جزائريات «رنوار» جواهر فن الاستشراق في الجزائر

DE$!GNER

بيلساني محترف

إنضم
Apr 4, 2011
المشاركات
2,637
مستوى التفاعل
44
المطرح
بين الأقلام والألوان ولوحات التصميم
نساء متلفعات بالحرير والدمالج، فاتنات بعيونهن الآسرة، القصور بديعة الهندسة والتزاويق، الجنات المترامية في خلاء الصحراء، مدن شرقية باهرة وغامضة تلتحف بالأسرار، تلك المشاهد الأكثر تصويراً في لوحات المستشرقين الغربيين، الذين انبهروا بفردوس الشرق، فتفجرت قرائحهم الفنية في الأرض الجديدة، التي قدموا إليها مجندين في جيوش الاستعمار لرسم الخرائط العسكرية، فوقعوا في أسر جمالها الذي لا يقاوم.

052011%5C01052011%5CTHUMB34484.JPG


نالت الجزائر مساحة واسعة على لوحات فناني القرن التاسع عشر، فتوالوا على رسمها بأساليب وتيارات فنية متباينة، شأن العديد من عواصم الشرق مثل: الشام ومصر و تركيا وبلاد المغرب العربي، فكان العالم الجديد الذي افتكوا أبوابه بترسانتهم العسكرية غارقاً في متع الجمال والغرائبية والإبهار، الذي يغذي قريحة الإلهام التي يتطلبها العمل الإبداعي، فأنتجوا روائع فنية وإن كانت آنذاك تشجع المتفرجين عليها في صالات العرض الأوروبية على الهجرة نحو المستعمرات، تظل أعمالاً إبداعية غاية في الروعة، بل صارت وثائق تاريخية تؤرخ للحياة في القرنين: التاسع عشر والعشرين.
وتحظى لوحات :«دولاكروا» و«جيروم» و«اتيان دينيه» و«رنوار» بمكانة خاصة في متاحف الفنون الجميلة في الجزائر وفرنسا، فقد أتقن هؤلاء الفنانين رسم مظاهر الحياة في الجزائر بمنتهى الاحترافية والشاعرية، مقدمين جانباً كبيراً للتفاصيل المتعلقة بالتقاليد والثقافة والعلوم، ولو أنهم غرقوا في رسم النساء مطلقين العنان لخيالهم الفني.
لم تغير مظاهر الحياة الجديدة وملامح المرأة الجزائرية والشرقية الكاسرة، مدارس الفن التشكيلي فحسب بل حتى الطبيعة وتضاريسها، خصوصاً قساوة الصحراء وسحرها الذي لا يقاوم، من جعل فتنتها وشمسها سراً عميقاً، فقد شكل «الضوء» لغزاً في تلك الأعمال الفنية. بل صارت لوحات «أوجين فرومنتين»، «أوجين دولاكروا»، «هوراس فيرنيه» وغيرهم.. تضاهي روعة «ألف ليلة وليلة» التي ترجمها «أنطوان غالان» عام 1704م إلى الفرنسية، وربما هي من زادت شغف الأوروبيين لاكتشاف الشرق والتخطيط لاستعماره.

052011%5C01052011%5CTHUMB34486.JPG


ولأن الجزائر الفردوس المكتشف من قبل الفرنسيين بعد استعمارها في 1830، فقد ألهمت أشهر فناني فرنسا من المهندسين والكتاب والموسيقيين، وفي مقدمتهم الفنانون التشكيليون عندما رافق الكثير منهم جيش الجنرال «لويس فيليب» في أول حملاته العسكرية لاستعمار الجزائر،كما كانت رحلاتهم باتجاه الجزائر مليئة بالمغامرة لاكتشاف الشرق وفك غموضه، حتى بالنسبة للشعراء والكتاب الذين وثقوا تجربتهم في الجزائر في كتب وروايات صنفت أجمل ما كتب في الأدب العالمي ومن بينهم: «غي دوموباسان»، «أوجين رومنتان»، وصاحبا نوبل للأدب «أندريه جيد»، و»ألبير كامو»، كما يمكن ذكر الباحثين والمفكرين المستشرقين الذين قاموا بجمع وترجمة التراث الجزائري والمغاربي الإسلامي إلى القارئ الأوروبي، مساهمين بطريقة ما في الدفاع عن ثقافة الشرق، ومسح ادعاءات السياسة الاستعمارية، التي بررت استيلاءها على بلدان الشرق بهدف تعميرها وتنوير شعوبها، ونقل الحضارة إليها متحججين بتخلفها وبدائيتها، ولا يمكن إنكار أن هؤلاء المستشرقين قد وقعوا في الأخطاء وارتكبوا بقصد أو غيره بعض المغالطات، ونذكر من بين هؤلاء : «الأب بارجاس» (1810-1896) و»ألفراد بال» (1873-1945) اللذين كتبا عن الدولة الزيانية التي قامت في الغرب الجزائري في القرن الثاني عشر، كذلك المستشرق «ليون غوتي» (1864-1940) صاحب كتاب «تاريخ المغرب العربي».
يعتبر «أوجين دي لاكروا» (1798- 1863) أكثر الرسامين ولعاً بالجزائر، لم تكن روعة لوحاته عنها تقل عن رائعته الشهيرة «مجزرة سيو» التي رسمها عام 1824، فقد تحولت الجزائر إلى موضوع أساسي في أعماله الفنية منذ رحلته نحو أفريقيا عام 1832، حيث بدأ عشقه الأزلي لحضارة الشرق وسحره، موظفاً الكثير من تفاصيله من حياة الناس اليومية، القصور والأحياء، الهندام والحلي والأفرشة، الخيول والتقاليد العربية، والأمازيغية، وجمال المرأة الجزائرية، وتعتبر رائعة «نساء جزائريات في مخدعهن» أروع ما رسمه «أوجين دولاكروا»، فقد شكلت اللوحة اهتمام النقاد لفترات زمنية متباعدة، امتدت إلى القرن الحالي، حيث أعاد رسمها وتفكيكها الرسام العالمي «بابلو بيكاسو» وغيره من الفنانين المعاصرين.

