الهمداني

§ أبو المر §

بيلساني فعال

إنضم
Jun 28, 2008
المشاركات
110
مستوى التفاعل
87
المطرح
مع احلى قمر بلبلد
هو أبو الفضل أحمد بن الحسين الكاتب المترسل ,والشاعر المبدع ,صاحب المقامات المشهورة ,نشأ بهمذان ,ونبغ في الأدب ,وتكسب به لدي الملوك و الأمراء مات سنة 393


وأزيد على سيرته ...
الهمذاني، أبوالفضل

(358 - 398ه ، 969 - 1008م). أبوالفضل أحمد بن الحسين الهمذاني المشهور ببديع الزمان، عربي الأصل فارسي النشأة، من أشهر الكتاب الشعراء في القرن الرابع الهجري. وُلدَ في همذان وتتلمذ على يد أبي الحسين، أحمد بن فارس اللغوي الكبير، وعلى يد عيسى بن هشام الإخباري وغيرهما.

اتسمت حياته القصيرة نسبيًا بكثرة التنقل والترحال. فقد ارتحل عن همذان سنة 380ه ، وكان عمره آنذاك نحو اثنتين وعشرين سنة. وقصد الوزير الكاتب الصاحب ابن عبَّاد في الرَّيّ ومكث عنده زمنًا. ثم ترك الصاحب وارتحل إلى جرجان حيث أقام بها مدة على مداخلة الإسماعيلية والتَّعيُّش في أكنافهم، كما يقول الثعالبي. لكن المقام لم يطب له فيها طويلاً فتركها وقصد نيسابور التي وافاها سنة 382ه ، بعد أن سلبه قُطَّاع الطريق وهو في طريقه إليها. وكانت نيسابور آنذاك موطنًا للأديب الكبير أبي بكر الخوارزمي، الذي يبدو أن بديع الزمان كان يؤمل الخير على يديه. لكن الخوارزمي لم يُحسن إليه وخيَّب ظنه، فأبغضه بديع الزمان ودخل معه في مناظرات مشهورة (رواها بديع الزمان نفسه) حول عدد من الموضوعات الأدبية. وقد استطاع بديع الزمان بتأييد جماعة من سكان نيسابور أن ينتصر على الخوارزمي الذي لم يعش طويلاً بعد هذه المناظرات فخلا الجو لبديع الزمان.

وقد شاع أمره وذاع صيته، واتصل بعدد من الأمراء والوزراء وصار يتنقل بين مدن المشرق الإسلامي. فقصد خراسان وسجستان وغزنة، وأخيرًا ألقى عصا الترحال في هراة، حيث صاهر أبا علي الحسين بن محمد الخشنامي، أحد علمائها، فتحسنت أحواله وأقبلت الدنيا عليه. لكن المنية لم تمهله ففارق الدنيا وهو في سن الأربعين. ويقال في سبب وفاته إنه أصيب بغيبوبة فظن أهله أنه قد مات، وعجلوا بدفنه، فأفاق في قبره وسُمع صوته في الليل فنُبش عنه فوجد ميتًا وقد قبض على لحيته بيده.

عُرف بديع الزمان بكثرة إبداعاته وابتداعاته ومن هنا جاء لقبه في النثر العربي عامة وفي الترسلي منه خاصة. وبالرغم من أنه قد خلّف ديوان رسائله الذي يشتمل على أكثر من 230 رسالة، أغلبها في الإخوانيات، وديوان شعره، إلا أن شهرته ارتبطت كثيرًا بابتداعه للفن القصصي العربي المشهور فن المقامات. انظر:المقامات
. فقد كتب اثنتين وخمسين مقامة، أصبحت نموذجًا يحتذيه عدد كبير من الكتاب الذين جاءوا بعده.

وينتمي في ترسله إلى مدرسة السجع والبديع التي أرسى قواعدها ابن العميد، ويُعد من أواخر الكتاب الذين استطاعوا إلى حد كبير أن يوظفوا السجع والبديع توظيفًا فنيًا في كتاباتهم قبل أن يتحول السجع والبديع إلى قيود تكبل النثر العربي وتقيده...
 

