mr_ops
بيلساني محترف
- إنضم
- Jan 12, 2010
- المشاركات
- 2,777
- مستوى التفاعل
- 38
- المطرح
- شامي
زوجتي الحبيبة
أحيانا تقرأ قصصاً ومذكرات شخصية فتكاد لا تصدقها، لكن حياتنا في حقيقتها أكثر غرابة حتى من أفلام الخيال التي نشاهدها في قاعات السينما، حياتنا حافلة بقصص ومواقف وأحداث غريبة عجيبة قصتنا اليوم واحدة منها، يقول صاحبها: عدت للمنزل وكانت زوجتي في انتظاري، وقد أعدّت طعام العشاء، أمسكت يدها وأخبرتها بأن لدي شيئاً أخبرها به، جلست بهدوء تنظر إلي أكاد ألمح الألم في عينيها، شعرت أن الكلمات جمدت على لساني، لكن يجب أن أخبرها أريد الطلاق، خرجت هاتان الكلمتان من فمي بهدوء، لم تبد زوجتي متضايقة مما سمعته مني لكنها بادرتني بهدوء وسألتني: لماذا؟
نظرت إليها طويلاً وتجاهلت سؤالها مما دفعها إلى الغضب بأن ألقت ملعقة الطعام وصرخت في وجهي: أنت لست برجل . في هذه الليلة لم نتبادل الحديث، كانت تنتحب، أعلم أنها تريد فهم ماذا حدث لزواجنا لكني بالكاد كنت أستطيع إعطاءها سبباً حقيقياً يرضيها في هذه اللحظة . أحسست بأن زوجتي لم تعد تملك قلبي، فقلبي تملكه امرأة أخرى الآن هي جيين .
أحسست بأنني لم أعد أحب زوجتي، فقد كنا كالغريبين، إحساسي بها لم يكن يتعدى الشفقة عليها . في اليوم التالي وإحساس عميق بالذنب يتملكني، قدمت لزوجتي أوراق الطلاق لكي توقع عليها، وفيها أقر بأني سوف أعطيها المنزل والسيارة و30% من أسهم الشركة التي أملكها .
ألقت لمحة على الأوراق ثم قامت بتمزيقها، فالمرأة التي قضت عشر سنوات من عمرها معي أصبحت الآن غريبة عني، أحسست بالأسف عليها، ومحاولتها لهدر وقتها وجهدها، فما تفعله لن يغير من حقيقة اعترافي لها بحبي العميق لجيين، وأخيراً انفجرت زوجتي أمامي ببكاء شديد، الأمر الذي كنت قد توقعت منها أن تفعله . بالنسبة لي بكاؤها كان مصدر راحة فهو يدل على أن فكرة الطلاق التي كانت تراودني أسابيع طويلة قد بدأت تصبح حقيقة ملموسة أمامي .
في اليوم التالي عدت إلى المنزل في وقت متأخر من الليل لأجدها منكبةً تكتب شيئاً . لم أتناول ليلتها العشاء وذهبت على الفور للنوم، وسرعان ما استغرقت في النوم، فقد كنت أشعر بالتعب جراء قضائي يوماً حافلاً بصحبة جيين، فتحت عيني في منتصف الليل لأجدها ما تزال تكتب، في حقيقة الأمر لم أكترث لها كثيراً وأكملت نومي مرة أخرى .
في الصباح جاءت وقدمت لي شروطها لقبول الطلاق ، لم تكن تريد أي شيء مني سوى مهلة شهر فقط، لقد طلبت مني أنه في هذا الشهر يجب علينا أن نفعل ما في وسعنا حتى نعيش حياة طبيعية بقدر الإمكان كأي زوجين، سبب طلبها هذا كان بسيطاً أن ولدنا سيخضع لاختبارات في المدرسة، وهي لا تريد أن يؤثر خبر الطلاق في أدائه المدرسي .
لاقى طلبها قبولاً لدي، لكنها أخبرتني بأنها تريدني أن أقوم بشي آخر لها، طلبت مني أن أتذكر كيف حملتها بين ذراعي في صباح أول يوم زواجنا، ثم طلبت مني أن أحملها لمدة شهر كل صباح من غرفة نومنا إلى باب المنزل، اعتقدت لوهلة أنها قد فقدت عقلها لكن حتى أجعل آخر أيام لنا معاً تمر بسلاسة ، قبلت أن أنفذ طلبها الغريب .
لقد أخبرت جيين يومها عن طلب زوجتي الغريب فضحكت وقالت باستهزاء: إن ما تطلبه زوجتي شيء سخيف، ومهما حاولت هي أن تفعل بدهاء لن يغير حقيقة الطلاق فهو واقع لا محالة .
لم نكن أنا وزوجتي على علاقة طبيعية منذ أن أعربت لها عن رغبتي في الطلاق، فعندما حملتها بين ذراعي في أول يوم أحسست أنا معها بالارتباك، وفوجئ ولدنا بالمشهد فأصبح يصفق ويمشي خلفنا صارخاً فرحاً: أبي يحمل أمي بين ذراعيه، كلماته أشعرتني بشيء من الألم، حملتها من غرفة النوم إلى باب المنزل مروراً بغرفة المعيشة، مشيت عشرة أمتار وهي بين ذراعي أحملها، أغمضت عينيها وقالت بصوت ناعم خافت: لا تخبر ولدنا عن الطلاق الآن، أومأت لها بالموافقة وإحساس بالألم يتملكني، إحساس كرهته، خرجت زوجتي ووقفت في موقف الباص تنتظر، وأنا قدت سيارتي إلى المكتب .
