غزة تودع عام الدمار بأمل متجدد في الوحدة والإعمار

{*B*A*T*M*A*N*}

مشرف

إنضم
Sep 21, 2011
المشاركات
23,222
مستوى التفاعل
80
المطرح
دمشق
بالنسبة لغالبية سكان قطاع غزة، فإن عام ٢٠١٢ هو عام الاحداث المهمة، رغم أن شيئا من آمالهم، التي عقدوها في أن يكون هذا العام هو عام المصالحة وانهاء الحصار المفروض عليهم منذ سنوات، لم تتحقق.
فعام ٢٠١٢ الذي بدأ مبشرا بأجواء الوحدة والمصالحة في شهره الاول، مع اعلان كل من حركتي حماس والجهاد الاسلامي عن تشكيل لجان مشتركة لوضع رؤية مشتركة لتوحيد صفوفهما وصولا الى الاندماج، أعقبه انطلاق العمل في لجان المصالحة الفلسطينية في مختلف تخصصاتها المجتمعية والسياسية والامنية والحكومية.
ورغم تعثر هذه اللقاءات، فإنها شكلت أملا لكثير من الفلسطينيين في أن تكون نواة وحدة فلسطينية طال انتظارها.
ولم ينتظر الفلسطينيون كثيرا . فبحلول شهر فبراير/شباط فوجئ الجميع بإعلان كل من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عن التوصل إلى اتفاق جديد للمصالحة برعاية أمير قطر سمي "اتفاق الدوحة".
وهذا الاتفاق نزل كالصاعقة على قيادات حماس في غزة بعد ان كشفت تفاصيله عن موافقة مشعل على ان يتولى الرئيس عباس كلا من رئاسة السلطة والحكومة الفلسطينية معا، وذلك حسما للخلافات حول شخصية رئيس الوزراء المقبل.
طريق مسدود لكن هذا الاتفاق ما لبث ان كشف عن وجود خلافات عميقة في جسم الحركة الاسلامية، لم يخفها القيادي في الحركة محمود الزهار، مبررا ذلك بعدم رجوع مشعل لمؤسسات الحركة او مشاورتها قبل توقيعه على الاتفاق. ورغم محاولات مصر لجمع الاطراف الفلسطينية في القاهرة في ذات الشهر، وما تخللها من لقاءات بين عباس وكل من اسماعيل هنية وخالد مشعل ، كل على حده، فان هذه الاجتماعات وصلت الى طريق مسدود، بعد ان طلبت حماس رسميا خلالها تأجيل تشكيل حكومة الوحدة الى حين اجراء مشاوراتها الداخلية.
وبانتظار الاتفاق الذي جمد لاشهر كانت غزة تغرق من جديد في العتمة بسبب ازمة محطة الكهرباء ونقص الوقود، في وقت انشغلت فيه مصر بتداعيات ما بعد الثورة. حينئذ قررت دولة قطر ان ترسل ولأول مرة وقودا إلى غزة عن طريق مصر لإنهاء أزمة الكهرباء لتشغيل محطة الكهرباء المتوقفة. وتزامن ذلك مع تصعيد امني على الارض بين غزة واسرائيل بعد استئناف اسرائيل لسياسة اغتيال قادة التنظيمات الفلسطينية مستهدفة في شهر مارس/اذار زهير القيسي قائد اللجان المقاومة الشعبية.
وعادت الصواريخ الفلسطينية لتسقط على جنوبي اسرائيل وتوالى سقوط القتلى في صفوف الفلسطينيين.
في تلك الاثناء، بدا ان السجون الاسرائيلية تغلي بإضرابات غير مسبوقة من قبل مئات المعتقلين الفلسطينيين فيها، والذين شعروا بأن الساسة الفلسطينيين قد انشغلوا عن قضيتهم بالسلطة والخلافات. فخاض بعضهم اضرابات مفتوحة عن الطعام استمر بعضها بين شهرين وثلاثة اشهر، واسفرت عن الافراج عن بعضهم وابعاد بعضهم الاخر، كما تم تنفيذ بعض شروطهم بتحسين ظروف اعتقالهم وصولا الى السماح لعائلاتهم بزيارتهم بعد انقطاع استمر ست سنوات.
الخروج من دمشق وبينما كانت حكومة حماس تواجه أزماتها الداخلية في فرض الضرائب ونقص الوقود والكهرباء وملاحقة العملاء والسلفيين، كانت قيادات حماس في الخارج، تحزم آخر حقائبها لتغادر دمشق، بعد طلاق سياسي فجره موقف حماس الداعم لما سمي بالثورة السورية. فغادر معظم قيادتها وعلى رأسهم مشعل الى قطر فيما ذهب بعضهم الى مصر. وما هي الا اسابيع قليلة حتى اغلقت دمشق كافة مكاتب حماس لديها.
أزمة ألقت بظلالها على تحالفات حماس مع ايران (الداعم الاكبر لها ماليا وعسكريا)، وجلس قادة الحركة يحاولون ترتيب اوراقهم من جديد في السودان، ليخرجوا مختلفين الى حد اعلان قائد الحركة خالد مشعل عدم رغبته في البقاء في منصبه لولاية جديدة.
المشهد بدأ يتغير شيئا فشيئا مع انتصاف العام. وبدأت الافراح تعود الى شوارع غزة بعد فوز محمد مرسي مرشح جماعة الاخوان المسلمين بمنصب رئيس مصر. فوز دفع أنصار حماس للخروج إلى شوارع غزة واطلاق النار في الهواء بشكل جنوني، أدى الى مقتل ثلاثة منهم بينهم سيدة.
