mr_ops
بيلساني محترف
- إنضم
- Jan 12, 2010
- المشاركات
- 2,777
- مستوى التفاعل
- 38
- المطرح
- شامي
البعض مننا لا يتعظ ولا يشعر بالنعمة التي هو بها الى ان يفقدها .. بعد فقدانها يشعر كم كان يعيش بنعمة لا يعلم قيمتها .. وكثرة الدلال تفسد الطفل ومن شب على شيء شاب عليه ...
كانت والدتي هي الزوجة الثالثة والوحيدة التي بقيت مع والدي الذي أصبح في منتصف السبعينات وقد قطع الأمل في الإنجاب، لذلك عندما حملت والدتي وهي في الأربعين كاد فعلاً يموت من الفرحة، كاد قلبه يتوقف عندما سمع بالخبر، لذلك كانت فرحته وفرحة العائلة والفريج والمنطقة كلها التي أتت إلى منزلنا للتهنئة لا توصف، بقيت والدتي تسعة أشهر نائمة على ظهرها لا تتحرك والكل يخدمها حتى ولادتي كان والدي يمنعها من الحراك بعد أوامر الطبيب، وعندما ولدت عمت الأفراح والليالي الملاح منزلنا فالإنارة والموسيقا وفرق ألعياله بقيت لسبعة أيام . كان دائماً يحملني بين ذراعيه حتى وهو نائم لا يدع أحداً يهتم بي سواه، خاصة أنه جالس في المنزل بلا عمل شركته يديرها شاب من أقربائه يثق به ويحبه، يخرج لرؤية أصدقائه أو من تبقى منهم على قيد الحياة في أوقات نومي ويعود بسرعة حتى لا أستيقظ من رقادي ولا أجده بقربي، كان يأخذني إلى استوديو التصوير كل شهر مرة ويدون التاريخ على الصورة، كان مهووساً بي وكان دائماً يحتفل بكل شيء يخصني، بأول سن برز لي بأول خطوة خطوتها، بأول كلمة لفظتها، وبالطبع كانت بابا وليست ماما كعادة الأطفال بأعياد ميلادي . أول يوم في المدرسة يعني كان يعيش حياته من جديد كان ينظر إليّ وهو لا يصدق أنني ابنته وكانوا يقولون له لو كانت ولداً ماذا كنت فعلت؟ فكان يجيبهم إن شعرة من رأسها عندي بعشرة أولاد . . وطبعاً لا يلزم وضعي كثيراً من الشرح لتتصوروا كيف تربيت مع والد مثله فطلباتي مهما كانت تكون مستجابة حتى ولو كان لبن العصفور . ارتديت أجمل الملابس تلقيت علمي في أرقى المدارس لكنني لم أفلح لأن الدلال كان قد فعل فعله معي فلم أكن أسمع كلمة المدرّسات وإن وجهت لي إحداهن كلمة سيئة أرد عليها بعشر، لا أدرس في المنزل ولا أتابع في الفصل، إن طردت لا أهتم لأنني أعرف أن والدي في صفي دائماً سواء كنت أنا المخطئة أم لا . أساساً كان لا يهتم بموضوع الدراسة لأن الفتاة بنظره لا يهم إن درست أم لا فهي في النهاية ستتزوج وتجلس في المنزل وهذا الذي حصل . فقد زوجني وأنا في الخامسة عشرة للشاب الذي كان يدير أعمال شركته فهو من العائلة، صحيح أنه ليس ميسوراً مثلنا لكن الوالد رحمه الله كان يحبه لدماثة أخلاقه وكرمه ومحبة الناس له، فهو بالرغم من يتمه كان عصامياً وبدأ من الصفر فكان يعمل في المساء ليؤمن مصروفه إلى أن أنهى دراسته وحصل على شهادة تخوله الدخول في مجال الأعمال وإدارتها فكان بالنسبة إليه الولد الذي لم ينجبه، وأعتقد بأنه هو من عرض عليه أن يتزوجني، لا أدري، لكنه كان قد قرر أن يزوجني باكراً حتى يرى حفيداً له قبل أن يموت وكان يريدني أن أبقى معه في نفس المنزل أنا وزوجي فوجد فيه الشخص الأمثل بكل شيء . كان يفكر في مصلحتي أولاً وأخيراً لكنه لم يفعل خيراً معه إذ إنني لم أكن نعم الزوجة كنت أذله عند أسخف موقف وأقول له أنت تعيش