تجاوز مرفوض

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
لقد كان لعرض الفيلم المسئ للرسول (صلى الله عليه وسلم) الذى شارك فيه بعض أقباط المهجر كثير من التداعيات، ومنها قيام أحد المشايخ بتمزيق الإنجيل أمام السفارة الأمريكية وآخر بالهجوم المضاد على أقباط المهجر بالقول الخارج والتجاوز اللفظى الذى لا نرتضيه خلقا ولا دينا.

وللأسف الشديد فقد أصاب بعض شظايا هذا الهجوم إخواننا المسيحيين فى مصر.

لذا فإننى أسأل هذا الشيخ وذلك الداعية وكل من يسير على دربهما أو يوافق على فعليهما، من هو قدوتكم؟ وأظن أن الإجابة لن تخرج عن أنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حبا له ونزولا على الآية الكريمة "لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر"، ودعونا نتخيل لو أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان موجودا، فماذا نظنه كان فاعلا؟.

إن السيدة عائشة رضى الله عنها، عندما سئلت عن خلق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قالت " كان خلقه القرآن"، كما قالت "لم يكن فاحشا، ولا متفحشا، ولا صخابا فى الأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح أو قالت: يعفو ويغفر". وقد نقلت لنا السنة الشريفة بعض الحالات التى تم فيها التجاوز على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومع ذلك كان يقابل دائما الإساءة بالعفو والغضب بالحلم والشدة بالأناة. وعليه فأقول لمن تجاوز لو أن قدوتك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان موجودا، أتظن خلقه وعفة لسانه وحلمه وتسامحه كان يتسبب بخروج أى لفظ جارح أو فعل مهين كما فعلتم ؟!! فهذا الفعل لا يتنافى فقط مع فعله (صلى الله عليه وسلم)، ولكنه يتنافى كذلك مع أخلاق ديننا الحنيف" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

ولا يدفعنا تدنى طرف إلى التجاوز، فكل بئر تنضح بما فيها، ويوضع لنا القرآن المنهج عند التعامل بعدم رقى إنسانى من الآخرين، وذلك فى اثنتين وهما "أنه إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره إنكم إذا مثلهم" و"وإذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره". لذا فإن هذا التجاوز لا يتنافى فقط مع فعله (صلى الله عليه وسلم) ولا مع أخلاق ديننا ولا مع المنهج الذى رسمه لنا القرآن فى حالات التجاوز، ولكنه يتنافى كذلك مع أسلوب الدعوة الذى أمرنا به القرآن ولنتذكر آية "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين، وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. وأصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك فى ضيق مما يمكرون".

بل إن هذا التجاوز ممن ينسبون إلى الإسلام يسئ إلى الإسلام ذاته، فضلا عن كل ما سبق. وذلك من 3 طرق أولهما أنه يعطى انطباعا لغير المسلمين أن هذه الأخلاقيات وهذا السلوك وهذه التجاوزات هى أخلاقيات إسلامية !!، والإسلام منها برئ. وثانيهما أن هذا الداعية أساء للمعاملات الإسلامية الراقية فهو كما يظهر من حديثه أنه لم يفهم الجزية بشكل صحيح فأساء إليها، وتكلم عنها كأنها عقوبة رغم أنها تمثل قيمة إنسانية عالية وتعنى حرية الاعتقاد منذ ذلك الوقت مع تحمل مسئولية المواطنة بحدها الأدنى (وسوف أفصلها فى مقال آخر).إنه هنا لم يفهم الإسلام الذى يدعو إليه، وأساء إليه وجعله عقوبة يخيف الآخرين بتطبيقها. فأصبح الوضع الآن الخوف من الوجود الإسلامى بدلا من الأمن فى الجوار الإسلامى، وما ذلك إلا بسبب الداعين للإسلام وبعض المنتمين له !! وثالثهما أن ندخل فى معارك الإساءة المتبادلة والتى نسئ فيها لديننا بأيدينا ولم نتفهم الآية الكريمة "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون".

