دور رئيس وريادي للبربر في الفتح الإسلامي انتشار الإسلام في الأندلس (4)

The Hero

الأســــــــــــــطورة

إنضم
Jun 29, 2008
المشاركات
20,104
مستوى التفاعل
69
المطرح
في ضحكة عيون حبيبي
رسايل :

شكرًا للأشواك علَّمتني الكثيرَ

تناولنا في العدد الماضي دخول الإسلام إلى إسبانيا واعتناق الإسبان له، وتطرقنا في تلك الحقبة إلى رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم بفتح الأندلس، والتي تعد دليل إعجاز نبوي شريف، وفي هذا العدد نتناول الدور العظيم للبربر في فتح الأندلس.

ولقلة المادة العلمية فيما يتعلق بموضوع «انتشار الإسلام في الأندلس واعتناق الإسبان له»، حاولتُ الاستنارة بالأساليب السابقة التي اتبعها المسلمون في نشر الإسلام، مثل الشَّمال الأفريقي، والإجراءات المتخذة والصِّيَغ المُتّبَعة عادةً، المتمثَّلة - بجانب الخط العام - بالسلوك الكريم للفاتحين وغيرهم من المسلمين. ووَجَدْنا شُعُوباً بأكملها دخلت الإسلام وارتضته، عقيدةً وشريعة ومنهجَ حياة، وضَحَّت له أكثر مما هو مطلوب منها؛ إذْ نجد أن شعب الشَّمال الأفريقي مثل البربر والقبائليين وسكان الأطلسي والريف وغيرهم، أقبلوا كُلُّهم على الإسلام، خدموه وجاهدوا لأجله، حتى إنهم اتخذوا العربية لغةً أُمّاً بديلاً؛ ولذلك كان فاتحو الأندلس بقيادة طارق بن زياد (بربري من قبيلة نَفْزَة ومثله طَرِيف بن مالك)، كُلُّهم تقريباً من البربر، الأمر الذي طالبوا به الأمير موسى بن نُصَيْر والي الشمال الأفريقي، ليعوِّضوا ما فاتهم مِنْ خِدْمَة الإسلام.

تشويه الحقائق :

وهذه المآثر العالية تَبْقَى واقفة شامخة ناطقة، رغم ما جرى من تحريف لأحداث الفتح بإلقاء السواد القاتم عليها، مما يقود إلى إلغاء روائع التصرفات والتوجهات والتضحيات.

قيل في تعليل كثرة البربر في حملة طارق: مِنْ أَجْل أنَّ حملة فتح الأندلس تَـجْـرِبَـةٌ جديدة، دَفَـعَ العربُ البربرَ إليها، لو كان قتلاً يكون فيهم أو نصراً يذهبون بعدها لجني ثماره! وكان البربرُ يمثلون في حملة الفتح هذه الأغلبية الغالبة، حيث ذُكِرَ أن جُلَّ الجيش كان من إخواننا البربر، غير عدد قليل جداً من العرب الفاتحين القادمين من المشرق. الـمُـقِـل من المؤرخين جعل عدد العرب 29 نفراً والـمُـكْـثِـر 300 نَفَرٍ، كانوا مع جيش الفتح الأندلسي لتأدية واجبات الجهاد والقيام بالإرشاد الإسلامي والتفقيه، باعتبارهم قبلهم إسلاماً، وأَفْقَه من عمومهم.

مئات الفقهاء من البربر :

حُـبُّ البربر للإسلام أَظْـهَـرَ منهم فيما بعد مئات من الفقهاء والعلماء - حتى علماء اللغة والنحو والأدب شعراً ونثراً في مختلف الميادين والعلوم البحتة Science، بل منهم مَنْ كان من أئمة النحو والأدب العربي شعراً ونثراً.

أَيُّ حُبٍّ هذا الذي يجعلهم كذلك؟ إنه الإسلامُ منهجُ الله الكريم سبحانه وتعالى. كل ذلك يدل على أن كُـلَّ مَنْ دَخَـلَ الإسلامَ واعتنقه كان باختياره بإرادةٍ حرة، بل بحب عميق، مما يدل على نوعية هذا المنهج ونوعية مَنْ حَمَلَه إلى الآخرين، في كل مكان وزمان، منه في الأندلس.

