عمر رزوق
بيلساني مجند
- إنضم
- Nov 12, 2008
- المشاركات
- 1,395
- مستوى التفاعل
- 45
فسكتت عن الكلام المباح
بلغني أيها الملك السعيد , ذو الرأي الرشيد , صاحب المسلك الحميد والعمر المديد , بأنه بعد انتشار الأخبار , في الأمصار والأقطار , عن المسابقة التي أعلن عنها الملك , أخذ الكتّاب والشعراء , والمحترفون والخبراء , بكتابة ما تجود عليهم بها القريحة , من أفكار صحيحة مليحة ولغة فصيحة , وكذلك سمع بخبر المسابقة الغراء ,الكثير ممن يظنون أنفسهم كتّابا وشعراء , فكتبوا ما هو مقزز , وهو أقرب ما يكون من اللعز , ولم يكفّوا عن تقمّص دور المنبهرين المبهرين بالمجهول , وإن كان أقرب للخبل من المعقول , وكانوا بدرجة من الغباء , إذ ظنوا أنفسهم حكماء , أو من الخطباء العظماء , وكتبوا بضع كلمات جوفاء , سَمّوها قصيدة كما يفعل الشعراء :
يا ملهمتي من بين النساء
أنت ليَ الهواء والماء والغذاء
لون عينيك أزرق كلون السماء
والدموع بعينيك لماذا البكاء
الصيصان بتصوصو والعبورة بتقول ماء
الكلب يهوهو وصوت القطة مواء
شعور بالغيظ انتابني , وألم بالرأس أصابني إثر قراءة " الشيء ما " , وعندما يصل صاحب هذه الزمرّدة , ستة أبيات تخونه الموهبة , وتتركه شياطين الشعر , وترمي به لهاوية القعر , وتهرب من عقله جميع الكلمات , التي تنتهي بالأآت , يقفز من مقعده كمن انغرز في قفاه دبّوس , ويطير ويُحضر القاموس , ليجد ألفاظا يركبّها بجملة موجزة , ويُنهي بها قصيدته المعجزة .
قالت شهرزاد للملك شهريار : يا ملك الديار أزيدك علما بآخر الأخبار , عن ذلك الشاعر المغوار , فإنه تجرأ ونشر قصيدته , أو ربما خاطرته , بكل ما عرف من مواقع , فنُشرت تلك الروائع , بغياب فكرة قيّمة تمنعه أو نصّ عربي يردعه .
ولا يقتصر الأمر على الشعر فتجد هذا " الإبداع " يطال النثر , فترى الكاتب يستعين بمجموعة أو بموسوعة من الاستعارات المكنيّة والتصريحية والتشبيهات المفصّلة والمجمّلة والضمنية والتمثيلية مع مجازات مرسلة لا علاقة لها ببعضها ولا يمتّ بينها صلة ولو بصلة .
مؤلّف عظيم آخر من هؤلاء " الأعظمة " يظن نفسه من الأقربين المقربين , المكشوف عنهم الحجاب , كما يقال , لمجرد أنه قرأ ديوانا أو شيئا من ديوان لنزار قباني وقصة ورواية لإحسان عبد القدوس .
ثم ينهال عليه سيل المدح والتشجيع , وإن كان كله يحتاج للترقيع : ما شاء الله .. أنت مبدع . أي صَدَفة من قاع الأطلسي طفت علينا وتحوي هذه الدرّة المكنونة . حلو كتير ما تكتب إلى الأمام . كلماتك من عالم المجهول وهي أقرب للخيال من المعقول إلخ إلخ إلخ إلخ إلخ .....
لو كان أمامنا كما هو حاضرنا وحالنا , فكبّر على اللغة والأدب شعرا ونثرا أربعا .
قد لا يكون أحدهم فهم النصّ , إذا صحّ وصفه هكذا أصلا , لكنها تمثيلية الانبهار , لمثل من أدخل حبة اللوز داخل الملبّس من غير كسر وانكسار .
رفقا بما تبقّى من عقلي وعقل غيري , لن أكمل .
لكن أظنكم تعرفون هذا النوع من الإبداع , النوع الذي تحتاج شيئا من أربعة عند قراءته : - مترجم , لتعلم كيف تقرأ العربية بأحرف إنجليزية أو عبرية . - كتالوج , لتعلم المشبهات بالمشبهات . - قرص مهدئ , لتريح أعصابك إن لم يريحك النصّ أو ليختفي الصداع لكي تستطيع استيعاب فكرة النص . - والرابع ,عود ثقاب , لإشعال نفسك أو إشعال النص , منوط على مدى تحمّل أعصابك .
نصيحتي لكم بصدد ذلك , أن تحرقوا عبقرية ذاك العبقري , إذ أن الملك السعودي أمر بجرف وادي عبقر عن بكرة أبيه ومسحه من خارطة الأمة العربية , ولا بأس من الدعاء له بالهداية , ثم تبكون بعض الوقت على المال الذي ذهب في وجبة عفنة , وفي النهاية , كوب سحلب ساخن ولا يضر إن كان يانسون ثم نوم عميق .
وهنا أدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
عمر رزوق
ابو سنان
عكا
لجليل
ابو سنان
عكا
لجليل