{*B*A*T*M*A*N*}
مشرف
- إنضم
- Sep 21, 2011
- المشاركات
- 23,222
- مستوى التفاعل
- 80
- المطرح
- دمشق
عندما طلب مني قسم البرامج في بي بي سي العربية السفر إلى سوريا مطلع أكتوبر/ تشرين أول 2012 لإنجاز فيلم ضمن سلسلة وثائقيات عن قرب، كان المشهد في سوريا قد أصبح واضحا، فقد تحولت حركة احتجاجية مطالبة بالإصلاح السياسي والديموقراطية إلى نزاع مسلح دموي.
وبالرغم مما يعنيه ذلك من مخاطر على الصحفيين البعيدين عن العمل الميداني في سوريا فلم أتردد في القبول، ذلك أن موضوع الفيلم الوثائقي الذي أنجزته بي بي سي في قناة الإخبارية السورية كان غير عادي و فكرة لم يسبق لها مثيل: فكيف يعمل الصحفيون السوريون في الإعلام الرسمي السوري؟
ظلت الدولة تهيمن على الإعلام نحو نصف قرن من حكم حزب البعث في سوريا، ولم ينفرج المشهد الإعلامي السوري رغم الآمال التي انتعشت في ربيع دمشق مع وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة.
لكن دور الإعلام الغربي والعربي في ما يسمى بالربيع العربي شكل صدمة لسوريا، فبالنسبة للحكومة السورية ولشرائح الرأي العام السوري التي تؤيدها، ليس ثمة شك في أن سوريا تتعرض "لحرب إعلامية ضارية تشنها عليها وسائل إعلام " لا تتورع دمشق عن نعتها ب " الإرهابية."
لذا فإن " شاشة للرئيس" من تلفزيون بي بي سي يحاول تسليط الضوء على ما يجري في كواليس الإعلام الرسمي السوري الذي أخذ على عاتقه على حد قوله التصدي لهذه الحرب الإعلامية المفترضة، وبعد أشهر من المفاوضات بين بي بي سي العربية ووزارة الإعلام السورية، فُتحت أبواب يمكنني القول أنها ظلت موصدة دون الإعلام العالمي.
فلم يسبق لكاميرا أو لفريق صحفي أن حصل على فرصة الوقوف مباشرة على عمل الإعلاميين السوريين. وبالنسبة لي شخصيا كان الإنجاز مضاعفا، فلم يقتصر الأمر على دخول عالم ظل مغلقا فحسب، بل إن إنجاز الفيلم مع فريق الإخبارية السورية منح لفريق العمل فرصة أفضل بكثير.
وقناة الإخبارية السورية هي "مؤسسة إعلامية عامة على طراز بي بي سي أو روسيا اليوم، تمول من ميزانية الدولة لكنها تتمتع باستقلال تحريري"؛ وبصرف النظر عن مدى تعبير مثل هذا التوصيف الرسمي السوري عن واقع ودور القناة، فإن أبرز ما يشد الداخل إليها هو أن كل صحفييها من الشباب المتحمسين للعمل الإعلامي، لكنهم واجهوا ولا يزالون تحديات مهنية وأخطارا شخصية لا أعتقد أنني شهدت لها مثيلا، عدا قتل الصحفيين، ذلك لأنهم يعتبرون من "صحفيي النظام".
شخصيات فيلم " شاشة للرئيس" هم الذين عُين فيها بعد عمله في قناة أخرى مملوكة لرجل أعمال له صلات بماهر الأسد شقيق الرئيس السوري، وربى الحجلي إحدى أبرز وجوه شاشة الإخبارية، ثم يارا صالح وهي من أكثر من رأيت من الصحفيين جرأة في مرافقة جنود خلال عمليات ميدانية، وأخيرا فادي يعقوب المصور الإخباري الذي دفع ثمنا باهظا من صحته ثمنا لتلك الجرأة.
وهم جميعا لا يأبهون بمن يعتبرهم أدوات في إعلام النظام أو أبواقا لهذا الإعلام لإن العمل الإعلامي بالنسبة لهم رسالة وطنية لتسليط الضوء على أن ما يحدث في سوريا " لم يعد حركة احتجاجية مطالبة بالإصلاح السياسي والديموقراطية بل تحول إلى حرب يشنها عليها الأمريكيون والغرب وبعض الدول العربية والإرهابيون والتكفيريون في ما يوصف بالمؤامرة الكونية على سوريا"
ولا يخطيء المراقب حالة غريبة من التحدّي الممزوج بقدر من الإحباط لدى كثير من الصحفيين الذين قابلتهم في الإخبارية السورية، وقد أيقنت أن سبب ذلك هو استهداف مقر الإخبارية السورية في إحدى ضواحي دمشق صيف 2012 بينما تسير الأزمة السورية من سيء إلى أسوء.
