شح الأدوية الضرورية في إيران نتيجة العقوبات الدولية

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
في صيديلية 13 أبان المعروفة جيدا وسط طهران، تقف عفيفة اللهياري في طابور. لقد غادرت منزلها الساعة الرابعة والنصف صباحا كي تضمن أن تكون بين الأوائل للحصول على دواء "باكليتاكسل"، وهو دواء لعلاج السرطان، كي تعطيه لأخيها الأصغر المصاب بالسرطان. إلا أن أملها في الحصول على الدواء آخذ في التراجع.
وتقول اللهياري إنها تأتي إلى الصيدلية كل يوم منذ أربعة أيام، غير أن الصيدلي يخبرها بأن الدواء لم يصله بعد. ويقول الصيدلي، خسرو، إنه ليس هناك ما يستطيع عمله لمساعدتها. "فنحن لا نستطيع أن نستورد الدواء. إن عمي يعمل في هذه المهنة سنين عديدة إلا أنه لا يستطيع أن يستورد أي شيء لأنه ليس هناك بنك يتقبل العملة الإيرانية. إنهم يخشون العقوبات الغربية".​
ويضيف خسرو "إنهم غير مُلزَمين قانونا برفض تزويد الإيرانيين بالمواد، إلا أنهم يخشون الدخول في مشكلات مع الغرب".​
وعلى الرغم من أن تجارة المواد الطبية مستثناة من العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الامن الدولي، والعقوبات المنفردة التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إيران، فإن المستوردين الإيرانيين يقولون إن البنوك الغربية ترفض تسهيل التعاملات في هذا المجال.​
وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد وضعا قيودا على التعامل مع البنك المركزي الإيراني، وهو القناة الرسمية الوحيدة المتوفرة في إيران لتحويل الأموال إلى الخارج، وكذلك مع مؤسسة "سويفت" وهي الهيئة التي تسهل التعاملات التجارية، وهذه القيود قد أخرجت البنوك الإيرانية من النظام المصرفي العالمي.​
وقد عزل هذا الإجراء إيران ماليا إذ جعل انتقال الحوالات المالية من البلد وإليه مستحيلا. كما أن العملات الأجنبية التي كانت إيران تتسلمها لقاء صادراتها النفطية والغازية قد تبخرت هي الأخرى بعد المقاطعة الأوروبية لصادراتها.​
وكانت الحكومة الإيرانية قد قالت في تموز/يوليو الماضي إنها تمتلك 150 مليار دولار على هيئة احتياطي عملات أجنبية وإن هذا الاحتياطي سوف يخفف من وقع العقوبات الدولية عليها. إلا أنه بحلول تشرين الأول/أكتوبر، انخفض احتياطي البنك المركزي من العملات الاجنبية إلى 110 مليار دولار. كذلك فإن العملة الإيرانية، الريال، خسر 80% من قيمته مقابل الدولار منذ بداية العام.​
ولمواجهة هذه الصعوبات، وضعت الحكومة الإيرانية سعر صرف مخفض لحماية الواردات الضرورية. إلا أن تقارير تقول إن الآلية الجديدة تخللتها انتهاكات وتجاوزات. كما أن وزارة الصحة حُرمت من حق الحصول على الدولار بالسعر المخفض لشراء الدواء والمعدات والأجهزة الطبية.​
وقد سعى المسؤولون الإيرانيون إلى تعزيز الانتاج المحلي من الدواء، إلا أن الإصلاحات وتقليص المساعدات الحكومية الداعمة للبضائع الأساسية قد أعاقت تطور الانتاج في هذا القطاع خصوصا مع ارتفاع أسعار الطاقة الكهربائية والوقود ونقص المواد الخام المرتفعة الثمن أصلا.​
ونقلت جريدة التايمز البريطانية الأربعاء الماضي أن إيران لديها إمدادات طبية تكفيها لمدة مئة يوم."موت بطيء"
ويعاني الإيرانيون المصابون بأمراض الدم مثل فقر الدم المتوسطي المزمن (ثلاسيميا) ونزف الدم الوراثي (هيموفيليا) وأنواع السرطان الأخرى، أكثر من غيرهم بسبب العقوبات. فقد كانوا في السابق قلقين من ارتفاع تكاليف الأدوية الضرورية المتصاعدة، إلا أنهم الآن يعانون عدم وجودها كليا.​
فقد توفي مانوتشهر إسماعيلي لويسي ذو الخمسة عشر عاما في يوليو/تموز الماضي بسبب تفاقم مرض نزف الدم الوراثي المصاب به والسبب أن عائلته لم تتمكن من الحصول على العلاج. إنه من قبيلة بدوية تعيش في الجبال القريبة من دزفول في محافظة خوزستان الجنوبية الغربية.​
