انتشار الإسلام في الأندلس (3) فتح إسبانيا

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

تناولنا في الحلقتين السابقتين جغرافية الأندلس والحقب التاريخية التي مرت بها منذ ملوك البرتغال، وطبيعة الأرض وموقعها، وكذلك البيئة الاجتماعية لأهلها، كما أشارت الحلقة الثانية إلى تعامل أهل الإسلام مع سكان البلاد الأصليين، وشهادة المؤرخين على 8 قرون من الوجود الإسلامي في تلك البلاد، وكيف أن النصارى ردوا الجميل حرقاً وتنكيلاً بالمسلمين على مدى 4 قرون تلت سقوط غرناطة، فيما يعرف في تاريخهم الأسود بـ«محاكم التفتيش».

وفي تلك الحلقة، نتناول كيف دخل الإسلام بلاد الأندلس، وجهود الفاتحين الأوائل من المسلمين لدخول إسبانيا. 30 مليوناً في إسبانيا ، وقبل أن نبدأ الحديث في كيفية دخول المسلمين إسبانيا، نتوقف قليلاً لتوصيف حالة أهل تلك البلاد مقارنة بدول أخرى كانت مجاورة لهم، ففي الزمن الذي كانت أُمَمُ الشَّمال فريسةَ الفِتَنِ الدينيةِ والمعاركِ الهَمَجيّة يعيشون عيشةَ القبائلِ المتوحشةِ في بلادهم المتخلفةِ، كان سكانُ إسبانيا يزيدون على ثلاثين مِليوناً، وعاشت في الجزيرة الأندلسية طوائفُ من النصارى والمسلمين وأهلِ الجزيرة والشام وأهلِ مِصْرَ والمغربِ ويهودِ إسبانيا والشرق.

تفاعل حي بين الحضارات :

وعاشت - بفضل هذا التفاعل الحَيِّ بين العناصر - جميعُ الآراء والعاداتٍ والكُشُوفِ العلميةِ والمعارفِ والفُنُونِ والصناعاتِ الحديثة، ووصل مِنَ الشرق الحَريرُ والقُطْنُ والقَهْوةُ والوَرَقُ والليمونُ والبُرْتقالُ والرمانُ والسُّكرُ - مع هؤلاء الوافدين - كما وَصَلَتْ السَّجاجيدُ والمنسوجاتُ والبارودُ. وأَخَذْنا عنهم الحِسابَ العَشْرِيّ [Decimal System] والجَبْرَ والكيمياء والطب وعلمَ الفلك.

ويروى في كتب التاريخ أنه كلما أراد أحدُ الأوروبيين العلمَ ذَهب إلى الجامعات العربية في إسبانيا، وكان الملوك والأمراءُ يَطْمَئِنون عندما يُسْعِدُهم الحظ بِطبيب إسباني مهما كلفهم ذلك، وظهرتْ في الأُمَّة طبقةٌ وُسْطَى أبدعتِ الصناعاتِ المتعددةَ إبداعاً كبيراً، وأنشأتْ على السواحل أعظمَ قوةٍ بحرية في زمانها، وراجتْ المُنْتَجاتُ الإسبانيةُ رَواجاً عظيماً في جميع الموانئ الأوروبية، وقامت في البلاد مُدُنٌ تضارع في عدد سكانها العواصمَ الحديثةَ، حتى أن سكانَ قرطبةَ وَحْدَها كانوا يَبْلُغونَ المِلْيون(1).

إهمال المؤرخين :

أمامَ هذا وأمثاله يبدو مِنَ الغريب جداً أن المؤلفين في التاريخ الأندلسي عموماً - شرقاً وغرباً - أهملوا أموراً وموضوعات مهمة وأساسية حيوية، منها: هذا الموضوع «انتشار الإسلام في الأندلس واعتناق الإسبان له»، غير مساحة أو نُـتَـفٍ بسيطة وشَذَراتٍ متناثرة منثورة هنا وهناك، ورغم غموضها فهي محجوبة وتَـظَـلّ قابعةً وراءَ الأَسْداف في عمومها، لا يَـفْـلِـتُ من ذلك إلا قليل.