§ أبو المر §

بيلساني فعال

إنضم
Jun 28, 2008
المشاركات
110
مستوى التفاعل
87
المطرح
مع احلى قمر بلبلد


هذه قصيدة كتبها أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمداني ( ت 398ه ) رحمه الله في مدح الصحابة والذب عنهم ، يجيب فيها على قصيدة رويت لأبي بكر الخوارزمي ( قبحه الله ) في الطعن عليهم والقصيدة موجودة في ترجمتع في معجم الأدباء : 1/249 .

وكَّلَني بالهمِّ والكآبَة طعَّانةٌ لعَّانةٌ سبَّابهْ

للسلفِ الصالحِ والصحابَهْ أساءَ سمعًا فأساءَ جابهْ

تأملوا يا كبراءَ الشيعه لعشرة الإسلام والشريعهْ

أَتُسْتَحَلُّ هذه الوقيعهْ في بيَعِ الكُفْرِ وأهل البيعهْ

فكيف من صَدَّقَ بالرساله وقام للدين بكلِّ آلهْ

وأحرز الله يد العقبى لَهْ ذلكم الصديقُ لا محالهْ

إمامُ من أُجمع في السقيفه قطعًا عليه أنه الخليفهْ

ناهيكَ من آثاره الشريفة في ردّه كيدَ بني حنيفهْ

سل الجبال الشمَّ والبحارا وسائل المنبرَ والمنارا

واستعلم الآفاقَ والأقطارا من أظهر الدينَ بها شعارا

ثم سلِ الفرسَ وبيتَ النارِ من الذي فلَّ شبا الكفارِ

هل هذه البيضُ من الآثار إلا لثاني المصطفى في الغار

وسائلِ الإسلام من قَوَّاه وقال إذ لم تقلِ الأفواهُ

واستنجزَ الوعد فأومى الله من قام لما قعدوا إلا هو

ثاني النبيّ في سني الولاده ثانيه في الغارةِ بعد العادهْ

ثانيه في الدعوة والشهاده ثانيه في القبرِ بلا وسادهْ

ثانيه في منزلةِ الزعامه نبو ة أفضتْ إلى إمامه

أتأمُلُ الجنةَ يا شتَّامهْ لي ست بمأواكَ ولا كرامهْ

إن امرءًا أثنى عليه المصطفى زثُمَّتَ والاه الوصيُّ المرتضى

واجتمعتْ على معاليه الورى واختاره خليفةً ربُّ العلى

واتبعته أمةُ الأمّيِّ وبايعته راحةُ الوصيِّ

وباسمه استسقى حيا الوسميِّ ما ضرَّه هَجْوُ الخوارزميِّ

سبحان من لم يُلقِمِ الصخرَ فَمَهْ ولم يُعِدْهُ حجرًا ما أحلمه

يا نذلُ يا مأبونُ أفطرتَ فمه لشدَّ ما اشتاقت إليك الحُطَمَهْ

إن أمير المؤمنين المرتضى وجعفر الصادق أو موسى الرضى

لو سمعوك بالخنا مُعَرِّضا ما ادخروا عنك الحسامَ المنتضى

ويلك لِمْ تنبحُ يا كلبُ القَمَرْ ما لك يا مأبونُ تغتاب عمر

سيدَ من صام وحجَّ واعتمر صَرِّحْ بإلحادك لا تَمْشِ الخَمَر

يا مَنْ هجا الصديقَ والفاروقا كيما يقيمَ عند قومٍ سوقا

نفخت يا طبلُ علينا بوقا فما لكَ اليومَ كذا موهوقا

إنك في الطعن على الشيخين والقَدْحِ في السيّد ذي النورين

لواهنُ الظهر سَخينُ العين معترضٌ للحَيْنِ بعد الحين

هلا شُغِلْتَ ب...... المغلومَهْ وهامةٍ تحملها مشؤومه

هلا نَهَتْكَ الوجنةُ الموشومهْ ز عن مشتري الخلدِ ببئرِ رومه

كفى من الغيبة أدنى شَمَّهْ من استجاز القدحَ في الأئمه

ولم يعظمْ أُمناء الأمة فلا تلوموه ولومُوا أمهْ

ما لك يا نذل وللزكيَّه عائشةَ الراضيةِ المرضيّه

يا ساقطَ الغيرة والحميَّهْ ألم تكن للمصطفى حظيه

