عودة الأمن المركزى

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
عاد الوجه القبيح للأمن المركزى، كان تدشين العودة -غير المحمودة- فى جامعة النيل، اصطف الجنود المساكين بخوذاتهم اللامعة فى ضوء الشمس وعصيهم فى أيديهم، ينتظرون الأمر بالانقضاض على طلاب الجامعة، الذين راحوا يدافعون عن وجودهم وعن حقهم فى التعليم بجامعتهم.

المشهد كله مهين ومؤلم، اصطفاف جنود الأمن المركزى فى مواجهة الطلاب، على هذا النحو، يقول لنا بوضوح إننا نعيش مشهدا من أيام وسنوات ما قبل 25 يناير 2011، حيث القمع هو سيد الموقف، والكلمة الأولى والأخيرة للواءات الأمن المركزى، ويجعلنا نتساءل هل حدثت ثورة -بالفعل- أم أننا أزحنا طاغية عجوزا فى 11 فبراير 2011 وأبقينا على الطغيان نفسه، بمفاهيمه وآلاته وأدواته، وكأن المشكلة كانت فى شخص مبارك وليست فى نظام القمع؟
نعرف أن وضع جامعة النيل ملتبس من أيام د. أحمد نظيف، وكان يجب تعديل هذا الالتباس، لأننا فى النهاية إزاء مؤسسة علمية يجب الحفاظ عليها، لكننا لم نعرف يوما أن هناك جامعة تم إلغاؤها هكذا بقرار حكومى، الأمم الجاهلة فقط هى التى تلغى الجامعات.. حين كانت ثورة يوليو 52 كانت كل الجامعات المصرية، باستثناء جامعتى الأزهر والأمريكية، تحمل أسماء حكام من أسرة محمد على، الجامعة الأم، كان اسمها جامعة فؤاد الأول.. جامعة عين شمس حاليا كان اسمها جامعة إبراهيم نسبة إلى إبراهيم باشا نجل محمد على، أما جامعة الإسكندرية فكانت تحمل اسم جامعة فاروق، حتى جامعة أسيوط التى كانت قيد الإنشاء منذ سنة 1947 لتكون أول جامعة فى الصعيد، كانت تحمل اسم جامعة محمد على، ولم يكن هذا الوضع مستساغا للحكام الجدد، خاصة بعد أن ألغيت الملكية فى مصر سنة 1953 وسقطت أسرة محمد على، وكل الذى حدث أن تم تغيير اسم كل جامعة، حتى جامعة أسيوط تم استكمال تأسيسها وعهد إلى د. سليمان حزين باستكمال ذلك المشروع، ولكن للمرة الأولى نجد جامعة يتم شطبها وإلغاؤها على هذا النحو.

المحزن أن يتم ذلك باسم مدينة زويل العلمية وباسم العالم د. أحمد زويل، ولا أفهم إلى الآن موقف د. زويل، مما يحدث من مشاهد اقتحام جنود الأمن للجامعة.. هل يرتضى ضميره العلمى ذلك، هل يعلم به، هل وافق عليه وأقره؟
أمام الرأى العام تقع المذبحة باسم د. زويل ويجب أن يتدخل، ولا أفهم لماذا الإصرار على أن يكون مقر الجامعة هو مقر مدينة زويل، ليس لدينا أوسع من الأرض الصحراوية التى تستوعب مئات المدن العلمية، وأعرف أن مدينة زويل جمعت تبرعات ضخمة، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى صرح -فى إعلان تليفزيونى- أن البنك تبرع للمدينة بمبلغ 250 مليون جنيه، أى ربع مليار جنيه، وأن ذلك ليس آخر المطاف، فالبنك كما قال رئيسه، يقف بثقله خلف مدينة زويل، والمعنى أن المدينة ليست مضطرة ولا محتاجة إلى ذلك المقر أو المبنى، ولا يمكن لمدينة علمية أن تقام على أنقاض جامعة بها طلاب وأساتذة ومعامل أبحاث.. طلاب يرون أن مستقبلهم العلمى مهدد تماما.