بذلك يكمن القول: إن نحو 95% من مُـسْـلِـمـة الأندلس كانوا من أهل البلاد، مَـنْ لم يُسْلِم منهم، تَبنَّى باختيارٍ حُرٍّ ورغبةٍ عاداتِ أهله؛ المَسْكَن والمَلْبَس والمَأْكَل فضلاً عن الأسماء، حتى الخِتان Circomcision.

جهاد وعطاء:

لكن حقيقة السبب في كثرة البربر في هذا الجيش الفاتح للأندلس، هو أَنَّ وفداً أو وفوداً منهم أتت إلى الأمير موسى بن نُصَيْر - راجية وراغبة آملة الاستجابة لهذا الرجاء - لتقول له: «إن إخواننا المسلمين العرب أسبق إسلاماً منا، قَدَّموا للإسلام خَدَماتٍ وجهوداً وجهاداً كثيراً، بذلوا استطاعتَهم في خدمته وأعطوا له ما أمكنهم لم يَسْتَغْلُوا عليه نُفوسَهم بل استَقلُّوها، فضلاً عن أموالهم وجُهْدِهم، فَلْتُتِح لنا الفرصةُ».. وذلك لتأخرِهم عنهم في الالتحاق بركب هذا الموكب الكريم، تعويضاً لِمِا فاتهم، بإتاحة هذه الفرصة لهم في تولي هذا الجهاد، في حركة الفتح الأندلسي العظيم. وأتاح لهم موسى ذلك، مُرَحِّباً ومُعْجَباً بهذه الروح العالية والتي بانت واضحة في أحداث الفتح الأندلسي الكبير، والظاهر أن هذا حَدَثَ قبل الحملة الاستكشافِيّة التي قادها طَريف بن مالك (رمضان 91هـ/ 711م)، لا بد هنا من ملاحظتين:

أصل البربر:

والبربر تُعبِّر عن جنس من البشر، مثلما نقول: العرب والعجم والروم، ولا تحمل بحال ما أيَّ مدلول لغوي آخر وهذا ابن خَـلْـدُون (808هـ/ 1405م)، مِنْ سكان الشمال الأفريقي (تونس) عَنْوَنَ كِتابَه الشهير الكبير «الـعِـبَـرُ وديوانُ المبتدأ والخبر في أخبار العرب والعجم والبربر ومَنْ عاصرهم مِنْ ذَوِي السلطان الأكبر».

وإن الحياة الإسلامية مليئة بالأعلام نساءً ورجالاً بحاجة لِتُفْرَد ببحوث جامعية، والأمة المسلمة لديها منهم أكبر عدد ونوعية ومستوى رائع.

وقد جَرَتْ الاستعانةُ بالشواهد في هذا الموضوع (انتشار الإسلام في الأندلس واعتناق الإسبان له)، لمعرفة الأساليب التي اتُّبِعَتْ في ذلك؛ حيث مثلاً: أرسل الخليفةُ عمرُ بن عبدالعزيز (101هـ/ 720م) عشرةً من الفقهاء إلى الشَمال الأفريقي لبيان الإسلام سلوكاً وشَرْحِه وتقديمِه للناس والدعوةِ إليه بالحكمة والموعظة الحسنة الموروثة.