بل أن هذه الردود تسببت فى جرح وإساءة لآخرين وهم باقى إخواننا المسيحيين بغير حق. وقد علمنا ديننا أنه "لا تزر وازرة وزر أخرى" فلا يعاقب والد بخطأ ولده ولا ولد بخطأ أبيه.

ويمكن أن أشير أيضا إلى كتاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) لنصارى نجران والتى ذكر فيها "ولا يؤخذ منهم رجل بظلم رجل آخر". ففعل بعض أقباط المهجر أو حتى لو كان من مسيحيى مصرى من الداخل، يحاسب هو نفسه عليه. فلا يجب أن يتم التجاوز فى رد الفعل، لا فى درجة العقوبة المناسبة للفعل، ولا فى دائرة العقوبة والتى يجب أن تشمل المخطئين فقط.

وللأسف الشديد فإن الطبيعة البشرية إن لم تهذب - تتجاوز فى توسيع دائرة العقوبة. لذا نرى فى أنحاء مصر معارك العائلات وحوادث الثأر، والتى جميعها تبدأ بمشاكل فردية، كان يجب قصرها على المسئول عنها، ولكن يتم توسيع دائرة الانتقام لتشمل أقرباءه أو عائلته أو حتى قريته. وحادث قيام أهل قرية بإشعال النيران فى 13 منزلا بقرية أخرى انتقاما لمقتل أحد أفرادها فى شجار بسبب أسبقية الرى بالبحيرة (اليوم السابع 29/8/2012) ليست منا ببعيد. بل أن هذا التجاوز يتم أيضا حتى على المستوى العالمى وبالفكر الغربى المفترض تقدمه. وما قامت به أمريكا بعد 11/9 من توسيع دائرة الانتقام لتدمير دول وشعوب بلا ذنب ولا جريرة، للرد على خطأ بضعة أفراد لمثال على هذا التجاوز الصارخ، ولكنى فى هذا المقال أخاطب رجالا يفترض أنهم رجال دين. فالواجب كان يقتضى أن يغيروا هذه العادات السيئة لا أن يسايروها، إن كانت تتعارض مع الدين، وهى بالفعل تتعارض معه.

هذا فضلا أن هذه التجاوزات لا تصب إلا فى مفسده تدمير الوطن، وذلك بزرع الكراهية بين أبنائه، وإثارة الفتنة بينهم، والفتنة أشد من القتل.

إننى لولا أننى أخاف من نشر إساءة هذا الداعية، وما تعنيه من زيادة التجريح لأخ الوطن، لتقدمت ببلاغ ضده بازدراء الدين المسيحى والإساءة للدين الإسلامى، وبالنسبة للشيخ فإنه بالفعل مقدم حاليا للمحكمة الجنائية لازدرائه الدين المسيحى وإن كنت أظن أن هذا هو جزء فقط من خطئه. لأننى أظن أنه أساء أيضا للدين الإسلامى ولوحدة الوطن وتآلف مواطنيه. إن العلاج لا يمكن أن يكون بتبادل السباب والإهانة والتجريح. فكل من يرتضى لنفسه بإهانة وازدراء أديان الغير، يجب أن يتوقع المثل من الآخرين، ولن يتحقق من كل هذا التجريح هدف ولا غاية إلا جروح وفرقة بين أشقاء الوطن.

لذا فتفعيل قانون تجريم ازدراء الأديان واحترام معتقدات الغير، مصريا وعالميا سيعمل على وقف هذه التجاوزات وتدعيم السلم الداخلى والسلم العالمى. كما أناشد الداعية والشيخ ومن يسير على دربهما بمراجعة أنفسهم. فالرجوع إلى الحق فضيلة وقد أسأتم لديننا قبل أن تسيئوا للآخرين. هدانى الله وإياكم والسلام على من اتبع الهدى.
 
أعلى