052011%5C01052011%5CTHUMB34487.JPG


من الفنانين المستشرقين الفرنسيين يحضر الفنان «هوراس فيرنيه» (1789 - 1863)، الذي حل بالجزائر عام 1833، منجزاً عدة لوحات تعبر عن انتصار فرنسا ونشوتها باحتلال الجزائر، فقد كان رساماً مجنداً لتصوير الحملة العسكرية على مدينة «قسنطينة»، وأنجز عنها أكثر من أربع عشرة لوحة أشهرها لوحة «الهروب»، كما رسم لوحته الشهيرة التي تصور سقوط عاصمة «الأمير عبد القادر الجزائري» في يد الدوق «أومال» في عام 1845 والتي يبلغ عرضها 21 متراً، وقد تم استنساخها من قبل العديد من الفنانين في فترات زمنية متباعدة، كما تميز الفنان «فيرنيه» أيضاً في رسم مشاهد الحروب الضروس بين المقاومين الجزائريين والجيش الفرنسي، وبسالة المحاربين، ولذلك تعتبر حالياً وثائق تؤرخ لتلك المعارك.
أما الفنان «أوجين فرومونتين» (1820- 1876) هو رسام وكاتب، يعد من أشهر أعلام الفن الاستشراقي، فمنذ وطأت أقدامه أرض الجزائر عام 1846 وقع في أسر جمالها، خصوصاً مدينة الجزائر وبوادي وواحات الصحراء، وقد شكلت الطبيعة الفريدة بتناقضات جغرافيتها، التي تجمع البحر والجبال والصحراء عناوين لوحاته، وهذا ما يفسر اشتغاله الكثيف على اللون وتوظيفه، وتعتبر أشهر لوحاته «الصيد بالصقور» التي رسمها عام 1863 من أجمل ما رسم، كذلك رائعته «أرض العطش» التي أنجزها عام 1869، يظهر فيها بشاعرية متناهية قساوة الصحراء وجفاءها.
لقد كانت الشمس في شمال أفريقيا مختلفة عن تلك التي تشرق في أوروبا، هذا الفرق يعني الكثير بالنسبة للفنان التشكيلي، الذي يعتبر الضوء عنصراً أساسياً في عمله الإبداعي، فقد أغرت الصحراء أغلب المستشرقين للنهل من سحرها وترجمته فنياً، كما هو الشأن مع الفنان «غوستيف غييومي» (1840- 1887)، الذي اكتسب ودون منازع لقب «فنان الصحراء»، وما يميز أعماله الفنية هو استعانته على أحادية اللون، والتلاعب بتقنية الضوء والظل، من أشهر لوحاته: «الأغواط»، «عين الكرمة»، «منطقة الصغيرة بقرب بسكرة».

