mr_ops
بيلساني محترف
- إنضم
- Jan 12, 2010
- المشاركات
- 2,777
- مستوى التفاعل
- 38
- المطرح
- شامي
ان تحافظ على اموالك وتصرفها فيما يرضي الله .. فـ هذا شيء طبيعي .. وان تسرف في اصرافك فـ هذا شيء غير طبيعي .. ولكن ان .........
نشأت في منزل مليء بالحب والعاطفة، بالبهجة والكرم الحاتمي الذي يمتاز به والدي أطال الله في عمره، ووالدتي التي تشبهه كثيراً من حيث حسن الضيافة، واستقبال الضيف وتكريمه، جرس منزلنا كان يرن كل خمس دقائق أو أقل، فوالدي لايزال محافظاً على نمط الحياة التي كان يعيشها مع أجداده ووالده، لم يبدل شيء سوى المنزل القديم الذي كان سقفه من سعف النخيل إلى فيلا تتماشى مع العصر وتتسع لأكبر عدد من الضيوف، وبما أن الضيف عنده يأتي في المقدمة، فقد بنى ملحقاً للمنزل الرئيسي كان يضم ثلاث غرف للنوم، ومجلسين منفصلين مع منافعهم، لكن دون مطبخ، فقط ثلاجة صغيرة في كل غرفة كتلك التي نجدها في الفنادق، كان يضع فيها العصير والمشروبات الغازية وماء وبعض البسكويت والجبن، والكثير من الفواكه المنوعة والحلويات . . وأباريق تحوي الشاي القهوة والحليب بالزعفران، لكن الوجبات الأساسية تأتي من المنزل أو هم ينضمون إلينا . أصبح منزلنا فندق خمسة نجوم، يستقبل القريب والغريب من الطعام إلى المبيت، كانت والدتي تتعب جداً في تحضير الطعام للضيوف، لكننا لم نسمعها يوماً تتأفف، بل كانت تعمل بفرح بالغ، فهي هكذا كما ذكرت لكم آنفا تحب أن يكون المنزل ممتلئاً بالناس، وأيضاً لإرضاء والدي، وكي تسمع منه كم هو فخور بها وبطعامها اللذيذ، فتغمرها الفرحة ويزول تعبها، كانت تصر على أن نكون بجانبها في المطبخ عندما كنا نصبح بسن معينة لكي نتعلم منها، فالرجل كما تقول يحب الطعام وإنه الطريق الأقرب إلى قلبه، وهو يحب أن يأكل من يدي زوجته، وصل الدور إليّ بعدما تزوجت شقيقاتي، وكنت أنا آخر العنقود، كنت مثلها تماماً أحب الطهي، كنت أرجوها وأنا صغيرة حتى تدعني أساعدها، فكانت تعطيني قطعة من العجين تلهيني ساعات، أما الآن فقد أصبحت طاهية ممتازة لا أدع كتاباً جديداً للطبخ إلا وابتعته . أحضر جميع أنواع المأكولات والحلويات، كانت الوالدة تفخر بي أمام أهلنا وأصدقائنا، فتطلب منهم عندما ندعوهم أن يتذوقوا من كل شيء قمت بتحضيره، كانت أم جاسم صديقة والدتي تنظر إليّ وكأنها تراقبني، تسألني عن الجامعة، وتطلب مني أن أجلس قربها لأعلمها طريقة تحضير أحد الأطباق، فكنت أفرح بذلك، فأبدأ بالشرح وأعدها أن أحتفظ لها بكل شيء تحبه حتى تأخذه معها، كنت أشعر أنها لا تسمعني أو كأنها كانت لا تنظر إليّ بإعجاب، ثم تنقل نظرها إلى أمي وتبتسم، كنت أعتقد أنها معجبة بموهبتي المبكرة بالطبخ .