من مبلغٌ عنّي الخوارزميّا يخبره أن ابنه عليا

قد اشترينا منه لحما نيا بشرطِ أن يفهمنا المعنيا

يا أسدَ الخلوةِ خنزيرَ الملا مال ك في الحرَّى تقودُ الجملا

يا ذا الذي يثلبني إذا خلا وفي الخلا .....

وقلت لما احتفل المضمارُ زواحتفَّتِ الأسماع والأبصار

سوفَ ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتيَ أم حمار
 

§ أبو المر §

بيلساني فعال

إنضم
Jun 28, 2008
المشاركات
110
مستوى التفاعل
87
المطرح
مع احلى قمر بلبلد
إليكم سيرته في مجال أوسع..

يعد "بديع الزمان الهمذاني" المبتكر الأول لفن المقامة الذي انتشر على نحو واسع كأحد فنون النثر في الأدب العربي، كما يعد الرائد الحقيقي للصحافة، ليس في الأدب العربي فحسب، وإنما كان الصحفي الأول على الإطلاق؛ فقد كانت رسائله ومقاماته النقدية الاجتماعية هي البدايات الحقيقية الأولى لذلك الفن الذي عُرف فيما بعد بالصحافة.

الميلاد والنشأة:

ولد "بديع الزمان أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني" في همذان سنة [358 ه= 969م]، لأسرة عربية ذات علم وفضل ومكانة مرموقة، فقد كان أخوه "الحسين بن يحيى" مفتي همذان.

ونشأ "بديع الزمان" في بيئة علمية خصبة، حيث كانت همذان موطن عدد كبير من العلماء الأعلام الذين تتلمذ عليهم "بديع الزمان"، ومنهم " أحمد بن فارس" اللغوي المعروف، و"أبو بكر محمد بن الحسين الفراء" اللغوي الشهير.

وعندما بلغ "بديع الزمان" الثانية والعشرين من عمره غادر همذان متوجهًا إلى أصبهان حيث اتصل بالصاحب بن عباد وزير "بني بويه".

كانت " أصبهان" -عاصمة "بني بوية"- مدينة جميلة حافلة بالمناظر الساحرة والبساتين البديعة، والقصور الفخمة والطبيعة الفاتنة، ولذلك فقد كانت تجذب إليها الأدباء والشعراء، وكان للصاحب بن عباد دور كبير في تشجيع الأدباء والعلماء وإثراء الحركة الأدبية والعلمية في أصفهان، حتى غدت تلك المدينة، إحدى منارات العلم في ذلك العصر، ومحط أنظار العلماء والأدباء، وكعبة طلاب العلم من كل مكان.

في أصفهان

وأقبل بديع الزمان على مجالس الأدباء والشعراء في أصفهان، وسرعان ما جذب إليه الأنظار ببراعته وقوة حافظته، حتى إنه كان يحفظ و"ينشد الشعر لم يسمعه قط -وهو أكثر من خمسين بيتًا- إلا مرة واحدة، فيحفظها كلها ويؤديها من أولها إلى آخرها ولا يخرم حرفًا، وينظر في الأربعة أو الخمسة الأوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة خفيفة ثم يهذّها عن ظهر قلب هذا ويسردها سردًا".

وكان الهمذاني يميل إلى الإسجاع والإغراب والأحاجي، وكان بارعًا متفردًا في هذا الباب، يروى أنه "كان يُقترح عليه عمل قصيدة وإنشاء رسالة في معنى بديع وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة، وكان ربما كتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ بآخره، ثم هلم جرًّا إلى أوله، ويخرجه كأحسن شيء وأملحه".

