رسالةٌ من عمياء ..!!

آلبتول

أدميرال

إنضم
Jul 5, 2008
المشاركات
10,067
مستوى التفاعل
172
المطرح
من جزيرة العرب وبقايا بخور فرنسي !!
رسايل :

قد أكون ... فراشة تحلق في السماء ولكن في الحقيقة ... ألسع كالنحلة!






- اجعلي الخط Traditional Arabic، الحجم مقاس أربعة، ونوع الخط عريض .. واللون، امممم .. أزرق ..
- تقول رسالة أن هناك خطأ، وعليك التأكد من (الأكواد)* ..
- أوه عزيزتي، هناك علامة حمراء، اضغطي عليها ..
- حسنا، .. نعم حُلت المشكلة ..
- هل راجعتِ الأخطاء، تأكدي من الهمزات والتنوين؟ فكم أكره الكتابة المشوّهة.
- نعم، لم تكن هناك أخطاء كثيرة، ماشاء الله عليكِ .. هل أقرأها عليكِ لتتأكدي ؟
- ...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
قررتُ كتابة رسالتي هذه بعد عامين من إصابتي، لعلّي أرمي حجرًا في بحر إضطرابي. لا أدري كيف سأشعر بعد إنتهائي من طباعة هذه الكلمات، لكنني سأغامر، إن خيرًا أم شر، وآمل أن يكون خيرًا ..
طلبت من أختي تشغيل الحاسب الآلي الخاص بي، حاسوبي الذي كنتُ أقضي عليه جلّ وقتي، لم أعد حتى قادرة على إدارته ..!
فتحتْ محرر الكتابة، وها أنذا بدأتُ في الطباعة، أحاول أن أتذكر أماكن الأحرف .. يا إلهي لقد بدأ الألم يغرس مخالبه في قلبي وأنا لم أكتب شيئا بعد .. أين هي الأحرف ..؟
أين هي مهارتي في الطباعة؟ كنتُ سريعة جدًا فيها، لدرجة أن إحدى صديقاتي كانت تطلبني مهلة لترد علي أثناء محادثاتنا على المرسال. لا زلت أذكر بعضها .. الذال هناك في أقصى يسار لوحة المفاتيح لن أضيعه، و التاء والباء متميزان بنتوء ألمسه الآن فأعرف على أي مناطق اللوحة تجول أناملي. عموما، أختي ستصحح أخطائي، هل يجب أن تتألمي من كل شاردة و واردة..؟

ماذا أريد؟ نعم، لقد استجمعت بقايا أشلاء شجاعتي، لأحادث الناس الذين عرفتهم هنا في عالمي الافتراضي هذا .. أتساءل لم يسمونه افتراضيا؟ لقد كنت أعيش فيه عالما حقيقيا.

حياتي الجديدة، أو بالأصح ما يسمى مجازًا بحياة، هي ظلمات تحيط بي تخنقني خنقا .. كلاّ لن تستطيعوا تصوّر ذلك .. تلك الظلمة التي تبطش بعينيّ تكاد تهلكني. في أيام إصابتي الأولى كنتُ أمر بحالة هستيرية، أكاد أُجن وأنا أفتح عيناي علّ الضوء يصلني، أفتحهما بقوة، لا ضوء .. لا نور .. لا ألوان، أفتحهما أكثر ..

أمد يدي وأوسِع جفناي أكثر فأكثر، يؤلمني لسع الهواء البارد لباطن الجفن، وأشعر بجلدهما يكاد يتشقق، لا أمل، فأتوقف .. وأغرس وجهي في وسادتي أطفئُ بعض وجعي بالنشيج إلى أن أنام ..

ليس هناك جديد، سوى أن سمعي أصبح مرهفا، مرهفا لدرجة أني أسمع الآهة المختبئة في ثنايا حديث من يكلمني ..

سبحان الله، صديقاتي كنّ ينعتنني بالمستمعة الجيدة، واليوم غدوتُ مستمعة وكاشفة آلام .. ياله من تشبيه. إن التأوه من الألم الجسدي يختلف عن التأوه لألم نفسي، الأول سطحي النغمة، متنافرُها. أما الثاني فعميق، عميقٌ جدًا ..
صوت أمي مليء بهذه التأوهات، يزداد عمقها حين تواجهني وتنظر إلي ..

