجَّـــلَتْ هَضَباتُـــه إِعيـــاءَ خَـفِيَتْ عـن القـاضي, وفات نَصِيبُها مــن رِفْــق جُــنْدٍ قـادةً نُبَـلاءَ والسِّـنُّ تَعْصِـفُ كُـلَّ قَلْـبِ مُهَـذَّبٍ عَــرَفَ الجُــدودَ, وأَدرَكَ الآبــاءَ دفعــوا إِلـى الجـلاَّدِ أَغلَـبَ مـاجدًا يأْسُــو الجِـراحَ, ويُطلِـق الأُسَـراءَ ويُشــاطرُ الأَقــرانَ ذُخْـرَ سِـلاحِهِ ويَصُــفُّ حَــوْلَ خِوانِـه الأَعـداءَ وتخــيَّروا الحــبلَ المَهيــنَ مَنيّـةً للَّيْــثِ يلفِــظ حَوْلَــهُ الحَوْبــاءَ حَـرموا الممـاتَ عـلى الصَّوارِم والقَنا مَـنْ كـان يُعْطِـي الطَّعْنَـةَ النَّجْـلاءَ إِنـي رأَيـتُ يَـدَ الحضـارةِ أُولِعَـتْ بـــالحقِّ هَدْمــا تــارةً وبِنــاءَ شـرَعَتْ حُـقوقَ النـاسِ فـي أَوطانِهم إِلاَّ أُبـــاةَ الضَّيْـــمِ والضُّعَفــاءَ يــا أَيُّهَـا الشـعبُ القـريبُ, أَسـامعٌ فـأَصوغَ فـي عُمَـرَ الشَّـهِيدِ رِثاءَ? أَم أَلْجَـمَتْ فـاكَ الخُـطوبُ وحَـرَّمت أُذنَيْــكَ حـينَ تُخـاطِبُ الإِصْغـاءَ? ذهــب الـزعيمُ وأَنـتَ بـاقٍ خـالدٌ فــانقُد رِجـالَك, واخْـتَرِ الزُّعَمـاءَ وأَرِحْ شـيوخَكَ مـن تكـاليفِ الـوَغَى واحْــمِلْ عــلى فِتْيـانِكَ الأَعْبـاءَ
أَبــا الهَـوْلِ, طـالَ عليـكَ العُصُـرْ وبُلِّغْـتَ فـي الأَرْضِ أَقصـى العُمُـرْ فيــا لِـدةَ الدَّهـرِ, لا الدّهـرُ شَـــ ــــبَّ, ولا أَنت جاوزتَ حدّ الصِّغَرْ إِلامَ ركـــوبُكَ متـــنَ الرمـــا لِ لِطَـيِّ الأَصيـلِ وَجَـوْبِ السّـحَرْ? تُســـافر منتقــلاً فــي القــرو نِ, فأَيّــان تُلْقــي غُبـارَ السَّـفرْ? أَبينـــكَ عَهْـــدٌ وبيــن الجبــا لِ, تـزولان فـي الموعـدِ المنتظـرْ? أَبــا الهــولِ, مــاذا وراءَ البقـا ءِ - إِذا مـا تطـاولَ - غيرُ الضَّجَرْ? عجــبْتُ لِلُقمــانَ فــي حِرصِــه عـــلى لُبَــدٍ والنُّســورِ الأُخَــرْ وشــكوى لَبِيــدٍ لطــولِ الحيــا ةِ, ولــو لـم تَطُـلْ لتَشـكَّى القِصَـرْ ولــو وُجِــدَتْ فيـكَ يـابنَ الصَّفـا ةِ لحِـــقْتَ بِصـــانِعكَ المقتــدِرْ فــإِن الحيــاةَ تفُــلُّ الحــديــ ــــدَ إِذا لبِسَــتْهُ, وتُبْـلي الحجَـرْ أَبـا الهـولِ, مـا أَنـتَ فـي المُعضِلا تِ? لقـد ضلَّـت السُّـبْلَ فيـكَ الفِكَرْ! تحـــيَّرَتِ البــدْوُ مــاذا تكــو نُ? وضلَّـتْ بِـوادي الظنـونِ الحَضَرْ فكــنتَ لهــم صــورةَ العُنْفُــوا نِ, وكــنتَ مِثـالَ الحِجَـى والبصـرْ وسِـــرُّكَ فــي حُجْبِــه كلمــا أَطلَّــتْ عليــه الظنــونُ اســتترْ ومــا راعهــم غـيرُ رأْسِ الرجـا لِ عــلى هيكـلٍ مـن ذوات الظُّفُـرْ ولــو صُـوِّروا مـن نواحـي الطِّبـا ع تَوالَــوْا عليــكَ سِـباعَ الصُّـوَرْ فيـارُبَّ وجـهٍ كصـافي النَّمِـيــــ ـــــرِ تشــابَهَ حامِلُـه والنَّمِـرْ أَبــا الهــولِ وَيْحَــكَ لا يُسـتَقَلـ لُ مــع الدهــرِ شـيءٌ ولا يُحـتقَرْ تهــزّأْتَ دهــرًا بِــدِيكِ الصبــا حِ فنقَّـــرَ عينيــك فيمــا نقَــرْ أَسَــال البيــاضَ, وسَــلَّ السَّـوَادَ وأَوْغــلَ مِنقــارُه فــي الحُــفَرْ فعُـــدْتَ كــأَنك ذو المَحْبِسَــيْــ ـــنِ, قطيـعَ القيـامِ, سَـلِيبَ البصَرْ كــأَنّ الرّمــالَ عَــلَى جـانِبَيْــ ــــكَ وبيـن يَـدَيكَ ذنـوبُ البشَرْ كـــأَنك فيهــا لــواءُ الفضــا ءِ عــلى الأَرضِ, أَو دَيدَبَـانُ القـدَرْ كــأَنكَ صــاحبُ رمــلٍ يَــرى خَبايــا الغيــوبِ خِــلال السَّـطَرْ أَبــا الهــول, أَنـت نـديمُ, الزمـا نِ, نَجِــيُّ الأَوانِ, سَــمِيرُ العُصُـرْ بسَـــطْتَ ذراعيْـــكَ مـــن آدمٍ وولَّيــتَ وجــهَكَ شَــطرَ الزُّمَـرْ تُطِـــلُّ عــلى عــالَمٍ يســتهِلـ لُ وتُــوفِي عــلى عـالَمٍ يُحْـتَضَرْ
خَدعُوهـــا بقـــولهم: حســناءُ والغـــواني يَغُـــرُّهن الثَّنـــاءُ أَتُراهـــا تناســت اســمِيَ لمّــا كــثُرت فــي غرامِهـا الأَسـماءُ? إِن رأَتنــي تميـل عنـي, كـأَن لَّـم تـــكُ بينــي وبينهــا أَشــياءُ! نظـــرةٌ, فابتســـامةٌ, فســـلامٌ فكــــلامٌ, فموعـــدٌ, فلقـــاءُ يـومَ كُنـا - ولا تسـلْ: كيف كُنّا? - نتهــادَى مــن الهـوى مـا نشـاءُ وعلينــا مــن العَفــافِ رقيــبٌ تَعِبَــتْ فــي مِراســه الأَهــواءُ جــاذبتني ثـوبي العصِـيَّ وقـالت: أَنتـــمُ النــاسُ أَيُّهــا الشــعراءُ فــاتقوا اللـهَ فـي قلـوبِ العـذارَى فـــالعذارى قلـــوبُهنّ هـــواءُ نظـــرةٌ, فابتســـامةٌ, فســـلامٌ فكــــلامٌ, فموعـــدٌ, فلقـــاءُ ففـــراقٌ يكـــون فيـــه دواءٌ أَو فــراقٌ يكــون منــه الــدَّاءُ لا السُّــهْدُ يَطويــه ولا الإِغضـاءُ لَيْـــلٌ عِــدادُ نُجُومِــه رُقَبــاءُ داجِـي عُبـابِ الجُـنْحِ, فَـوْضَى فُلْكُه مــا للهمــوم ولا لهــا إِرْســاءُ أَغزالـة الإِشـراقِ, أَنـتِ مـن الدُّجى ومــن السُّــهادِ إِذا طلعْـتِ شِـفاءُ رفقًـــا بجــفْنٍ كلَّمــا أَبْكَيْتِــهِ ســال العَقيـقُ بـه, وقـام المـاءُ
