حسام الحلبي
جنرال
- إنضم
- Oct 3, 2008
- المشاركات
- 6,719
- مستوى التفاعل
- 69
- المطرح
- دمشق باب توما
صالح باي و مكانته في تاريخ قسنطينة
تمهيد:
إن المكانة التي إحتلها صالح باي في تاريخ قسنطينة والسمعة التي إكتسبها بين حكام الجزائر في العهد العثماني، والشعبية التي تمتع بها في الأوساط القسنطينية خاصة والشرق الجزائري عامة، تدفع الباحث إلى الإهتمام بأحداث حياته ودراسة جوانب شخصيته، وإلقاء الضوء على أعماله في شتى المجالات، وذلك حتى يتبوأ المكانة اللائقة بجانب الشخصيات الجزائرية التي زخر بها ماضي الجزائر المجيد خاصة أثناء العهد العثماني(1).
فصالح باي عاش حياة حافلة تميزت بإختلاف مراحلها وتباين فتراتها، فقد كانت أولاها مرحلة الطفولة والشباب التي عاشها بمسقط رأسه تركيا، أما المرحلة الثانية من حياته فقد إرتبطت أحداثها بالجزائر حيث إلتحق بالجيش العثماني، أما المرحلة الثالثة والمهمة في حياته هي التي قضاها على رأس البايلك في قسنطينة(2)، والمرحلة الرابعة والأخيرة هي مرحلة وفاته.
المبحث الأول: مولده
ولد صالح باي في مدينة أزمير بتركيا سنة 1137ھ /1739 م (1)من أب تركي يدعى مصطفى، ينتمي إلى أسرة متوسطة الحال، وعاش سنواته الأولى بصفة عادية إلى أن ناهز السن السادسة عشرة، وكان ذلك عام 1755 م، تسبب في مقتل أحد أقربائه، فاضطرته الظروف أن يهجر موطنه، ويلتحق بالجزائر حتى يتفادى العقاب، وقد عمل صالح باي في أول عهده بالجزائر في مقهى الأوجاق يساعد صاحب المقهى، ولعله اضطر إلى هذا العمل نظرا لصغر سنه، وعدم خبرته بالحياة وجهله بأوضاع البلاد، وعلى كلّ فإن عمل كهذا رغم تواضعه إلا أنه سمح له بأن يتعرف على واقع الجزائر، ويتطلع على طبيعة الحكم، وأسلوب الإدارة السائد بالجزائر آنذاك فضلا عن أن هذا العمل كان سببا في تعرفه على بعض رجالات الأوجاق الذين لم يبخلوا بمساندته فيما بعد للحصول على إذن من مجلس الديوان يسمح له بالإنخراط في فرقة الأوجاق، والإلتحاق بعد ذلك بمحلة الشرق السنوية المتوجهة إلى قسنطينة، قصد المساهمة في تعزيز الحامية التركية بها، والمشاركة في جمع الضرائب من الأرياف، ومن الراجح أن هذه الحملة كان يقودها الباي "أزرق عينو"، الذي قاد حملة عسكرية ضد قابس بمساعدة صالح باي، وفي مدينة قسنطينة بدأ صالح باي مرحلة جديدة وخطيرة في حياته، أظهر من خلالها مهاراته الحربية، وكفاءته التنظيمية ومقدرته الإدارية، مما جعل أحد قواد جيش البايليك وهو أحمد القلي يشيد به، وقدر فيه تلك الخصال(1) العسكرية، التي شهد له بها الجميع أثناء الحملة التي شنها أزرق عينوا كما ذكرنا سابقًا، وهذا ما جعل أحمد القلي عند توليه منصب الباي بقسنطينة ( 1756) يبادر إلى تعزير أواصر الصداقة مع صالح باي حتى أنه زوجه إبنته وولاه قيادة الحراكتة بالأوراس عام 1762م(2) لمدة ثلاث سنوات، وهذه القيادة كانت تستند عادة إلى أهم شخصية بالبيايك بعد الباي، وذلك لشدة صعوبة هذه القبيلة، ولوفرة المداخيل التي كانت توفرها لخزينة الدولة.
