حسام الحلبي
جنرال
- إنضم
- Oct 3, 2008
- المشاركات
- 6,719
- مستوى التفاعل
- 69
- المطرح
- دمشق باب توما
كان الشارع مُظلماً .. خاليًا من سائرِ الدواب .. لا بشر .. لا مطر .. لا حيوانات .. لا شئ . لا شئ .. فقط مجموعة من الأعمدة المُضيئة على جانبي الطريق والذي كانت تشقه السيارة بسرعة عالية للغاية .. وقد كان قابعاً بداخل السيارة .. شاخصُ العينين .. يستمعُ إلى ألحان الصمت في هدوء .. لا يدري إلي أين يذهب ولم يكن يكترث كثيراً لهذا الشئ .. ربما كان الظلام السائد هو ما يغرس بذور الطمئنينة بداخل نفسه .. فلا إجتماعات مستعجلة ولا بريد مُتأخر لا شئ .. لا شئ .
إنه يُفكر ولكنه غير مُدرك لحدود التفكير اللانهائية .. لا يعرف فيما يُفكر ربما كانت صوامع التيه هي ما يقطنه عقله الأن .. لا تحديد .. لا تمييز .. لاشئ .. لا شئ . أوقفَ السيارةَ علي جانبِ الطريق .. سارَ نحو السور الحديدي وأخذ ينظر إلي النهر والذي لم يخلُ من نبض بعض المركبات السياحية والتي داعبت أثار مصابيحها الملونة وجه المياه العذبة .. فبدت مُتراقصة مضطربة .. كدقات قلبه المُتلاحقة .. مضطربة . خائفة .. مُشتتة .
- مساءُ الخير
لم يلتفتْ إلي مصدرِ الصوت ظناً منه أنه أحد الهواجس التي باتت تحوم حوله كما تحوم الأشباح المُخيفة حول قصور النبلاء .
- أنت .. أنت .. هل أنت مُستيقظ ؟؟؟
إلتفتَ بعد أنْ شعرَ أنْ الصوتَ يقصدُ أنْ يلفتَ إنتباهه هو وأنه ليس هاجس كما كان يعتقد قبل دقيقة قد ماتت .. نظرَ إلى الخلف .. وجدها تحملقُ في وجهه.. إنها جميلة .. تبدو هادئة .. ولكن يبدو أيضاً من ملابسها التي تُظهر أكثر مما تُخفى بمقدار البعد بين مدينتين تفصل بينهما أنهارٌ ومُحيطات أنها غير مستقيمة .. هكذا كان إعتقاده .. وقد صح....
سألتهُ
- لماذا أنت بالشارع حتى هذا الوقت المُتأخر ؟؟؟
نظر إليها نظرة مليئة بالحيرة والتعجب ثم قال في هدوء
- سؤالٌُ كهذا أولى أن تسأليه لنفسك
إبتسمت ثم سارت الإبتسامة نحو أطوار النمو فصارت ضحكة قوية .. قابلها هو بفتورٍ وعدم إكتراث .
- هل تبحثُ عن بعض المُتعة ؟؟؟ - وما هي المُتعة ؟؟؟ صمتت وكأنه قد ألقاها بحجرٍ على ثغرها الصغير .. فتابع
- ألا تجدين إجابة ؟؟؟ - المُتعة .. المُتعة .. إنني لم اُكلف نفسي يوماً بالبحث عن تعريفٍ لها
- لماذا ؟؟؟
- لا أدري - كيف تبيعين إذاً الشيئ وأنتى لا تعرفين ماهيته ؟؟؟
- إنني أعرف ماهية ما اُريد بيعه .. فها هو جسدي
- ومن اخبرك أن في جسدكِ المُتعة لى ؟؟؟
- وهل للرجال مُتعة اُخري بعد جسد امرأة جميلة ؟؟؟
- عدنا من حيث ُ بدأنا إذًا
- كيف ؟؟؟
- تعريف المُتعة
- المُتعة تكمن في التقاء الأجساد واختلاط الأنفاس .. إن المُتعة تكمن في الإمتزاج هل جربت مُتعة شرب الموز باللبن ؟؟؟
- تشبيهٌُ غير سليم
- كيف ؟؟؟ - الموز حلال .. واللبن حلال .. وامتزاجهما حلال .. في حين أن جسدي نعمة وجسدك نعمة والتقائهما في غير رباط شرعى حرام
تلون وجهها .. وارتسمت عليه علامات الغضب والحيرة وربما شيئًا من الدهشة .. فسألها
- ماذا أصابك ؟؟؟
- لا شئ
- أمُتأكدةٌ أنتِ ؟؟؟
- أجل مُتأكدة
- حسناً لم تمنحينى جواباً
- فلنبتعد عن حدود الحلال والحرام فالكلام فيهما يُصيبني بالقلق
- هل لأنه يُذكرك بأنكِ دوماً على خطأ ؟؟؟
- بل لأنه يُذكرنى بأن سيري في هذا الطريق قد نتج عن ظُلمِ الحياة ليّ
- ولكن الحياة لا تظلم أحداً - بلى تظلم وقد ظلمتني كثيراً
- كيف ؟؟؟
- ظلمتني الحياة حينما أخذت مني والدي وتركتني طفلة بجدائلي الصغيرة وعقلي الصغير وهم الحياة الكبير .. ظلمتني حين سلمتني إلى زوجِ اُمٍ لا يمتلك من الرجولة سوى الشارب الضخم .. والذي لطالما ألمني عندما يُقبلني بثغره الملئ برائحةِ الخمور النتنة .. ظلمتني الحياة حينما لم أستطع إكمال تعليمى الجامعي رضوخاً لرغبة زوج أمي والذي رأى أن عملي أفضل من دراستي .. فقد كان حُبه للمال وحياة السُكر والعربدة أقوى من أحلامي بتحقيق الذات ..