قــد كـنتُ أُوثـرُ أَن تقـولَ رِثـائي يـا مُنْصِـفَ المـوْتى مـن الأَحيـاءِ لكـنْ سـبَقْتَ, وكـلُّ طـولِ سـلامةٍ قـــدرٌ, وكــلٌ مَنِيَّــةٍ بقضــاءِ الحـقُّ نـادَى فاسْـتجَبْتَ, ولـم تَـزلْ بــالحقِّ تحــفِلُ عنـدَ كـلِّ نِـداءِ وأَتيْـت صحـراءَ الإِمـامِ تـذوب من طُــولِ الحـنينِ لسـاكن الصحـراءِ فلقيــت فـي الـدار الإِمـامَ محـمدًا فــي زُمْــرَةِ الأَبــرارِ والحُنفـاءِ أَثَــرُ النعيــم عـلى كـريمِ جبينـه ومراشـــدُ التفســـيرِ والإِفتــاءِ فشــكوتما الشَّـوْقَ القـديمَ, وذُقْتُمـا طِيــبَ التـداني بعـدَ طـولِ تنـائي إِنْ كــانت الأُولــى منـازلَ فُرْقـةٍ فالســمْحَةُ الأُخــرى ديــارُ لِقـاءِ وودِدْتُ لـو أَنـي فـداكَ مـن الـرَّدَى والكـــاذبون المُرْجِــفونَ فِــدائي النــاطقونَ عـن الضَّغينـةِ والهـوى المُوغِــرُو المَـوْتَى عـلى الأَحيـاءِ مــن كــلّ هَــدَّامٍ ويَبنـى مجـدَه بكـــرائم الأَنقــاضِ والأَشــلاءِ مـا حَـطَّموكَ, وإِنمـا بـكَ حُـطِّموا مــن ذا يُحـطِّم رَفْـرَف الجـوزاء? اُنظُـره, فـأَنت كـأَمْسِ شـأْنُكَ بـاذخٌ فـي الشـرقِ, واسْـمُكَ أَرفعُ الأَسماءِ بــالأَمسِ, قــد حَــلَّيْتَني بقصيـدةٍ غــراءَ تُحــفَظُ كــاليدِ البيضـاءِ غِيـظ الحَسُـودُ لهـا وقمـتُ بشـكرها وكمــا علمــتَ مَــوَدَّتي ووفـائي فــي مَحــفلٍ بَشَّـرْتُ آمـالي بـه لمــا رَفعـتَ إِلـى السـماءِ لِـوَائي يــا مـانِحَ السُّـودانِ شـرْخ شـبابِه ووَلِيَّــهُ فــي السّــلمِ والهيْجــاءِ لـمَّــا نـزلْت عـلى خمائلـه ثـوَى نبْــعُ البيــانِ وراءَ نَبْــع المـاءِ قلَّدْتَــهُ الســيفَ الحُسـامَ, وزدْتَـهُ قلمًــا كصــدرِ الصَّعْـدةِ السـمراءِ قلـم جـرى الحِـقبَ الطِّوالَ فما جرى يومًـــا بفاحشـــةٍ ولا بهجــاءِ يكســو بِمدْحَتِــه الكِــرامَ جلالـةً ويُشَــيِّعُ المــوْتى بحســنِ ثَنـاءِ إِسْــكَنْدَرِيّةُ يــا عــروسَ المــاء وخميلـــةَ الحكمــاءِ والشــعراءِ نشــأَتْ بشــاطِئِكِ الفنـونُ جميلـةً وتَرعــرعَتْ بســمائِك الزهــراءِ جــاءَتْكِ كــالطيرِ الكـريمِ غرائبًـا فجمعتِهـــا كـــالرَّبْوَةِ الغنَّـــاءِ قـد جـمَّلوكِ, فصِـرْتِ زِنْبَقَـةَ الثرَى للوافـــــدين ودُرَّةَ الدَّأْمــــاءِ غرَسُـوا رُبـاكِ عـلى خمـائلِ بـابلٍ وبَنَـوْا قصـورَك فـي سَـنا الحمراءِ واســتحدثوا طُرُقًـا مُنـوَّرة الهـدى كسـبيلِ عيسـى فـي فِجـاجِ المـاءِ فخُــذي كـأَمِس مـن الثقافـة زينـةً وتجـــمَّلِي بشـــبابكِ النُّجَبــاءِ وتقلَّــدي لغــةَ الكتــابِ; فإِنَّهــا حَجَــرُ البنــاءِ, وعُــدَّةُ الإِنشـاءِ بَنَــتِ الحضـارةَ مَـرَّتيْن, ومهَّـدتْ للمُلــكِ فــي بغــدادَ والفَيْحــاءِ وسَــمَتْ بقرطبـةٍ ومصـرَ, فحلَّتـا بيـــن الممـــالكِ ذِرْوَة العَليــاءِ مـاذا حشـدتِ مِـن الدمـوع "لحافظٍ" وذخـرْتِ مـن حـزنٍ لـه وبُكـاءِ? ووجــدْتِ مِـن وقـع البـلاءِ بفقـدهِ إِن البــلاءَ مَصــارِعُ العظمــاءِ اللــهُ يشــهدُ قــد وَفيْـتِ سـخيَّةً بــالدَّمع غــيرَ بَخيلــةِ الخطبـاءِ وأَخـذتِ قِسـطًا مـن مَناحـةِ مـاجدٍ جَــمِّ المــآثِرِ, طيِّــبِ الأَنبــاءِ هَتــف الـرُّواةُ الحـاضرون بشـعره وحــدا بــه البـادون فـي البَيْـداءِ لبنــانُ يَبكيـه, وتبكـي الضـادُ مـن حَــلبٍ إِلـى الفيْحـا إِلـى صَنْعـاءِ عـربُ الوَفـاءِ وَفـوْا بذمّـةِ شـاعرٍ بــانى الصفـوفِ, مُـؤلفِ الأَجـزاءِ حـافظَ الفصحـى, وحـارسَ مَجْدِهـا وإِمــامَ مَــنْ نجَـلتْ مـن البُلغـاءِ مــا زِلْـتَ تهتـفُ بـالقديم وفضلـهِ حــتى حَــمَيْت أَمانــةَ القُدمــاءِ جــدّدت أُســلوبَ (الوليدِ) ولفظَــه وأَتيْــت للدّنيــا بســحر (الطائي) وجـريْت فـي طلـبِ الجديدِ إِلى المدى حــتى اقـترنْت بصـاحب البُؤسـاءِ مـاذا وراءَ المـوت مـن سَلْوَى, ومن دَعَـةٍ, ومـن كـرَمٍ, ومـن إِغضاءِ? اشـرحْ حقـائقَ مـا رأَيْـت, ولم تزل أَهــلاً لِشــرْح حقــائِقِ الأشـياءِ رُتـبُ الشـجاعةِ فـي الرِّجـالِ جلائلٌ وأَجَـــــلُّهُنَّ شــــجاعةُ الآراءِ كـم ضِقـتَ ذَرْعًـا بالحيـاة وكيْدِهـا وهتفــت بالشــكوى مـن الضَّـراءِ فهلُــمَّ فـارِقْ يـأْسَ نفسِـك سـاعةً واطلُـعْ عـلى الـوادي شُـعاعَ رجاءِ وأَشــرْ إِلـى الدنيـا بوجـهٍ ضـاحكٍ خُــلِقتْ أَسِــرَّتُهُ مــن السَّــراءِ يــا طالمــا مَـلأَ النَّـدِيَّ بشاشـةً وهــدى إِليــك حــوائجَ الفقـراءِ اليــومَ هـادنْت الحـوادِثَ; فـاطَّرِحْ عِـبْءَ السـنين, وأَلْـق عِـبْءَ الداءِ خــلَّفْت فــي الدنيـا بيانًـا خـالدًا وتــركْت أَجيــالاً مــن الأبنــاءِ وغـدًا سـيذكرك الزمـانُ, ولـم يَزلْ للدِّهــرِ إِنصــافٌ وحسـنُ جـزاءِ
مِـنْ أَيِّ عَهـدٍ فـي القُـرَى تتَـدَفَّقُ? وبــأَيِّ كَـفٍّ فـي المـدائن تُغْـدِقُ? ومـن السـماءِ نـزلتَ أَم فُجِّـرتَ من علْيــا الجِنــان جَـداوِلاً تـتَرقرقُ? وبــأَيِّ عَيْــنٍ, أَم بأَيَّــة مُزْنَــةٍ أَم أَيِّ طُوفــانٍ تفيــض وتَفْهَــقُ? وبــأَىِّ نَــوْلٍ أَنـتَ ناسـجُ بُـرْدَةٍ للضفَّتيْـــن, جَديدُهــا لا يَخــلَقُ? تَسْـــوَدُّ دِيباجًـــا إِذا فارقتهـــا فـإِذا حـضرتَ اخْـضَوْضَرَ الإِسْتَبْرَقُ فــي كــلِّ آونــةٍ تُبـدِّل صِبغـةً عجبًــا, وأَنــت الصـابغُ المُتَـأَنِّقُ أَتَـت