عين .... على العيون ....

إلهام

بيلساني لواء

إنضم
Jul 20, 2010
المشاركات
4,850
مستوى التفاعل
97
المطرح
على مد البصر اتواجد
رسايل :

كان بعض مني ..... بعض من افكاري ...... بعض من حنيني ...... واصبح بعض من ذاكرتي المشوشة ....

غريب أمر تلك العيون التي نحملها بوجوهنا، فهما ترمشان معاً، تتحركان معاً، تنامان وتبكيان معاً، تريا الأشياء معاً، ومع ذلك لا تريا بعضهما البعض!. وهي ترى القشة الصغيرة في عيون الآخرين ولا ترى الجمل فيها.
يا ترى لو كنا جميعاً كحال العيون، نرى نفس الأمور، ننام معاً، ونعمل معاً، وإن كنا نرى بعضنا البعض أو لا، فكيف ستكون حياتنا؟. سؤال طرحته على نفسي فأجابتني وبلا تردد : ستكون الحياة متناغمة، رتيبة وهادئة، لكنها لن تكون جميلة أبداً !. فتعدد الآراء برؤية الأمور وبما تحمله من متاعب وفوضى أحياناً، تبقى دوماً الحافز على التطور والإصلاح، الإبداع والتلوين في الحياة. سؤال وجواب يستحق من كل فرد منا التفكير به بين فترة وأخرى ليجدد قبوله للآخر وبرؤية الآخر للأمور.

وقد يحل البعض هذه المسألة بلكمة حديدية على إحدى العينين تفك تناغمهما وتجعل الواحدة ترى، والثانية ترى أيضاً ولكن لما لا يُرى، كنجوم الظهر مثلاً !، وأعوذ بالله من هكذا حلول !.
الحديث عن العيون حديث قديم وطويل، سيطول ويطول ما دمنا نحملهما ونفتن بسحرهما ولا بل نتحدث بلغتهما أيضاً ! وكأننا ننتمي إليها وتنتمي إلينا فهي مرآة نفوسنا ومفاتيح قلوبنا كما يفترض عند الصادقين !.

دواوين الشعر العربي والعالمي تزخر بوصف العيون وكشف أسرار العيون، وتجود القرائح بوصف الجميل منها، وبالغوص في بحور ألوانها، فمنها الأسود والأزرق والأخضر والبني والعسلي وبطيف من الألوان ترسم في مخيلتك لوحات ولوحات لتأخذك بعيداً في عوالم السحر والجمال الذي لا يستقصى كقول الشاعر:

أراك فلا أَرُدّ الطّرفَ كيلا يكون حجابَ رؤيتِك الجفون
ولو أني نظرتُ بكلِّ عين لما استقصت محاسنَك العيون


لست (بحكيم عيون) كما أدعى عبد الوهاب يوماً ولكن ربما الأيام علمتني مثله الكثير عنها، وجعلتني أغني أغنيته الشهيرة بين الفينة والأخرى، قرأت الكثير عنها وأظنكم مثلي ومثله آسيتم الكثير منها في مرحلة ما من العمر، فمنها العيون الناعسة، الدافئة، الفاتنة، الساحرة، القاتلة، المسكرة كالخمر، وإلى ما هناك من محاسن ومفاتن تقضي على المرء - أو تكاد - عشقاً وهياماً وتسرح به بعيداً عن الخلد والسهاد وها هو ذا أحدهم يشكو منها بقوله :

عَيناكَ أَمكَنَتِ الشَيطانَ مِن خَلَدِي إِنَّ العُيونَ لَأَعوانُ الشَياطِينِ
كَم لَيلَةٍ بِتُّ مَطويّاً عَلى حَرَقٍ أَشكُو إِلى النجمِ حَتّى كادَ يَشكُوني


وبالمناسبة العين خدَّاعة ومنخدعة، فكم من هوى يطمس العيون، وكم من عين خدعها السراب والوهم، وكم من عين خدعتنا بصفائها وطيبتها، وكم من مشاهد خدعتنا بها الكاميرات - تلك العيون الالكترونية بنقل الحقائق والوقائع والصور بنشرات الأخبار.

والعين في بعض موروثنا الشعبي والأمثال (مغرفة الكلام) وهي تخجل أحياناَ وتغض الطرف عند مكسب ما (طعمي التم بتستحي العين)، وهي تأكل قبل الفم (الأكل بالنظر)، وهي شماعة لتبرير بعض المواقف بقولنا (العتب على النظر) أو بقولنا (العين بصيرة واليد قصيرة) والخطير بشأن العيون قولهم ( اذا كنت بين العوران اعوير عينيك) فيا للرياء والخنوع والتملق !.

وهناك وجوه وعيون لا تستحب رؤيتها ونظراتها كعين الرقيب، وعين الطامع والحسود ومنهم من (بيحسدو الأعمى على كبر عينه) لدرجة يكتب البعض على شيء عزيز عنده (العين البصاصة تنبلى برصاصة !). وفي نظرات العيون، نظرات الازدراء والتكبر، نظرات الشهوة والوقاحة والحقد. يستحضرني ابن الرومي بوصف شخص لا تستحب رؤيته بقوله:

إذا بدا وجهُه لقوم لاذت بأجفانها العيونُ
كأنه عندهم غريمٌ حلَّتْ عليه لهم ديونُ

وأخيراً لا تغرنكم العيون وإبصارها فكم من أعمى تراه وإنه لبصير، فالعمى عمى البصيرة لا البصر، ودعونا نغني للعيون مع فناننا الكبير صباح فخري قصيدة السهروردي المتوفى بعام 1191 م.، حين قال يشكوها:

عَلى العَقيق اِجتَمَعنا نَحنُ وَسودُ العيونِ
أَظنّ مَجنونَ لَيلى ما جنّ بَعضَ جُنوني
إِن مُتّ وَجداً عَلَيهم بِأَدمُعي غَسَلوني
نوحوا عَلَيَّ وَقُولوا هَذا قَتيل العُيونِ
أَيا عُيوني عَيوني وَيا جُفوني جَفوني
فَيا فُؤادي تَصبّر عَلى الَّذي فارَقوني

رحمه الله هانئاً من فتك العيون.
وضريحه (السهروردي) بالمناسبة موجود بمسجد السهروردي الكائن بأول بوابة القصب والملحق بمخفر باب الفرج القديم بحلب .

للكاتبه أفريم بشار

 
أعلى