- ولكنه ليس ذنب الحياة ..إنه قدرك
- إذاً فقد ظلمني قدري
- إن القدر هو الله و الله تعالى لا يظلمُ احداً
- أستغفر الله العظيم
- جميل
- ما هو الجميل
- إستغفارك دليل على إنكِ ما زلتِ تتذكرين الله .. قالت في حدة
- أنا لستُ كافرة
فرد في هدوء
- ولكنكِ عاصية
- ربما
- لا بل بكل تأكيد .. أخبريني لماذا قمتِ ببيعِ نفسك ؟ أمِن أجل المال ؟؟؟
- لا .. بل لأنتقم لنفسي من معشر الرجال
- كيف ؟؟؟
- أبيع لهم جسدي .. كي يسقطوا في بحارِ الرذيلة .. فيخسرون كل شيئ .. أنفسهم .. أهاليهم .. ورضاء الله عليهم قبل أي شيئ
- أتعتقدين إن في هذا انتقاماً منهم ؟؟؟
- لا أعتقد .. ولكنني مُتأكدة
- وانا أيضاً مُتأكد
- مما ؟؟؟
- من أنكِ بالفعل تقومين بالإنتقام .. ولكن ليس من معشر الرجال
- ممن إذاً ؟؟؟
- من نفسك
قهقهت بصوتٍ عال .. فسألها مُندهشًا
- لماذا تضحكين ؟؟؟
- أضحكتني كلماتك
- أحقاً
- بلي
- ولِمَ ؟؟؟
- لأن المرء لا ينتقم من نفسه أبداً .. فإن الإنتقام ظلام والإنسان لا يُلقي بنفسه في أمواج الظلام العاتية
- وما أنتِ فيه الأن ألا يُعدُ ظلامًا ؟؟؟
سكتت .. كرر السؤال
- لماذا تُحب أن تعتصرني بين كلماتك ؟؟؟
- ربما لأننى اُحب أن أعتصر نفسي قبلك
- كيف وأنت توجه جميع صدماتك لي؟؟؟
- لا يهُم كيف .. ولكن ما يهم أننى أنصح نفسي قبلك
- حسنًا .. ألن تصحبني معك إلي شقتك لنقضى بعض الوقت المُمتع ؟؟؟
- كم تُريدين ؟؟؟
- 500ليرة
- فقط ؟؟؟
- أجل .. فقط
دفع يديه إلي جيبه وأخرج حفنة من الأموال ومدها إليها .. فمدت يديها لتأخذها ثم قالت مُندهشة - ما كل هذه الأموال؟؟؟ .. أخبرتك إنني أقضي الليل كله معك مقابل 500ليرة وهذا المبلغ تجاوز ال 5000ليرة
- أدري وهذه النقود لكِ ولكنكِ لن تذهبي معى إلى البيت
- لماذا ؟؟؟
- لأنني لا اُريد أن أغوصَ في بحارٍ من الوحل من أجل رغبةٍ ميتة .. كذلك فزوجتي تنتظرني بالبيت ولابد أن القلق قد اعتراها الأن .
- لماذا إذاً منحتني النقود
- ربما لكي تشعري بشئ ٍ من المُتعة الحلال
- إنك رجل من طرازٍ مُختلف للغاية
- بل رجل عادي للغاية
- لا .. إنك بالفعل مُختلف .. فقد كان جميع من قبلك لا يهتمون سوى بهذا الجسد .. وهذا الوجه .. ولكنك لمست الإنسانة الكامنة بداخلي .. أشكرك كثيراً فقد غيرت نظرتي السوداء لمعشر الرجال .
- جيد .. والأن أين هو بيتك ؟؟؟
- إنه بأرض أشجار الصنوبر
- حسنًا سأقومُ بتوصيلك إذاً فالوقت مُتأخر .. ولكن لي طلب
- ما هو ؟ ؟ ؟
- ستقومين بدفع ثمن هذه المواصلة .. قالها ثُم ابتسم
قهقهت بصوتٍ عال وهي تتجه لركوب السيارة وقد سمعت ضحكتها النجوم القابعة بالسماء .. وربما هذه السحابات المُسرعة .. والقمر بوجهه الأبيض المُنير وقد اخذ ينظر إلى السيارة وهي تشق الطريق .. وعلى جانبيه الأعمدة المُضيئة في صمتها المُعتاد .