وعُرف بسرعة بديهته وحضور ذهنه وقدرته الفائقة على النظم والارتجال، لا يكاد يباديه أحد أو يجاريه إنسان، فكان "يُقترح عليه كل عويص وعسير من النظم والنثر فيرجله أسرع من الطرف على ريق لم يبلغه، ونفس لا يقطعه، وكلامه كله عفو الساعة وفيض اليد ومسارقة القلم، ومسابقة اليد للفم، وكان يترجم ما يُقترح عليه من الأبيات الفارسية المشتملة على المعاني الغربية بالأبيات العربية".

الرحيل إلى نيسابور

إلا أن بديع الزمان السُّنّي المتعصب للعرب لم يستطع الاندماج في مجتمع بني بويه وبلاط الصاحب بن عباد الشيعي الخالص، ولم يطل مقام بديع الزمان بأصبهان، فتركها إلى جرحان، حيث أقام في كنف "أبي سعيد محمد بن منصور"، واتصل بأميرها "شمس المعالي قابوس بن وشمكير" أمير الدولة الزبادية، وكان أديبًا بليغًا، وله معه مراسلات بديعية.

غير أن بديع الزمان لم يلبث أن غادر جرحان لخلاف بينه وبين أبي سعيد، فاتجه إلى نيسابور سنة [382ه= 992م].

وكانت نيسابور أعظم مدن خراسان في ذلك الوقت، وكانت ملتقى العلماء وأعلام الفكر والأدب، وكان العلماء والأدباء كثيرًا ما يعرّجون عليها في رحلاتهم بين المشرق والعراق، فيقيمون فيها بعض الوقت.

وذاعت شهرة بديع الزمان في نيسابور بعد مناظرته الشهيرة مع العالم الأديب "أبي بكر محمد بن العباس الخوارزمي" وانتصاره عليه بشكل لفت الأنظار إلى قدراته الأدبية الفذة، فطار بذلك صيته وعلت شهرته.

واستطاع بديع الزمان خلال فترة إقامته بنيسابور إملاء عدد كبير من المقامات بلغت أربعمائة مقامة، وقد اتصل خلالها بعدد كبير من أدباء نيسابور وأعلامها مثل: الأديب أبي نصر سهل بن المرزبان، وأبي جعفر الميكالي أحد وجهاء آل ميكال المقدّمين، وقد مدحه بديع الزمان ونال عطاءه، كما كانت له صلة طيبة بواحد من أكبر وجهاء نيسابور وهو أبو الطيب سهل بن محمد الصعلوكي، وكانت له حظوة ومكانة كبيرة عنده.

وطاب المقام لبديع الزمان بنيسابور بعدما نال من الشهرة والحظوة، ورغب في الاستقرار بها، ولكن حساده ومنافسيه سعوا بالوشاية ضده والدسائس عليه حتى أوغروا عليه أبا جعفر الميكالي، والصعلوكي، فحُرِم مما كان ينعم به من الشهرة والجاه والعطاء.

في ربوع خراسان:

ولم يمضي عام على قدومه إلى نيسابور حتى كان قد خرج منها في أوائل سنة [383ه = 993م] إلى سرخس حيث اتصل بالسلطان محمود الغزنوي الذي قربه وأحسن إليه، وأغدق عليه من عطاياه، وهناك تعرف إلى عدد كبير من أعيان سرخس وعلمائها.

ولكنه لم يلبث أن شد عصا الترحال إلى بجستان، فلقي ترحيبًا كبيرًا من أميرها "خلف بن أحمد"، ووجد في كنفه عيشًا رغدًا وحياة ناعمة هانئة، ومكانة كريمة، ولكن دسائس الحساد ومكائد المنافسين سرعان ما أفسدت ما بينه وبين الأمير، فتغير عليه، وعندئذ رحل إلى بوشينج، وهناك توثقت صلته بالوزير أبي نصر الميكالي، وبعد أن استقر بها زمنًا، رحل إلى هراة.