_ وقد بقي صالح باي في وضيف قيادة الحراكتة، وإكتسب من خلالها حنكة ودراية في تسيير الأمور الإدارية، ومعالجة المهام العسكرية، بعدها تولى منصب خليفة الباي بقسنطينة الذي ظل يشغله مدة 6 سنوات (1765م - 1771م)(3) ، كان فيها نعم السند لصهره الباي أحمد القلي، وقد ناب عنه في تقديم العوائد الفصلية إلى الداي** محمد عثمان باشا، وأثناء ذلك إكتسب صالح باي ثقة وتقدير الداي، وهذا ما ساعده على الإرتقاء إلى منصب الباي، إثر موت صهره أحمد القلي في صيف (1771م- 1185م)، وهنا تبدأ صفحة جديدة في حياة صالح باي مليئة بالمآثر والأعمال العظيمة التي مازالت إلى حدنا اليوم تشهد له بالعظمة والإجلال.
المبحث الثاني: عائلته
_ بالإضافة إلى زواج صالح باي بإبنة أحمد القلي تذكر مصادر أنه تزوج من إمرأة ثانية من أعيان قسنطينة، وهي إبنة رفيقه القديم أحمد الزواوي بن جلول، ويذكر مرسي بأن صالح باي تزوج أيضا للمرة الثالثة.
_ أما زوجته الأولى فأنجب منها بنتا واحدة، والزوجة الثانية أنجب منها باقي أولاده وهما حمودة، والحسين، أما البنات فهن السيدة أم هاني، والسيدة آمنة، والسيدة عائشة، والسيدة فاطمة، والسيدة خدوجة (1).
_ وتشير المعطيات إلى أن صالح باي، جمع بين الزوجتين في فترة حكمه على البايلك، وأن أولاده كانوا صغارا، إذ أنه رزق بهم في فترة متقاربة من الزوجتين في آن واحد وقد ذكر أولاده في عقود الأوقاف بين (1779 م - 1788م).
أما إبنه حمودة (محمد) فقد منحه مصطفى إنجلز منصب خليفة الباي، لكنه لم يعمر فيه طويلا إذ أنه سرعان ما وجد مسموما.
أما إبنه الحسين فقد إرتبط إسمه بتاريخ قسنطينة، إذ أنه أصبح بايا عليها سنة 1806م وانتهى حكمه سنة 1807م**، وأثناء ولايته خرجت الفيرة من تونس، فلما وصلت قريبا من قسنطينة خرج إليها بجيش قليل، فتقابلوا، ووقعت الهزيمة على باي قسنطينة. وهرب إلى ناحية الجميلة، وحينئذ تقدمت عمارة تونس ونزلت مقابلة للبلاد، وبقيت ثلاثين يوما وهي مقيمة بالحروب والقتال مع مدينة قسنطينة، وظل الحصار على قسنطينة لفترة، ولما وصل الخبر إلى الباشا(1)، أنشأ عمارتين من فرسان وعسكر، فبعثت عمارة العسكر في البحر، وعمارة الفرسان في البر، فما كانت إلاّ أيام حتى وصلوا وقابلوا عمارة تونس بطرف قسنطينة، وصار بينهم قتال عظيم، حقق من خلاله القسنطينيون الفوز على عمارة تونس، واستولوا على المؤن والذخيرة، والتحق600 جندي تونسي بالجيش الجزائري، بعد هذا الإنتصار جاءت الأوامر من الجزائر بالزحف على تونس، فقاد الباي "حسين ولد صالح باي" و"الباشا آغا" 18 ألف رجل إلى تونس في جويلية 1807، واصطدموا بالجيش التونسي في وادي صراط قرب مدينة الكاف التونسية، وجرت المعارك طيلة ثلاثة أيام هزم فيها الجزائريون وتشتتوا ولم ينجوا منهم إلاّ عدد قليل من الأتراك، وقيل أن سبب هذا الإنكسار هو تعاون بعض الجزائريين مع التونسيين وتزويدهم بالأخبار النافعة لهم في الحرب، ومن هؤلاء قائد فرجيوة "مصطفى بن عاشور" الذي أخذ الرشوة عن ذلك، ولما انهزم الجزائريون وحلت بهم الفضيحة، كان باشا آغا صاحب(2) حيلة حيث مكر بحسين باي، وقال بأن باي قسنطينة هو الذي هرب بجيوشه حتى صارت تلك الهزيمة، ولولا هروبه لكان النصر(3)، واستشهد في قوله ببعض أصدقائه، ووافقوا على مكره وافترائه، فلما وصل إلى الباشا ذلك الجواب، وتحقق بما فيه من خطاب، إستفاض و أمر بقتل الحسين* باي بن صالح باي، فقُتل مخنوقا رحمة الله عليه وكان موته عام 1807م(1) ، وبالتالي كانت نهايته مؤلمة كما حصل مع أبيه من قبل.