أصبح الصوت الحلقة الباقية من سلسلة عملياتٍ حيوية تربطني بالحياة، لم أكن أقدّره كما أفعل الآن. وفي نهاية السنة الأولى من إصابتي، صرت أضع البصر والسمع في كفتيّ مقارنة، أيّهما أعظم .. يالغبائي حين تصورتُ أن هذا مما يُقاس..!

هل أصبحتِ عالة ..؟
يقتلني هذا السؤال .. فطالما كنت مستقلة بالكثير من جوانب حياتي، حاولت ذات ليلة رفض هذا السؤال، كنتُ أصيح في داخلي: لا .. لا .. لا لستُ عالة على أحد، لكن هذا الرفض انتهى بدويِّ اصطدامي بالعامود الخرساني في منتصف غرفة المعيشة ثم تعثري بالعتبة التي نسيتها مع غمرة اندفاعي، فإصابة يدي بشُعرٍ شديد .. أحسست بالعجز التام وهو يتجمعون حولي. لم يعد بقدرتي رفض السؤال، فمجرد هروبي من شفقة الآخرين يوقعني في موقف شفقة أكبر ..
كنت فيما مضى من حياتي المضيئة، أتعجب من الهدوء الذي يكتسي به الأعمى، أدركته الآن، هو ليس سوى هدنة يعقدها مع نفسه، كـالقشة التي يتعلق بها الغريق، آخر وسائل التمسك بالحياة ..!

يالِ هذه الحياة، نعشقها رغم شناعتها عندما تمتليء بالآلام .. الآن فقط فهمت كيف كان يشعر المعرّي حين قال: تعبٌ هي الحياة فما // أعجب إلا لراغبٍ في ازدياد ..

هما حقبتان نفسيتان أمر بهما بالتبادل أحيانا، أو كيفما اتفق، أو في بعض الأحايين نتيجةً لكلمة أو موقف يرفعني عاليا ثم يقذف بي إلى ساحق بعيد ..!

حقبة هدوء، أصبح فيها صامتة حدّ الفراغ، هامدة حدّ الموت. أؤدي صلواتي ثم أعود لسريري وأتمدد .. أستمع بصمت لموجات الصوت حولي، شغب إخوتي من بعيد، ثم صوت أبي يدخل إلى البيت قادما من عمله، يسلم عليهم ثم

يعرّج إلي، أقوم في صمت مقبلةً رأسه كعادتي، فيقبّل ما بين عينيّ، ويسألني عن حالي ..
- الحمدلله ..
كان أحيانا يبثّني بعض عبارات التصبير والمواساة، مصحوبة بضمة إلى صدره، لكن ذلك كان أكثر ما يثير بكائي، فلم يعد يفعله معي كثيرا.

وأعود لصمتي و وحدتي، أبدأ في تذكر تفاصيل وجهي، كيف ياترى أصبح شكلي؟ هل ظهرت هالات سوداء حول عينيّ، لا أحب ذلك حقا. تقول أختي أن أهدابي طويلة، وافقتها في نفسي، كيف لا تطول وأنا أتعهد سقيَها كل ليلة ونهار مرةً واحدة على الأقل!

أستحضر كل الصور التي كنت أعشق مشاهدتها، ومن أعرف من الأشخاص المحببين إلي. الملامح، إنها شيء مهم جدًا جدًا الآن، شعرت بسعادة حين غافلتهم في يوم عقيقة ابن خالتي، كان المولود في حضني، أهدهده برفق لينام،

مددتُ يداي بصمت إلى وجهه وتلمّستُ ملامحه، أنفه حاد بعض الشيء، تذكرت خالتي، سيشبهها ربما، فمه لم أستطع رسمه في مخيلتي فهو يحسبني حين ألمس فمه بإصبعي أمه اقتربت ترضعه، فيسارع إلى التقامه، ضحكتُ من ذلك.

ثم حقبة التفاؤل، هي بقايا أصلي القديم في بغض التشاؤم، حينها يصبح قول الرسول - صلى الله عليه وسلّم - في الحديث القدسي: (( من أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثوابا دون الجنة )) يصبح كـدندنة تتجاوب في داخلي.

في مثل هذه الفترات، أسعى إلى تعلّم لغة برايل، لتكون لي عونا فيما لو قدّر الله لي عمرًا طويلا، لكن ذلك لم يبهجني، ولم يكسر قيد وحدتي، فبين كل ما أريد قراءته من كتب، لا يوجد ما هو مكتوبٌ بهذه اللغة ..!

كدتُ أنسى، لقد تقدم لخطبتي أحد الأشخاص، ضحكت، ليس جذلا بهذا الخبر السعيد، بل لأن إجابة تساؤلي: مالذي يريده من الزواج بي؟ والتي لم يتفوه بها أحد، كانت: يريد أن ينال من وراءك ثوابا ..

لملم شفقتك أيها الفارس المتفضِّل، لا زالت ثمة حصون باقية حول كرامتي. يرى بعضهم أن الشفقة بعضُ مداخل الحب! لكني لا أرى ذلك، فالشفقة شعور إنساني باحث عن الكمال، يريد إرضاء رغبة ذاتية في العطاء والعطف.

حسنا، لا بأس بذلك لكن لا أريد أن يعطف علي أحدهم، ثم يكتشف في يوم بعد ذلك من روحي و صفاتي ما يجعله يحبني! تبّا لك يا ابن بُرد، لم أطلقت جملتكَ تلك..!

لا زالت فترة الاستيقاظ من النوم هي الأشد على نفسي. في غرفتي التي ذات النوافذ الكبيرة، والستائر البيضاء الخفيفة،

والتي كانت أمي دائما ما تطالبني بتظليلها حتى أنعم بنوم عميق هادئ، فأرفض وأخبرها بأن ضوء الشمس لم يكن يوما مصدر إزعاج، وكيف له أن يكون. أما اليوم فأفتح عينيّ منتظرةً الضوء، فأصطدم بالظلام، أشعر بقلبي يتوقف لثوان ثم أعيي حقيقة كوني عمياء ..

استيقظت اليوم وقد رأيت رؤيا جميلة في منامي، أجسامٌ نورانية حولي، ومرج كبير مدّ البصر، ذو لون أخضرٍ عشبي يبهج النفس .. ماهؤلاء؟ أهم الملائكة، هل قامت القيامة؟

مشيت و مشيت، ثم بدأت أحثّ خطواتي مسرعة وهي تغوص حافية في ما يماثل القطن لينًا ونداوة .

رأيت جدولاً صغيرًا، فعطشت لمرآه، وتوجهتُ إليه .. وإذِ انحنيت لأشرب، سمعت صوتا حذائي،

التفت وإذا بشيخٍ كبير، لم أرَ من هو أجمل منه طلعة .. يبدو نظيفا، منعّما، كالحكماء في الأساطير القديمة ..

نظر إلى الأفق بهدوء وقال: لم تخسري هناك كثيرًا، فالضياء في دواخلنا ..

__________________

* الكود أو الوسم: أمر شائع في وقتنا، يستخدم في تحرير الكتابة على الشبكة الدولية.



لـ منى عبدالله
 

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
الله لا يفقد بصيرة شخص ولازم على الأشخاص أن لا ييأسوا اذا كان الشخص أعمى فيرى الظلام وأنا أعتقد أن في قلبه يرى نوراً ساطعاً
هي حال الدنيا الله خلق الفقير و الغني و المريض و السليم و القوي و الضعيف .

شكراً على الموضوع :24:
 

إنضم
Oct 19, 2011
المشاركات
1,991
مستوى التفاعل
15
المطرح
عالمــــ مجهولــــ
اعجبتني حتى ادمعت عيني لجمال هذا الرساله ~

سلمت لنا اناملك انين الصمت
 

ندى القلب

المحاربين القدماء

إنضم
Jul 14, 2009
المشاركات
16,493
مستوى التفاعل
151
رسايل :

كالسجناء نلتقي وعيوننا معلقة على الزمن الهارب _ العائم مثل طائرة ورقية يلهو بها طفل لا مبال

قصه رائعه...........فعلا الضياء من دواخلنااا


يسلموو انين
 
أعلى