"صابر" المناضل الخجول


إنضم
Jun 14, 2013
المشاركات
14
مستوى التفاعل
0
طرد "صابر" من المدرسة التي كرر في أول فصولها ثلاث مرات وخرج من صفوفها مبكرا..كان أبوه يعلم أنه يحمل في رأسه"حبة بطاطس" وليس عقلا..حاول أن يصلح ما يمكن إصلاحه فاكترى دكانا وملأه بمواد التغذية العامة والسلع المختلفة برأسمال يمونه لسنة بكاملها وبدأ "صابر" في مزاولة مهنة التجارة...ولما يمض سوى شهر واحد حتى أصبح المحل فارغا إلا من رفوف يتيمة وصناديق خشبية مهترئة، فلما علم أبوه بالخبر جن جنونه وأرسل في طلبه ، فلما مثل بين يديه قال له :
- ما الذي أسمعه يا "صابر"؟؟؟
-إنني يا أبت لا أستطيع أن أرى فقيرا ولا أسعده هذا إضافة إلى الفتيات الجميلات اللواتي يمررن عليك بضحكاتهن اللاتي تلين الحديد فتقرضهن ما هن بحاجة إليه، وعندما يأتي الوقت لأداء الدين فهن ينقرضن ولا تجد لهن أثرا...
أمسك الأب برأسه متحسرا من حجة ابنه المخبول....قريبا سترافقني إلى الريف...سأقتني لك بعض المواشي ترعاها ، هكذا سترتاح من مخالطة الناس ومن أذاهم ...بعد أيام من نزولهما في ضيافة عمه "صالح"....تسلم مفاتيح الزريبة المتواجدة بالأرض التي ورثها أبوه عن جده....كانت تضم جناحا مخصصا للبقر والمواشي، وآخر خاصا بالدواجن من دجاج وبط وإوز...وثالثا خاصا به...فتح المحل رفقة أبيه فاستنشق رائحة روث البهائم مختلطة برائحة زبل الأرانب والفئران...أحس بالاختناق وبرغبة في التقيؤ...رأى عليه أبوه أمارة التذمروالاشمئزاز فقال له: إسمع أيها الرعديد...لقد حيرني أمرك...مثلك لا يستحق أن يعيش...ألا ترى هذه النعم؟؟...انظر إلى تلك البقرة أليس جميلا أن تنام في جوارها تنصت إلى خوارها وإلى نباح الكلاب التي تحرس المكان...ودعه أبوه وعاد أدراجه إلى بيته....فتح طالح باب غرفته المصنوعة من خشب قديم وقصدير متآكل بالصدأ....تحركت ريح قوية وبدأ الكوخ يهتز فظن أن نهايته ستكون بانهياره وماهي إلا لحظات حتى بدأ المطر يتساقط وبدأت القطرات المطرية تتسرب عبر الشقوق والثقب الموجودة بالسطح فابتل فراشه...أشعل شمعة وفتح باب الجناح المخصص للبقر والأغنام فوجده دافئا ليس به أثر للبلل....اجتذب بعضا من الحشائش وبعضا من علف البهائم وصنع منه فراشه ثم نام في حضن البقر.....وفي صباح اليوم التالي ذهب إلى عمه وتوسل إليه أن يناوله ثمن التذكرة ليعود أدراجه قبل أن يلفظ أنفاسه في هذه الزريبة المخيفة.... عاد إلى القرية وظل متخفيا لدى بعض أقربائه الذين أخبروا أباه بعودته وتوسلوا إليه ليرفق به ويعفو عن زلاته...أجابهم أنه ميؤوس منه وأنه وجه النحس الذي ابتلي به وأن ولادته كادت تودي بحياة أمه ....وافق على عودته إلى البيت لكنه امتنع عن التحدث إليه لشهور حتى توسلت إليه زوجته أن يلعن الشيطان وأن يكلم ابنه عل الله يحدث بعد ذلك أمرا....اقتنع بذلك ونادى عليه:
- لقد كبرت يا "صابر" ولم تعد صغيرا... ينبغي أن تفكر في مستقبلك ...ماذا لوتتعلم حرفة تكسب منها قوت يومك؟؟...فابتسم قائلا: إنني أحب الحلاقة وأريد أن أصبح حلاقا مثل جدي"علي" رحمة الله عليه..
- لماذا لا تتعلم النجارة أو الصباغة مثلا؟؟؟
-الحلاقة أسمى من ذلك كله يا أبي....لأن الحلاق سيد يحمل الموسى والمقص في يديه و يبسط له كل الزبائن - باختلاف مراتبهم- رؤوسهم و أعناقهم ويصبحون تحت رحمته......
أرسله أبوه في تعلم الحلاقة وعاد بعد أيام إلى البيت متفاخرا وهو يحمل شهادة تثبت كفاءته....فتح أبوه دكانا للحلاقة وهو خائف مما قد يصنعه ابنه المخبول بزبائنه....فقال له "صابر": أما زلت تشك في قدراتي يا أبي؟؟...أنا أعرف أنك لا تثق في.....فقال له أبوه : لقد نفذ صبري يا "صابر" فكن عاقلا.....فأجابه : صبرا جميلا يا أبت وسترى أنني سأصبح حديث كل لسان في الدوار....إنني سأجلب لك الصيت وسأجعلك تفخر بي.....ولج الدكان بعدما جهزه باللوازم والمعدات...وكان شيخ القبيلة الذي كان معروفا بخبثه وجبروته أول الزبائن ... رحب به وأجلسه على كرسي قديم..ثم ألبسه البزة المخصصة لذلك....قال له الشيخ: أنا أحلق دائما بالمجان هل تفهم ذلك؟؟؟.... نعم سيدي أنا في خدمتك ولن تحتاج بعد اليوم لمن يحلق لحيتك و شعر رأسك ...اعتبرني منذ الآن حلاقك المطيع..... ثم شرع بحماس في حلق شعر رأسه الأشعث والذي يغطي لكثافته أطراف وجهه وأذنيه...وما هي إلا لحظات قليلة حتى سمعت صرخته.....لقد هوى على أذنه اليمنى دون قصد ......انفجر الدم المتطاير كالبركان ملطخا كل ما حوله ... حاول أن يشرح الموقف للشيخ الذي سقطت أذنه واحمرت عيناه وبدت عليه أمارة الموت....رمى المقص من يده وأطلق ساقيه للريح.....ولكن يبدو أن أهل الدوار كانوا في الموعد وخرجوا بالطبول يتقفون أثره....أما "صابر" فقد أحس بالفخر والكبرياء عندما رأى سكان الدوار يهتفون باسمه أمام العدالة التي حكمت عليه بالأشغال الشاقة و بالسجن مدى الحياة...
 
أعلى