الاستقرار في هراة:

كان سرور الهمذاني كبيرًا بهذه البلدة، وبالرغم مما شهدته تلك المدينة من الاضطرابات نتيجة الحروب الكثيرة التي تعرضت لها، وتغير الولاة عليها، والمحن المختلفة التي أصابتها من غلاء وفقر ومصادرات وأمراض فإن الهمذاني فضل الاستقرار بها، وعاش فيها حتى توفي.

وكان بديع الزمان يرصد كل ما يحدث بها من ظواهر اجتماعية، وأحداث سياسية، ونكبات اقتصادية، ومعارك حربية، ويسجل كل ما يراه من الجوانب السلبية التي سادت نواحي الحياة المختلفة في عصره، حتى غدت رسائله مصدرًا مهمًّا من مصادر التاريخ الاجتماعي لهراة في العقد الأخير من القرن الرابع الهجري.

وفي هراة استطاع الهمذاني أن يصيب قدرًا كبيرًا من الثراء، وأن يحقق نجاحًا ملحوظًا في نشاطه التجاري، فتوسعت علاقاته التجارية حتى بلغت مدينة بلخ، وقد ساعده على ذلك على زواجه من ابنة أبي علي الحسين الخشنامي أحد أعيان هراة بالإضافة إلى رعاية الوزير أبي نصر الميكالي له، وتوطد علاقته بحاكم هراة "أبي عامر عدنان بن محمد الضبي" و"أبي العباس الفضل بن أحمد الإسفراييني" وزير السلطان "محمود الغزنوني".

من أقوال العلماء فيه:

قال عنه الثعالبي: "هو بديع الزمان ومعجزة همذان، ونادرة الفلك، وبكر عطارد، وفرد الدهر، وغرة العصور، ومن لم يُدرك قرينه في النثر وملحه، وغرر النظم ونكته، ولم يُر أن أحدًا بلغ مبلغة من الأدب وسرّه، وجاء بمثل إعجازه وسمره، فإنه كان صاحب عجائب وبدائع وغرائب".

ويصف الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن دست جامع رسائل الهمذاني بقوله: "وكان أبو الفضل طلق البديهة، سمح القريحة، شديد العارضة، زلال الكلام عذبه، فصيح اللسان غضبه، إن دعا الكتابة أجابته عفوًا، وأعطته قيادتها صفوًا، أو القوافي أتته ملء الصدور على القوافي، ثم كانت له طرق في الفروع هو افترعها، وسننٌ في المعاني هو اخترعها".

رسائل بديع الزمان:

على الرغم من الشهرة الواسعة التي حققها بديع الزمان كأديب ورائد من رواد فن المقامة في الأدب العربي، وشاعر متميز، فإنه لم يترك نتاجًا أدبيًا وشعريًا كبيرًا، حيث لم يقدم طوال عمره سوى ثلاثة مصنفات هي: الرسائل، والمقامات، والديوان، ولكنه بالرغم من قلة إنتاجه فقد ترك بصمات واضحة على الأدب العربي، وكان واحدًا من أبرز رواده، ومن المبدعين القلائل الذين ابتكروا ألوانًا من الأدب لم يسبقهم إليها غيرهم.

وقد برع الهمذاني في فن الرسائل، كغيره من كبار أدباء عصره في القرن الرابع الهجري، الذي كان من أزهى عصور النثر الفني والكتابة الأدبية في تاريخ الأدب العربي؛ فقد كان القرن الرابع هو العصر الذهبي لكتابة الرسائل، واتسمت الكتابة فيه بالإغراق في ألوان البديع، والولع بالزخارف اللفظية، حتى غدت الرسائل وكأنها نسيج رائع موشّى بالأسجاع، محلّى بالمحسنات البديعية ولآلئ البيان.

وقد انقسمت الرسائل تبعًا لأغراضها وأساليبها إلى نوعين:

الرسائل الديوانية: وهي التي تكتب في شئون الدولة، وتسجل الأحداث التاريخية أو الأوامر والتوجيهات الرسمية إلى الولاة والأمراء والقواد وكبار الموظفين في الدولة.