في منزلي أنا لذلك سوف تفعل ما أريده، لقد ذبحت له القطة منذ الليلة الأولى كما يقال فقد كان يهابني، شخصيته كانت ضعيفة فهو قد تعلم الخضوع منذ وفاة والديه فكان لا يقول سوى نعم وحاضر لزوجة عمه التي استبدت به جداً ومن شب على شيء شاب عليه ومن ناحيتي كنت مستبدة أكثر منها، لا أدري من أين أتيت بهذه الأخلاق الشرسة كنت لا أرحمه فكان إن فعل شيئاً لا يعجبني أبدأ بتعنيفه والصراخ بوجهه فكان يفرك بيديه ولا يعرف بماذا يجيبني كان يذهب ويجلس بركن ما في المنزل فأتبعه لأكمل كلامي الجارح بحقه وهو يرتجف كالورقة، كنت أقول له كيف تتركني وأنا أكلمك وتأتي للجلوس هنا أنا لم أنه كلامي بعد، فيقول أنا آسف لكنني لم أقصد أن أفعل ما فعلت، أو يقول أنا لا أريدك أن تغضبي مني فأنا لا أعرف بماذا أجيبك أو أخاف أن أثير غضبك أكثر، لذلك أتركك علك تهدئين، فكان هذا يثير جنوني أكثر، وأحياناً كان إذا أثار غضبي كثيراً أهجم عليه كالمجنونة وأدفعه بيدي وأستفزه حتى إنني صفعته مرة فأمسك يدي وشعرت بأنه سيضربني لكنه لم يفعل، نعم أنا هكذا مجنونة طبعي سيئ جداً، كنت ألوم نفسي أحياناً عندما أهدأ وأفكر أنه لم يفعل شيئاً لتكون ردة فعلي قاسية لتلك الدرجة، لكنني أعود وأقول إن الحق كله يقع عليه فهو ضعيف الشخصية لماذا لم يوقفني عند حدّي منذ المرة الأولى، لماذا يسمح لي بالتمادي بتصرفاتي التي لا ترضي أحداً حتى والدي الذي كان دائماً بصفي؟ لكن عندما كنت أتمادى كان يؤنبني ويقول لي ليس هكذا تتصرف المرأة مع زوجها يا ابنتي حرام عليك فالزوجة يجب أن تكون مطيعة خاضعة لزوجها، هذا لا يجوز لكني كنت أضع اللوم عليه وأكذب قائلة إنه فعل كذا وكذا فيقتنع والدي مني ويصدقني ثم يذهب إليه لينصحه ويطلب منه أن يحتملني فما زلت صغيرة في السن ولا بد أن أتبدل مع الأيام، أنجبت من زوجي ولدين وبنت كانوا عشق والدي الحبيب لكنه كان قد أصبح طريح الفراش فكنت أحملهم إليه ليداعبهم ويقبلهم، وقبل أن ينتقل إلى جوار ربه طلب مني أن أجلس بقربه ففعلت وقبلته على رأسه قائلة هيا يا والدي يجب أن تقاوم المرض وتقوم من أجلي ومن أجل أولادي، فقال اسمعيني يا بنيتي أريد أن أوصيك بزوجك كوني هادئة وصبورة معه فهو إنسان رائع عامليه باحترام كما يستحق عديني يا ابنتي كي أموت وأنا مطمئن عليك وعليه، فوعدته بذلك وعندما مات شعرت بأنني فقدت كل شيء، فوالدي كان أحب وأغلى إنسان في حياتي أهملت عائلتي وغرقت في حزن عميق عليه كنت لا أفارق غرفتي لا أفعل شيئاً سوى البكاء إلى أن أتت والدتي يوماً وهي تقول يا ابنتي إن الذي تفعلينه لا يجوز، فالبكاء على الميت حرام ثم إن الحياة تستمر وهذا أمر الله وأنت لديك أطفال تراعينهم هيا يا حبيبتي قومي واغسلي وجهك واستهدي بالرحمن، كأنني تذكرت أن والدتي موجودة وهي من تبقى لي ويجب أن أهتم بها كي لا أفقدها هي الأخرى لا سمح الله، تبدلت كثيراً بعد وفاة والدي فتعلقت بأبنائي ووالدتي جداً، إلا إنني نسيت الوعد الذي قطعته لوالدي بشأن زوجي فكانت معاملتي له تتبدل من سيئ إلى أسوأ لا أدري لماذا كان يوترني هذا الإنسان مع أنه كان بمنتهى الرقة والطيبة معي ومع أولادنا ووالدتي كان يعاملها كأنها والدته لكنني لم أكن أحبه هكذا هادئاً