كانت أم جاسم قد ورثت عن زوجها ثروة ضخمة، مع أنها كانت تعيش معه بالفقر والحرمان، فقد أوهمها بأنه دخل بمشروع كبير مع أحدهم وخسر كل شيء، وبما أنها كانت إنسانة لا يهمها سوى الستر، فقد رضيت بالعيش دون المستوى الذي كانت تعيشه عند أهلها، واقتنعت بمصيرها وبما قسمه الله لها، إلى أن توفي زوجها بحادث سيارة، وكان ولدها جاسم في العاشرة من عمره، وكانت تفكر كيف تعيله، فهي لا تقبل أن تأخذ المال من أهلها، لتفاجأ بعدها بالثروة الكبيرة التي تركها المرحوم وكانت لا تعد ولا تحصى، لكن وبالرغم من ذلك لم تتبدل، فقد ظلت مثلما كانت بسيطة متواضعة، حفظت جميل من ساعدها في حياتها البائسة مع زوجها، ومنهم والدتي، فقد كانت تبتاع الملابس والعطور لها، ولولدها أيضاً، وترسل لها كل يوم من الطعام الذي تصنعه ليأكلا ويشبعا، كانت تضع لها المال بحقيبتها دون أن تشعر بذلك، كانت تحبها جداً ومازالت، فهي تقدّر تضحياتها الكثيرة مع زوجها الشرس، قاسي القلب الذي كان يهينها ويضربها دون أي سبب، احتملت بخله لسنوات طوال كانت تشتهي اللقمة هي وصغيرها، لكنها لم تكن تجدها، كانت ثلاجتها مجرد ديكور في المنزل، كان يأتي لها بدجاجة واحدة، وكيلوغرام من اللحم، وآخر من السمك، ويجب أن تقسمهما لأسبوع كامل مع الأرز لا شيء غير هذا، لم يكونا يعلمان كيف هو طعم الحلوى أو الفواكه، فلقد كانت بالنسبة له من الكماليات، كانا محرومين من أبسط الأشياء كالدش والهاتف، أما المكيف فكان أيضاً ديكوراً كالثلاجة تماماً، كانا فقط يشغلانه عندما تتجاوز درجة الحرارة السابعة والثلاثين، كان يطلب منهما أن يأويا إلى فراشهما في وقت مبكر توفيراً للكهرباء، مع أنه لم يكن يدفع شيئاً من الفاتورة، وهي احتملت كل شيء في سبيل ولدها الوحيد، وعندما توفي وورثت الملايين لم ترض أن تتزوج مجدداً حتى لا يأتي من يوجه كلمة إلى جاسم، أو يقاسمه إرث والده، سخرّت نفسها لتربيته واختارتني بعدما أصبح شاباً أن أكون زوجته، ويا ليتها لم تفعل .
كنت سعيدة بأنني سأعيش مع تلك السيدة التي لطالما أحببتها وأحببت جلستها وبسمتها، رقتها وأدبها، حياتها الماضية التعيسة التي نجحت في إخفائها لسنوات عن أهلها والمقربين منها، كانت والدتي هي الوحيدة التي تعلم بكل شاردة وواردة عنها، فلقد كانت أقرب صديقة لها وتثق بها جداً، لكننا لم نر ابنها جاسماً ولا مرة واحدة قبل أن يأتي معها لتطلب يدي له، مع أنه كان شاباً وسنه قريبة من سن أشقائي، لكنه لم يكن يخرج كثيراً، كان يذهب إلى شركته منذ الصباح ولا يعود إلى المنزل سوى في المساء، لا أحد يعرف عنه شيئاً، لم يتكلم أحد عنه بالسوء، ولكن في المقابل لم يمدحه أحد أيضاً . كان مجرد جار وكأنه ليس موجوداً، فقط يلقي السلام على من يراه ولا شيء أكثر من ذلك، لا يستقبل أحداً في منزله، لا أصدقاء، ولا أهل يزورهما، يعيش وحيداً مع والدته الطيبة التي يحبها الجميع وأولهم أنا، لكن للأسف جعلني زوجي أكره حياتي معهما، والسبب هو أنه لم يأخذ شيئاً من كرمها وأخلاقها وحنانها، تلك السيدة الرائعة الراقية المحبة التي كنت ومازلت أعشقها، فهي بالفعل مثل والدتي، هادئة بطبعها، كلامها رقيق، لطيفة لأقصى درجة، تحب الناس وتتمنى أن يزوروها في منزلها، لكن ولدها أعادها إلى أيام ماضية كانت تتمنى أن تنساها، كانت لا تناديني إلا بنيتي حبيبتي، أما زوجي فقد كان نقيضها بكل شيء، صحيح أنه لم يكن يضربني أو يهينني مثلما كان يفعل والده معها، إلا أن بخله كان لا يصدق، فقد تخطى والده بمراحل، وأصبحت متأكدة بأن البخل كالمرض يرثه الإنسان، إنه موجود بجيناته، لكن، الذي كان يغيظني أنه لم يكن فقط بخيلاً بأمواله، بل بكلامه وعواطفه، فأنا لم أسمع منه كلمة غزل واحدة، حتى بفترة ما قبل الزواج، فهو لم يكن يكلمني كثيراً، وكان يقول عندما أشتكي سنتكلم كثيراً عندما نكون زوجين يجمعنا سقف واحد، فأنا لا أحب أن أقول شيئاً قبل أن تصبحي زوجتي، كنت أعتقد بأنه من الشباب الملتزمين، وكنت أفرح بذلك، لم أعلم أنه كان يوفر سعر المكالمة، كان دائم التأفف عندما أريد أن أبتاع أي شيء، حتى لو كان من مالي الخاص . كان يقول لي أنت تريدين أن تصرفي فقط، أنت فعلاً إنسانة مسرفة لا تعرفين قيمة المال، إلى أن قلت له يوماً أنا لست مسرفة، لكن أنت البخيل فقال عن الغلط، اعتبرها إهانة بحقه، أنا اقتصادي ولست ببخيل . قلت يا جاسم اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب . قال هذا كلام غبي، لماذا لا تقولين خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود . قلت أي أسود، الله يهديك فأنت ما شاء الله تملك الملايين، متّع نفسك قليلاً . قال الله أكبر هذا حسد، أساساً أنا أتوقع أن تتبخر تلك الملايين بوجود زوجة وأم مسرفتين مثلكما، كنا نعيش والدته وأنا وحدنا لا يزورنا أحد إلا والدتي وبعض السيدات من الصديقات المقربات، لأنه كان يمنعنا من استقبال أحد حتى لا نقوم بضيافتهن، فكنا نبتاع دون علمه بالطبع علب الشاي والقهوة والبسكويت والعصير والشوكولاتة، وتخبئها والدته في غرفتها خلف ملابسها حتى لا يراها، وعندما تأتي السيدات إلينا وهو في عمله كنا نضع الأوراق التي تغلف الشوكولاتة في كيس صغير ليأخذنه معهن وهن خارجات ويرمينه في الزبالة حتى لا يراها ويعلم بالأمر، ثم نسرع بجلي الفناجين وتنشيفها قبل وصوله . تصوروا أنه كان يعد أكياس الشاي ليرى كم شربنا، كان لا يذهب إلى العمل بسيارته ليخفف من المصروف، فكان يذهب سيراً على الأقدام ويصل إلى هناك رائحته نتنة من العرق، وكان الموظفون لديه يرجونه كل شهر ليستلموا رواتبهم، إنه إنسان لا يصدق، كنت خائفة أن أحمل وأنجب منه لئلا يموت ولدي من الجوع، أو يصبح يوماً ما مثله، نصحني أهلي أن أصبر عليه وأحاول أن أبدله، لكن بخله كان يزداد كل يوم عن الذي قبله . كنت أبتاع له كنادير جديدة، فكان يذهب إلى الخياط ويحاول أن يسترد ما دفعت . كان يملك نعلين فقط، واحد لكل يوم والآخر في السيارة للزيارات والمناسبات الخاصة، يقود السيارة حافي القدمين حتى لا يخدشه من الخلف . كان لا يعترف بالبخور فهو كما يقول دخان يطير في الهواء ويتبخر بلحظات، يكفي أن تستحمي لتكون رائحتك زكية، ولماذا تضعين العطر تدفعين ثمنه ليشمه الناس من حولك كأنك تبتاعينه لهم، دعيهم يتعطرون وأنت متعي حاسة الشم عندك، كان يقول لماذا تذهبين إلى الصالون، فالشيلة تغطي شعرك وأنت محجبة، أما إذا دعينا إلى فرح فكان لا يذهب، ويتحجج بأنه مريض كي لا يبتاع لي فستاناً أو أذهب إلى الصالون، أو أطلب حذاء جديداً، كان يقول لي: حقيبة سوداء مع حذاء بلونها تتماشى مع كل فساتينك فلم الإسراف؟ غرفة نومي كانت دون سجاد يغطي أرضها الباردة، فهو يرفض أن يضع واحدة، وحجته أنه يعاني الحساسية من وبرها، هذا غيض من فيض، هذا هو زوجي الهارب من كتاب الجاحظ، ولو أردت لكتبت كتباً عنه وفزت بجائزة أيضاً . أخيراً وبعد معاناة وحرمان من أبسط الأشياء، وبعد أن طلب مني يوماً أن ننام على الأرض لأن الفراش بدأ يلين، فقال ننام يوماً على الأرض ويوماً على السرير، عندها لم أعد أستطيع الاحتمال، ذهبت إلى غرفة والدته أضمها إلى صدري وأنا أبكي، طلبت منها أن تسامحني، فأنا لم أعد أستطيع أن أحتمل بخله، أنا لم أتعود هذه الحياة، وقد حاولت كثيراً معه، إلا أنه بقي على ما هو عليه . ألا يقولون إن عادة في البدن تدوم حتى الكفن؟ قلت لها إنني سأطلب الطلاق منه، فقالت وهي تقبلني والدموع تملأ مقلتيها: اعذريني يا ابنتي فلم أكن أريدك أن تعيشي نفس قصتي، عودي إلى أهلك واستري ما رأيت منا، أنا حاولت كثيراً، لكنك رأيت بأم عينك أنه لا يسمع مني، اذهبي أنا لا ألومك . وأنت يا عمتي ماذا ستفعلين؟ قالت لي الله يا ابنتي . ماذا أفعل هل أتركه؟ فمهما كان هو ولدي الذي دفنت شبابي وحياتي من أجل تربيته، لكنني للأسف لم أفلح، وأنا الآن سأعيش في عتمة دائمة من دونك، فأنت كنت النور الذي يضيء حياتي المظلمة، لكن لا تحاتي فأنا لأنني أحبك لا أرضى لك أن تعيشي حياتي .
منقول من جريدة الخليج الشباب للكاتبة مريم راشد
كانت أم جاسم قد ورثت عن زوجها ثروة ضخمة، مع أنها كانت تعيش معه بالفقر والحرمان، فقد أوهمها بأنه دخل بمشروع كبير مع أحدهم وخسر كل شيء، وبما أنها كانت إنسانة لا يهمها سوى الستر، فقد رضيت بالعيش دون المستوى الذي كانت تعيشه عند أهلها، واقتنعت بمصيرها وبما قسمه الله لها، إلى أن توفي زوجها بحادث سيارة، وكان ولدها جاسم في العاشرة من عمره، وكانت تفكر كيف تعيله، فهي لا تقبل أن تأخذ المال من أهلها، لتفاجأ بعدها بالثروة الكبيرة التي تركها المرحوم وكانت لا تعد ولا تحصى، لكن وبالرغم من ذلك لم تتبدل، فقد ظلت مثلما كانت بسيطة متواضعة، حفظت جميل من ساعدها في حياتها البائسة مع زوجها، ومنهم والدتي، فقد كانت تبتاع الملابس والعطور لها، ولولدها أيضاً، وترسل لها كل يوم من الطعام الذي تصنعه ليأكلا ويشبعا، كانت تضع لها المال بحقيبتها دون أن تشعر بذلك، كانت تحبها جداً ومازالت، فهي تقدّر تضحياتها الكثيرة مع زوجها الشرس، قاسي القلب الذي كان يهينها ويضربها دون أي سبب، احتملت بخله لسنوات طوال كانت تشتهي اللقمة هي وصغيرها، لكنها لم تكن تجدها، كانت ثلاجتها مجرد ديكور في المنزل، كان يأتي لها بدجاجة واحدة، وكيلوغرام من اللحم، وآخر من السمك، ويجب أن تقسمهما لأسبوع كامل مع الأرز لا شيء غير هذا، لم يكونا يعلمان كيف هو طعم الحلوى أو الفواكه، فلقد كانت بالنسبة له من الكماليات، كانا محرومين من أبسط الأشياء كالدش والهاتف، أما المكيف فكان أيضاً ديكوراً كالثلاجة تماماً، كانا فقط يشغلانه عندما تتجاوز درجة الحرارة السابعة والثلاثين، كان يطلب منهما أن يأويا إلى فراشهما في وقت مبكر توفيراً للكهرباء، مع أنه لم يكن يدفع شيئاً من الفاتورة، وهي احتملت كل شيء في سبيل ولدها الوحيد، وعندما توفي وورثت الملايين لم ترض أن تتزوج مجدداً حتى لا يأتي من يوجه كلمة إلى جاسم، أو يقاسمه إرث والده، سخرّت نفسها لتربيته واختارتني بعدما أصبح شاباً أن أكون زوجته، ويا ليتها لم تفعل .
كنت سعيدة بأنني سأعيش مع تلك السيدة التي لطالما أحببتها وأحببت جلستها وبسمتها، رقتها وأدبها، حياتها الماضية التعيسة التي نجحت في إخفائها لسنوات عن أهلها والمقربين منها، كانت والدتي هي الوحيدة التي تعلم بكل شاردة وواردة عنها، فلقد كانت أقرب صديقة لها وتثق بها جداً، لكننا لم نر ابنها جاسماً ولا مرة واحدة قبل أن يأتي معها لتطلب يدي له، مع أنه كان شاباً وسنه قريبة من سن أشقائي، لكنه لم يكن يخرج كثيراً، كان يذهب إلى شركته منذ الصباح ولا يعود إلى المنزل سوى في المساء، لا أحد يعرف عنه شيئاً، لم يتكلم أحد عنه بالسوء، ولكن في المقابل لم يمدحه أحد أيضاً . كان مجرد جار وكأنه ليس موجوداً، فقط يلقي السلام على من يراه ولا شيء أكثر من ذلك، لا يستقبل أحداً في منزله، لا أصدقاء، ولا أهل يزورهما، يعيش وحيداً مع والدته الطيبة التي يحبها الجميع وأولهم أنا، لكن للأسف جعلني زوجي أكره حياتي معهما، والسبب هو أنه لم يأخذ شيئاً من كرمها وأخلاقها وحنانها، تلك السيدة الرائعة الراقية المحبة التي كنت ومازلت أعشقها، فهي بالفعل مثل والدتي، هادئة بطبعها، كلامها رقيق، لطيفة لأقصى درجة، تحب الناس وتتمنى أن يزوروها في منزلها، لكن ولدها أعادها إلى أيام ماضية كانت تتمنى أن تنساها، كانت لا تناديني إلا بنيتي حبيبتي، أما زوجي فقد كان نقيضها بكل شيء، صحيح أنه لم يكن يضربني أو يهينني مثلما كان يفعل والده معها، إلا أن بخله كان لا يصدق، فقد تخطى والده بمراحل، وأصبحت متأكدة بأن البخل كالمرض يرثه الإنسان، إنه موجود بجيناته، لكن، الذي كان يغيظني أنه لم يكن فقط بخيلاً بأمواله، بل بكلامه وعواطفه، فأنا لم أسمع منه كلمة غزل واحدة، حتى بفترة ما قبل الزواج، فهو لم يكن يكلمني كثيراً، وكان يقول عندما أشتكي سنتكلم كثيراً عندما نكون زوجين يجمعنا سقف واحد، فأنا لا أحب أن أقول شيئاً قبل أن تصبحي زوجتي، كنت أعتقد بأنه من الشباب الملتزمين، وكنت أفرح بذلك، لم أعلم أنه كان يوفر سعر المكالمة، كان دائم التأفف عندما أريد أن أبتاع أي شيء، حتى لو كان من مالي الخاص . كان يقول لي أنت تريدين أن تصرفي فقط، أنت فعلاً إنسانة مسرفة لا تعرفين قيمة المال، إلى أن قلت له يوماً أنا لست مسرفة، لكن أنت البخيل فقال عن الغلط، اعتبرها إهانة بحقه، أنا اقتصادي ولست ببخيل . قلت يا جاسم اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب . قال هذا كلام غبي، لماذا لا تقولين خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود . قلت أي أسود، الله يهديك فأنت ما شاء الله تملك الملايين، متّع نفسك قليلاً . قال الله أكبر هذا حسد، أساساً أنا أتوقع أن تتبخر تلك الملايين بوجود زوجة وأم مسرفتين مثلكما، كنا نعيش والدته وأنا وحدنا لا يزورنا أحد إلا والدتي وبعض السيدات من الصديقات المقربات، لأنه كان يمنعنا من استقبال أحد حتى لا نقوم بضيافتهن، فكنا نبتاع دون علمه بالطبع علب الشاي والقهوة والبسكويت والعصير والشوكولاتة، وتخبئها والدته في غرفتها خلف ملابسها حتى لا يراها، وعندما تأتي السيدات إلينا وهو في عمله كنا نضع الأوراق التي تغلف الشوكولاتة في كيس صغير ليأخذنه معهن وهن خارجات ويرمينه في الزبالة حتى لا يراها ويعلم بالأمر، ثم نسرع بجلي الفناجين وتنشيفها قبل وصوله . تصوروا أنه كان يعد أكياس الشاي ليرى كم شربنا، كان لا يذهب إلى العمل بسيارته ليخفف من المصروف، فكان يذهب سيراً على الأقدام ويصل إلى هناك رائحته نتنة من العرق، وكان الموظفون لديه يرجونه كل شهر ليستلموا رواتبهم، إنه إنسان لا يصدق، كنت خائفة أن أحمل وأنجب منه لئلا يموت ولدي من الجوع، أو يصبح يوماً ما مثله، نصحني أهلي أن أصبر عليه وأحاول أن أبدله، لكن بخله كان يزداد كل يوم عن الذي قبله . كنت أبتاع له كنادير جديدة، فكان يذهب إلى الخياط ويحاول أن يسترد ما دفعت . كان يملك نعلين فقط، واحد لكل يوم والآخر في السيارة للزيارات والمناسبات الخاصة، يقود السيارة حافي القدمين حتى لا يخدشه من الخلف . كان لا يعترف بالبخور فهو كما يقول دخان يطير في الهواء ويتبخر بلحظات، يكفي أن تستحمي لتكون رائحتك زكية، ولماذا تضعين العطر تدفعين ثمنه ليشمه الناس من حولك كأنك تبتاعينه لهم، دعيهم يتعطرون وأنت متعي حاسة الشم عندك، كان يقول لماذا تذهبين إلى الصالون، فالشيلة تغطي شعرك وأنت محجبة، أما إذا دعينا إلى فرح فكان لا يذهب، ويتحجج بأنه مريض كي لا يبتاع لي فستاناً أو أذهب إلى الصالون، أو أطلب حذاء جديداً، كان يقول لي: حقيبة سوداء مع حذاء بلونها تتماشى مع كل فساتينك فلم الإسراف؟ غرفة نومي كانت دون سجاد يغطي أرضها الباردة، فهو يرفض أن يضع واحدة، وحجته أنه يعاني الحساسية من وبرها، هذا غيض من فيض، هذا هو زوجي الهارب من كتاب الجاحظ، ولو أردت لكتبت كتباً عنه وفزت بجائزة أيضاً . أخيراً وبعد معاناة وحرمان من أبسط الأشياء، وبعد أن طلب مني يوماً أن ننام على الأرض لأن الفراش بدأ يلين، فقال ننام يوماً على الأرض ويوماً على السرير، عندها لم أعد أستطيع الاحتمال، ذهبت إلى غرفة والدته أضمها إلى صدري وأنا أبكي، طلبت منها أن تسامحني، فأنا لم أعد أستطيع أن أحتمل بخله، أنا لم أتعود هذه الحياة، وقد حاولت كثيراً معه، إلا أنه بقي على ما هو عليه . ألا يقولون إن عادة في البدن تدوم حتى الكفن؟ قلت لها إنني سأطلب الطلاق منه، فقالت وهي تقبلني والدموع تملأ مقلتيها: اعذريني يا ابنتي فلم أكن أريدك أن تعيشي نفس قصتي، عودي إلى أهلك واستري ما رأيت منا، أنا حاولت كثيراً، لكنك رأيت بأم عينك أنه لا يسمع مني، اذهبي أنا لا ألومك . وأنت يا عمتي ماذا ستفعلين؟ قالت لي الله يا ابنتي . ماذا أفعل هل أتركه؟ فمهما كان هو ولدي الذي دفنت شبابي وحياتي من أجل تربيته، لكنني للأسف لم أفلح، وأنا الآن سأعيش في عتمة دائمة من دونك، فأنت كنت النور الذي يضيء حياتي المظلمة، لكن لا تحاتي فأنا لأنني أحبك لا أرضى لك أن تعيشي حياتي .
منقول من جريدة الخليج الشباب للكاتبة مريم راشد