وكان من أشهر كتاب هذه الرسائل: أبو الفضل بن العميد، والصاحب بن عباد، والوزير المهلبي، والأمير قابوس بن وشمكير.

الرسائل الإخوانية: وهي التي يكتبها الأدباء عامة من غير العاملين في دواوين الدولة، وهي غير محددة بموضوعات معينة، وإنما يكتبها الأدباء في مناسبات خاصة أو مطارحات أدبية ومساجلات بلاغية فيما بينهم.

وكان من أشهر كتاب تلك الرسائل بالإضافة إلى من سبق : أبو حيان التوحيدي، وأبو بكر الخوارزمي، وبديع الزمان الهمذاني.

وقد ترك بديع الزمان تراثًا وافرًا من الرسائل التي عكست بوضوح انطباعاته النفسية العميقة، وحسه الفني المرهف، ومزاجه الأدبي الرفيع، وكشفت بجلاء عن خلجاته وأحاسيسه وكثير من جوانبه النفسية وحالاته الوجدانية من فرح وسرور، أو تشاؤم وحزن، أو شكوى ونقمة، وتظهر شجاعته واعتداده بنفسه، فهو لا يبالي في هجومه على من يتعرض لنقدهم، وإظهار الجوانب السلبية التي يراها في أعمالهم وسلوكهم .

وتناول الهمذاني في رسائله العديد من الأغراض: كالمدح والهجاء، والشكوى والعتاب، والتهنئة والاعتذار، والاستعطاف والاستجداء، والنصح والإرشاد، والصداقة والإخاء، والفخر والاعتزاز بالنفس.

كما حظيت الحياة العامة والجوانب الاجتماعية - وخاصة العيوب والسلبيات التي كانت منتشرة في زمانه- بنصيب وافر من رسائله، ولعله في ذلك يكون أول رائد لفن المقالة الصحفية في الأدب العربي، بل ربما كان أول صحفي على الإطلاق عند العرب وغير العرب، فليست رسائله التي تناول فيها المشاكل العامة نقدًا وبناءً إلا مقالات صحفية مبّكرة، وإذا كانت ميزات الصحافة الحديثة سرعة انتشار الصحيفة، فإن رسائل بديع الزمان شأنها في ذلك شأن غيرها من رسائل معاصريه، فلقد كانت سرعان ما تصل إلى كل مكان من الأرض الإسلامية، يتلقفها الناس ويقرءونها.

ويعنى الهمذاني في رسائله بانتقاء الألفاظ الموسيقية العذبة، كما يحرص على توليد الصور المختلفة في غير تكلف ولا عنت، فهو يردد المعنى الواحد بصور شتى، وصيغ متعددة، كما يحرص على الاقتباس من القرآن الكريم، والشعر العربي، ويهتم بألوان البيان كالاستعارة والتشبيه، كما يولع بالمحسنات البديعية كالسجع والجناس والطباق المقابلة.

مقامات بديع الزمان:

ترجع شهرة بديع الزمان الهمذاني إلى مقاماته الشهيرة التي كان له فضل السبق إليها، فهو أول من ابتكر فكرتها، وأطلق عليها هذا الاسم حتى اشتهر بها وقد أعجب كثير من الأدباء بهذا اللون الجديد من فنون الأدب، فاقتفوا أثره ونسجوا على منواله.

وأصل المقامة في اللغة: المجلس والجماعة من الناس، وقد أُطلقت على المحاضرة، كما أطلقت على المجالس التي كان يستقبل فيها الخلفاء الأدباء والعلماء.

ويذكر الثعالبي في ترجمته لبديع الزمان أنه أملى أربعمائة مقامة بنيسابور، ولكن الذي وصلنا منها لا يتجاوز اثنتين وخمسين مقامة فقط. وقد اخترع الهمذاني بطلين لمقاماته، سمى أحدهما عيسى بن هشام، والآخر أبا الفتح الإسكندري، وجعل الأول رواية، والثاني بطلا مغامرًا.