أغرب ما يتردد الآن أن عدد طلاب وطالبات جامعة النيل محدود، وكأن ذلك يبرر السطو على الجامعة أو يسقط حقوق هؤلاء الطلاب فى أن يواصلوا تعليمهم بالجامعة التى انتسبوا إليها واختاروها دون غيرها من الجامعات واحتملوا مصاريفها.. المنطق الحكومى معيب تماما، سواء فى محاولة السطو على الجامعة أو فى التعامل العنيف مع طلاب الجامعة الذين رفضوا ما يحدث.

الغريب هو موقف الأساتذة بالجامعات الأخرى، جامعة القاهرة وعين شمس والإسكندرية، لم نجد تضامنا منهم مع جامعة النيل، لا بيان يصدر ولا حتى أى تعاطف أو على الأقل يحدد موقفهم مما يحدث، حتى لو كانوا مؤيدين له.. الواضح أمامنا من ذلك الصمت أن القيم العلمية وإهدار جامعة لا يعنيهم.

نحن نحتاج مدينة زويل العلمية ونحتاج عشر مدن مثلها، على الأقل، ونحتاج كذلك جامعة النيل ونحتاج أيضًا مائة جامعة على شاكلتها.. ولا أفهم ذلك المنطق المختل الذى يقوم على إما هذه أو تلك، وكأنه لا يجوز الجمع بينهما.

والمتابع للتعليم فى مصر يدرك أننا بحاجة إلى أكثر من سبعين جامعة، الخبراء يقولون لنا إن كل 800 ألف نسمة أو مليون يحتاجون إلى جامعة، هذا فضلا عن الجامعات النوعية أو المتخصصة فى الفروع العلمية الحديثة، وتعداد مصر الآن 90 مليون نسمة، وكنت أتصور أن الحكومة الحالية وفى ظل ما يسمى «مشروع النهضة» أن تبادر لوضع خطة بإنشاء عشر جامعات جديدة خلال خمس سنوات كمرحلة أولى، لكن حكومتنا بادرت إلى إغلاق أو إلغاء جامعة قائمة بالفعل، وكان يمكن أن يتم التوسع فيها والإضافة إليها لتصبح جامعة ضخمة.

قد تكون هناك أخطاء إدارية ارتكبها د. أحمد نظيف بخصوص هذه الجامعة، ويجب تصحيح تلك الأخطاء ومحاسبة من ارتكبها، لكن لا يجوز أن يكون التصحيح بإلغاء الجامعة، أما مدينة زويل ففى مصر متسع لها، وفى أرض جامعة النيل أيضًا.

الصمت المحزن فى الجامعات المصرية تجاه ما تتعرض له جامعة النيل والصمت المطبق من اقتحام جنود الأمن المركزى للجامعة وإلقاء القبض على الطلاب، كل هذا ينبئنا أن شيئا كبيرا لم يتغير بداخلنا، لم نصبح بعد ضد القمع فى المجتمع، يكون بعضنا ضده حين يقع عليه بشكل مباشر، أما حين يقع أمامه وفى محيطه على آخرين، أى يكون بعيدا عنه بأمتار فلا غضاضة فى أن يقع، إننا حتى لا نستنكر وقوعه، والمفروض أن نحاول دفعه.

وأنتظر من د. زويل أن يعلن موقفه مما يجرى لجامعة النيل، د. أحمد زويل عالم كبير نال جائزة نوبل، ونحن نريد للعالم الكبير أن يكون إنسانا كبيرا أيضًا، ولا يقبل الإنسان الكبير بأن يكون هناك قمع باسمه لطلاب جامعيين.. نعم نريد مدينة زويل ولكن ليس على جثث الآخرين.
 
أعلى