حرق أمهات الكتب :

الحمد لله أَنْ جرى إفرادُ هذا الأمر بالبحث في كتابِي «التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة»، بعد أن جَمَعْتُ ما تناثر من أخباره قديماً وحديثاً، حاوَلْتُ أن أنْظِمَه في عِقْد كريم، مازال بحاجة إلى متابعة(2)، رغم ضياع جمهرة أُمَّهات (أُمَّات) كتب التاريخ الأندلسي في حفلات الحرق الكبرى، خلال احتفالاتهم الكنسية الإيمانية! :

انتشار الإسلام :

إنه لَيَبْدو أحياناً وكأن الإسلامَ وَصل أو انتشر في إسبانيا ووَجَدَ له مأوىً وأهلاً وأنصاراً، قَبْلَ ابتداء الفتح، شُمولاً للحملة الاستكشافية، وإلا كيف وَصَلَتْ هذه الحملةُ وبقيت ربما أسابيع، تذهب وتتجول وتتنقل؟ كيف كانت تسير؟ وبأي لغة تتعامل؟ كذلك حملة طارق، كيف كانت تتجمع أفواجُها على الجبل الذي حَمَلَ اسْمَهُ فيما بعد بكل اللغات «جبل طارق»؟

تباشير مباركة :

ومن الجميل ذِكْرُ أمورٍ تعْتَبَرُ تباشيرَ مباركة سَارَّة بالفتح الأندلسي الكريم العظيم، بمدلولاته المؤثِّرة، تلك هي بِشارة الرسول الكريم [ لطارق بن زياد في رؤيا جَرَتْ له أثناء عُبُورِه المضيقَ، مع آخر فوج.

رحمةً للعالمين :

جاء الإسلام رحمة للعالمين، وجاء نبيه الكريم لإبلاغ تلك الرسالة، حيث خاطبه الحق في كتابه الكريم: {ومّا أّرًسّلًنّاكّ إلاَّ رّحًمّةْ لٌلًعّالّمٌينّ }(الأنبياء : 107)، رحمةً مهداة ونعمةً مُسْداة، به قامت الحياة بالخير والبركة واليُمْن، أرسل الله تعالى به محمداً [ خاتَم أنبيائه ورسله، فلابد من اعتباره كذلك، حيث يقتضي إبلاغَه لأهل الأرض أجمعين، لا يحتاجون لغيره في كافة شؤونهم إلى يوم الدين..

يسير به أتباعُه بالدعوة إليه بالرفق الحَنُون، وتقديمه بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة، باعتباره الأسلوب الأمثل، تسير سفينتُه تَمْخُر عُبابَ البحار برُبَّانها، بذلك تَرَى راكبيها «ملوكاً على الأسرة»، أو هم كذلك، لا تخشى في الحياة أحداً - بعد فضل وعون ونعمة الله تعالى - بؤساً وتخلفاً وفقراً، إذ تَنْعَمُ بخير وبركات منهجه العظيم العميم، رِفْداً منقذاً مُسْعداً.

«ملوكاً على الأسرة» :

وتلك الجملة «ملوكاً على الأسرة»، قد وردت مرتين في حديث شريف، في المؤمنين المجاهدين في البحر لعلها تشمل غيرَهم، فيه إعجازٌ (معجزة ومعجزة)، خلال رؤيا رآها [، مما يجعلها وأمثالُها من رؤى كلها تحققت جميعاً - مثل هذه الرؤيا - إشارات كبرى إلى نبوته الكريمة [. ودلالة هذا الأمر ما حدث به عبدالله بن يوسفَ عن مالكٍ عن إسحاقَ بنِ عبدالله بن أبي طلحةَ، عن أنسِ بن مالكٍ ]: أنه سمعه يقول: إن أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحانَ (أُخت الرسول [ من الرضاعة) قالت: نام رسول الله [ يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما يضحككَ يا رسولَ الله؟ قال: «ناسٌ مِنْ أُمَّتي عُرِضُوا عليَّ غُزاةً في سبيل الله يركبون ثَبَجَ هذا البحرِ الأخضر مُلُوكاً على الأَسِرّة»، قالت: ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها، ثم نام ثانيةً، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: «ناسٌ من أُمَّتي عُرِضُوا عليَّ غُزاةً في سبيل الله»، كما قال في الأولى، قال: فقالت: ادعُ الله أن يجعلني منهم، قال: «أنتِ من الأَوَّلين»، وقد خَرَجَتْ أُمُّ حَرَامٍ مع زوجها غازياً أولَ ما رَكِبَ المسلمون البحرَ مع معاوية، لما انصرفوا من غزوتهم قافلين نزلوا الشام، فقُرِّبت إليها دابةٌ لتركبَها فصَرَعَتْها فماتت(3).