مسالماً، كنت أحبه أن يكون رجلاً له مواقف يعرف كيف يوقفني عند حدي يأخذ قراراتنا بنفسه، كنت أشعر بأنني الرجل وهو المرأة تعبت منه ومللت تصرفاته الآلية، فهو يخرج في الصباح إلى العمل ثم يعود عند موعد الغداء يأكل وينام ثم يذهب مجدداً إلى الشركة حتى المساء فيعود ويستحم ثم يجلس مقابل التلفزيون أو يكمل عملاً لم ينجزه، لم يكن يحب الخروج من المنزل كنت أنا اصطحب الصغار أيام الجمعة إلى الخارج لنأكل ويلعبوا، إلى أن طفح الكيل من حياتي الروتينية معه فقررت أن أنفصل عنه . ثارت ثائرة والدتي فتجادلت معها وحلفت بأغلظ الإيمان إن أنا تركته سوف تبقى هي معه، صدمت بردها وقلت لها أتحبينه أكثر مني، قالت مجنونة أنت؟ كيف أحب أحداً أكثر منك؟ لكنني أشفق عليه هذا المسكين فلا أحد لديه نحن عائلته الوحيدة، ثم ماذا فعل معك لتتركيه هل لأنه يعاملك معاملة جيدة لا يرفع صوته بوجهك وكلامك عنده لا يتكرر يعشق أولاده وبيته؟ هل تريدين إنساناً يريك الويل يخونك أو يتزوج عليك؟ قولي لي ماذا تريدين؟ اسمعيني جيداً لقد تماديت فعلاً هذه المرة، فقلت لقد مللت هذه الحياة أنا ما زلت صغيرة أريد أن أخرج أن أسافر أن أسهر أفرح أعيش حياتي كما تعيش صديقاتي، فأجابتني إنه يعرض عليك موضوع السفر عدة مرات في السنة، لكنك ترفضين، قلت نعم لأنني لا أريد السفر معه فهو ممل أنت لا تفهميني، قالت ماذا تريدين أريد أن أفهم؟ أجبتها أريد الطلاق! صمتت لدقائق قبل أن تقول حسناً سأطلب منه أن يطلقك، لكنك أنت من ستخرجين من حياتنا لا تحلمي أن تأخذي الأولاد معك فهم سيبقون هنا معي ومع والدهم وأنت افعلي ما تريدين، صرخت بها قائلة أمي ماذا تقولين هؤلاء أولادي، قالت لن أسمح لك أن تجريهم معك لتحققي نزواتك وإن اضطررت سأقف بوجهك في المحكمة، والأهم من ذلك أنني سأغضب عليك في هذه الدنيا وفي الآخرة ففكري وقرري ماذا تريدين . أخذت في البكاء قائلة لو كان والدي حياً لما فعل مثلما تفعلين، قالت بل كان قد فعل أكثر من هذا صدقيني أنت لا تشعرين بالنعمة التي تعيشين فيها مع رجل مثله استهدي بالله يا ابنتي ولا تخربي منزلك، لكنني لم أرد عليها شعرت بأنها تتحداني وأنها تقف في صف زوجي، فصعدت إلى غرفتي وبدأت بتوضيب ملابسي في الحقيبة وصل زوجي ليجدني أوضب، فقال ماذا تفعلين؟ قلت أنا ذاهبة من هنا وكل ما أطلبه منك هو أن تطلقني، صعق المسكين وقال لماذا ماذا فعلت لو كنت قد أزعجتك بشيء فأنا آسف؟ قلت بقرف أنت غبي أم ماذا أين كرامتك؟ أين رجولتك؟ أنا أعاملك معاملة سيئة لأعوام وأنت لا تقف موقف رجل لتدافع عن كرامتك المهدورة ما بالك، أنا لا أستطيع أن أكمل معك فقد يئست منك، قال حسناً اجلسي واهدئي دعينا نتكلم والذي تريدينه سوف يكون، قلت أريد أن تطلقني ألا تفهم؟ وقف وللمرة الأولى قال لي لا لن أفعل . قلت ماذا؟ رددها لي لن أطلقك فأنت زوجتي وأنا أحبك . أجبته: ستطلقني غصباً عنك وإلا سأخرب الدنيا على رأسك، وصلت والدتي على صوتي وقالت له طلقها يا بني، فأجاب لكن يا عمتي كيف تطلبين مني هذا الطلب؟ قالت اسمع مني وطلقها فوقف حائراً بيني وبينها فقالت له تعال معي أريد أن أكلمك، عاد بعد دقائق ليقول لي: لأنني أحبك ولأن هذا ما تريدينه فأنا سأفعلها من أجلك أنت طالق .