الدهـورُ عليـكَ, مَهْـدُكَ مُـتْرَعٌ وحِيــاضُكَ الشُّــرق الشـهيَّةُ دُفَّـقُ تَسْــقِي وتُطْعِـمُ, لا إِنـاؤكَ ضـائِقٌ بـــالواردين, ولا خــوانُك يَنفُــقُ والمــاءُ تَسْــكُبُه فيُسْـبَكُ عَسْـجَدًا والأَرضُ تُغْرِقهــا فيحيــا المُغْـرَقُ تُعيــي مَنـابِعُك العقـولَ, ويسـتوي مُتخــبِّطٌ فــي علمِهــا ومُحــقِّقُ أَخـلَقْتَ راووقَ الدهـورِ, ولـم تـزل بــكَ حَمْــأَةٌ كالمسـك, لا تَـتروَّقُ حــمراءُ فـي الأَحـواض, إِلاّ أَنهـا بيضــاءُ فـي عُنُـق الـثرى تَتـأَلَّقُ دِيــنُ الأَوائِـل فيـك دِيـنُ مُـروءَةٍ لِـمَ لا يُؤَلَّـه مَـنْ يَقُـوتُ ويَـرزُقُ? لــو أَن مخلوقًــا يُؤَلَّـه لـم تكـن لِســواكَ مَرْتبــةُ الأُلوهَــةِ تَخْـلُقُ جـعلوا الهـوى لـك والوَقـارَ عبـادةً إِنَّ العبـــادةَ خَشـــيةٌ وتَعلُّـــقُ دانــوا ببحــرٍ بالمكــارِم زاخـرٍ عَــذْبِ المشــارعِ, مَـدُّهُ لا يُلْحَـقُ مُتقيِّــــد بعهـــودِه ووُعـــودِه يَجـري عـلى سَـنَنِ الوفـاءِ ويَصدُقُ يَتقبَّــلُ الــوادي الحيــاةَ كريمـةً مــن راحَــتَيْكَ عَمِيمــةً تتــدفَّقُ متقلِّــب الجــنبيْن فــي نَعْمائِــهِ يَعْـرَى ويُصْبَـغُ فـي نَـداك فيُـورِقُ فيبيــتُ خِصْبًـا فـي ثَـراه ونِعْمـة ويعُمُّــه مــاءُ الحيــاةِ الموسِـقُ وإِليـك - بَعْـدَ اللـهِ - يَرجِـع تحتـه مـا جَـفَّ, أَو مـا مـات, أَو ما يَنْفُقُ أَيـن الفراعنـةُ الأُلـى اسـتذرى بهـم (عيسى), و(يوسف), و(الكَلِيمُ) المصْعَقُ? المُــورِدونَ النــاسَ مَنْهَـلَ حكمـةٍ أَفْضَــى إِليــه الأَنبيــاءُ ليَسـتقوا الرافعــون إِلــى الضحـى آبـاءَهم فالشـمسُ أَصلُهـمُ الـوَضِيءُ المُعْرِقُ وكأَنمــا بيــن البِــلى وقبــورِهم عهــدٌ عـلى أَنْ لا مِسـاسَ, ومَـوْثِقُ فحجـابُهم تحـت الـثرى مـن هَيْبَـةٍ كحجــابهم فـوق الـثرى لا يُخـرَقُ بلغــوا الحقيقـةَ مِـنْ حيـاة علمُهـا حُجُــبٌ مُكَثَّفَــةٌ, وسِــرٌّ مُغلَــقُ وتبيَّنـوا معنـى الوجـودِ, فلـم يَـرَوْا دونَ الخـــلودِ ســـعادةً تَتحــقَّقُ يَبنــون للدنيــا كمــا تَبنِـي لهـم خِرَبًــا, غـرابُ البَيْـن فيهـا يَنْعَـقُ فقصــورُهم; كُــوخٌ, وبيـتُ بَـداوةٍ وقبــورُهم; صـرْحٌ أَشَـمُّ, وجَوْسَـقُ رفعــوا لهـا مِـنْ جَـنْدَلٍ وصفـائحٍ عَمَــدًا, فكــانت حائطًـا لا يُنْتَـقُ تتشــايعُ الــدَّاران فيـه: فمـا بـدا دُنْيـا, ومـا لـم يَبْـدُ أُخـرى تَصْدُقُ للمــوتِ سِــرٌّ تحتَــه, وجِــدارُه سُـورٌ عـلى السـرِّ الخـفيِّ, وخَـنْدَقُ وكــأَنَّ مــنزلهم بأَعمــاقِ الـثرى بيــن المحلَّــةِ والمحلَّــةِ" فُنْــدُقُ مَوْفــورةٌ تحــت الـثرى أَزْوَادُهـم رَحْـب بهـم بيـن الكهـوف المُطْبِـقُ ولِمَـنْ هيـاكلُ قـد عـلا البـاني بها بيــن الثريَّــا والــثَّرى تتنَسَّـقُ? منهــا المشـيَّدُ كـالبروجِ, وبعضُهـا كــالطَّوْدِ مُضطَّجِــعٌ أَشَـمُّ مُنَطَّـقُ جُــدُدٌ كــأَوّلِ عهدهــا, وحِيالَهـا تتقــادَمُ الأَرضُ الفضــاءُ وتَعْتُـقُ مِــنْ كـلِّ ثقْـلٍ كـاهلُ الدُّنيـا بـه تَعِـبٌ, ووَجْـهُ الأَرضِ عنـه ضَيِّـقُ عـال عـلى بـاع البِـلى, لا يَهتـدِي مــا يَعتــلِي منــه ومـا يَتسـلَّقُ مُتمكِّـنٌ كـالطودِ أَصـلاً فـي الـثرى والفـرعُ فـي حَـرمِ السـماءِ مُحـلِّقُ هــي مــن بنـاءِ الظلـمِ, إِلا أَنـه يَبيَـضُّ وجـهُ الظلـمِ منـه ويُشْـرِقُ لــم يُـرْهِق الأُمَـمَ الملـوكُ بمثلهـا فخــرًا لهــم يَبْقَـى وذكـرًا يَعْبَـقُ فُتِنَــتْ بشـطَّيْكَ العِبَـادُ, فلـم يـزل قـــاصٍ يَحُجُّهُمَــا, ودانٍ يَــرْمُقُ وتضــوَّعَتْ مِسْـكَ الدُّهـورِ, كأَنمـا فــي كــلِّ ناحيـة بَخـورٌ يُحْـرَقُ وتقـابلتْ فيهـا عـلى السُّـرُرِ الـدُّمَى مُسْـــتَرْدِيات الـــذلّ لا تَتَفَنَّــقُ عَطَلـتْ, وكـان مكـانُهنّ مـن العُلى (بِلْقِيسُ) تَقْبِسُ مــن حـلاهُ وتَسْـرقُ وعَـلا عليهـن الـترابُ, ولـم يكـن يَزْكُــو بِهـنّ سـوى العبـير ويَلبَـقُ حُجُراتُهــا مَوْطــوءَةٌ, وســتورُها مَهتوكــةٌ, بيــد البِــلى تَتخــرّقُ أَوْدَى بزينتهــا الزمــانُ وحَلْيهــا والحســنُ بــاقٍ والشـبابُ الـرَّيِّقُ لــو رُدَّ فِرعــونُ الغـداةَ; لراعـه أَنّ الغَـــرانيق العُــلَى لا تَنطــقُ خــلع الزمـانُ عـلى الـورى أَيامَـه فـإِذا الضُّحـى لـكَ حِصَّـةٌ والرَّوْنَقُ لــكَ مــن مواسـمِه ومـن أَعيـادِه مــا تَحْسِـرُ الأَبصـارُ فيـه وتَـبْرَقُ لا (الفرسُ) أُوتــوا مثَلـه يومًـا, ولا (بغدادُ) فـي ظـلِّ (الرشيد) و(جِـلَّق) فَتْــحُ الممـالك, أَو قيـامُ (العِجْلِ), أَو يـومُ القبـور, أَو الزفـافُ المُـونِقُ? كــم مــوكبٍ تَتخَـايلُ الدنيـا بـه يُجْـلَى كمـا تُجْـلَى النجـومُ ويُنْسـقُ! (فرعونُ) فيــه مـن الكتـائبِ مُقبِـلٌ كالسُّـحْبِ, قَـرْنُ الشـمس منهـامُفتِقُ تَعْنــو لعزَّتِــه الوجــوه, ووجهـهُ للشـمسِ فـي الآفـاقِ عـانٍ مُطـرِقُ آبــتْ مــن السـفرِ البعيـدِ جـنودُه وأَتتْــه بــالفتحِ الســعيدِ الفَيْلَــقُ ومَشـى الملـوكُ مُصفَّـدِين, خـدودُهم نعــلٌ لفرعــونَ العظِيـم ونُمْـرُقُ