052011%5C01052011%5CTHUMB34488.JPG


إن كان «غييومي» فنان الصحراء كذلك» ألفونسو اتيان دينيه» (1861 - 1929) هو رسام بوابتها دون منازع منذ أن قدم إليها عام 1905، فقد عشق مدينة «بوسعادة» واختار الإقامة الأبدية فيها، ولم تلهمه النساء «النايليات» (نسبة إلى منطقة سيدي نايل)، وحياة التعبد وطقوس الديانة الإسلامية، وبساطة وعوز أهلها ليعبر عنها بمقدرة فنية خلاقة فحسب، بل حياته بينهم جعلته يختار العيش معهم لمدة خمسين عاماً، حيث دخل الإسلام، وغير اسمه إلى «نصر الدين دينيه»، أنجز في حب الصحراء الجزائرية لوحات شهيرة تقدر اليوم بالملايين، مثل رائعة «عبد الغرام ونور العين»، «ربيع القلوب»، «السراب»، «نظرة الغرب للشرق»، «الصحراء» ولوحته الشهيرة «خضرا» التي هي عنوان رواية كتبها أيضاً، وله كتاب آخر: «الحج إلى بيت الله الحرام»، وتعد كل كتاباته وإبداعاته الفنية مستوحاة من يوميات حياته في الجزائر، مواضيعها الغالبة حول البؤس والحزن والشيخوخة والعوز، التي كان يجسدها بمهارة على ملامح وهندام شخوصه، إلى درجة تظهر فيها سيمات الصبر، حب الحياة، عزة النفس، حيث تبدو لوحاته رغم شجن المواضيع وقسوتها مفعمة بالعاطفة والفرح.
لم يكن «دينيه» وحده من اختار الإقامة في الجزائر، بل الكثيرون من المستشرقين الذين فضلوا العيش بين الشعب الجزائري، يقاسمونه العوز وشظف العيش رغم أنهم أعداء ودخلاء في نهاية المطاف، لقد كانت الذائقة الإبداعية تتطلب التعايش والإنسانية وهذا ما طفا على علاقة الفنانين الغربيين مع الشعب الجزائري، بل حتى كان كرم الأسر الجزائرية في استضافة الفنانين في بيوتها فرصة لهم لمعرفة الحياة الداخلية للعائلات المحافظة، بل تمكنوا من فك أبواب عالم «الحريم» الموصدة وهذا ما قاموا برسمه على لوحاتهم.
وتكاد تكون لوحـات «بيار أوغست رنـوار» (1841- 1919)، أشهر الأعمال الفنية التي رسمت عن الجزائر، بل تعد من جواهر فن الاستشراق لما تكتنزه من إتقان ووصف وشاعرية، حتى يصنفه النقاد الفنيين بعبقري الفن التشكيلي منذ رسمه لوحته الأولى «امرأة باريسية بملابس جزائرية»، حيث صنفه ذلك العمل كأحد رواد الفن الانطباعي في بداية ظهوره، نظراً لقدرته الخارقة في رسم الملامح والنفسيات والتحكم في توظيف اللون.
ومنذ زار «رنوار» الجزائر وقع في هوى شمسها وطبيعتها وشرقية أهلها، فرسم مظاهر الحياة وروعة التضاريس، مدققاً أدنى تفاصيلها بمقدرة فنية رهيبة، حيث يسيطر الأزرق والأخضر والأبيض على الألوان الأخرى في لوحاته، وهي ألوان الساحل الجزائري حيث الشمس تبرز فتنته، أما جمال المرأة الجزائرية فكان أكثر مواضيع لوحاته روعة، فقد صور «رنوار» النساء الجزائريات بمنتهى الجاذبية وبإغراء كبير، لاسيما وأنه كان يخطو تجارب صديقه «بازيل» الذي كان يركز على إظهار مفاتن المرأة بطريقة «إيروتيكية»، كان «رنوار» موفقاً في التعبير عن نفسيات الشخوص، وملامح الوجوه، حتى تبدو وكأنها ناطقة حية، ومن لوحاته التي رسمها عن الجزائر: «نساء الجزائر» أنجزها عام 1870، «امرأة جزائرية» رسمها عام 1880، و»امرأة تعزف على آلة الموندلين» رسمها عام 1919، وغيرها من التحف التي لا تقدر اليوم بثمن.
ومثلما كانت الجزائر الملهمة الأولى لفن الإستشراق، حيث تزامن تألقه مع استعمارها من قبل الاحتلال الفرنسي، فقد كان استقلالها عام 1962 بداية لنهايته أيضاً، وتبقى اللوحات والتحف الفنية التي رسمت في عهد الاستعمار وما اقترفه من حروب وحرق وتعذيب - تبقى- تثبت بطريقة أو بأخرى أن الفن كان حاضراً وموازياً لتلك البشاعة، مجسداً بطريقة أو بأخرى جمالية تلك البلدان وشاهداً على حضارتها وسمو إنسانيتها، في ظل مزاعم الأوروبيين آنذاك بضرورة استعمارها، متهمين إياها بالبدائية والتوحش واللاحضارة.
 

إلهام

بيلساني لواء

إنضم
Jul 20, 2010
المشاركات
4,850
مستوى التفاعل
97
المطرح
على مد البصر اتواجد
رسايل :

كان بعض مني ..... بعض من افكاري ...... بعض من حنيني ...... واصبح بعض من ذاكرتي المشوشة ....

لقد كانت الشمس في شمال أفريقيا مختلفة عن تلك التي تشرق في أوروبا، هذا الفرق يعني الكثير بالنسبة للفنان التشكيلي، الذي يعتبر الضوء عنصراً أساسياً في عمله الإبداعي، فقد أغرت الصحراء أغلب المستشرقين للنهل من سحرها وترجمته فنياً، كما هو الشأن مع الفنان «غوستيف غييومي» (1840- 1887

لهدرجة مختلفة
يسلمو لمجهودك واختيارك
 

دموع الورد

رئيس وزارء البيلسان

إنضم
Dec 19, 2009
المشاركات
13,384
مستوى التفاعل
139
المطرح
هنْآگ حيثّ تقيأت موُآجعيّ بألوُآنْ آلطيفّ..
رسايل :

يااارب انا في قمة ضعي وفي عز احتياجي اليك فكن معي

كتير حلو الموضوع

انتقاء رائع :22:

يعطيك العافية وردة*

 
أعلى