فقهاء لزموا الجهاد :

وكان لابد من ذكر أن الذين دخلوا الأندلس فاتحين كانوا يحملون الإسلامَ في ذواتهم وتربوا عليه، يقدمونه للناس بفقههم - وإن تفاوتوا فيه - وسُلُوكِهم وتعاملهم، تم ذلك برِفْقَةِ فقهاءٍ عُرِفُوا بعلمهم ومكانتهم والتزامهم، مما جعلهم يُعْتَبَرون مَرْجِعاً في ذلك يُسْتَفْتَوْنَ فيه، من مثل: التابعي الجليل حَنَش بن عبدالله الصَّنْعاني الشامي، دَخَلَ الأندلسَ مع موسى بن نُصَيْر (تابعي كذلك)، رافقه في الجهاد من البداية حتى النهاية، بقي فيه حتى وفاته سنة (100هـ/ 718م)، يُذْكَرُ أنَّ حَنَشَ بَنَى وهَنْدَسَ عِدّةَ مساجد أندلسية، يمكن بذلك أن نُسَمّيه «مهندس المساجد في الغرب الإسلامي». 20 تابعياً وذَكَرَ بعضُ مؤرخينا أنه دَخَلَ الأندلسَ أَحَدُ صغار الصحابة: المُنَيْذِر الأفريقي، الذي دَخَلَ الأندلسَ مع موسى بن نُصَيْر، وأنه رَوَى عن رسول الله [ حديثاً واحداً هو: «مَنْ قال: رَضِيتُ بالله رَبّاً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ [، فأنا الزعيم له، فلآخُذَنّ بيده، فلأُدْخِلَنَّهُ الجَنّةَ»، جَرَى إحصاءُ عَدَدِ التابعين الذين دخلوا الأندلس كانوا فوقَ عشرين تابعياً، جَمَعَهم كِتابٌ مفقود من تأليف العالم الحافظ القرطبي: ابن بَشْكُوَال (578هـ/ 1182م) «التنبيه والتعيين لمن دخل الأندلس من التابعين»(1).

ولابد إذن أن يكون ذلك كله ضمن العوامل التي تُسْهِم في العمل على انتشار الإسلام في إسبانيا، هذا إلى جانب ما يمكن القولُ: إن منهم مَنْ أَسْلَمَ قبل بداية الفتح الأندلسي، الذي يُسْتَنْتَجُ من مجيء حملة طَرِيف بن مالك (أبو زُرْعَة) الاستكشافية في رمضان سنة 91هـ/ 710م)، وبقاؤه في جنوب الأندلس ربما لأسابيع، لمعرفة الأحوال لعله بمعاونة مَنْ أسلم من أهل البلاد، قولوا مِثْلَ ذلك بالنسبة لحملة الفتح بقيادة طارق بن زياد، والمعركة التي قادها (28 رمضان سنة 92هـ/ نحو 20/7/711م)، فضلاً ولو بمقدار بالنسبة لحَمْلة موسى بن نُصَيْر في رمضان السنة التالية.

كتب التراجِم :

غير أنه من الصعوبة بمكان أَنْ نَعْرِفَ كُلَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أهل البلاد، إنما من خلال كتب التراجِم ما أمكن مِنَ الأعلام، إذا جَرَى ذِكْرُ نَسَبِه حتى ينتهي بذِكْرٍ مِنْ نَسَبُه الأعلى البعيد أو القريب، يدل على نصرانيته أو يهوديته أو غيرها.

وهذه واحدة من الوسائل التي تَمَّ اللجوء إليها في هذا الأمر، أمر اقتضى إنفاق نحو سنة كاملة، لجرد جميع كتب التَرَاجِم (الأعلام) الأندلسية المتوافرة، حيث أمكن جَمْعُ العَشَرات من هؤلاء بهذا الترتيب، جَرَى ذِكْرُ نَماذِجٍ منها في هذا البحث.

وثاني تلك الأمور أنه إذا ذُكِرَ ذلك حين الحديث عن حياة أحدهم مثل ابن حَزْمٍ الأندلسي، الذي يُذْكَرُ هنا قريباً أدناه، ثم القاضي مهدي بن مُسْلِم، الذي يشار إليه أنه من الأَسالِمَة أو المَسالِمَة (الذين دخلوا الإسلام ابتداءً من أهل البلاد)، مباشرة أو مُصاهرة مع أهل البلاد، نساءً ورجالاً وأطفالاً، تلك إذن مظاهر وعوامل وقضايا شاركت جميعاً في انتشار الإسلام، كلها في أصلها كانت ثمرة له.
 
أعلى