م`ـلِـكَـةْ أَلْإِح`ـسَآسْ
بيلساني محترف
- إنضم
- Mar 21, 2009
- المشاركات
- 2,810
- مستوى التفاعل
- 50
- المطرح
- بقلبـــMـهـــِ}...!
الحمدلله الذي امتنّ على عباده الصائمين فأعظم علهم المٍنّة ، وجعل الصوم لهم وٍجاء وجٍنّة
واختصّهم بجنة عظمى ليست كسائر الجنة ، بابها الريّان حيث أسرارالنعيم مستكنّة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الناس والجٍنّة و أشهد أن محمداً عبده ورسوله ، خير من صام مفترضاً أو تنفّل سنة ، واتبعته نفوس مؤمنة ، فصارت باتباعه زكية مطمئنة ، صلى الله عليه وسلم ما صام صائم و استنّ مؤمن بسنة وعلى آله وصحبه المقربين السابقين إلى الجنة .
وبعد :
فهذا ما يسر الله تعالى لي جمعه وترتيبه مما يتعلق بركن الصيام ، قصدت فيه تتّبع فضائله وأسراره حتى إذا صار الصدر بانشراح لما يٌرام ، عزمت متوكلةً على الله سبحانه ولٌوج هذه الصفحة محبةً بإخواني أهل الصيام
وقد جمعت ذلك ورتبته ثم سميته بعون الله _ (الصوم جٌنّــــــة) _ تيمّناً بحديث من أوتي جوامع الكلم _ صلى الله عليه وسلم _ فيما أخبر عن ربه سبحانه : (( يقول الله عزوجل : الصوم لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وأكله
وشربه من أجلي ، والصوم جٌنّـــة ، وللصائم فرحتان : فرحة حين يفطر ، وفرحة حين يلقى ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ))
الصيام لغة :
يطلق الصيام ويقصد به مطلق الإمساك أي التوقف عن كل فعل أو قول والصائم إنما سمّي كذلك لإمساكه عن شهوتي البطن والفرج والمسافر اذا توقف عن سيره سمي صائما والصامت عن الكلام صائم
ومنه قوله تعالى : (( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيّا )) سورة مريم
وكذا الفرس اذا أمسكت عن العلف فهي صائم
وصوم الماء ركوده
وصوم الريح توقفها
وصوم الشمس استوائها في كبد السماء قبيل الزوال عند انتصاف النهار
فائدة في معنى شهر رمضان :
هو علم جنس مركب تركيبا إضافيا وكذا باقي أسماء الشهور وهي من حيّز علم الجنس ، وهو ممنوع من الصرف
للعلمية والزيادة ، وهو من الرّمض ، وهو الاحتراق ، سمّي بذلك لاحتراق الذنوب فيه ، أو هو من الرمض كذلك
ومعناه : شدة العطش ، لأن الإبل يشتد عطشها فيه .
أما الشهر فلأهل اللغة فيه قولان : أشهرهما : أنه اسم لمدة الزمان التي يكون مبدؤها الهلال ظاهرا إلى أن يستتر ، وسمّي الشهر بذلك لشهرته في حاجة الناس إليه في المعاملات ، والثاني : أنه اسم للهلال
نفسه ، كما قال الزجّاج .
][®][^][®][أسرار الصوم وآدابه][®][^][®][
وللصوم ثلاث مراتب : صوم العموم , وصوم الخصوص , وصوم خصوص الخصوص.
فأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
وأما صوم الخصوص فهو كف النظر, واللسان ,واليد , والرجل , والسمع , وسائر الجوارح عن الآثام.
وأما صوم خصوص الخصوص فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة , والأفكار المبعدة عن الله تعالى, وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية.
فمن آداب صوم الخصوص : غض البصر , وحفظ اللسان عما يؤذي من كلام محرم أو مكروه, أو ما لا يفيد, وحراسة باقي الجوارح.
وفي الحديث من رواية البخاري , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من لم يدع قول الزور والعمل به, فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).
ومن آدابه : أن يمتلىء من الطعام في الليل, بل يأكل بمقدار الكفاية, فإنه ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن. ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه في باقيه, وكذلك إذا شبع وقت السحر لم ينتفع بنفسه إلى قريب من الظهر, لإن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور, ثم يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل, لأن المراد منه أن يذوق طعم الجوع, ويكون تاركا للمشتهى.
فأما صوم التطوع, فاعلم أن استحباب الصوم يتأكد في الأيام الفاضلة, وفواضل الأيام بعضها يوجد في كل سنة كصيام ستة أيام من شوال بعد رمضان, وكصيام يوم عرفة, ويم عاشوراء, وعشر ذي الحجة, والمحرم.
وبعضها يتكرر في كل شهر, كأوله, وأوسطه, وآخره, فمن صام أول الشهر وأوسطه وآخره, فقد أحسن, غير أن الافضل أن يجعل الثلاثة أيام البيض.
وبعضها يتكرر في كل أسبوع, وهو يوم الاثنين والخميس.
وأفضل صوم التطوع صوم داود عليه السلام, كان يصوم يوما ويفطر يوما, وذلك يجمع الثلاثة معان:
احدهما : أن النفس تعطي يوم الفطر حظها, وتستوفي يوم الصيام تعبدها, وفي ذلك جمع بين ما لها وما عليها, وهو العدل.
والثاني : أن يكون الاكل يوم شكر, ويوم الصوم يوم صبر, والايمان نصفان : شكر وصبر.
والثالث : أنه أشق على النفس في المجاهدة, لأنها كلما انست بحالة نقلت عنها.
~*¤ô§ô¤*~سنن الصوم~*¤ô§ô¤*~
يستحب السحور, وتأخيره, وتعجيل الفطر, وأن يفطر على تمر.
ويستحب الجود في رمضان, وفعل المعروف, وكثرة الصدقة, اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويستحب دراسة القرآن, والاعتكاف في رمضان وسيما في العشر الأواخر, وزيادة في الاجتهاد فيه.
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأخير, شد مئزره, وأحيا الليل, وأيقظ أهله. وذكر العلماء في معنى شد المئزر وجهين:
أحدهما : أنه الإعراض عن النساء.
الثاني : أنه كناية الجد والتشمير في العمل. قالوا : وكان سبب اجتهاده في العشر طلب ليلة القدر.
1. صوم رمضان:
قال تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:18].
وقال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:185].
قال الطبري: "﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ﴾ فرض عليكم الصيام" [1].
2. قضاء أيام رمضان:
قال تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:185].
3. صوم المتمتع والقارن في الحج إذا لم يجدا الهدي:
أما المتمتع فلقوله تعالى: ﴿فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة:196].
4. كفارة الحلق في الحج على التخيير:
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة:196].
5. جزاء قتل الصيد للمحرم على التخيير:
قال تعالى: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّداً فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ أَوعَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ﴾ [المائدة:95].
6. كفارة القتل على الترتيب-:
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيم﴾ [النساء:92].
7. كفارة اليمين على الترتيب-:
قال تعالى: ﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلاْيْمَـٰنَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:89].
8. كفارة الظهار على الترتيب:
قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ c فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المجادلة:3، 4].
9. صيام النذر:
قال تعالى: ﴿يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِير﴾ [الإنسان:7].
خاتمة
وفيها بيان حقيقة الصوم ومصالحه وكمال هدي المصطفى _ صلى الله عليه وسلم _ فيه
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : (( لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها المألوفات ، وتعديل قوتها الشهوانية ، لتستعدّ لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها ، وقبول ما ما تزكو به مما فيه حياتنا الأبدية
ويكسر الجوع والظمأ من حدّتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين ويضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب ويحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجٌنّـة المحاربين
ورياضة الأبرار والمقربين وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئا وإنما يترك شهوته
وطعمه وشرابه من أجل معبوده فهو ترك محبوبات النفس وتلذذ ذاته إيثاراً لمحبة الله ومرضاته فهو سر بين العبد وربه لا يطّلع عليه سواه والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة فهو أمر لا يطّلع عليه بشر
وذلك حقيقة الصوم .
وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي اذا استولت عليها أفسدتها و استفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )
وقال النبي _ صلى الله عليه وسلم _ " الصوم جٌنّــــة " وأمر _ صلى الله عليه وسلم _ من اشتدت عليه شهوة النكاح _ ولا قدرة له عليه بالصيام _ وجعله وجاء هذه الشهوة
والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإساناً إليهم وحمية لهم وجٌنّــة وكان هدي رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ فيه أكمل الهدي وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس ....
والان إني أسأل الله تعالى أن يجعل ما كتبت ونقلت خالصاً لوجهه الكريم وأن يثقّل به ميزان حسناتي
ووالديّ وللمؤمنين والمؤمنات وأن ينفعني وينفع به كل النفع إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأميّ الرحمة المهداة والنعمة المسداة وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار والتبعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .
واختصّهم بجنة عظمى ليست كسائر الجنة ، بابها الريّان حيث أسرارالنعيم مستكنّة ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الناس والجٍنّة و أشهد أن محمداً عبده ورسوله ، خير من صام مفترضاً أو تنفّل سنة ، واتبعته نفوس مؤمنة ، فصارت باتباعه زكية مطمئنة ، صلى الله عليه وسلم ما صام صائم و استنّ مؤمن بسنة وعلى آله وصحبه المقربين السابقين إلى الجنة .
وبعد :
فهذا ما يسر الله تعالى لي جمعه وترتيبه مما يتعلق بركن الصيام ، قصدت فيه تتّبع فضائله وأسراره حتى إذا صار الصدر بانشراح لما يٌرام ، عزمت متوكلةً على الله سبحانه ولٌوج هذه الصفحة محبةً بإخواني أهل الصيام
وقد جمعت ذلك ورتبته ثم سميته بعون الله _ (الصوم جٌنّــــــة) _ تيمّناً بحديث من أوتي جوامع الكلم _ صلى الله عليه وسلم _ فيما أخبر عن ربه سبحانه : (( يقول الله عزوجل : الصوم لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وأكله
وشربه من أجلي ، والصوم جٌنّـــة ، وللصائم فرحتان : فرحة حين يفطر ، وفرحة حين يلقى ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ))
الصيام لغة :
يطلق الصيام ويقصد به مطلق الإمساك أي التوقف عن كل فعل أو قول والصائم إنما سمّي كذلك لإمساكه عن شهوتي البطن والفرج والمسافر اذا توقف عن سيره سمي صائما والصامت عن الكلام صائم
ومنه قوله تعالى : (( إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيّا )) سورة مريم
وكذا الفرس اذا أمسكت عن العلف فهي صائم
وصوم الماء ركوده
وصوم الريح توقفها
وصوم الشمس استوائها في كبد السماء قبيل الزوال عند انتصاف النهار
فائدة في معنى شهر رمضان :
هو علم جنس مركب تركيبا إضافيا وكذا باقي أسماء الشهور وهي من حيّز علم الجنس ، وهو ممنوع من الصرف
للعلمية والزيادة ، وهو من الرّمض ، وهو الاحتراق ، سمّي بذلك لاحتراق الذنوب فيه ، أو هو من الرمض كذلك
ومعناه : شدة العطش ، لأن الإبل يشتد عطشها فيه .
أما الشهر فلأهل اللغة فيه قولان : أشهرهما : أنه اسم لمدة الزمان التي يكون مبدؤها الهلال ظاهرا إلى أن يستتر ، وسمّي الشهر بذلك لشهرته في حاجة الناس إليه في المعاملات ، والثاني : أنه اسم للهلال
نفسه ، كما قال الزجّاج .
][®][^][®][أسرار الصوم وآدابه][®][^][®][
وللصوم ثلاث مراتب : صوم العموم , وصوم الخصوص , وصوم خصوص الخصوص.
فأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة.
وأما صوم الخصوص فهو كف النظر, واللسان ,واليد , والرجل , والسمع , وسائر الجوارح عن الآثام.
وأما صوم خصوص الخصوص فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة , والأفكار المبعدة عن الله تعالى, وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية.
فمن آداب صوم الخصوص : غض البصر , وحفظ اللسان عما يؤذي من كلام محرم أو مكروه, أو ما لا يفيد, وحراسة باقي الجوارح.
وفي الحديث من رواية البخاري , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من لم يدع قول الزور والعمل به, فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).
ومن آدابه : أن يمتلىء من الطعام في الليل, بل يأكل بمقدار الكفاية, فإنه ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطن. ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه في باقيه, وكذلك إذا شبع وقت السحر لم ينتفع بنفسه إلى قريب من الظهر, لإن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور, ثم يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل, لأن المراد منه أن يذوق طعم الجوع, ويكون تاركا للمشتهى.
فأما صوم التطوع, فاعلم أن استحباب الصوم يتأكد في الأيام الفاضلة, وفواضل الأيام بعضها يوجد في كل سنة كصيام ستة أيام من شوال بعد رمضان, وكصيام يوم عرفة, ويم عاشوراء, وعشر ذي الحجة, والمحرم.
