دستور مصر «6»

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
يبدو واضحًا من قراءة مسوَّدة الدستور التى قدمتها الجمعية التأسيسية للحوار المجتمعى أن الاتجاه العام الذى سيطر على توجهات واهتمامات القوى الفاعلة داخل الجمعية، هو تمكين الدكتور محمد مرسى من الهيمنة على السلطتين التشريعية والقضائية، فرئيس الجمهورية بموجب الدستور الجديد يتمتع بوضع أقوى من السلطة التشريعية، ففى حال الخلاف بينه وبين البرلمان، ينتهى الأمر لمصلحته بحل الأخير، فى حين كان يفترض أن مثل هذا الخلاف ينتهى فى حال إصرار الرئيس عليه، باستفتاء شعبى، ليكون الشعب هو الحكم باعتباره مصدر السيادة وصاحب الاختصاص الأصيل. لم يرد فى مسودة الدستور الدعوة إلى استفتاء شعبى لفك الاشتباك بين الرئيس والبرلمان، وأن الخلاف ينتهى بحل الرئيس للبرلمان. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل عمل الاتجاه الغالب فى الجمعية التأسيسية على تمكين الرئيس من تطويع السلطة القضائية والسيطرة عليها، بدأ ذلك بسلب الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية، حقها فى تسمية رئيس المحكمة وأعضائها، وجرى النص على إعادة المسؤولية إلى رئيس الجمهورية، كما كان الحال فى دستور ١٩٧١، وبذلك تكون الجمعية التأسيسية قد سلبت القضاء والمحكمة الدستورية العليا من مكسب أصيل حصلت عليه بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير بموجب الإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس العسكرى. أيضًا جرى النص على أن يكون دور المحكمة الدستورية العليا فى مراقبة مدى دستورية القوانين سابقًا على التشريع، لا لاحقا عليه، بمعنى أن دور المحكمة سيكون النظر فى مشروعات القوانين قبل إصدارها وإبداء الرأى فى مدى دستوريتها من عدمه، وينتهى دورها عند هذا الحد، وهو الأمر الذى يحول المحكمة الدستورية فى هذه الحالة إلى مجرد هيئة استشارية للسلطة، سواء كانت تشريعية أو تنفيذية. طبعًا رفض القضاة هذه النصوص وهددوا بالتصعيد فى حال عدم الاستجابة إلى مطالبهم، ولم تستجب الجمعية التأسيسية إلى مطالبهم، ويبدو أن الاتجاه السائد داخل الجمعية يصر على تهميش دور ومكانة السلطة القضائية عامة والمحكمة الدستورية العليا خاصة، وهو توجه بدا واضحًا فى محاولات مجلس الشعب على مدار عمره القصير تقييد دور محكمة الدستورية العليا، كما أن أقدام الأخيرة على الحكم بعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات، ومن ثم بطلان انتخابات مجلس الشعب برمته. كل ذلك أدى إلى حالة من التربص بالمحكمة، حيث كال تيار الإسلام السياسى الاتهامات للمحكمة، ورأى أن الحكم سياسى، وأن المحكمة اغتالت مجلس شعب الثورة وما هو بذلك على الإطلاق. وتبدو حالة التربص بالقضاء واضحة فى توجه جماعة الإخوان المسلمين، ومعها التيار السلفى إلى إلغاء رقابة وإشراف القضاء على الانتخابات، وهو أمر جرى التعبير عنه أكثر من مرة، وذلك بعد أن كانت الجماعة تحرص على دعم تيار استقلال القضاء، وترى فى دوره صمام الأمان لعدم تزوير الانتخابات من جانب السلطة التنفيذية. صحيح أن الإشراف القضائى لم يكن يضمن انتخابات نزيهة مئة بالمئة، حيث هناك تيار متعاطف مع الجماعة والإسلام السياسى عامة داخل القضاء، إلا أن الصحيح أيضًا أن الإشراف القضائى يعد خير ضمانة لعدم تزوير الانتخابات. بادرت الجماعة إلى طرح فكرة إنشاء مفوضية دائمة للانتخابات، وهو أمر تأخذ به الدول الديمقراطية فى العالم، فلا توجد سوابق كثيرة تعطى للقضاء مسؤولية الإشراف على الانتخابات، ولكن ذلك يكون فى الدول الديمقراطية المستقرة من ناحية والتى تفصل بين السلطات وتحافظ على التوازن بينها، ولكن فى الحالة المصرية نحن فى مرحلة تحول من نظام سلطوى استبدادى إلى بناء تجربة ديمقراطية، والأساس هنا هو إقامة توازن دقيق بين سلطات الدولة الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، فهذا التوازن الدقيق هو ما يضمن عدم طغيان سلطة -وتحديدا- التنفيذية على السلطتين الأخريين، ويكون ذلك عبر نصوص واضحة قاطعة فى الدستور الذى هو أبو القوانين والمسطرة التى تستخدم لقياس مدى دستورية ما يصدر من قوانين وتشريعات. ما ورد فى مسوّدة الدستور المطروحة للنقاش المجتمعى عبارة عن محاولة ممن كتبوا هذه المسوّدة لتمكين الدكتور مرسى من ممارسة صلاحيات مبارك فى مواجهة السلطتين التشريعية والقضائية، وهو ما تعارضه وتتصدى له القوى المدنية.
 
أعلى