وخرج قادة حماس بخطابات نارية تعلن فيها أن غزة انتصرت وان الحصار سيرفع وان مرسي سيحرر القدس بسيفه. كما قال بعض قياداتهم، مؤكدين ان مشاكل المعابر والوقود والكهرباء والممنوعين من السفر اصبحت وراء ظهور الغزيين. لكن شيئا من ذلك لم يحدث. وتبين أن هموم مرسي كانت كثيرة وغزة ليست في مقدمتها.
تشكيك في النوايا إلا أن ذلك لم يمنعه بعد شهر فقط من اعطاء المصالحة الفلسطينية دفعة جديدة. فاستقبل هنية ومشعل في القاهرة ، وتوصل الى تفاهمات قادت الطرفين الى احياء لجنة الانتخابات المركزية وتحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات. خطوات سرعان ما تعثرت واصطدمت بصخرة الاتهامات والتشكيك في نوايا الطرفين، فجمّد عمل اللجنة قبل أيام قليلة من بدء عملها في غزة، وعاد ملف الاعتقالات السياسية ليطفو على السطح. بل ان العلاقة بين غزة والقاهرة تعرضت لضربة موجعة بعد اقدام مسلحين على قتل ١٣ جنديا مصريا في رفح المصرية قرب الحدود مع غزة، ووجهت اصابع الاتهام على الفور الى غزة.
صحيح ان الازمة لم تدم طويلا بعد اعلان مصر عن ضلوع جماعات مسلحة في سيناء بالوقوف وراء الحادث. الا ان الحادث فتح شهية اسرائيل على استهداف قيادات سلفية في غزة، كان أبرزهم هشام السعيدني زعيم جماعة التوحيد والجهاد، الأمر الذي أجج المواجهة على حدود غزة. كما ان توتر العلاقة مع مصر حث اطرافا اخرى كقطر الى الدخول على خط غزة. فزار أميرها وزوجته القطاع لأول مرة، وتعهد بإعادة اعماره، راصدا مئات الملايين من الدولارات لذلك.
وبينما كان الرئيس الفلسطيني يشق طريقه بصعوبة نحو الامم المتحدة متجاوزا صخور الازمة المالية والضغوط السياسية وتهديدات القادة الاسرائيليين والامريكيين، كان الوضع على حدود غزة يزداد حدة مع قيام مسلحين باستهداف عربة عسكرية اسرائيلية بصاروخ مضاد للدروع. حادثة اشعلت فتيل ازمة اعتقد البعض أن بالإمكان السيطرة عليها ببعض الاتصالات بين مصر واسرائيل. لكن الحكومة الاسرائيلية ردت باستهداف احمد الجعبري قائد اركان الجناح العسكري لحماس في غزة واحد اعضاء مكتبها السياسي، لتغلق بذلك باب التهدئة مع حماس وتفتح باب مواجهة استمرت لثمانية ايام.
تغيير درامي مواجهة غيرت برأي كثيرين هنا ملامح المشهد بكل تفاصيله وبشكل دراماتيكي، بعد أن استخدمت حماس ولأول مرة صواريخ ايرانية الصنع في ضرب مدن كتل ابيب والقدس. وفشلت أكثر من ١٥٠٠ غارة جوية اسرائيلية في ايقاف صواريخ الفصائل من السقوط في العمق الاسرائيلي. بل إنها جلبت رئيس وزراء مصر ووزراء خارجية الدول العربية وتركيا إلى غزة لأول مرة للتضامن مع أهلها وإبداء دعمهم لقيادات حماس والفصائل الفلسطينية.
وانتهت الحرب الخاطفة بالتوصل إلى اتفاق تهدئة برعاية مصرية وامريكية وتركية، اتفاق اعتبره الفلسطينيون نصرا، وخرجوا الى الشوارع يرقصون فرحا بعد الاعلان عنه، وتوالت الاحداث بعدها بوصول خالد مشعل وقيادات حماس في الخارج لأول مرة الى قطاع غزة في زيارة تاريخية تزامنت مع اعلان كل من حماس وفتح عن اتخاذ اجراءات تتيح لقيادات الحركتين بالتحرك بحرية فزار قادة فتح غزة. وسمحت فتح لأول مرة لانصار حماس بالتظاهر في شوارع الضفة الغربية والاحتفال بذكرى تأسيس حركتهم.
كما وعدت حكومة هنية الفتحاويين بغزة بالسماح لهم بتنظيم احتفالية مماثلة عندما يحين موعد انطلاقة حركتهم وبالافراج عن بعض معتقليهم، في وقت تبادل فيه زعماء الحركتين رسائل تأييد لخطوات بعضهم البعض. فرحبت حماس بخطوة عباس في كسب تأييد دولي في الامم المتحدة لطلب الحصول على دولة بصفة مراقب. كما شاركت قيادات فتح في مهرجانات حماس في ذكرى تأسيسها. وتلك خطوات احيت الامل من جديد في نفوس الفلسطينيين، الذين اصابهم يأس من حدوث تغيير في وضعهم في ان يكون كل ذلك مقدمة لانفراجة قد تحملها بشائر العام الجديد، بالتوصل الى حلول لأزماتهم الكثيرة، وأن يكون عام ٢٠١٣ هو عام الوحدة والاعمار وانهاء الحصار.
 
أعلى