ولم يحرص بديع الزمان على أن يظهر أبا الفتح في جميع المقامات، بل كان يقلل من شأن مغامراته أحيانًا ويغفل ذكره أحيانًا، وشخصية أبي الفتح الإسكندري شخصية مثيرة متعددة الجوانب، تثير العجب وتدعو إلى الإعجاب، فهو يحترف الكُدية (التسول)، ويتميز بالفصاحة في اللسان، والبراعة في الشعر، كما أنه شخصية فكاهية مرحة، يتسم بالذكاء وخفة الظل، محب للمغامرة وارتياد المجهول.

وموضوعات المقامات -في معظمها- ذات صلة بالناس، وتتعلق بالحياة اليومية والمشكلات العامة، وتصور أخلاق المعاصرين وأحوال العصر أحسن تصوير.

وتتميز المقامات بكثرة الشواهد الشعرية، وحسن المواءمة بين الشعر والنثر، كما تظهر فيها قدرات الهمذاني البيانية العالية، وبراعته الفائقة في استخدام المحسنات البديعية.

بديع الزمان شاعرًا:

لم يكن الهمذاني وحده من بين أدباء عصره الذي اقتحم ميدان الشعر، فإن كثيرًا من معاصريه مارسوا نظم الشعر حتى أصبح ذلك تقليدًا متبعًا عند قدامى الكتاب الذين حافظوا على تلك الظاهرة، وتوارثوها، حتى إننا لنجد أثرًا منها لدى كثير من الكتاب في العصر الحديث، مثل عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، ومصطفى صادق الرافعي، وطه حسين.

ويحتل المديح الجانب الأكبر من ديوان الهمذاني، وتتوزع بقية الأغراض في الجزء المتبقي من الديوان. ويتفاوت شعره من حيث الجودة، وأجود شعره في أغراض المدح، فإذا كتب في غيره من الأغراض قل نصيبه من الجودة، وصارت طبيعة الكاتب هي الغالبة عليه.

ومن شعره الجيد في الحكمة:


ومن شعره في الوصف، ويتجلى فيه كلفه بالمحسنات البديعية:


ومن شعره في مدح السلطان محمود بن سبكتكين:

وتوفي بديع الزمان الهمذاني في [11 من جمادى الآخرة 398ه= 23 من فبراير 1008م] عن عمر بلغ أربعين عامًا، وتذكر الروايات أنه مات بالسكتة، وعُجّل بدفنه فأفاق في قبره، وسمع صوته بالليل، فنُبش عنه، فوجدوه قابضًا على لحيته، ولكن ابن خلكان يذكر أنه مات مسمومًا دون أن يشير إلى من دس له السم، أو أن له أعداء.


أهم مصادر الدراسة:

الأدب في موكب الحضارة الإسلامية: د.مصطفى الشكعة- مكتبة الأنجلو المصرية- القاهرة: [1388ه=1968م].

بديع الزمان الهمذاني: مارون عبود- دار المعارف بمصر- القاهرة: [1391ه=1971م] (نوابغ الفكر العربي: 9).

بديع الزمان الهمذاني: رائد القصة العربية والمقالة الصحفية: د. مصطفى الشكعة- مكتبة القاهرة الحديثة- القاهرة: [ 1379ه=1959م].

وفيات الأعيان وأبناء أبناء الزمان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان تحقيق: إحسان عباس دار الثقافة بيروت: [د.ت].

يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر: أبو منصور عبد الملك الثعالبي- تحقيق د. مفيد محمد قميحة- دار الكتب العلمية بيروت: [1403ه=1983م]

\
\
مودتي لآرواحكم جميعاً}..:24:
 

عاشق الوسوف

وزير البيلسان

إنضم
Oct 9, 2008
المشاركات
11,971
مستوى التفاعل
89
المطرح
مملكه الوسوف
%D8%B4%D9%83%D8%B1%D8%A7-%D9%84%D9%83.gif
 
أعلى