وبعضها يتكرر في كل شهر, كأوله, وأوسطه, وآخره, فمن صام أول الشهر وأوسطه وآخره, فقد أحسن, غير أن الافضل أن يجعل الثلاثة أيام البيض.
وبعضها يتكرر في كل أسبوع, وهو يوم الاثنين والخميس.
وأفضل صوم التطوع صوم داود عليه السلام, كان يصوم يوما ويفطر يوما, وذلك يجمع الثلاثة معان:
احدهما : أن النفس تعطي يوم الفطر حظها, وتستوفي يوم الصيام تعبدها, وفي ذلك جمع بين ما لها وما عليها, وهو العدل.
والثاني : أن يكون الاكل يوم شكر, ويوم الصوم يوم صبر, والايمان نصفان : شكر وصبر.
والثالث : أنه أشق على النفس في المجاهدة, لأنها كلما انست بحالة نقلت عنها.
~*¤ô§ô¤*~سنن الصوم~*¤ô§ô¤*~
يستحب السحور, وتأخيره, وتعجيل الفطر, وأن يفطر على تمر.
ويستحب الجود في رمضان, وفعل المعروف, وكثرة الصدقة, اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويستحب دراسة القرآن, والاعتكاف في رمضان وسيما في العشر الأواخر, وزيادة في الاجتهاد فيه.
وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأخير, شد مئزره, وأحيا الليل, وأيقظ أهله. وذكر العلماء في معنى شد المئزر وجهين:
أحدهما : أنه الإعراض عن النساء.
الثاني : أنه كناية الجد والتشمير في العمل. قالوا : وكان سبب اجتهاده في العشر طلب ليلة القدر.
1. صوم رمضان:
قال تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:18].
وقال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة:185].
قال الطبري: "﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ﴾ فرض عليكم الصيام" [1].
2. قضاء أيام رمضان:
قال تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة:185].
3. صوم المتمتع والقارن في الحج إذا لم يجدا الهدي:
أما المتمتع فلقوله تعالى: ﴿فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ [البقرة:196].
4. كفارة الحلق في الحج على التخيير:
قال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة:196].
5. جزاء قتل الصيد للمحرم على التخيير:
قال تعالى: ﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّداً فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ أَوعَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ﴾ [المائدة:95].
6. كفارة القتل على الترتيب-:
قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيم﴾ [النساء:92].
7. كفارة اليمين على الترتيب-:
قال تعالى: ﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِى أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلاْيْمَـٰنَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة:89].
8. كفارة الظهار على الترتيب:
قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِن نّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ c فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المجادلة:3، 4].
9. صيام النذر:
قال تعالى: ﴿يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِير﴾ [الإنسان:7].
خاتمة
وفيها بيان حقيقة الصوم ومصالحه وكمال هدي المصطفى _ صلى الله عليه وسلم _ فيه
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : (( لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها المألوفات ، وتعديل قوتها الشهوانية ، لتستعدّ لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها ، وقبول ما ما تزكو به مما فيه حياتنا الأبدية
ويكسر الجوع والظمأ من حدّتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين ويضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب ويحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجٌنّـة المحاربين
ورياضة الأبرار والمقربين وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئا وإنما يترك شهوته
وطعمه وشرابه من أجل معبوده فهو ترك محبوبات النفس وتلذذ ذاته إيثاراً لمحبة الله ومرضاته فهو سر بين العبد وربه لا يطّلع عليه سواه والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة فهو أمر لا يطّلع عليه بشر
وذلك حقيقة الصوم .
وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي اذا استولت عليها أفسدتها و استفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )
وقال النبي _ صلى الله عليه وسلم _ " الصوم جٌنّــــة " وأمر _ صلى الله عليه وسلم _ من اشتدت عليه شهوة النكاح _ ولا قدرة له عليه بالصيام _ وجعله وجاء هذه الشهوة
والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإساناً إليهم وحمية لهم وجٌنّــة وكان هدي رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ فيه أكمل الهدي وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس ....
والان إني أسأل الله تعالى أن يجعل ما كتبت ونقلت خالصاً لوجهه الكريم وأن يثقّل به ميزان حسناتي
ووالديّ وللمؤمنين والمؤمنات وأن ينفعني وينفع به كل النفع إنه سميع مجيب وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد النبي الأميّ الرحمة المهداة والنعمة المسداة وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار والتبعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .