رحيـــــــل قتيبــــــة الشــــهــابــــي.. عــــاشـــــــق دمشــــــق ومـــؤرخــــــها

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
[h=3]عرفت د. قتيبة الشهابي في ثمانينيات القرن الماضي من خلال كتابه ( دمشق... تاريخ وصور ) وتعمقت هذه المعرفة عندما التقيته، غير مرة، في حينا الصالحية، ولم تزل صورته، يعتمر قبعة قش مدققاً عبر نظارته بالمعالم والأوابد الأثرية الكثيرة في حي المدارس، أحد أبرز أحياء الصالحية، ماثلة في خاطري إلى الآن... وكم كانت الفرحة تغمرني وأنا أتابعه وهو يدقق ويلامس ويصور معالم جامع الشيخ محي الدين، جامع الأتابكية، الجامع الجديد، جامع الشركسية، جامع الأفرم، بيمارستان قيمر، التكية السليمانية، التربة التكريتية، تربة النبي يونس، وغيرها...[/h] [h=3] عبر الجولات الميدانية التي كان يقوم بها بهمة ونشاط متميزين استطاع الشهابي أن يوثّق دمشق الخالدة بأحيائها وشوارعها وأبوابها وأسواقها ومساجدها ومآذنها ومدارسها وكنائسها وزواياها وتكاياها وأرباضها ومشيداتها وأضرحة الأعلام المدفونين فيها، مفصلاً بالكلمة والصورة نقوش تلك المعالم وكتاباتها وزخارفها، وقد صرف الكثير من الوقت والجهد ليوثق كل ذلك وجسدّه، لاحقاً، في مجموعة من الكتب المهمة التي ناف المطبوع منها على العشرين عدداً والتي لا يختلف اثنان أنها من المرجعيات المتميزة عن هذه المدينة العظيمة دمشق التي تضرب جذورها عميقة في التاريخ الإنساني والبشري...[/h] [h=3]لم تقتصر أبحاث الشهابي على دمشق فحسب بل شملت، إضافة إلى تآليفه العلمية الاختصاصية، سورية بأسرها التي منها بدأت الحضارة والتي ما زالت مواقعها الأثرية تتحدث عنها، تحكي بطولاتها وأمجادها ودورها في صنع التاريخ... وكما وثّقت مؤلفات الشهابي الحجر في جلها فقد وثقت سير البشر والأعلام في بعضها أولئك الذين أشادوا وبنوا فكانوا عباقرة وأباطرة، وكانوا رواداً وفاتحين... وفي بعضها الآخر تناولت، توثيقياً أيضاً، الحياة المجتمعية وأطرها التراثية الشعبية، إضافة للصراعات والحد من أطماع الفرنجة في المشرق العربي...[/h] [h=3]لقد كان الشهابي طبيب أسنان ولكن اهتمامه بالتأريخ والتراث جعله متميزاً، فكان كما وصفه الراحل عادل أبو شنب هاوياً بزّ المحترفين! ويرجع الشهابي ذلك إلى فطرة الإنسان وبيئته وتكوينه الطفولي وآلة التصوير الفوتوغرافي التي فاز بها وهو في العاشرة من عمره، وعلى مدى سنوات تأصل في وجدانه حب التراث فعمل على دراسته وإحيائه إيماناً منه أن التراث هو مقياس حضارة الأمم، وأصالة تاريخها وعنوان رقيها، فأمة بلا تراث تصبح أمة ( كاو بوي ) فلا شرف ولا رادع ولا ضمير ولا أخلاق...[/h] [h=3]كان د. قتيبة الشهابي كما يقول الصديق العزيز مازن صباغ من أوائل المستقبلين للسياح الذين يزورون دمشق، يزرع هوى الشام في قلوبهم يأخذ بيدهم ويطوف بهم في ربوع دمشق يزورون أوابدها التاريخية وروائعها المعمارية، يمشون في أسواقها، يقرؤون معاً النقوش المكتوبة على آثارها... يتأملون جمال طراز مساجدها ومآذنها، يستمعون معاً إلى القداديس والتراتيل من كنائسها وأديرتها يلتقطون معاً الصور التي توثق عرى الحب والعشق بين المدينة وأبنائها وزائريها... [/h] [h=3]وتشاء الأقدار أن يغادر الشهابي دمشق المدينة التي محضها حبه وعشقه ليلقى وجه ربه تاركاً عروسه متوجة عاصمة للثقافة العربية ولكن هاهي مدينة دمشق الوفية تحتفي به وتبارك إبداعاته فيها عبر ( مشاهير من دمشق ) لعادل أبو شنب، و(رجال رحلوا) لمازن صباغ. ومما يثلج الصدر أن مجلة (المعلم العربي) الصادرة في ربيع 2012 تزين باطن غلافها الأول بلوحة (بائع الفستق - 1957) للدكتور قتيبة الشهابي الذي اعتمد، في رسوماته، الأسلوب الواقعي الانطباعي ثم اتجه إلى الأسلوب التكعيبي الزخرفي. ولا ريب أن القادم من الأيام سيشهد تقديراً لهذا النابغة الذي كان وفاؤه لدمشق بحجم حبها، ولم لا وهي أقدم مدينة مأهولة في التاريخ.[/h]
 
أعلى