حُمّى التجربة التركية

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
كانت تسمية الإخوان المسلمين فى مصر لحزبهم بالحرية والعدالة، وتسمية الجماعة الإسلامية فى مصر لحزبها بالبناء والتنمية، فى الأصل محاولة لمحاكاة اسم حزب العدالة والتنمية التركى، وهو حزب أسسه منشقون عن تنظيم محافظ أصولى شديد الشبه بأصحابنا أصلاً! ولكنهم يرون أن التجربة تنتمى إليهم بحكم أنهم إسلاميون رغم أنفهم، حتى لو كانوا يقولون إنهم حزب غير إسلامى، ويعملون على حماية قيم الدولة التركية العلمانية..! لكنهم بالضرورة يخدعون مجتمعهم، لكى يحدث التمكين للإسلام، وهذا الكذب مما يُتسامح فيه، أو هكذا يفهم الإخوان فى مصر المسألة.. مثلهم الأعلى حزب يؤمنون يقينا بأنه كذاب، وأنه يبطن غير ما يُظهر، وأنه ينتمى إليهم، رغم مخالفته لنظائرهم فى تركيا نفسها..!!

المشكلة الثانية هى أنهم يستلهمون التجربة التركية "بسطحية" وبدون إدراك لفوارق التجربتين والتاريخين، فهم لا يبحثون مثلا فى معالجة حكومة العدالة والتنمية التركى للمشاكل الاقتصادية، وكيف استطاع أن يتغلب عليها، فينظروا فى مصر مثلا ويحاولوا صناعة نموذج اقتصادى خاص بنا مُلائم لنا يُمكننا من النهوض، هُم لا يستلهمون هذا الجزء.. هم يرون أن حسنى مبارك كان يقدم سياسات اقتصادية مقبولة..! بل هى أكثر من مقبولة، هى نفسها السياسات التى يؤمنون بها، كما نفهم بعد أى تجربة لـ"حوار مع صديقى الإخوانى" على طريقة مصطفى محمود! ولكنهم يستلهمون التجربة فى إطار المعادلة الآتية: أوصل شخصية إسلامية إلى الحكم، حتى لو كذبت على الناس وخادعتهم، وساير إسرائيل وأمريكا والغرب فى كل ما يُريدونه منك، واتبع سياسات اقتصادية رأسمالية منبطحة ومنفتحة على مصراعيها، ثم انتظر.. حتى لو تدمر اقتصادك الوطني، وخرب بيتك، وانخفض تصنيفك "الائتمانى" على رأى السيد رئيس الجمهورية، لا تقلق..فستسقط عليك النهضة من السماء..! لأن الله يحب الإسلاميين..!! أو لأن سبب تخلفنا فى العصور الماضية كان على ما يبدو أن عبد الناصر والسادات ومبارك كانوا يحلقون ذقونهم..!

وكأنهم يؤمنون بأن الله سيجاملهم - حاشا لله - أو أنهم أخذوا من الله عهدا فلن يخلف عهده، بأنهم إن أوصلوا أى ملتحٍ إلى السلطة (أفلا تكبرون)، أو حتى غير ملتح ينتمى إلى حزب إسلامى، فسينجح.. ويحقق نهضة مبهرة، لا تسألنى كيف..!

النهضة يا سادة لها جناحان، النهضة ليست اقتصادا فقط -على الرغم من أنهم حتى فى هذا هم فاشلون!- ولكن النهضة أيضا أفكار، تنوير بالمعنى الحرفي، يغير أنماط الحياة والعلاقات وطرائق العيش والمنظومة كلها فى المجتمع، الآن أين نحن من هذا فى مصر؟! ما هو الإنجاز الفكرى التحديثى للإخوان المسلمين الذى يمكن أن يسهم فى تحسين حياة المجتمع المصرى أو علاج مشاكله مع التراث وقضايا المرأة والحريات والحقوق المدنية وحتى الارتقاء بالذوق العام والفنون والمعمار وبناء النموذج المصرى المعاصر من الحضارة الحقيقية وليست الحضارة المزيفة الجوفاء المصطنعة التى نعيش فيها؟ ماذا قدم الإخوان المسلمون فى هذا الإطار؟ ولا ترد على أكرمك الله بمواضيع إنشاء حفظناها، عن ديننا الذى هو منهاج شامل لكل شيء فى كل شيء، أنا أسألك عما بعد! أين مشروعكم أنتم؟! لا توجد أى إضافة، اللهم إلا مشروع الشهيد سيد قطب الذى لم يكتمل، وانتهى ببقايا أفكار محبطة عن فساد كل شيء، والاستعلاء على كل شيء، وبناء المجتمع البديل المتزمت التنظيمى المنغلق على ذاته الرافض للاجتهاد والتجديد، أو إذا أحسنا التقدير قليلا فربما نستشهد بكتابات علامة مثل الغزالي، أو الإمام الدكتور يوسف القرضاوى الذى انتقدهم بنفسه فى مذكراته، فى الجزء المعنون بالاستعفاء عن العمل التنظيمي، ووصف مناهجهم بأنها متناقضة، ويغلب عليها التشدد والحرفية..!

دعونا نقول إذن إننا إذا كنا سنتحدث عن مشروع تجديدى تنويرى نهضوى للإخوان، فى إطار الكلام سالف الذكر فنحن نخدع أنفسنا ونخدع المجتمع ونبيع للناس الهواء فى أكياس..! هذا تنظيم قواعده غارقة فى التبعية، وقياداته غارقة فى العزلة والاستعلاء..! أى نهضة يمكن أن يبنيها هؤلاء المرضى المساكين؟!

الأتراك تحركوا قليلا فى الفكر، المغاربة قدموا مشروعا جيدا، له امتداد على طول خط القرن العشرين، بينما ظللنا نعبث عبثًا منذ قتلنا الإمام محمد عبده فكريا، وشوهنا قاسم أمين، وسخطنا على كل تجديد وتنوير وفكر جاد..! حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه.

النهضة لن تحدث بتأسيس حزب اسمه العدالة والرفاهية أو الكرامة والتنمية أو الملوخية والسبانخ..! المسألة ليست مسألة محاكاة الأسماء.. وليست مسألة إيصال شخص إسلامى إلى السلطة، ولا حتى ليبرالي، ولا يساري..!! المسألة أننا لدينا أزمة فى أصحاب الأفهام، والمخلصين..! والإخوان المسلمون مخلصون ولكن لتجربتهم وتنظيمهم وليس للوطن..! أما عن الفهم فإنهم لا أمل فيهم..!! إنما نحن نتوجه بالكتابة والتنبيه للذين سيجيؤون غدا، حتى لا يسيروا على الدرب نفسه، ونفاجأ بخمسين حزبا أصوليا، فارغا، تابعا، مباركى الاقتصاد، وليس لديه مشروع، وكلهم أصيب بحمى التجربة التركية ويريد أن يحكم، وكلهم اسمه العدالة زائد أى شيء، أو أى كلام والتنمية، ولا نحن نتحرك من مكاننا، ولا نهضة تحدث فى مصر المسكينة.
 
أعلى