ويقول أحمد شافيديل، مدير الجمعية الإيرانية لمكافحة مرض نزف الدم الوراثي إن مانوتشهر عاش بعيدا عن المدينة ولأن العائلة لم تمتلك الدواء بالسرعة اللازمة فإنهم اضطروا إلى جلبه إلى المستشفى في المدينة، إلا أن ذلك كان متأخرا بالنسبة له فقد توفي في هذه الأثناء. ويلقي شافيديل باللوم في موت مانوتشهر على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.​
ويضيف "إن هذا العمل مخالف لمبادئ حقوق الإنسان. وحتى في الحروب فإن النساء والأطفال والمرضى محميون بموجب المعاهدات الدولية. إلا أن العقوبات الدولية على إيران تسبب موتا بطيئا وهي خدعة تهدف إلى إلحاق الأذى بصحة الشعب الإيراني".​
ويعاني ميلاد رُستمي، ذو السبع سنين، الذي يعيش في مدينة كوهداشت التابعة لمحافظة لورستان، مرض نزف الدم الوراثي وهو بحاجة ماسة إلى حقن الدواء المصنوع في الولايات المتحدة، لكنه لم يعد متوفرا بكميات كافية فقد نفدت الإمدادات حتى في طهران. ويتلقى ميلاد العلاج في مركز إيران لأمراض نزف الدم الوراثي.​
وتقول أم ميلاد، أفسانة سوري: "لقد أتينا إلى طهران عبر الحافلة كي نحصل على دواء لأبننا، وهو بحاجة لأن يأخذ الدواء مرتين إلى ثلاث مرات في اليوم. لكنه الآن يحصل على الحقن المطلوبة مرة كل ثلاثة أو اربعة ايام وقد تسبب هذا في زيادة مضطردة في نزف دمه. يقولون إن الدواء شحيح"."أجواء مرعبة"
وقد عبرت فاطمة هاشمي رفسنجاني، مديرة جمعية خيرية تهتم بالامراض الخاصة، عن قلقها على مصير ستة ملايين مريض في إيران، خصوصا أولئك الذين يعانون أمراض نزف الدم الوراثي والتصلب المتعدد والسرطان. وقالت رفسنجاني في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة إن القيود المفروضة على الحوالات المصرفية قد أضرت كثيرا بإستيراد الدواء.​
وأضافت رفسنجاني في رسالتها "إنني أدعوك لبذل ما في وسعك وأن تتنصر لحقوق الإنسان وتطالب برفع العقوبات عن إيران لأن طبيعتها سياسية لكنها تلحق أذى كبيرا بالمرضى الإيرانيين وبشكل غير مبرر".​
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان لها "إن السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة منذ زمن بعيد هي عدم استهداف المواد الإنسانية كالغذاء والدواء والأجهزة الطبية. فإن كان هناك نقص في الأدوية في إيران فإنه بسبب الخيارات التي تتخذتها الحكومة الإيرانية وليس الحكومة الأمريكية"."سوء إدارة"
ويعتقد منتقدو الحكومة الإيرانية أن سوء إدارة الأموال الإيرانية بالإضافة إلى عدم كفاءة الأجهزة البيروقراطية المحلية والفساد قد فاقمت المشكلات في إيران.​
ويقول العديد من المستوردين الإيرانيين إنهم يواجهون صعوبات في الوصول إلى المؤسسات الإيرانية كي يحصلوا على الدولار أو اليورو حسب السعر الرسمي المخفض كي يشتروا به الأدوية المصنعة في الغالب في الغرب.​
كما تشتكي وزيرة الصحة الإيرانية، مرضية وحيد دستجردي، من عدم قدرة وزارتها على الحصول على العملة الاجنبية التي وُعدت بها. "لقد خُصص ملياران ونصف الميار دولار لاستيراد الأدوية، إلا أن البنك المركزي الإيراني لم يعطِ وزارة الصحة سوى 600 مليون دولار منذ مطلع السنة الإيرانية الحالية (التي بدأت في الحادي والعشرين من مارس/آذار).​
ويشتكي التجار الإيرانيون من أن الرسوم الجمركية على الأدوية قد ارتفعت كثيرا، بينما أُتُّهِم تجار آخرون بحجب الأدوية بهدف رفع اسعارها.​
وقالت جريدة التايمز إن دواء العلاج الكيمياوي لمرض السرطان الذي يبلغ سعره حسب الأسعار الحكومية المخفضة ألفي دولار قد وصل الآن إلى 6000 دولار.​
وأشارت تقارير إلى نشوء سوق سوداء للأدوية في إيران الآن، بينما ذكرت تقارير أخرى إلى أن المستشفيات بدأت تستخدم الأدوية التي منعتها السلطات الصحية سابقا لكنها مازالت متوفرة في الأسواق ورخيصة الثمن نسبيا.​
هل المشكلة هي العقوبات أم أنها "سوء الإدارة"؟ بالنسبة للمرضى وعوائلهم لا فرق بين الاثنين، فهناك أزمة تهدد ببطء صحة الشعب الإيراني.
 
أعلى