أنا الآن أنتقل من فندق إلى آخر، بين صديقة وأخرى، أخرج كل مساء مع مجموعة من الفتيات نذهب إلى الكوفي شوب نتناول العشاء خارجاً يتبعنا كل ليلة شباب أشكال وألوان، شعرت بأنني أعيش نسيت أبنائي ووالدتي كنت فقط أكلمهم على الهاتف من وقت لآخر إلى أن تعرفت إلى شاب في مطعم وأرسل لي رقم هاتفه فبدأت علاقتي معه على الهاتف ثم بدأت أخرج برفقته غير عابئة بكلام الناس نسيت أنني أم انجرفت معه للآخر، أحببته وبدأت أغار عليه وفي يوم أضعته فكنت اتصل به وكان خطه خارج الخدمة طوال الليل وفي اليوم التالي ذهبت أنتظره قرب مكان عمله وبدأت أصرخ به فأمسكني من يدي وشد عليها حتى كاد يكسرها ثم قال إياك أن ترفعي صوتك بوجهي مرة أخرى، عدت أصرخ وأقول أيها الحقير سوف أدفعك الثمن غالياً ودفعته بيدي، فما كان منه إلا أن صفعني صفعة مدوية على وجهي ثم تركني واقفة مكاني والناس تنظر إليّ وذهب فأسرعت إلى سيارتي وانطلقت بها، كانت المرة الأولى التي يعاملني بها أحد بهذه الطريقة، ذهبت إلى المنزل الذي كنت قد أجرته مؤخراً وجلست أفكر وأبكي إلى أن رن هاتفي، رددت فسمعت صوته يقول هل هدأت أيتها المجنونة؟ قلت لماذا تتصل أنا لا أريد أن أسمع صوتك بعد اليوم، قال أنا قادم إليك وعندما أخبرك لماذا تصرفت هكذا ستعذرينني، قلت إياك أن تأتي قال والدي تعرض لحادث وهو في المستشفى وأنا كنت معه طوال الوقت وقد أتيت إلى المكتب لآخذ هاتفي الذي تركته هناك عندما خرجت على عجل هذه القصة، صمتت ولمت نفسي ثم قلت له حسناً أنا بانتظارك أتى وتصالحنا ثم ذهب إلى والده وعاد في المساء جلسنا نتسامر ففتحت معه موضوع الزواج مجدداً وكنا كالعادة جالسين نحتسي الكحول، فضحك وقال لي هل جننت يا امرأة أنا أتزوجك أنت؟ قلت أنت وعدتني ثم ألا تقول إنك تحبني؟ قال أي حب هذا أنت تعيشين في الأوهام حبيبتي ثم لو كنت أريد الزواج فأنا لن أتزوج واحدة مثلك، قلت مثلي ماذا تعني بمثلي؟ قال أنت مطلقة وأم ثم تخرجين معي من دون أي رادع أخلاقي والتي تترك أولادها ليس صعباً عليها أن تترك زوجها في المستقبل، ثم إنك متسلطة وعنيدة قوية ومستبدة وأنا أكثر ما أحبه في المرأة أنوثتها ورقتها لطفها ومحبتها وأنت لا تملكين شيئاً منها، شعرت عندها بأن الصفعة التي تلقيتها منه كانت لا شيء بالنسبة لكلامه فقد ذبحني، شعرت بجرح وألم فوقفت وقلت له أخرج من بيتي نظر إليّ بكل ثقة وقال أنت لا تستطيعين العيش بدوني، هيا اجلسي قلت: لن أكرر كلامي أخرج من بيتي ولا تعد إلى هنا أبداً .
في اليوم التالي وجدت نفسي أمام منزلي رأيت أولادي يلعبون في الحوش ووالدتي جالسة تراقبهم، وعندما رأوني ركضوا صوبي وهم يصرخون ماما وتمسكوا بي ركعت أرضاً أضمهم إلى صدري وأبكي، ثم توجهت نحو والدتي ورميت نفسي بين أحضانها أقبل يديها ورأسها وأطلب منها أن تسامحني، وفي تلك اللحظة وصل طليقي فترجل من سيارته ألقى السلام ودخل إلى المنزل، كنت كأنني أراه للمرة الأولى، رأيته رجلاً بكل ما للكلمة من معنى محترماً راقياً يسير واثقاً بخطواته، تبعته إلى الداخل وأنا أقول له كيف حالك؟ أجابني بخير والحمد لله وأنت؟ قلت أنا نادمة وأتيت إلى هنا لعلك تسامحني على ما اقترفته بحقك فهل تكون كما عهدتك وتفعل؟
أنا الآن نادمة، نادمة، نادمة على ما فعلت بكل جوارحي، ارتديت الحجاب، أصلي وأطلب المغفرة من الله وزوجي من والدتي وأولادي، أمي تقول إن الله رحيم غفور وإن تبت توبة نصوحاً فهو يقبلها، لكنني خائفة فقد حنثت بوعدي لوالدي الحبيب وأغضبت والدتي . تركت فلذات كبدي . هجرت زوجاً محباً طيباً وعشت حياة لا يرضاها الله وهو سامحني وأعادني، فكيف أسامح نفسي؟ أنا خاطئة جداً لكنني تائبة وأحاول التكفير عن ذنوبي صدقوني ولأكن عبرة لمن يعتبر .
منقول من جريدة الخليج الشباب للكاتبة مريم راشد