في اليوم التالي تصرفنا أنا وهي بطبيعية أكثر، وضعت رأسها على صدري، استطعت أن اشتم عبقها، أدركت في هذه اللحظة أنني لم أمعن النظر جيداً في هذه المرأة منذ زمن بعيد، أدركت أنها لم تعد فتاة شابة، على وجهها رسم الزمن خطوطاً ضعيفة، غزا بعض اللون الرمادي شعرها، وقد أخذ الزواج منها ما أخذ من شبابه، لدقيقة تساءلت ماذا فعلت أنا بها؟
في اليوم الرابع عندما حملتها أحسست بإحساس الألفة والمودة يتملكني اتجاهها، إنها المرأة التي أعطتني عشر سنوات من عمرها .
في اليوم الخامس والسادس شعرت بأن إحساسنا بالمودة والألفة أصبح ينمو مرة أخرى، لم أخبر جيين عن ذلك، وأصبح حمل زوجتي صباح كل يوم يكون سهلاً أكثر وأكثر بمرور مهلة الشهر التي طلبتها، أرجعت ذلك إلى أن التمارين هي التي جعلتني قوياً فسهل حملها .
في صباح أحد الأيام جلست زوجتي تختار ماذا ستلبس، لقد جربت عدداً لا بأس به من الفساتين لكنها لم تجد ما يناسبها فتنهدت بحسرة قائلة: كل فساتيني أصبحت كبيرة علي ولا تناسبني، أدركت فجأة أنها أصبحت هزيلة مع مرور الوقت، وهذا هو سبب سهولة حملي لها . فجأة استوعبت أنها تحملت الكثير من الألم والمرارة في قلبها، لا شعورياً وضعت يدي على رأسها بحنان، في هذه اللحظة دخل ولدنا وقال: أبي حان الموعد لتحمل أمي خارج الغرفة، بالنسبة إليه رؤية والده يحمل أمه أصبحت جزءاً أساسياً من حياته اليومية . طلبت زوجتي من ولدي أن يقترب منها وحضنته بقوة، لقد أدرت وجهي عن هذا المنظر لخوفي من أنني سأغير رأيي في هذه اللحظة الأخيرة، ثم حملتها بين ذراعي أخرجتها من غرفة النوم إلى الباب الخارجي مروراً بغرفة المعيشة وهي تطوق عنقي بيديها بنعومة وطبيعية، ضممتها بقوة كان إحساسي بها كإحساسي بها في أول يوم زواج لنا، لكن وزنها الذي أصبح خفيفاً جعلني حزيناً .
في آخر يوم عندما حملتها بين ذراعيّ لم أستطع أن أخطو خطوة واحدة، ولدنا قد ذهب إلى المدرسة، ضممتها بقوة وقلت لم أكن أتصور أن حياتنا كانت تفتقر إلى المودة والألفة إلى هذه اللحظة .
قدت السيارة وترجلت منها بخفة ولم أغلق الباب خلفي خوفاً من أن أي تأخير قد يكون السبب في تغيير رأيي الذي عزمت عليه، صعدت السلالم بسرعة، فتحت جيين الباب وهي تبتسم وبادرتها قائلاً: أنا آسف جيين لكني لم أعد أريد أن أطلق زوجتي .
نظرت جيين إلي مندهشة ومدت يدها لتلمس جبهتي وسألتني: هل أنت محموم؟ رفعت يدها عن جبيني وقلت لها: أنا حقاً آسف جيين، لكني لم أعد أريد طلاق زوجتي، قد يكون الملل تسلل إلى زواجي لأنني وزوجتي لم نكن نقدر الأشياء الصغيرة الحميمة التي كانت تجمعنا، وليس لأننا لم نعد نحب بعضنا، الآن أدركت أنه بما أنني حملتها بين ذراعي في أول يوم زواج لنا لابد لي أن أستمر في حملها حتى آخر يوم في عمرنا .
أدركت جيين صدق ما أقول وعلى قوة قراري، عندها صفعت وجهي صفعة قوية، وأجهشت بالبكاء وأغلقت الباب في وجهي بقوة، نزلت على السلالم وقدت السيارة مبتعداً، توقفت عند محل بيع الزهور في الطريق، واخترت حزمة من الورد جميلة لزوجتي، سألتني بائعة الزهور ماذا تكتب في البطاقة، فابتسمت وكتبت: سوف استمر أحملك وأضمك بين ذراعي كل صباح إلى أن يفرقنا الموت .
في هذا اليوم وصلت إلى المنزل وحزمة ورد بين يدي وابتسامة تعلو وجهي ركضت مسرعاً إلى زوجتي، لكن، وجدتها وقد فارقت الحياة في فراشها، لقد كانت زوجتي تكافح مرض السرطان لأشهر طويلة دون أن تخبرني، وأنا كنت مشغولاً مع جيين لكي ألاحظ، لقد علمت زوجتي أنها ستموت قريباً، وفضلت أن تجنبني أي ردة فعل سلبية من قبل ولدنا لي، وتأنيبه لي في حال مضينا في موضوع الطلاق، على الأقل هي رأت أن أظل أكون الزوج المحب في عيون ولدنا، لا المنزل الفخم ولا السيارة ولا الممتلكات أو المال في البنوك مهمة، المهم التفاصيل الصغيرة الحميمة في حياتكم، هي أهم شي في علاقاتكم، هذه الأشياء الصغيرة هي مصدر السعادة، فأوجدوا الوقت لشركاء حياتكم، واستمروا في عمل هذه الأشياء الصغيرة لبناء المودة والألفة والحميمية .
منقول من جريدة الخليج الشباب للكاتبة مريم راشد