وواجه بعض صحفيي قناة الإخبارية شبح الموت أو الاختطاف أو الاعتداء ولا يزالون في كل يوم، فنشطاء المعارضة يهددونهم ويتوعدونهم على وسائل التواصل الاجتماعي وينشرون كل ما تيسّر من معلومات عنهم بما في ذلك مناطق إقامتهم ووأرقام هواتفهم وبلغت خطورة تلك التهديدات حدّا أصبحت معه إدارة الإخبارية تحترم تماما رغبة أي صحفي في عدم الظهور على الشاشة أو عدم توقيع تقاريره باسمه.
وتقول الاعلاميه ربى الحجلي إنها تتكبد مشاق العيش بعيدا عن زوجها وابنتها بسبب عملها وتقول إن سوريا تستحق كل هذه التضحيات الجسام بل إنها " أجّلت كل أحلامها وكل فرح حتى تعود سوريا كما كانت"، ويارا صالح تتحدث عما تقول إنها تجربة الاختطاف المريرة في منطقة التلّ بريف دمشق والتي لم تزدها إلا إصرارا على " تمجيد الجيش العربي السوري" في كل تقاريرها.
أما فادي يعقوب العاشق لكاميرا التصوير الميداني فلا يتهيب مواجهة أي أخطار بما في ذلك التعرض لطلق اخترق أحشاءه كي ينقل " ما يفعله المسلحون في منطقة الحفّة في ريف اللاذقية من أجل أن يعلم العالم حقيقة ما يجري سوريا".
في فيلم " شاشة للرئيس" من تلفزيون بي بي سي محاولة لفهم الردّ على التساؤل: من أن يأتي هؤلاء الصحفيون بهذا التصميم؟ هل هم مضطرون إليه اضطرارا؟ كثير من الإعلاميين السوريين هجروا المهنة أو على الأقل تواروا عن الأنظار في صمت، ومنهم من أعلن " انشقاقه " علانية ، وقابلت منهم من يتلهّف لفرصة لمغادرة البلاد.شاشة الرئيس
لكن ألا يشعر من تبقّى بوخز الضمير المهني بالعمل في إعلام أحادي الجانب؟ ما هي مسؤوليتهم الأخلاقية في تغطية عمليات الجيش السوري ضد المعارضة المسلحة باستخدام الطيران الحربي والمدفعية؟
لكن ألا يشعر من تبقّى بوخز الضمير المهني بالعمل في إعلام أحادي الجانب؟ ما هي مسؤوليتهم الأخلاقية في تغطية عمليات الجيش السوري ضد المعارضة المسلحة باستخدام الطيران الحربي والمدفعية؟
وكانت خيبة الأمل الأشد وقعا على هؤلاء الصحفيين حجب بث الإخبارية عبر الأقمار الاصطناعية الغربية والأوروبية نتيجة العقوبات على دمشق.
عندما قابلت وزير الإعلام السوري السيد عمران الزعبي وفاتحته في شأن هذه المخاطر التي تتهدد العاملين في الإعلام الرسمي السوري وردّ علي بنظرية الحرب الإعلامية على سوريا، كان لا بد أن أقول له ألا أدلّك على طريقة أنجع وأفضل ليكون للإعلام دور فعال بدل وضع يصبح فيه الإعلاميون أهدافا في النزاع المسلح يدفعون الثمن بأرواحهم وحياتهم؟ لماذا لا ترفع الدولة أيديها عن الإعلام؟ وإذا لم يكن ذلك ممكنا لماذا لا يُفتح المجال لتغطية متوازنة تُسمع فيها كل الآراء دون حجر أو حجب؟
أجاب الوزير بأن الإعلام السوري مفتوح ولمن أراد أن يركب الطائرة ويأتي إلى مقر التلفزيون في ساحة الأمويين في دمشق وإلا فليركبوا الطائرة وليتوجهوا إلى محطات تلفزيونية أخرى تعتبرها الحكومة السورية قنوات معادية وتحريضية بل و دموية.
بالنسبة لي مثل هذا الكلام هو أيضا حرب إعلامية رسمية لا يبدو أنها تلقي بالا لما يتهدد مثل هؤلاء الصحفيين من أخطار على حياتهم فوق إكراهات وعقبات وعراقيل ممارسة الإعلام في بلد كسوريا.
وفي فيلم " شاشة للرئيس " تحاول بي بي سي أن تقترب من هؤلاء الصحفيين ومن حياتهم اليومية في مكان العمل وضغوط ومضاعفات العمل السلبية عندما تنعكس على حياتهم الخاصة، لنفتح من خلال كل ذلك نافذة على واقع وأوضاع هؤلاء الصحفيين: آمالهم وتطلعاتهم وأيضا مسؤوليتهم في خضم نزاع لم يخل من البشاعة ويُخشى أن يتخذ مظاهر أبشع.
كما تأمل بي بي سي بهذا الفيلم أن تقدم شيئا مختلفا تماما عن التغطية المعتادة للأوضاع في سوريا.