النظام السوري .. رماد الجغرافيا والتاريخ!

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
[h=2]يراهن النظام السوري على الجغرافيا السورية باعتبارها حيزًا من المكان يقع على أطراف دول تتناقض مصالحها، وأن هذا التناقض في حد ذاته يشكل ضمانة انكفاء الجهود في حدود لا يمكن لأي دولة أن تمضي بالضغوط على النظام إلى حد التدخل السافر ضده.
ثم هو يراهن على التاريخ، ليس تاريخ سورية باعتبارها مكان استئثار أول دولة عربية هي الدولة الأموية، ولا باعتبار تاريخها فيما بعد ذلك كمنطلق لتوسيع رقعة الدولة العربية، ولا في تاريخها فيما بعد ذلك مع الدولة العثمانية وسقوطها وقدوم المستعمر وخروجه منها، ولا حتى بتاريخها الثقافي بمكوناته الإسلامية الغالبة وغيرها من آشورية وسريانية وأرمن وأكراد ومسيحيين ودروز وشيعة وزيدية وعلويين، ولا حتى بكونها مقر إحياء التراث وتشوف طريق النهضة العربية، أو حتى بواكير العمل النيابي في ثلاثينيات القرن الماضي.. وإنما رهان النظام السوري على تاريخ النظام من استيلاء البعث على السلطة حتى استيلاء عائلة الأسد على البعث وسورية.
ورهان النظام على تاريخه يتمثل في انحيازه العميق للثقة بالخارج لقمع الداخل والسيطرة عليه، حيث سلم النظام السوري نفسه لموسكو في سنوات الاتحاد السوفياتي خلال سنوات الحرب الباردة لمدة لا تقل عن ثلاثة عقود، وحين تهاوى الكريملين الأحمر وغَيَّر الروس جلدهم إلى الاتحاد الروسي سلخ النظام السوري جلده بالسرعة نفسها ليتماهى مع القيادة الجديدة في موسكو؛ لأنه يعتقد جازمًا أنه دون أن يمتثل للساكن الجديد في الكرملين فإنه لا شك هالك.. ولذلك أمعن في توثيق صلته بروسيا الاتحادية على الطريقة السوفياتية نفسها، فهو فعل الشيء نفسه في الداخل السوري من حيث نسيان الاشتراكية، وبات القطاع الخاص الذي كان يعد برجوازية نتنة وسلوكًا إمبرياليًّا محل ترحيب النظام السوري مثلما بدا الحال في موسكو.. ويمكن قول الشيء ذاته في العلاقة مع الصين، وكان على نحو آخر، خصوصًا وقد أصبحت روسيا لا تعتبر الصين تحريفية وزالت العداوة الأيديولوجية بعدما جعلت الدولتان حزبي الطبقة الكادحة (الحزبين الشيوعيين) أشبه بمجلسي إدارة في البلدين.
ليس هناك رهان على الجغرافيا والتاريخ بشكل استثنائي مماثل لرهان نظام الأسد سوى رهان كاسترو في كوبا.. فكاسترو ينظر إلى الجزيرة التي يقبض على أنفاسها منذ نصف قرن، حيث يكمل أخوه راؤول المهمة على أنها حيز جغرافي مصون بسور المياه التي تجعل التحرك نحو الجزيرة عملاً محفوفًا بالمخاطر؛ ليس لأن الأمر صعب في قصفها من الشاطئ الأمريكي، فميامي لا تبعد سوى ما يقرب من المائة ميل، بل في قناعته أن هذا المانع المائي محمي أيضًا بالترسانة السوفياتية بما فيها الرؤوس النووية، وما تجربة خليج الخنازير إلا مرتكز مصدر هذه الغشامة في الرهان على الجغرافيا من ناحية، كما هو على تاريخ النظام في علاقته بالروس.. ولا يشكل الاستمرار في بقاء كوبا على حالها رغم سقوط الاتحاد السوفياتي وتغير أيديولوجية روسيا الاتحادية دليلاً على نجاح الرهان على الجغرافيا والتاريخ بقدر ما هو نتيجة خفة وزن كوبا نفسها، مما لا يشغل بال صراع المصالح اليوم كما كان الأمر في السابق، لكن الأمر في سورية مختلف تمامًا، ليس لجهة صحة رهان الأسد، بل لجهة أن تاريخ الشعب السوري في قوته الروحية الكامنة قد نزل بقضه وقضيضه حشودًا مستبسلة في مدن سورية وقراها ليقارع بجسارة وإصرار تاريخ النظام الأسدي من جذوره بلا هوادة أو مساومة، وهو ما جعل حتى الذين يراهن الأسد على علاقته التاريخية معهم يقولون كلامًا ثم يلمسونه في ارتباك أمام تاريخ ينهض في وجه أي طرف داخلي أو خارجي يقف مع النظام ولو مواربة.. وهو مشهد وحقيقة ومستقبل يتخلق لا يريد نظام بشار التسليم بإمكانية حدوثه؛ لأنه نظام غاطس في هلوسات ماضٍ ما عاد قابلاً للاستمرار.. وأن النصر آتٍ، والمعركة محسومة لصانعي التاريخ وأهله، وهم الشعب السوري حتى لو بدا أن الولادة متعثرة.. بل إن الجغرافيا والتاريخ ـــ كما يراهما نظام الأسد ـــ وهما بعدان من أبعاد كثيرة لا يراها ولا يريدها إلا متطابقة مع شناعة استبداده سوى وقود الهيبة الشعبية التي تشتعل منذ أكثر من عام.. ولن يخبو لهيبها إلا حين يكون هذا النظام برهاناته رمادًا.[/h]
 
أعلى