حتى يتم إغلاق هذا الملف

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
بادئ ذى بدء، ينظر المصريون إلى قواتهم المسلحة نظرة ملؤها الاحترام والتقدير، بحيث لا يتصور بعضهم أحدًا على كرسى الحكم سوى العسكريين؛ إذ ترفض عقولهم فكرة الحاكم المدني، معتقدين بأن الدولة المصرية بتاريخها العتيق واتساعها وتشعبها لا يستطيع السيطرة عليها وإداراتها إدارة جيدة سوى خريجى المدرسة العسكرية.
ويبدو أن هؤلاء نتاج ثقافة امتدت لعقود طويلة، وغالبًا ما تجدهم فى الفئات العمرية المُسنّة نوعًا ما، وكذلك فى بعض الفئات المتوسطة التى ترى فى العسكريين بما يتسمون به من انضباط وحزم، القدرة على استعادة الأمن والأمان المفقود، وذلك رغم ما شهدته البلاد فى ظل حكم العسكريين طوال مرحلة ما بعد ثورة يناير المجيدة من شبه انعدام للأمن.
وقد أُضيف مؤخرًا إلى هؤلاء، ما يمكن تسميتهم بـ«المحتقنين» من السلطة الحالية المتجسدة فى جماعة الإخوان المسلمين، ويرون فى العسكريين الخَلاَصُ من الحكم الإخوانى.
والملاحظ أن هؤلاء كانوا من رافضى حكم العسكر سابقًا وطالما نادوا بإسقاط حكم العسكر، أما الآن يرددون (نار العسكر ولا جنة الإخوان)، وعلى ما يبدو أن هذه الفئة ليست مع خيار إفرازات الصندوق التى لا تتماشى وأمزجتهم.
والواضح أن اتساع رقعة الداعين بعودة الجيش إلى الحياة السياسية؛ يرجع فى الأساس إلى عدم الرضا المتزايد من قبل البعض عن سياسات الإخوان فى الحكم، علاوة على أن تصريحات بعض القادة العسكريين كتصريح رئيس هيئة الأركان المصرية «صدقى صبحي»، والذى نصه (إذا احتاج شعب مصر الجيش سيكون فى أقل من الثانية موجود فى الشارع)، جاءت بمثابة آمل ليلتف حوله راغبو عودة العسكر ورافضو حكم الإخوان المسلمين، وبغض النظر عما يحمله التصريح من تفسيرات متعددة - ليست موطن حديثنا الآن-، فإن الراغبين فى عودة العسكر للسلطة جاءت تفسيراتهم متماشية مع ما بأدمغتهم من رغبات وتمنى بعودة العسكر، بخاصة أن رئيس الأركان لم يحدد نوعية الاحتياج وكيفية النزول إلى الشارع.
وللأسف جاءت دعوات عودة العسكر للحكم غير محددة الأوجه ويغلب عليها - حسب تصورى - الطابع العفوى العاطفى عند البعض والمغرض عند البعض الآخر، وبتفنيد ردود فعل العسكر المحتملة تجاة تلك الدعوات نجدها تدخل فى إطار سيناريوهات ثلاث؛ إذ يقوم السيناريو الأول حول فرضية عودة العسكر عبر بوابة الانقلابات العسكرية المباشرة، وذلك بإزاحة السلطة الشرعية المنتخبة وتنصيب أحد العسكريين على سدة الحكم مصحوبًا ذلك بإعلان الأحكام العرفية وفرض حالة الطوارىء وإسقاط الدستور وغيرها من الإجراءات لإحكام عملية السيطرة على الدولة، ورغم سهولة إجراء ذلك السيناريو من حيث التطبيق، والذى نُفذ بالفعل فى عدد لا بأس به من دول العالم فى فترات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فإنه أضحى الآن يعج بالعديد من العقبات على الصعيدين الداخلى والخارجى .
فعلى الصعيد الداخلى عودة الجيش بانقلاب على السلطة المنتخبة فى مصر، قد يصطحب معه صراعًا دمويًا شرسًا بينهم والإسلاميين (الجزائر نموذجًا)، علاوة إلى عدم تقبل عدد من الأحزاب الوسطية والليبرالية وكذلك العلمانية والقوى الشبابية الثورية لفكرة عودة العسكر إلى الحكم، وهذه الكتلة بجانب الإسلاميين يصعبان على العسكر فكرة الولوج إلى الحكم بانقلاب عسكرى مباشر، وكان المركز الديمقراطى لدراسات الشرق الأوسط بنورث كارولينا، فى الولايات المتحدة الأمريكية، قد أجرى استطلاعًا للرأى فى مصر، كشف أن 33.5% يرغبون فى عودة العسكر للحياة السياسية وإدارتها، بينما يرفض 66.5% عوودة العسكر للحكم.
أما خارجيًا فهناك توجهات دولية لربط المساعدات الاقتصادية بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحدوث انقلاب عسكرى مباشر على السلطة المنتخبة يضر بالديمقراطية ضررًا بالغًا، ومن ثمّ يُعطل المساعدات الغربية لمصر، علاوة على احتمالية تجميد عضوية الدولة المصرية فى المنظمات الدولية، فمنظمتى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى ترفضا الاعتراف بالانقلابات العسكرية كوسيلة لتداول السلطة، وبالتالى فإن عودة العسكر عبر الانقلاب على السلطة الشرعية، يصعب تحقيقه واقعيًا لعدم توافر القبول الجمعى بعودته من ناحية، وزيادة حدة رفض الاعتراف الدولى بالانقلابات العسكرية فى البلدان من ناحية أخرى .
فيما يشبه السيناريو الثانى إلى حد كبير الحالة الموريتانية عام 2009م، عندما تسلل العسكر إلى الحكم عبر بوابة المشاركة فى العملية الديمقراطية وفوز أحد العسكريين «محمد ولد عبد العزيز» بكرسى الحكم.
ويمكن تطبيق ذلك السيناريو فى مصر من خلال أمرين، الأول: وهو ما يمكن تسميته بالأمر الطبيعي، أى تنتظر المؤسسة العسكرية حتى انتهاء مدة الرئيس الحالى «محمد مرسي»، وفى الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2016م، تدفع وتدعم علنًا أحد أبناءها للانتخابات الرئاسية، والثاني: وهو الأمر غير الطبيعي، بأن يجبر القادة العسكريون الرئيس على التنحى قبل نهاية ولايته، ومن ثم الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة يكون فيها العسكر طرفًا مشاركًا وعلى الأغلب فائزًا بالمقعد الرئاسي. وهنا يكون الأمر تطبيقًا للديمقراطية الشكلية، علاوة على أنه شبيه إلى حد كبير بحالة الانقلاب العسكرى المباشر ومن ثمّ حدوث تلك النتائج السابقة عن السيناريو الأول.
ويبقى السيناريو الثالث والأخير وهو أن العسكر لا يلبى هذه الدعوات من الأساس، ويظل داعمًا للشرعية وبعيدًا عن معترك الحياة السياسية، بخاصة بعد تجربته المريرة فى المرحلة التالية للثورة، ورغم ارتفاع مؤشرات تطبيق ذلك السيناريو، وآخرها تأكيدات وزير الدفاع «عبد الفتاح السيسي» لوزير الخارجية الأميريكى «جون كيرى» بأنه لا يوجد خلافات بين المؤسسة العسكرية والرئاسية، فإن الأمر يتطلب من العسكر بجانب ذلك بيانًا صريحًا يؤكدون خلاله أنهم غير طامعين فى الحكم وداعمين للشرعية المنتخبة أيًا كانت، ومثل هذا البيان - حسب اعتقادى - سوف يُغلق ملف عودة العسكر للحياة السياسية على الإطلاق.
 
أعلى