أول غزوة بحرية في الإسلام :

وربما كان ذلك حين العودة من الجزيرة قبل الخروج منها، وهذه الغزوة البحرية التي حضرتها أُمُّ حرام كانت فتح جزيرة قبرص سنة 28هـ (648م) في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ]، وكانت تلك أول غزوة بحرية يقوم بها المسلمون، تَمَّ فتحُ الجزيرة، ويبدو أن هذا الفتح كان صُلْحاً وليس عَنوةً، أو انتهى كذلك، يُذْكَر أن قبر أُمِّ حَرام في تلك الجزيرة يسمونه: «قَبْر المَرأة الصالحة» ويزوره الفِرَنْج. ونجد هذا المثال وغيره من رؤى النبي الكريم [ لا تجد فيهم غيرَه، الذي يَصف به رسولُ الله [ حالتهم الباهرة من خلال رؤيا حقيقية ورؤى الأنبياء حق، رؤيا باهرة معجزة. فاتحو الأندلس ومَنْ يا تُرَى إذن هؤلاء الذين كانوا في رؤيا رسول الله [ الثانية؟ يؤكد ابن حَزْم الأندلسي (456هـ/ 1063م) أنهم فاتحو الأندلس، في تلك الحملات التي توجهت للفتح الأندلسي العظيم، ذلك أنه لدى عبور طارق بن زياد مع آخر الأفواج عبوراً، في حملته تلك (5 رجب سنة 92هـ/ 711م)، حين أخذته غفوة - خلال عبوره المضيق الذي سُمّيَ والجبل باسمه وبكل اللغات: مضيق جبل طارق - رأى رسولَ الله [ في رؤيا يوصيه بمن معه والرفق بأهل البلاد وأنه رأى الصحابة يمشون على الماء تصديقاً للرؤيا الأولى، وكانوا في عبورهم ملوكاً على الأسرة في ثقتهم وتمكنهم وانتصارهم، كان انتصاراً عظيماً، كما يأتي بيانه، إن شاء الله تعالى.

وهذه النوعية هي التي أقامت مبانيَ الإسلام الفريدة المِثَال، فاجَأَتْ العالمَ وأنجزت ما لا يمكن إنجازه إلا بهذا المنهج الرباني الفريد.

السيرة النبوية الشريفة والتاريخ الإسلامي - ومنه التاريخ الأندلسي - كله يُـعـبِّـر عن ذلك بشكل مذهل، سِرُّه وتفسيره وتقديمه من خلال هذا الدين فحسب، ما صنعه يمكن أن يتكرر بنفس أسبابه، تلك سنة الله سبحانه وتعالى:" فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا "(فاطر : 43). «القوط» أدلة للجيش الإسلامي :

لابد أن يحدث ويمكن قبولُه ولو منطقياً، أن بعضَ القُوط والإسبان كانوا مع الجيش الإسلامي أدلةً لهم، يعاونونهم بكل سبيل، المعلومات واللغة والنُّصْرة، منذ عمليات الفتح الأولى والتحضير لها، أي قبل الحملة الاستكشافية (رمضان 91هـ/ 710م)، والظاهر أن هؤلاء الأدلة كانوا قد أسلموا سابقاً وأعانوا على إقدام هذا الخير إلى بلدهم، هم به فَرِحُون، لعله بالإمكان أن يُذْكَرَ هنا مما قد يفهم منه: إسلام يُلْيان Julian حاكم مدينة سَبْتَة Ceuta من قبل القُوط Goths, Godos، يبدو أنه كان مؤمناً منذ وقت مُبَكّر، وإلا كيف قَبِلَ الصحابي الجليل عُقْبَة بن نافع (63هـ/ 683م)، والي الشَّمال الأفريقي وأَحد كِبَارِ فاتحيه بنصيحة يُلْيَان في تَرْكِ فَتْحِ مدينة سَبْتَة، ما سمعنا أنها فتِحَت، بينما عبور حملات الفتح كلها كانت منها! حيث تبين بعد البحث والمتابعة الجادة أن نجد نَسْلَ يُلْيَان - ابتداءً من ابنه - كلهم تقريباً كانوا مسلمين، من علمائهم وأعلامهم، منهم علماء مؤلفون وقضاة معروفون.
 
أعلى